أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين النصير - القراءة وعلاقات الدائرة















المزيد.....

القراءة وعلاقات الدائرة


ياسين النصير

الحوار المتمدن-العدد: 1895 - 2007 / 4 / 24 - 12:26
المحور: الادب والفن
    


1
من يتصفح قواميس المصطلحات الأدبية وكتابات نقاد الحداثة يجد حقلا ممتلئا بأشجار المصطلحات النقدية الجديدة التي تعالج هذه الظاهرة أو تلك، فليس الواقعية مثلا هي هذه المفردة المؤلفة من ثمانية أحرف والتي تحيلك على الطبيعة والناس والمجتمع وما ينتج فيها من افكار،بل هي حقول معرفية يتسع مداها ويكثر فلاحوها كلما اكتشف العالم جزء مغمورا فيها.الواقعية بالأمس ليس مثل الواقعية اليوم، ثمة ترابط بين مراحلها وانقطاع يحيل جزء منها على الفلسفة بينما اجزاء منها على الأدب والسياسة والاقتصاد وعلم دفن الموتى.. وليست السريالية مجرد حركة خرجت على الواقع وغيرت من تراكيب المشهد والصورة واللغة واعتمدت الخيال،والخروج على المالوف والعادي معتمد لغة وتعابير الشاذ والغرائبي، بل هي تجارب مضمرة في الواقعية نفسها ولكن ضيق قوالبها المعرفية لم تستوعبها فتمردت عليها وأسست لنفسها مفهوماتها الجديدة. هكذا هي الحياة لا احد يولد هجينا، كل الاباء معروفون، ولكن تبقى لحياتنا وخصوصياتها قدرة على استنبات الجديد المغاير.
القراءة والكتابة مفردتان مدرستيان، كان اباؤنا يفتخرون أننا نقرأ، اليوم تفصح هاتان الكلمتان عن حقول لاحد لها من المعرفة النقدية عندما حولها النقد إلى جزء وبنية من الفلسفة والحداثة والفكر والممارسة والوجود. اليوم تتداخل الأفكار والأشكال لتأليف مفهوم جديد، مثلا مفهوم " القراءة" ليست هي مسك كتاب لتقرأه، بل هي مشاركة مع آخرين يمارسون أفعالا لاكتشاف الآخر، القراءة إكتشاف بألية حفر المعاني. نحن نعود بممارسة القراءة من الكل إلى الجزء، من مجموع القراءات عبر التاريخ إلى قراءة الذات،من قراءة المحيط الكوني إلى قراءة البيت، من قراءة البحر إلى قراءة النهر، ومن قراءة الجبال إلى قراءة التلل، ومن قراءة الصحراء إلى قراءة حبة الرمال. وفي صخب البحث عن المصطلحات النقدية الحديث نجد من يحيل مفهوما على آخر ليعمق مسارا وليعمق مساره، كل آليات البحث سيرورة ذاتية للمصطلح، المصطلحات تحيا معنا وتجعلنا كما يقول لاف كوست نعيش في استعارتها. ودائما ثمة مفهومات كبيرة عندما تحيل القراءة أوالكتابة إليها لتكتسب الحالة طاقة ومدى تلك السعة فيها. فمفهوم علاقة القراءة بالدائرة مثلا، يعني في الفلسفة الشمول والحركة والمرونة واحتواء ما في الارض – الرحم وما في البيت -المغارة وما في الرأس – العقل، وما في الإنسان- دورة الحياة، إضافة إلى بعد الدائرة الهندسي الذي يحتوي المربع والمثلت والمعين والخط المنحي المرن والممتد عبر كل الأزمنة كاسرا الزاوية الحادة والقائمة وملتصقا بالمنفرجة. والقدرة التي تتيحها الرياضيات لنا على تراكم العدد. تعطي الدائرة بنية القراءة طاقة الدوران والحفر..استعار جيروم .ج.ماجان 1991مصطلح "القراءة المحيطة" Radial reading وهو تعبيركما يقول قاموس المصطلحات الأدبية للدكتور محمد عناني من Readius اي قطر الدائرة، ليعني " القراءة التي يتسع نطاقها لتحيط بأقطار مصادر النص والمؤثرات في الأعمال الأدبية الحديثة القائمة على التناص والتي تنتمي لتراث ثقافي عريض". أما القارئ، فالمعنى الدقيق المثالي له آت من " القراءة المحيطة" هو مجموعة القدرات والمواقف والخبرات والمعارف التي تتيح للقارئ أن يستخرج الحد الأقصى من القيمة في نص معين. ويضيف بعض المعلقين على تحديد جيروم ، أن تلك القيمة يجب أن تكون مشروعة أي غير مقحمة على النص" ص86.لا نابعة منه ومستوعية لحقيقتين الاولى ما موجود في النص من قدرات تحيلك على المجتمع، والثانية ما هو موجود في المرحلة من أفكار كبيرة تجد صداها ومادتها في النص. هذه التبادلية بين النص والمرحلة والمجتمع بكل ما ينتج فيه، هي العوامل التي تستخلصها القراءة المحيطة، أي تلك الأشياء التي تمتلئ بدائرة النص الداخلية وما يحيط بها.

