أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة الزهراء المرابط - تطوان...بعيون تاريخية















المزيد.....

تطوان...بعيون تاريخية


فاطمة الزهراء المرابط

الحوار المتمدن-العدد: 1894 - 2007 / 4 / 23 - 12:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في أقصى الشمال الغربي...على بعد 10 كلم من البحر الأبيض المتوسط، و 40 كلم من جبل طارق، تتربع تطوان " الحمامة البيضاء " على سفوح جبل درسة و سلسلة جبال الريف القاتمة... هذا الموقع الاستراتيجي أرغمها على الانفتاح في وجه التأثيرات الخارجية بحكم علاقتها الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
مدينة متوسطية بروح مغربية و أندلسية... شامخة بأسوارها و مآثرها الخالدة.... تمكنت من الحفاظ على حضارتها الثقافية و العمرانية رغم انفتاحها على عدة روافد ثقافية طيلة القرون الماضية... الأمر الذي أضفى على المدينة طابعا مميزا و أغنى تاريخها و حضارتها العريقة و ميز هوية الإنسان التطواني الذي استطاع الحفاظ على تقاليده ووعيه الجماعي داخل مجتمع يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة. و جعلها محط اهتمام مجموعة من المؤرخين و الكتاب المغاربة و الأجانب، للانغماس في أعماقها بحثا عن روحها الدفينة و هويتها الحقيقية..
شاهدة على أزيد من 5 قرون من التاريخ... بأسوارها وحصونها... بأقواسها وساحاتها... بأحيائها و منازلها... بمساجدها و مقابرها.. حضارة عريقة ترمز لتاريخ الإنسان التطواني الذي انشأ خلال قرون معالم تاريخية تشهد على ازدهار و أفول هذه المدينة الأندلسية، التي بناها مجاهدون غرناطيون فروا من أراضيهم الأصلية من أجل تأسيس مدن جديدة كشفشاون و تطوان. حيث انبعث أمل جديد من أجل بناء مستقبل يتماشى و حاجياتهم المادية و المعنوية و الاجتماعية و تشييد مكان يستطيعون الحفاظ فيه على مبادئهم و معتقداتهم الدينية التي حوربوا من أجلها من طرف محاكم التفتيش في الضفة الأخرى من مضيق جبل طارق.
تعتبر المدينة القديمة هي المدخل الحقيقي لتاريخ تطوان، لأنها جزء من هذا التاريخ تجسد أصالة الذاكرة الجماعية، و هوية الإنسان التطواني.. آمنة داخل أسوارها العتيدة... محافظة على جمالها الساحر المتمثل في أحياء من القرن16 كحي العيون، قلعة سيدي المنظري مؤسس تطوان الأندلسي، محافظة على مؤسساتها الدينية و أحيائها المكملة لتلك التي بنيت في القرن السابق من القرن الثامن، حيث لازال الجامع الكبير منتصبا و الذي بناه مولاي سليمان و دار البومبة ( معمل الأسلحة ) و بعض منازل الأسر التطوانية كمنزل أسرة المودن بزنقة الصفار بأعمدته المتعددة، و القصور كقصر الباشا أحمد الريفي، مدرسة لوقاش و المنارة الثمانية الأضلاع لجامع الباشا في القرن 19، الذي لازالت ملامحه بادية عبر بنايات: كمنازل أسرة اللبادي، الرزيني، أفيلال، الحاج، و التي تعكس امتزاجا بين الحضور الأوروبي الأندلسي و العثماني. و بعد 4 قرون من تاريخ تطوان العريق، تم إحداث المدينة الحديثة أو الحي الإسباني"الإنسانشي" الذي بني سنة 1912 خلال فترة الحماية الإسبانية بتطوان، هذا الحي المتميز بسحره يمثل انفتاح تطوان على العالم الخارجي، و خاصة على إسبانيا.
