أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد الحنفي - ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....12















المزيد.....


ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....12


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30 - 11:46
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


الإهداء إلى :

- الحوار الممتدة في ريادتها، في ذكراها المتجددة باستمرار، باعتبارها منبرا لحوار الرأي، والرأي الآخر، وعلى أسس ديمقراطية سليمة.

- أعضاء هيأة تحرير، وإخراج الحوار المتمدن، الذين يحرصون على أن تصير منبرا ديمقراطيا، تقدميا، يساريا، علميا، علمانيا، عربيا، إسلاميا، إنسانيا.


- كل الأقلام الجادة، والمسئولة، والهادفة، التي فضلت الحوار المتمدن منبرا لنشر إنتاجها.

- كل القراء الذين يزورون موقع الحوار المتمدن من أجل التزود بالفكر المتنور، والعلمي، والديمقراطي، والعلماني.

- كل المساهمين في مناقشة الأفكار المطروحة على صفحات الحوار المتمدن، وعلى أسس علمية دقيقة، ودون قدح، أو نيل من أصحاب الأفكار الخاضعة للنقاش.

- من أجل اعتبار الحوار المتمدن منبرا عربيا، إسلاميا، إنسانيا.


- من أجل جعله مقصدا للقراء، مهما كانت لغتهم، أو لونهم، أو جنسهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها.

- من أجل اعتباره منبرا للحوار بين الآراء المختلفة، والمخالفة، والمتناقضة، وصولا إلى إعطاء الأولوية للحوار قبل أي شيء آخر.

- من أجل اعتبار الحوار المتمدن أداة لبناء إنسان جديد، بواقع جديد، بتشكيلة اجتماعية متطورة، بأفق تسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

- من أجل جعله وسيلة لسيادة حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

- من أجل التحسيس بأهمية النضال، ومن خلال المنظمات الحقوقية المبدئية، من أجل فرض ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

- من أجل إبرار أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وفي جميع أنحاء العالم على مصير البشرية.

- من أجل اختيار الصراع الديمقراطي السليم، وسيلة لتداول السلطة بين الطبقات الاجتماعية القائمة في الواقع.

- من اجل تحقيق سعادة الإنسانية في كل مكان، وعلى أساس احترام الاختلاف القائم فيما بينها، ودون إجحاف بأية جهة، مهما كانت.

- من أجل الارتقاء بالبشرية إلى الأسمى، على أساس الحوار المتمدن.




محمد الحنفي

*******************





الغاية من الثقافة؟

فالقيم الثقافية هي الموجهة للمسلكية الفردية، والجماعية، من أجل تسييد اتجاه معين، على باقي الاتجاهات. وبهذا الاستنتاج الذي أوصلنا إليه التناول البسيطن والمعمق في نفس الوقت، نجد أنفسنا أمام طرح السؤال:

ما هي الغاية التي تسعى الثقافة إلى تحقيقها من وراء استهداف اتجاه معين؟

إن الحديث عن الغاية، من وجهة نظرنا، لا يعنى إلا نقطة الوصول التي يسعى إليها كل اتجاه. ونقطة الوصول، هذه، ليست نهائية، كما يمكن أن يعتقد البعض، بقدر ما هي نقطة مراجعة الذات، والاستعداد للتراجع، أو للمحافظة، أو للانتقال إلى ما هو أفضل.

وما يمكن أن يتحقق من غايات، يختلف باختلاف طبيعة القيم الثقافية، التي تؤدي إلى اختلاف الغاية الإقطاعية، عن الغاية البورجوازية التابعة، عن الغاية البورجوازية الليبرالية، عن الغاية البورجوازية الصغرى، عن الغاية العمالية، عن الغاية اليسارية المغامرة، عن الغاية المؤدلجة للدين.

وإذا كانت الغاية تختلف من اتجاه لآخر، فان ذلك يعتبر مشروعا، في ظل إنضاج قيام صراع مشروع، أي في ظل قيام ممارسة ديمقراطية حقيقية من الشعب وإلى الشعب، حتى يقبل الناس بنتيجة ممارسة ذلك الصراع. أما إذا كان الصراع غير ديمقراطي، وخارج قيام شروط قيام صراع حقيقي، فإن الاختلاف بين الغايات يتحول إلى خلاف يهدف إلى ممارسة النفي المطلق للآخر، مما يؤدي إما إلى تكريس الاستبداد القائم، مهما كان، أو إلى العمل على فرض استبداد بديل.