2
كنت اتحدث مع الفنان والممثل المسرحي العراقي كاميران رءوف ونحن في ألمانيا لمشاهدة عرض مسرحية " نساء لوركا" للفنانة عواطف نعيم، عن الكيفية التي يقدم عليها مخرج ما لاخراج نص مسرحي بمعزل عن فكر وفلسفة ومشروع الكاتب. وكان الحوار يدور حول مسعى كاميران لاخراج مسرحية "الباب " للشاعر يوسف الصائغ،وثقتي كبيرة في هذا الممثل من انه يستطيع أن يقدم العمل بطريقة تليق بالمسرحية وبالشاعر المؤلف، ولكني اقترحت عليه أن احب ذلك، أن يقرأ نصوص يوسف الصائغ المسرحية كلها، بما فيها أشعاره ورواياته ولوحاته الفنية، وحتى مقالاته الصحفية. ومسرحية الباب ضمن منظومة فكرية اشتغل عليها يوسف الصائغ منذ روايته" اللعبة" وحتى آخر قصيدة قرأتها له قبل وفاته في جريدة " الأديب الثقافية"، مرورا بعديد الكتب التي ألفها. فالتعامل مع نص بمعزل عن نصوص الكاتب الأخرى مسألة قاصرة ولا تعطيك تصورا عن الكيفية التي يفكر بها الكاتب، ونحن نعرف دائما أن النص المفرد ليس دالا على توجه كامل لكاتب، إضافة إلى إن أي مخرج لا يمكنه أن يصل إلى أعماق النص مهما استعمل من أدوات وتصورات وقدرات تكنيكية وفنية، إن اقتصرعمله على قراءة أحادية لمؤلف له أعمال ووجهات نظر مبثوثة في أكثر من مجال.. فكيف إذا كانت قراءة هذا النص ليست ضمن فترة إنتاجه وما يحيط بها من ظروف وقيم وثقافة انتجها هو وكتاب آخرون؟.
لقد دأب يوسف الصائع شأنه شأن اي مبدع عراقي آخر أن يعتمد مشروعا فكريا يؤلف في ضوئه أعمالا فنية متنوعة كي يؤكده كمشروع خاص به،وبالرغم من قلة الكتاب العراقيين بمشاريع في الثقافة العراقية عدا الدكتور علي الوردي- علم الاجتماع- والجواهري والسياب والبياتي والبريكان – الشعر- وعلي الشوك-اللغة- وهادي العلوي-تاريخ الإسلام الحديث- والدكتورابراهيم كبة – الترجمة للمفاهيم الاقتصادية ضمن مفهومي الأشتراكية والراسمالية- والدكتور علي جليل الظاهر- علم الاجتماع- وعلى جواد الطاهر- النقد- والدكتورجواد علي وعبد العزيز الدوري والدكتور مظهر أحمد- التاريخ . لن يوجد الكثير ممن اعتمد مشروعا فكريا ينظم أعماله وفق رؤية محورية كبيرة ينهل منها مواضيع لاعماله المختلفة. يوسف الصائع واحد من الكتاب اصحاب المشاريع المهمة التي انتظمها خيط فكري واحد هو "جدلية الخيانة" وهذه الجدلية ليست سبة أو نقيصة ولاهي شتيمة فكرية بل طريقة فكرية عالج بها أعمالا شعرية وتشكيلية ومسرحية وروائية وصحفية، بما فيها لوحته في كنيسة مار يوسف في الموصل يوم كان تلميذا في الثانوية قبل أن يأتي إلى بغداد. ليقدم "جدلية الخيانة" للقراء كمشروع نظري تطبيقي قابلا للحوار. وهي جدلية لا تعني بالخيانة التي نعرفها، كأن يخون الشخص زوجته، أو يخون بلده، إنما اعني بها الثيمة المتأرجحة بين الشك واليقين،فينتمي للشك ليحوله إلى يقين، ومن ثم يبني عليه مواقفه كلها، أو ينسلخ من اليقين العادي إلى الشك المصيري كما يقول ديكارت ليقرر اي المصائر يسلكها،وهي ثيمة درامية غنية بالحوارالداخلي.