تتميز تطوان بموروث ثقافي و حضاري متنوع، و نجد التأثير الأندلسي حاضرا بقوة في الإرث الثقافي التطواني، هذا الإرث الثقافي الأندلسي الذي لازالت معالمه واضحة في قصبة سيدي المنظري، في أزقة حي العيون، في منارات المساجد، و في حمامات المدينة العتيقة بتطوان، كذلك في أسماء عائلية كالصوردو و أراغون و لوقاش و التي لازالت موجودة ليومنا هذا و أسماء أخرى اندثرت كعائلة البلينسيانو و التي عاشت بالمدينة العتيقة خلال القرن السابع عشر. ويتجلى الجمال الأندلسي للمدينة العتيقة بتطوان ليس فقط في محيطها الجغرافي و في رموزها، و إنما بشكل كبير في فنها المعماري الأندلسي داخل جدرانها، قصبتها، أسوارها، أزقتها، ساحاتها، مساجدها، منازلها و قصورها وكذلك مازالت تحتفظ بصوامعها و أضرحتها وفنادقها القديمة. بل أن التأثير الأندلسي بالمدينة العتيقة بتطوان حاضر بالأساس في ناسها و أسمائهم، في عاداتهم و تقاليدهم و في مزاجهم الذي يعكس طباع المؤسسين الغرناطيين المجبولين على التكتم و النبل و الجهاد.
وعلى الرغم من أهمية التأثير الأندلسي على تطوان، فإن هناك مصادر تأثير أخرى كالتواجد العثماني الذي ساهم بشكل كبير في تكوين و تطور مدينتها العتيقة، و بالتالي في هوية الإنسان التطواني. وهذا التأثير العثماني كبير باعتباره تجسيد لحضارة تجمع ثقافات إسلامية متعددة ليس فقط بالشرق الأوسط، وإنما بمناطق آسيوية وافريقية كانت جزءا من اكبر إمبراطورية إسلامية عرفها التاريخ، هذا الحضور العثماني في تطوان يتمثل في منارة الجامع الباشا الثمانية الأضلاع، و في هندسة المنازل ذات الأصول الغرناطية بالرمز الحديدي الذي يعلو مداخلها، و في ثراء المطبخ التطواني المتأثر كثيرا بذلك العثماني حيث تكثر الأسماء التركية مثل البقلاوة، الآسرة الكبيرة في المنازل التطوانية التقليدية المكسوة بثوب متعدد الألوان والتي لازالت تحمل الاسم التركي "الناموسية"، جواهر المرأة التطوانية، و في مظاهر مختلفة من الحياة اليومية. و هذا يعود للعلاقات التجارية التي كانت تربط تطوان بحوض المتوسط، و كذا الهجرة الجزائرية لتطوان خاصة بعد غزو الفرنسيين للجزائر سنة 1830، فالأسر التطوانية ذات الأصول الجزائرية هي كثيرة كأسرة الحاج و رغم أن التأثير الجزائري وصل متأخرا خاصة خلال القرنين 18 و 19 فإن بصماته كانت جد عميقة.
وإضافة إلى الحضور القوي للتأثير الأندلسي و العثماني، هناك عدة تأثيرات أخرى سياسية واقتصادية و دبلوماسية، ساهمت بشكل كبير في تشكيل هوية المجتمع و الإنسان التطواني، أهمها المواجهات العسكرية التي كانت بين تطوان و إسبانيا ـ البرتغال خلال القرن 16، و خاصة الهجمات التي كان يشنها الأندلسيون المستقرون في تطوان ضد أعدائهم الإسبان الذين طردوهم من وطنهم الأصلي الأندلس، بواسطة الأساطيل التي كانت تمارس القرصنة مشكلة خطرا و تهديدا كبيرا للمصالح التجارية الإسبانية و البرتغالية. هذه القرصنة التي شكلت موردا اقتصاديا مهما لسكان تطوان و التي امتدت إلى حدود القرن 18، هذه المواجهات العسكرية كان لها أثر كبير في البنية العمرانية، حيث بنيت عدة قلع و قصبات و أسوار للدفاع عن المدينة من أي خطر خارجي.
كما شهدت مدينة تطوان نشاطا تجاريا مهما، على غرار الثغور المغربية الأخرى التي لها علاقة مباشرة مع الحركة التجارية العالمية، حيث عرفت تطوان خلال القرون الخمسة الماضية علاقات تجارية مميزة مع مختلف الدول الأوروبية، كإسبانيا، فرنسا، انجلترا و ايطاليا... و مع مدن الشرق و خاصة بيروت و الشام. كما تاجرت مع مختلف المدن العربية و الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط على رأسها البندقية، ليفورن، مارسيليا، قادس، الجزائر، تونس، الإسكندرية و غيرها. هذا دون أن ننسى علاقاتها بالتجارة الصحراوية و الدول الإفريقية. و بالتالي فإن المبادلات التجارية التي عرفتها تطوان، طيلة القرنين 17 و 18 و النصف الأول من القرن 19. تركت بصمات عميقة على تكوين المدينة العتيقة. كما أن العلاقات التجارية البحرية التي ربطت تطوان بمختلف دول البحر الأبيض المتوسط، جعلت منها بوابة المغرب في وجه التجارة الخارجية خلال القرنين 17 و 18.