وما يجري في واقع العرب، والمسلمين اليوم، أن القيم الثقافية المختلفة الاعتماد من بلد إلى آخر، لا تسعى إلى تحقيق الاختلاف، بقدر ما تكرس الخلاف، نظرا لغياب الإقدام على تكريس ممارسة ديمقراطية حقيقية، مما يجعلنا نجزم بأن الغايات المتحققة في بلدان العرب، والمسلمين، لا تتجاوز بناء أنظمة استبدادية، والمحافظة عليها، أو العمل على فرض بناء أنظمة استبدادية بديلة.

ولذلك كانت الغاية من الاستهداف، تختلف بحسب اختلاف القيم الثقافية.

ا ـ فالقيم الثقافية الإقطاعية، تسعى إلى تحقيق الغاية المتمثلة في بناء نظام استبدادي إقطاعي، لا وجود فيه لشيء اسمه الديمقراطية، وهذا النظام يتكفل ببناء مجتمع على مقاس الإقطاعيين، الذين لا يهتمون إلا بحفظ مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. وهو ما يعني إعداد المجتمع للقيام بذلك الحفظ بصفة تلقائية. والنظام الإقطاعي الاستبدادي، يوظف في سبيل ذلك قيم أدلجة الدين، وقيم العادات، والتقاليد، والأعراف، من أجل تكريس المصالح الإقطاعية، كمصالح المجتمع برمته، حتى يضمن إعادة إنتاج نفس القيم الثقافية، التي تقف وراء إنتاج نفس المسلكيات الفردية، والجماعية، التي تستهدف قيام نفس الاتجاه الإقطاعي، الذي يعمل على تحقيق الغاية الإقطاعية، المتمثلة في بناء نظام إقطاعي، يشرف على تشكيل مجتمع على مقاس الإقطاعيين، لضمان خدمة مصالحهم المختلفة.

ب ـ والقيم الثقافية البورجوازية التابعة، تعمل على تحقيق الغاية المتمثلة في إيجاد نظام استبدادي رأسمالي تابع، يعمل على صياغة مجتمع متشبع بالقيم الثقافية البورجوازية التابعة، حتى ينصاع جميع أفراد المجتمع لإرادة البورجوازية التابعة، المتمثلة في خدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ومن أهم ما يميز المجتمع البورجوازي التابع، أنه يسعى إلى إقامة ما يصطلح على تسميته ديمقراطية الواجهة، لإخفاء الطبيعة الاستبدادية لهذا النظام، ولإعطاء الشرعية للحكم البورجوازي التابع على المستوى الدولي، حتى يجد المناخ المناسب لنسج العلاقات القائمة بينه وبين الأنظمة الرأسمالية على المستوى العالمي، التي تراهن في استغلالها للكادحين، في ظل الأنظمة التابعة، على دور البورجوازية التابعة.

والأنظمة البورجوازية التابعة، لا تعتمد احترام حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلا من باب الرهان على تكريس ديمقراطية الواجهة، وإلا، فان الكادحين، في ظل هذا النظام، يعانون من مختلف الخروقات المؤدية، بالضرورة، إلى الحرمان المطلق من مختلف الحقوق، كما هي في المواثيق الدولية، حتى لا تترسخ في المجتمع قيم أخرى، مخالفة، ومناقضة للقيم الثقافية البورجوازية التابعة.

والبورجوازية التابعة، كالإقطاع، لا تأخذ بمبدأ الاختلاف، بقدر ما تكرس الخلاف الذي يقودها إلى إقصاء الاتجاهات المتناقضة معها، حتى لا تعمل على ترسيخ قيمها الثقافية في الواقع.

والنظام البورجوازي، الذي يملك إمكانيات ضخمة، ويتلقى دعما لا محدودا من الأنظمة الرأسمالية العالمية، يعمل على إذابة الاتجاهات التي تلتقي معه في استغلال الجماهير الشعبية الكادحة، كالاتجاه الإقطاعي، والبورجوازي الليبرالي، والبورجوازي الصغير، واليساري المغامر، والمؤدلج للدين.