وتقع "جدلية الخيانة "في الوسطية بين منحنيات التراجيديا والكوميديا، بين الشك واليقين، بين الخير كله والشر كله ،بين القناعة والقطيعة. وانتجت في الثقافة العالمية نصوصا مهمة لعل مسرحيات شكسبير كلها تقع ضمن دائرة الشك الجدلي هذه، عندما اعتمدت تنظيما وأسلوبا مغايرا لمبنى التراجيديا الأغريقية. فجدلية الخيانة فكرة كونية شاملة، تجعل اي فعل مبررا عندما يكون الصراع بين الضديدين – حسب ترجمة جبرا للضد- متكافئا. ولنا في الإلياذة على وجه الخصوص من خيانات أجاممنون للثقة ولموقعه السياسي عندما تظهره الألياذة،طائشا عنيدا يفتقر إلى الحكمة. وهو ما يجعلنا نعيد تصورنا ثانية عن العلاقة بين الأبطال التراجيديين المعاصرين والسلطة. شخصيا لا اعتراض على اي مخرج أن يفكر بالطريقة التي يراها لاخراج اي نص، كما لا يلزم اي واحد منا الآخرين بما يفكر به، فربما قدم قراءة فنية تفوق تصورنا لما نراه في نص الصائغ،ولكني إذا اطرح عليه كيف يقرأ نص المسرحية ضمن سياق نصوصه،وضمن سياق ثقافة وأنتاج المرحلة، احاول أن اضع ترسيمة منهجية لقراءة النص المسرحي. فمسرحية الباب لا تقرأ كنص ليوسف الصائغ بقدر قراءتها كنص للمرحلة التي عاش فيها يوسف الصائغ- شخص يتقف مع زوجته إن هي ماتت أن يدفن معها- هذه هي الثيمة وعندما يذهب إلى المقبرة ويغلق الباب خلفه نجده يعثر على أمراة اخرى كانت قد اتفقت مع زوجها إن هو مات أن تدفن معه،ليس من كوة في السجن ولاباب يفتح ولا الأمل يتحقق، حيث تبدل المواقف يتبعه تبدلا في المواقع،وهي ثيمة ليست عادية إذا ما نظرنا إليها ضمن سياق اعم،سنجد أن عشرات النصوص تعالج الظاهرة نفسها ليس في العراق بل في عموم البلاد العربية لارتباطها بوضع خاص لفترة تاريخية فرضت عليها تصورات منهجية انتجت رؤى وافكار وثقافة لا تمت دائما لمنتجيها بقدر انتمائها لامكنتها وازمنتها والفلسفة العامة التي تؤطر هذه السياقات دائما هي فلسفة الخيانة وعدم الالتزام بالمواقف. وقد لعب يوسف الصائع على ثيمة جدلية الخيانة لعبا فنيا متميزا جعلت أعماله كلها تحت هيمنتها كفكرة كونية شاملة.وبالتالي انسحبت عليه كشخص بقي مرتبطا بالفكر التقدمي اسلوب معالجة وتصورا، وفي الوقت نفسه انتمى لجهة سياسية اسهم هو في تغريبها عن فنه باستخدام مفرداتها السياسية خطابا ابداعيا له. وهذا عمق جدلي للمفارقة الفكرية التي يكون الإيمان فيها جزء من بينة الدائرة غير المستقرة على وضع.
2

