أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الله الاعظمي - حكايتي مع الصرافية…حب لا ينتهي















المزيد.....

حكايتي مع الصرافية…حب لا ينتهي


عبد الله الاعظمي

الحوار المتمدن-العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25 - 08:04
المحور: المجتمع المدني
    



منذ ان تم تفجير الجسر منذ ما يقارب الاسبوعين و انا منذ اللحظة الاولى في مشاعر متناقضة….في البداية اصبت بالصدمة و بعدها خففت من وقعها على نفسي…حتى مرت عشرة ايام و انقشع الغبار من امام عيني…و ادركت حجم الكارثة.
لم يكن جسر الصرافية مجرد مجموعة من الكتل الكونكريتية و الحديدية التي تربط ضفتي دجلة….فالربط بينهما ابسط من ذلك….فهناك عدا عن هذا الجسر ما يقارب الثمانية جسور التي تربط الضفتين..كما ان مجموعة بسيطة من الدوّب و الاخشاب نستطيع من خلالها ان نربط بين ضفتي النهر… و تنتهي الحكاية….لكن للاسف …الحكاية لم تنتهي…فهذا الجسر له قيمة تاريخية و معنوية و نفسية في قلوب ملايين العراقيين ….او على الاقل له هذه القيمة في نفسي.
جلست مع نفسي اتذكر هذا الجسر الذي طالما سرنا عليه مذ كنا اطفالا نعبر من الاعظمية حيث بيتنا الى العطيفية حيث بيت جدي …كنت دائما اصوب نظري باتجاه السياج الحديدي للجسر حيث الحديد المتشابك مع بعضه و اطلب من والدي السير بالسيارة اسرع حتى استمتع برؤية المنظر المتكرر من خلال تشابك الحديد….و لطالما طلبت من والدي ان يجعل مرورنا فوق الجسر متزامنا مع مرور القطار (قبل الغاء السكة)….كنت استمتع بالذهاب الى بيت جدي في العطيفية اما عند عودتنا الى البيت في الاعظمية فكانت المتعة اقل حيث العودة من على جسر الاعظمية لان جسر الصرافية كان باتجاه واحد فقط من الرصافة باتجاه الكرخ حتى القيام باعمال التوسعة بين سنتي 1992-1993 حيث استمر العمل لفترة ثم افتتح الجسر باتجاهين مع الغاء سكة الحديد….لتكتمل متعتنا بالصعود على الجسر ذهابا و ايابا و الاستمتاع بالنظر من خلال الحديد المتشابك للجسر…كما ان والدي قد خف الضغط عليه بطلبي المتكرر من رؤية القطار فوق الجسر حيث تم الغاء السكة.
في نفس الوقت استغل الفنان كاظم الساهر فترة اغلاق الجسر و صوّر جزء من رائعته(محروس) فوق هذا الجسر , حيث يقف ليلا مخاطبا النهر في خطاب معنوي لحبيبته التي يريد ان يسكن معها في جزيرة لا يزورها بشر….كان الجسر ليلتها يبدو كلؤلؤة تشع نورا مع انعكاس ظله على دجلة الخالد و تمر شموع النذور من تحته لتزيد حلاوة المنظر…حيث تطفو الشموع على قطع الفلين قادمة من خضر الياس تحمل نذور النساء اللائي طلبا (المراد) من خضر الياس في كرخ بغداد.
بعدها اصبح للجسر معنى اخر في قلبي حيث بدأت بعبوره مع اصدقائي بالدراجات الهوائية و نحن مجتمعين في سباق للوصول الى اقصى نقطة بعيدة عن بيتنا و دون علم اهلنا….صعدت لاول مرة على ظهر هذا العملاق لكي اراه و لكن بعين ثانية ….عين غير التي كانت تنظر من نافذة السيارة طالبا من والدي الاسراع لكي ارى اللوحة الجميلة من خلال الحديد المتشابك….الان بدات استمتع اكثر كلما سرت بطيئا فوقه…فالمنظر له قيمة…. و استغربت معلمة مادة العلوم عندما اخبرتنا مرة ان الهواء لا طعم له….فضحكت مع نفسي من جهل المعلمة و لعلها لم تاتي هنا….و عرفت لحظتها ان للهواء هنا طعم… و ايّ طعم؟؟؟ انه طعم الصرافية …لا اقول انني ادمنت على صعود الجسر و لكن عندما كنت امر من فوقه بالسيارة مع والدي لم اكن اهتم كثيرا ….فلدي متعتي التي لا تقاس بسرعة المرور من فوق الجسر بالسيارة….و انما تقاس بطعم الهواء فوقه.
بعدها بدأت مرحلة اخرى و معنى آخر لدّي نحو هذا الجسر….كنت كثيرا ما ارتاد و اصدقائي مرسى الزوارق في كورنيش الاعظمية في التسعينيات , و كنا نستمتع بالرحلات النهرية مع زورقي المرسى…حيث تقام بين فترة و اخرى حفلات عائلية على ظهر الزورقين….كنت اذهب و اصدقائي و كنا نستمتع بالوقت…اما انا فلي متعة اخرى….كنت دائما ما امر من فوق الجسربالسيارة او الدراجة الهوائية…اليوم تغيرت الطريقة و للهواء اصبح طعم آخر….ها انا اليوم امر من تحت الجسر حيث منظر آخر…منظر تلك الركائز التي غاصت في الماء لتحمل الجسر على اكتافها…كما ان طعم الهواء تغيرو اصبح طعم الصرافية متداخلا مع طعم سمك دجلة…كنت امني النفس بان استطيع يوما ما مشاركة بعض الصبية في الصعود على ركائز الجسر و القفز مرة ثانية الى الماء....كنت اراهم و اعتبرهم ابطالا ....حتى اتى يوم آخر و رايت ابطالا اخرين فوق هذا الجسر...كنت امر من فوقه صباحا ذاهبا الى جامعتي حتى استوقفني منظر كنت لم اره من قبل....و لكنني تعودت عليه فيما بعد , انه منظر رجال بما تحمل الكلمة من معنى و هم شبه عرايا يقومون بتدريبات عسكرية و يقفزون الى الماء كجزء من تدريبهم بهذا الجو البارد و الماء الابرد...اصبح للجسر يومها منظر آخر و طعم جديد...منظر جنودنا الابطال و هم يتدربون , اما طعم الهواء فتداخل بين الصرافية و السمك و البطولة.... و اي طعم هذا؟
بعد ذلك حققت امنيتي فأتيت مع رفاقي لكي نسبح تحت هذا الجسر و تعودنا السباحة و خبرناها , فأصبح للجسر منظر و طعم جديد....منظر الصبية و هي تسبح في مسبح كبير يظللهم الجسر العريق...و طعم متداخل لهواء الصرافية و السمك و البطولة و....طعم دجلة بالطبع....
بعدها تعودت لعب كرة القدم تحت الجسر في الساحة المجاورة للجسر من ناحية العطيفية حيث دورات كرة القدم الرمضانية التي كثيرا ما جمعتنا مع فرق من الاعظمية و العطيفية و الشواكة و الرحمانية و الطوبجي و شارع حيفا....ايقنت بعدها ان لهذا الجسر منظر متجدد و طعم متغير.....يتجدد المنظر كلما تقدمت بالعمر ....و يتغير الطعم كلما تغيرت المتعة....و دائما المنظر نحو الاجمل و الطعم نحو الاطيب....و ربما ستقولون انني ابالغ .. و لكن لا يعرف معنى كلامي إلا من عرف هذا الجسر ...إلا من كان بيته في الاعظمية ... و بيت جده في العطيفية ...إلا من سبح تحت هذا الجسر ....إلا من لعب الكرة بقربه ...إلا من كان من ابناءه.
قبل عشرة ايام رأيت منظر جديد لهذا الجسر و طعم جديد ..كسر قاعدتي السابقة التي تقول (يتجدد المنظر كلما تقدمت بالعمر ....و يتغير الطعم كلما تغيرت المتعة....و دائما المنظر نحو الاجمل و الطعم نحو الاطيب) ...انه منظر الموت و طعم البارود..التي طغت على مشاهداتي السابقة ... رأيت الجسر و هو مشلول...مقطع الاوصال و قد سقط في الماء...قطعته يد مجرمة ارادت لهذا التاريخ ان يسقط.... و لهذا الجسر ان ينتهي... و لكن هيهات....فتاريخ الجسر من تاريخ ضفتيه....و خلوده من خلودهما.....و تراب ركائزه من تراب بغداد...فحتى بعد سقوطه ابى ان يكون إلا عظيما كما عرفناه....فسقط من خلد الى خلد...سقط من خلد بغداد الى دجلة الخالد ....فاحتضنه دجلة و غسلّه و كفنّه .. و لكن لم يدفنه..على امل ان يبعث من جديد.
آسف يا جسري فربما لن استطيع المرور من فوقك .....
آسف يا جسري فلقد تهدمت و ربما ستستعمل احجارك في بناء جدار حول منطقتي الاعظمية...إمعانا في إذلالك.....
آسف يا جسري فالمنظر الذي احبه عندما كنت صغيرا في تشابك حديدك ربما لن اراه...او ربما سآراه في تشابك الاسلاك الشائكة حول اعظميتي....
آسف يا جسري ان كان آخر مناظرك هو الموت و آخر طعمك هو البارود....فلقد تعودت على مناظرك الاخرى و طعمك الذي يمزج بين الصرافية و السمك و البطولة .....
عزائي انك ستنهض من جديد ....و سيكون لك منظر جديد... و طعم جديد...و لربما سيطلب مني ابنائي يوما ما ان اسرع في قيادة السيارة كي يروا المنظر من خلال تشابك حديدك ....فهذه هي الحياة....تدور الاحداث و تسقط بغداد... و تسقط رموزها.....ثم تبعث من جديد و تلفظ كل ما هو غريب و دخيل....التاريخ علمنا ذلك......
ألست معي يا جسري.........؟؟؟؟!!!!