وهذا النظام البورجوازي التابع، الذي يعتبر غاية قصوى للقيم الثقافية البورجوازية التابعة، يكون محكوما بهاجس إعادة إنتاج نفس القيم الثقافية، المؤدية إلى إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية المناسبة للنظام البورجوازي التابع، يحرص على تأبيد استبداده بالمجتمع، حتى يضمن استمرار خدمة مصالحه إلى ما لا نهاية.

ج ـ والقيم الثقافية البورجوازية الليبرالية، تخطط من أجل إقامة نظام بورجوازي ليبرالي، يسعى إلى ترسيخ القيم الثقافية البورجوازية الليبرالية، في المسلكية الفردية، والجماعية، من أجل أن يصير المجتمع ليبراليا، يخلص في خدمة مصالح البورجوازية الليبرالية.

والبورجوازية الليبرالية، التي تحاول، وباستمرار، أن تستقطب إلى ليبراليتها جميع أفراد المجتمع، لا تستطيع الاستمرار في ذلك، نظرا لكون مصلحتها مع البورجوازية التابعة، مما يحدو بها إلى الذوبان في صفوف تلك البورجوازية، نظرا للتحولات التي يعرفها الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، على المستويين: المحلي، والدولي.

ومع ذلك، فالقيم البورجوازية الليبرالية لو احترمت، لوقفت وراء قيام مجتمع منفتح، وديمقراطي ليبرالي، يساهم بشكل كبير، وأساسي، في ترسيخ احترام الرأي، والرأي الآخر، حسب المفهوم الليبرالي الذي يعمل على تطوير الواقع، من اجل إحداث حركة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، بعيدا عن الوساطة بين الرأسمال المحلي، والرأسمال العالمي، مما يساهم في قطع دابر التبعية، وفي السعي إلى بناء اقتصاد وطني متحرر، وقابل للتطور إلى المرحلة الأعلى، التي تقتضي سيادة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ولو بالمفهوم الليبرالي.

إلا أن النظام البورجوازي الليبرالي، يحتاج، هو نفسه، إلى التحرر من تأثير القيم الثقافية البورجوازية التابعة، التي لا تستطيع القيم الثقافية الليبرالية الصمود أمامها، حتى يستطيع المحافظة على قيمه، وعلى نمطه الرأسمالي الليبرالي، وعلى قابليته للتطور إلى الأحسن.

كما أن النظام الرأسمالي الليبرالي، مطلوب منه أن يتحرر من القبول بالمصالح الرأسمالية التابعة، لأنها مصالح مغرية، فعلا، حتى لا تذوب في صفوف الطبقة البورجوازية التابعة، ومن أجل أن تحافظ على وجودها، واستمرارها. وذلك من أجل إشاعة ثقافتها، التي لا تتعارض مع الثقافات القابلة للنمو، والتطور، في حضن النظام البورجوازي الليبرالي، وبالحرص على الالتزام بالممارسة الديمقراطية المحترمة للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية التي أنتجها النظام الرأسمالي العالمي.

وبالنسبة للقيم البورجوازية الصغرى، فإنها تسعى إلى إيجاد نظام بورجوازي صغير، قائم على التوفيق بين الأنظمة المختلفة، حتى تلعب دور الوسطية، من أجل إيجاد وسيلة لاستقطاب جميع الطبقات الاجتماعية، للالتفاف حول النظام البورجوازي الصغير، التي يستغل علاقته الوطيدة، بالطبقات الإقطاعية، والبورجوازية التابعة، والبورجوازية الليبرالية، لتحقيق التطلعات الطبقية البورجوازية، عن طريق إخلاص النظام البورجوازي الصغير، في خدمة مصالح الطبقات المستغلة لشرائح الكادحين.

والنظام البورجوازي الصغير يسعى إلى تحقيق ترسيخ قيم البورجوازية الصغرى في صفوف الشرائح البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، والكبرى، وفي صفوف الإقطاعيين، وفي صفوف العمال، وسائر الكادحين، حتى يضمن استمراره في السيطرة على أجهزة الدولة. والنظام البورجوازي الصغير، يحاول، وباستمرار، أن يظهر بالمظهر الديمقراطي، في مسلكية العامة، والطبقية، ولكنه، في الواقع، لا يتجاوز ديمقراطية الواجهة، التي هي الإطار المناسب لتكريس استبداد البورجوازية الصغرى بكل شيء، خدمة لمصالحها الطبقية، ومصالح البورجوازية التابعة، والبورجوازية الليبرالية، ومصالح الإقطاعيين، ومؤد لجي الدين، مما يؤدي إلى الزيادة في تعميق أزمة الكادحين عل جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية تنكيلا بهم، وإمعانا في إخضاعهم، من أجل القبول بتكريس الاستغلال المادي، والمعنوي عليهم، كما يحصل باستمرار، في ظل الأنظمة البورجوازية الصغرى.