أولى حلقات المشكل النقدي لاختيار النص المسرحي هو أن تلغي معرفة المؤلف الشخصية والاعتماد على معرفة طريقة تفكيره. ونظرة على المرحلة التي كتب بها يوسف الصائغ مسرحية الباب كانت مرحلة الحرب العراقية الإيرانية أولا، ومرحلة كان يوسف الصائغ فيها تحت هيمنة مفردة تضخيم الذات عندما بدأ يؤكد حضوره الفني خلال النص السياسي،ثانيا. فكتب عددا من القصائد والمسرحيات التي لا تخلو من مواقف خاصة به، لكنها واقعة تحت هيمنة المراجعة، مراجعة ظروف الحرب القاسية على الناس، ومراجعه ظروفه الخاصة وهو يغامر بكل مشروعه كي يربطه بعجلة الثقافة السياسية المرتبطة بتوجهات الحرب حزبيا. إلا إن نظرة نقدية منصفة لا تعطينا تصورا عن هذه المسرحية بمعزل عن تاريخ "جدلية الخيانة" كفكرة شاملة اشتغل عليها يوسف الصائغ منذ روايته" اللعبة"التي تقوم على الشك بين الزوجين حيث يلعب التلفون وسيطا في تعميق الشك، إلى اخر ما كتبه .وإذ بقيت ثيمة اللعبة ضمن سياق الشك والتردد دائرة في كل أعماله كانت تطرح جدلية الخيانة بين ذات منشطرة، هي ذاته وذات الزوجة التي هي ذاته أيضا.وهو ما نجده كثيمة قارة في مسرحية الباب. الأمر الذي جعل الحوار ضمن هذه الجدلية محكوما بسياق الأسئلة والأجوبة، ولم يخرج كثيرا إلى المجتمع. وقد لقيت رواية " اللعبة" موجة من النقد في الصحافة العراقية يوم كان يوسف الصائغ قد خرج لتوه من السجن، والتحق بجريدة طريق الشعب ضمن كادرها التحريري مع سعدي يوسف وخالد السلام والفريد سمعان وغيرهم، فشككوا بالرواية وبكاتبها من انها مسروقة جملة وتفصيلا عن رواية لكاتب كازخستاني، وان هذه الرواية قد انتجت فلما شاهده يوسف الصائغ. كما ذهب إلى ذلك الراحل عادل عبد الجبار وغيره. وعندما سافرت إلى موسكو التقيت صدفة بكاتب كازخستاني وتحدثنا عن الموضوع، من هنا فجدلية الخيانة، لم ترتبط برواية اللعبة فقط، بل ارتبطت بسياق انتاج يوسف الصائغ اللاحق كله، لذا لا يحتاج إلى تقليد آخرين خاصة في مجتمعنا العراقي المشحون بالسياسة والمواقف المتشككة لكل من يدخل السجن ويخرج منه. فنجد أن هذه الثيمة متأصلة في أدب يوسف الصائغ وتفكيرة وها هي روايته الثانية" المسافة"وقد وسع من فكرة جدلية الخيانة لتعمق احساسنا أن الفكرة ولدت قبل أن يتحول يوسف الصائغ من الحزب الشيوعي إلى حزب البعث، ومن الدين المسيحي إلى الدين الإسلامي، ومن الكاتب المهمش، إلى الشاعر الحديث- لا احد من النقاد يذكريوسف الصائغ شاعرا حديثا له صوته في جيل ما بعد الرواد، كما يذكرون بعض الشعراء من جيلة كالبريكان وسعدي يوسف ورشيد ياسين ورشدي العامل وشاذل طاقة وأكرم الوتري – بل لخص جهده الشعري والأدبي بشاعر يتبارى هو وعبد الرزاق عبد الواحد على خطب ود السلطان.
في رواية " المسافة" تأخذ جدلية الخيانة منحى أكثر إيديولوجية،من رواية " اللعبة " التي اقتصرت الخيانة وجدليتها على الأسرة داخليا واعتمدت مفهوما أعم هو المجتمع ممثلا بمناضليه الذين يخططون للهروب من نقرة السلمان بحفر نفق تحت السجن ، هنا في " المسافة " تتحول الجدلية إلى الحزب الشيوعي الذي يتفق رفاقه على الهروب من السجن، فنجد البطل يشاركهم ولكن لا يهرب معهم، أنه يعتبر تلك العملية فردية وقاصرة عن النضال، بينما يعتبرها الآخرون الذين هربوا من سوط وسجن الجلاد تحررا لمواصلة النضال. هذه الجدلية تتعمق في النص لاحقا لتصبح ثمية اسلوبية، لسنا هنا بصدد الحديث عن فنيتها. ثم يتسع لاحقا موقف "جدلية الخيانة" في مسرحية "ديزدمونة"التي كنت فيها داراماتورج العرض المسرحي، وعرفت كيف أن تفكير يوسف الصائغ في بنية الخيانة هوتقليب الحدث على أوجه أخرى غير الأوجه المعروفة،وبالطبع كان الموقف في هذا النص يصل إلى حد القتل عندما تخون ديزدمونة عطيل وهو يدرك أن الخيانة نبعت في داخله قبل أن تكون مجرد نزوة لامرأة. لنخلص القول أن قراءة كاتب ما لا تقتصر على نص واحد له، وهو ما يجعلنا نوسع دائرة هذه الفكرة بالبحث عن التفاعلية بين النص والقارئ، اي تلك العلاقات المكانية التي تولدها النصوص في بنية القارئ كما لو كنا ندور في دائرة زمنية غير مقفلة وهو ما يجعل قراءة النصوص التراثية مقبول ومعاصرة.