عبد الله الاعظمي
[email protected]



#عبد_الله_الاعظمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا هو حال مفوضية اللاجئين في عمّان....صف طويل لا ينتهي
- مضحك هذا الذي يحدث في عراقنا ------4.وعد الفرزدق ان سيقتل مر ...
- ان انكر الاصوات صوت الحمير يا قناة القيثارة
- سؤال مطلوب الاجابة عنه يا سيد مقتدى
- و هل كان النواب الاربعة في مامن قبل ان يغيروا مجرى التاريخ!! ...
- مضحك هذا الذي يحدث في عراقنا-3
- بعد 18 عاما على نهاية الحرب العراقية – الايرانية.....الحرب ل ...
- مضحك هذا الذي يحدث في عراقنا-2
- حق الفيتو في يد طفل احمق!!؟
- رحلة مهدورة الكرامة....الى حدود الكرامة!!؟
- رحم الله المونولوجست عزيز علي....ماذا كان سيغني او كان على ق ...
- اعلان: علي عبد الله صالح ما زال صالحا؟!؟؟
- مضحك هذا الذي يحدث في عراقنا!؟
- الشرطة في خدمة من؟؟!!عن الشرطة العراقية


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الله الاعظمي - حكايتي مع الصرافية…حب لا ينتهي