والنظام البورجوازي الصغير، الذي يشكل الغاية القصوى للقيم الثقافية البورجوازية الصغرى، يعتبر أكثر عداء للقيم العمالية، وقيم سائر الكادحين، لتناقضها مع تحقيق التطلعات الطبقية البورجوازية الصغرى، ويعمل باستمرار، وبكافة الوسائل، لمصادرة القيم العمالية، حتى لا يتأثر بها الكادحون.

ه ـ وعلى النقيض من القيم الثقافية البورجوازية الصغرى في غايتها، نجد أن القيم الثقافية العمالية، تسعى إلى إيجاد نظام عمالي قائم على أساس ترسيخ قيم الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية في صفوف الكادحين بالخصوص، وعبر الاهتمام بالثقافة العمالية، التي تعمل على نشر تلك القيم، بين أفراد المجتمع، ومن منطلق كونها ثقافة صراعية، تحاول، وباستمرار، فرض إرادة الكادحين في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة.

والنظام العمالي لا يسعى إلى ممارسة التضليل، والتضبيب، بقدر ما يسعى إلى أن تقوم علاقته بالجماهير الشعبية الكادحة على أساس الوضوح الإيديولوجي، والسياسي، وعلى أساس كون هذا النظام يشكل مرحلة انتقالية، بين الاستغلال الرأسمالي الإقطاعي، واللا استغلال.

وهذا النظام لا يجمعه بالنظام الإقطاعي، والنظام الرأسمالي التبعي، والنظام الرأسمالي الليبرالي، والنظام البورجوازي الصغير، والنظام اليساري المغامر، والنظام المؤدلج للدين، إلا علاقة صراعية. إلا أن هذه العلاقة الصراعية تتخذ طابعين، لا بد من استحضارهما باستمرار:

الطابع الأول: طابع الصراع التناحري، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من خلال الإصرار على تكريس الممارسة الديمقراطية، وإلا، فان الصراع التناحري سيتخذ طابع الإقصاء، والنفي المطلق بين النقيضين المتصارعين.

الطابع الثاني: طابع الصراع الديمقراطي، الذي يصر على أن يسود الحوار بين الطبقات الاجتماعية، التي لم يرتفع التناقض فيما بينها، إلى مستوى الحاجة إلى الإقصاء، والنفي المطلق، مما يدعو إلى التسليم باحترام الرأي، والرأي الآخر، الذي يعتبر شرطا لتكريس ما يمكن أن نسميه بالصراع الديمقراطي.

والنظام العمالي، يستحضر باستمرار: أن قيم التناقض الرئيسي، هي التي تقف وراء قيام صراع تناحري، لا مجال فيه لقيام ممارسة ديمقراطية حقيقية، كما يستحضر باستمرار: أن قيم التناقض الثانوي ،هي التي تقف وراء قيام صراع ديمقراطي بين الطبقات الذي يجمع بينها قاسم مشترك.

وعلى أساس الاختلاف، والتناقض، نجد أن النظام العمالي، ينطلق، كذلك، من كون الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج، هي المشكلة للنقيض الرئيسي، ومن كون الطبقات المساهمة في دعم الاستغلال، والمعانية منه في نفس الوقت، هي المشكلة للنقيض الثانوي.

ونظرا لكون النظام العمالي هو نتيجة لارتفاع مستوى وعي الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، والمتنقل إليها عبر انتشار الثقافة التي يعمل النظام العمالي، على ترسيخها في الواقع، فانه يعمل في نفس الوقت، على جعل قيمه الثقافية، قيما للمجتمع برمته، عبر العمل على حماية قيم الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، حتى تصير جزءا من بنيات الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يصير متجددا، ومتطورا باستمرار، في الاتجاه الأحسن.