3
نستخلص من ذلك أن العلاقة بين القارئ والدائرة، مؤلفة من حلقات عدة:
أولها:على القارئ أن لايكتفي باعادة النص المقروء لموقعه القديم في سياق تجربة المؤلف ومشروعه الفكري مع تشخيص ما أحدثه من حركة تجديد في مسار ذلك الموقع فقط،، بل، وعليه أن يكون قد مهد لفتح حلقة جديدة في مسار مشروع المؤلف. فالتأليف هو إعادة ترميم العالم، وجعله مقبولا للعيش والفهم. أما القراءة له فهي وضعه في سياق دائرة كونية أعم.
ثاني حلقات المشكل النقدي للقراءة، هي عدم تعميم محتوى نص له سابق،على محتوى نص لاحق،أي أن لا علاقة كبيرة بين قراءتك لنص المولف السابق، بقراءتك لنصه اللاحق،إلا في نقطتين:
الأولى: هي ان تجد موقع النص اللاحق في سياق مشروعه الفكري.
الثانية: هي أن تجد المتغيرات الاسلوبية والفنية في النص اللاحق وقد تقدم بها خطوة توازي تقدم خطوات الفكرية،أو أن نصه يشكل بداية لمشروع جديد.فالنص لا يقرأ لوحده دائما، بل يقرأ بمتعلقاته. لكنه في الوقت نفسه يحتفظ بمساحة ذاتية خاصة به..هذه الشبكة الدائرية تولد سورات لاحد لها من دوران بنية التأويل، وعلينا أن ندرك أن فعل القراءة ليس هو تلقى النص وفهمه فقط ، بل هو اعادة تشكيل المعرفة .
ثالث حلقات المشكل النقدي هي أن القراءة تكون باتجاهين:اتجاه تقرأ به المؤلف، واتجاه تقرأ به نفسك. اعتقد أن هذا مشكل كبيرفي طبيعة القراءة نفسها،ومن هنا تعتمد القراءة على اسس معرفية ثلاثة:
الاساس الأول: هو ان يكون القارئ قد فهم مشروع الكاتب الفكري وكيف يؤلف في ضوئه نصوصه.وإلا اصبحت القراءة مجردة من اي فهم عام.
الأساس الثاني: هو أن قراءة القارئ للنص تكشف عن آليات معرفية جديدة خاصة به كقارئ، وإلا لافائدة من قراءة تعتمد على معرفة ما يفكر المؤلف فيه فقط.
الأساس الثالث هو أن تكون أنت نفسك متغيرا.فالقارئ مؤلف كما يقال، وعليه أن يكون متطورا في استقبال النص وفي جدلية قراءته، بمعنى أن يخضع ذاته لمعاينة نقدية بمثل ما يخضع النص لها،وأن يخضع الأثنين لمطلقات المرحلة الفكرية حتى لو كان القارئ في زمن آخر. نحن نقرأ المتنبي والجاحظ،ترى ماذا نقرأ ؟هل نقرأهما بمعزل عن مرحلتهما؟ أم نقرأهما بما يتبقى منهما لمرحلتنا؟ أم لاهذا ولا ذاك، بل نقرأهما لأنها يتجاوزا مرحلتهما ومرحلتنا.
هل ندخل في علاقات الدائرة بين قارئ يدور في فلك ما يقرأ ونصوص تدور في فلك القارئ؟




#ياسين_النصير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منحوتات محمد غني حكمت
- يوميات سائق تكسي
- تحية لحزب المناضلين العراقيين
- ما تروية الشمس...ما يرويه القمر
- سواجي الكلوب وتعري الذاكرة
- هل بدأ العد العكسي لضرب إيران؟
- أعمال المهجر المسرحية
- المعارضة البرلمانية العراقية المتخاذلة
- ...حكومة نظام الاموات
- الدولة بين اليسار العراقي وموظفي التقديس
- Euro 60 تقاعد اهم محرج مسرحي عراقي
- بحاجة إلى غورباتشوف من جنسنا
- امريكا /ايران/ العراق و...الضرية قادمة
- تحية للمالكي في خطواته الايجابية
- ارخبيل الحدائق تجربة شعرية جديدة
- مسرحية نساء لوركا خطاب مرتبك
- تحالف الإسلام السياسي والشيطان
- مناقشة هادئة لوثائق المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
- تراجيديا رجل الدين العراقي
- الاسلام السياسي وصورة الحداثة في العراق


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين النصير - القراءة وعلاقات الدائرة