من جهة أخرى فإن التواجد الكبير للقناصل الأوربيين في تطوان كعاصمة دبلوماسية للمغرب في القرن 18 ساهم في تعزيز مكانتها في الخارج. كما اعتبرت تطوان خلال هذه الفترة معبرا مهما بين المغرب و القارة الأوروبية، فشكلت تطوان بذلك نقطة عبور المسافرين و المهاجرين و الجنود و المقاتلين و حتى القناصل الأوروبيين، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في انفتاح تطوان على العالم الأوروبي وباقي المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط و المدن المغربية الأخرى. هذه الميزة ساهمت كثيرا في إغناء ثقافة و حضارة تطوان، بحيث أن توافد مختلف الشعوب عليها أثر بشكل عميق في تشكيل تاريخها و هويتها لذلك فهي عبارة عن مزيج ثقافي و حضاري متميز.
و رغم أن تطوان عاشت ازدهارا اقتصاديا (تجاريا) مستفيدة من موقعها الاستراتيجي، و ازدهارا اجتماعيا بسبب توافد عدة عناصر عربية و أوروبية عليها بهدف التجارة أو الدراسة أو الاستقرار بها، كما عرفت وضعية سياسية و دبلوماسية متميزة طيلة القرون الماضية. لكنها عرفت تراجعا مفاجئا خلال بداية القرن 19 متأثرة بالوضعية السيئة التي يعرفها المغرب بسبب التدخل الاقتصادي المباشر. و قد شكل مرض الطاعون الذي عرفته تطوان سنة 1800 و سنة 1818، إضافة إلى حصار مولاي زايد سنة 1822 على تطوان و المجاعة خلال سنة 1825، نقطة سوداء في تاريخ تطوان العريق. وفي سنة 1857 أغرق الإسبان عدة بواخر تطوانية عند مدخل ميناء المدينة، الأمر الذي شكل ضربة قاضية للتجارة في تطوان، و بالتالي شكل القرن 19 بداية انحطاط المدينة لأنها لم تتمكن بعدها من استرجاع مكانتها المهمة، لا على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الفكري. هذا دون أن ننسى تأثير حرب تطوان سنة 1860، التي كانت بين تطوان و الإسبان و التي انتهت بهزيمة أهالي تطوان و استعمارها من طرف الإسبان لمدة سنتين، و لم يخرجوا منها إلا بعد أداء غرامة مالية ضخمة أودت بالمكانة الاقتصادية التطوانية.
إن تاريخ تطوان غني بعدة أحداث و محطات تاريخية و سياسية و اجتماعية و اقتصادية و فكرية شكلت هوية تطوان طيلة القرون الخمسة الماضية، و قد شكلت تطوان محط اهتمام العديد من المؤرخين و الكتاب المغاربة و الأجانب الذين استهوتهم حضارة تطوان المميزة، من أجل التبحر في تاريخها و حضارتها العريقة...





#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للشعر... في ضيافة جمعية قدماء تلاميذ ثانوية ال ...
- لماذا...8 مارس؟؟
- حقا... لماذا لا تحبني النساء؟؟
- وليلي..أطلال من التاريخ
- دور الأنشطة الثقافية.... في المؤسسات التعليمية
- الرسم على الجسد... تاريخ و حاضر
- التلميذ... و آفاق التعليم بالمغرب؟
- كتابة مقال
- أزمة الحركة الطلابية
- صوت امرأة
- صوت امراة
- اصيلا ...في رحا ب التاريخ
- أصيلا...في رحاب التاريخ الجزء الأول
- اصول اضطهاد النساء
- الحركة التجارية في تطوان.. ما بين الماضي و الحاضر الجزء الث ...
- الحركة التجارية في تطوان ....ما بين الماضي و الحاضر الجزء ال ...
- الحركة التجارية في تطوان...ما بين الماضي و الحاضر الجزء الا ...
- المرأﺓ...ﺍﻟﻌمل الجمعوي أية علاقة ...
- الأستاذ التلميذ... أية علاقة ؟!!
- - المرأة العاملة بين قانون الشغل و مرارة الواقع -


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة الزهراء المرابط - تطوان...بعيون تاريخية