و – وفيما يخص الاتجاه اليساري المغامر، نجد أن قيمه الثقافية المغامرة، تسعى إلى إيجاد نظام اجتماعي يساري مغامر قائم على نفي كل ما يخالفه من أنظمة اجتماعية أخرى، يمكن أن تقوم على قيم ثقافية أخرى. وهذا النظام الاجتماعي يعتبر ممارسة بورجوازية صغرى، ينطبق عليها ماورد في كتاب لينين، "اليسارية مرض الشيوعية الطفولي"، باعتبارها تزايد على الاتجاهات اليسارية العمالية الحقيقية، خدمة للمصالح الطبقية للبورجوازية الصغرى، التي ترتبط ارتباطا عضويا بالممارسة الإقطاعية البورجوازية التابعة، أو البورجوازية الليبرالية، أو الاتجاه المؤدلج للدين.

ومادام النظام الاجتماعي اليساري المغامر نافيا لكل شيء، فإنه يجنح إلى أن يصير استبداديا، وعاملا على فرض استبداد بديل على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وهذا الاستبداد البديل، لا يختلف في جوهره عن الاستبداد البديل لمؤد لجي الدين. وهو لذلك لا يسعى إلى إقامة نظام اجتماعي ديمقراطي، كما هو الشأن بالنسبة للنظام الاجتماعي العمالي. وفي استبداده المحتمل، أو القائم في الواقع، كما توحي بذلك الممارسة اليومية لليسار المغامر، يلتقي مع الأنظمة الاجتماعية المستبدة. ولذلك يصير تناقضه معها ثانويا، وتناقضه مع النظام الاجتماعي العمالي رئيسيا.

ومن اجل أن يكتسب النظام الاجتماعي اليساري المغامر، كغاية لاستهداف القيم الثقافية اليسارية المغامرة، فان هذا النظام يحاول أن يظهر بأنه يلتزم بالممارسة الديمقراطية، إلا أن ديمقراطيته لا تختلف عن ديمقراطية الواجهة، التي تمارسها مختلف الأنظمة البورجوازية التابعة، من أجل إيهام الآخر، بأنها ديمقراطية قولا، وعملا.

والنظام الاجتماعي اليساري المغامر، يقوم، في أصله ، وفصله، على رفع الشعار، وأد لجة الشعار، الذي يتحول إلى مصدر للقيم اليسارية المغامرة، التي تتحول بفعل الاستبداد المغامر إلى قيم اجتماعية، يندرج ضمنها كل أفراد المجتمع، على اختلاف انتماءاتهم الطبقية، وفي سبيل ذلك، يوظف النظام الاجتماعي، اليساري المغامر، كافة الوسائل الممكنة في نفس الوقت، في حالة قيام هذا النظام على أرض الواقع.

ز ـ وكما حصل بالنسبة للنظام اليساري المغامر، نجد أن القيم الثقافية المؤدلجة للدين. تقف وراء قيام النظام الاجتماعي المؤدلج للدين، الذي ينفى كل ما خالفه على مستوى المظهر، وينفي إمكانية قيام نظام اجتماعي عمالي على مستوى الواقع، لكون هذا النظام يتناقض تناقضا مطلقا مع أدلجة الدين، ومع استغلاله في الأمور الإيديولوجية، والسياسية.

والنظام المؤدلج للدين، كغاية للقيم الثقافية المؤدلجة للدين، هو نظام يقوم على أساس السعي إلى تأييد الاستبداد القائم، أو السعي إلى فرض استبداد بديل. وفي الحالتين معا فهو نظام لا ديمقراطي، ولا شعبي، وذو طبيعة استبدادية، تجعله يفرض نفسه على الأفراد، والجماعات، باعتباره وصيا على الدين.

وهذا النظام المؤدلج للدين، يبقى نتيجة للقيم المؤدلجة للدين، وفي نفس الوقت، مصدرا لتلك القيم الثقافيةن التي يعمل على إشاعتها بين جميع أفراد المجتمع، ومهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها.

ومن الطبيعي جدا، أن يعتبر ما عاشه الأقدمون، من مختلف الديانات، مصدرا للقيم المؤدلجة للدين. وموجها لممارسة النظام الاجتماعي لأدلجة الدين، حتى تستمر تلك القيم، وتتطور في العلاقة مع ادلجة الدين، التي تصير مالكة للقدرة على السيادة، والسيطرة، وإعادة إنتاج نفس القيم المتحكمة في العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تضمن لنفسها الاستمرار.

فالعودة إلى الماضي من أجل إعادة إنتاج قيمه في المسلكية الفردية، والجماعية، حتى تصير تلك العودة هاجسا اجتماعيا آنيا. من أجل الاحتماء بالماضي ضد قيم العصر المتطورة، ومن أجل تحويل تلك القيم الماضوية إلى قيم دينية، تجعل من الماضي مثالا معبودا، غير قابل للتجاوز من قبل أي كان.

ولذلك، فالنظام المؤدلج للدين، يسعى باستمرار إلى محاربة القيم الثقافية التنويرية، والعلمانية، والاشتراكية، باعتبارها قيما للكفار، والملحدين، حتى تصير العلاقات الاجتماعية قائمة، في الأساس، على القيم الماضوية / الدينية.

وتبعا لذلك يحرص النظام الاجتماعي المؤدلج للدين، على إصدار الفتاوى المؤدية إلى إهدار دم التنويريين، والعلمانيين، والعقلانيين، والاشتراكيين، وكل من تتعارض قيمه مع قيم مؤد لجي الدين، من أجل محاصرتهم من جهة، ومن أجل الحد من تأثيرهم في الواقع من جهة ثانية، ومن أجل خلاص النظام الاجتماعي المؤدلج للدين من جهة ثالثة.

وبذلك نصل إلى أن الغاية من الاستهداف تختلف باختلاف القيم الثقافية المستهدفة. فالقيم الثقافية الإقطاعية، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه الإقطاعي، والقيم الثقافية البورجوازية التابعة، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه الرأسمالي التبعي، والقيم الثقافية البورجوازية الليبرالية، تستهدف بناء مجتمع رأسمالي ليبرالي، والقيم الثقافية البورجوازية الصغرى، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه البورجوازي الصغير، والقيم الثقافية اليسارية المغامرة، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه اليساري المغامر، والقيم الثقافية العمالية، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه العمالي، والقيم الثقافية المؤدلجة للدين، تستهدف بناء مجتمع على مقاس الاتجاه المؤدلج للدين.
وبتناولنا لمقاربة الجواب على السؤال:

ما المستهدف بالثقافة؟


حاولنا أن نتناول استهداف تطوير الفكر في توجهاته المختلفة، وتطوير المسلكية الفردية، والجماعية، في توجهاتها المختلفة، كما تناولنا الاتجاهات التي يأخذها الاستهداف، والغاية من ذلك الاستهداف، لنكون بذلك قد بنينا مفهوم الثقافة في أبعادها المختلفة، هذا المفهوم الذي يفرض نفسه في جميع مجالات الحياة، وفي مختلف مناحيها، نظرا لكونه يحتوي مختلف القيم المتناسبة، والمتناقضة، والمتفاعلة فيما بينها، والمتطورة، أو المتراجعة إلى الوراء، أو المحافظة، تبعا لتشكل المجتمع، وهل هو متطور، أو متخلف، أو محافظ؟ وصولا إلى امتلاك رؤيا واضحة، لما يجرى في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وما هو الاتجاه الذي يسير فيه هذا الواقع، أو ذاك؟ على المستوى العام، أو على المستوى الخاص، وفي كل مكان من العالم.

فما يجرى في الحياة، لا بد أن يستند إلى ثقافة معينة، وأن تلك الثقافة، لا بد أن تستند إلى منطلق معين، وأن ذلك المنطلق قد يؤدي إلى إنتاج ثقافة علمية، تنويرية، عقلانية، علمانية، ديمقراطية، أو قد يؤدي إلى غير ذلك، مما لا يدفع ضريبته إلا أفراد المجتمع المعني بنوع معين الثقافة.



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة المتبادلة ما بين الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابي ...
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....11
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....10
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....9
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....8
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....7
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....6
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....5
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....4
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....3
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....2
- ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف
- أجور البرلمانيين بالمغرب: ( أجور البرلمانيين في المغرب ليست ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...
- من أجل ريادة المرأة، أو الأمل الذي لازال بعيدا الجزء الخامس: ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد الحنفي - ثقافة الالتقاء / ثقافة الاختلاف الواقع، والآفاق.....12