أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سيد أحمد براهيم - هيمنة الملك على القرار العام المالي بالمغرب















المزيد.....


هيمنة الملك على القرار العام المالي بالمغرب


سيد أحمد براهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 11:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تعد مهمة التشريع والمراقبة، ميزتين أساسيتين للعمل البرلماني، فالأولى تهدف إلى سن القوانين من طرف ممثلي الشعب والثانية مراقبة العمل الحكومي. لكن مع بزوغ ما يعرف بالعقلنة البرلمانية ، التي كرسها دستور 1958 الفرنسي ، تراجع دور الجمعيات البرلمانية على مستوى وظيفتي التشريع والمراقبة مقابل ترامي الحكومة عليهما .
فالسياسات العامة المالية ، تعد الدعامة المركزية لنشاط الدولة ، لكونها تحدد التوجهات الاقتصادية والمالية الكبرى . وذلك من خلال قانون المالية الذي ينص على طبيعة ومبلغ الموارد والتكاليف التي تؤهل الدولة لتحقيق التوازن الاقتصادي والمالي. ومن هنا أصبح قانون المالية حكرا على الحكومة، التي تقوم بصياغته ثم الموافقة عليه في المجلس الوزاري، بحضور الملك. وبعد ذلك عرضه على مجلسي البرلمان، الذي يمكن له أن يقترح بعض التعديلات على هذا المشروع. ويبرر انفراد السلطة التنفيذية بالمبادرة في مجال التشريع المالي ، بقدرتها على مراعاة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الكبرى ، ذلك أنها تملك الخبرة والقدرة ، وبالتالي الفعالية على إنجاز الدراسات وتنفيذ السياسات ، ومن هنا تبرز ضرورة سنها للتشريعات هذا من جهة ، ومن جهة ثانية تعد ( الحكومة ) امتدادا للبرلمان ، على الأقل في الدول الديمقراطية . أما في الدول الغير ذلك فالأمر يختلف ، وهذا ما سنتناوله من خلال تركيزنا على مشروع قانون المالية في الدول المغاربية بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة ، منفتحين على التجربة الفرنسية ، التي يظهر تأثر هذه الأنظمة بنموذجها الدستوري تحديدا .

دور الفاعلين في بلورة السياسات المالية العامة
تتدخل في بلورت مشروع القانون المالي عدة أطراف ، لكل منها مكانته الدستورية ، السياسية والرمزية .
1 ـ المبادرة الحكومية
إثر انبثاق ما يعرف بالعقلنة البرلمانية ، التي عدلت في العديد من الصلاحيات التي كانت حكرا على الجمعيات النيابية ، برز دور السلطة التنفيذية كشريك أساسي في إنتاج القوانين ، إن لم نقل هي المهيمن على إنتاجها ، و نخص في هذا الاطار مشروع قانون المالية الذي انفردت أغلب الحكومات في العالم بصياغته ، قبل أن تقوم بعرضه على البرلمان .
فهذا الاختصاص يبدوا شيء عادي في الانظمة الديمقراطية التي تعد فيها الحكومات إمتدادا للبرلمانات . أما في الدول التي تغيب فيها المشاركة السياسية الفعالة ، وبالتالي التداول الديمقراطي على الحكم الناتج عن صناديق الاقتراع ، فإن الامر يختلف تماما وينقلب الى سلوك شاذ في اللعبة السياسية . ذلك أن هذا المشروع يمثل الرهان الاستراتيجي من أجل تحقيق التوازن المالي والاقتصادي . حيث يقوم بتحديد الموارد و التكاليف المتعلقة بالدولة ، وتحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل ثم مراقبة استعمال الاموال العمومية . ومادام هذا المشروع يحتل هذه المكانة الهامة سنحاول التركيز على دور الحكومة فيه ، من خلال الصلاحيات الدستورية والسياسية المتوفرة لها ، مستحضرين التجربة الفرنسية ومدى تأثر الدول المغاربية بها بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة .
فبعد انهيار الجمهورية الرابعة في فرنسا ، انهارت معها السلطة المالية للبرلمان ، مقابل انتعاش السلطة التنفيذية في هذا المجال . وهذا ما نص عليه الفصل 47 من الدستور الفرنسي 1958 . هذه الصلاحيات الدستورية للحكومة تبرر بالاعتبارات التقنية والسياسية مثل اعتبار أن الحكومة هي وحدها التي تكون على دراية بحاجيات الادارة والاقتصاد أثناء وضعها للتوقعات . كما أن الميزانية هي وسيلة لتحقيق السياسات العامة، التي تم تحديدها من قبل الحكومة المتمتعة قانونا بحرية كاملة في إعداد المشروع المالي ، من خلال وزير المالية .
ينضاف الى هذه الصلاحيات الحكومية ، ما نص عليه الفصل 40 من الدستور الفرنسي « الاقتراحات والتعديلات التي يطرحها أعضاء البرلمان ترفض عندما يؤدي قبولها سواء الى نقص في الموارد العمومية أو الى إحداث أو الزيادة في تكليف عمومي » . وهذا ما زكاه الفصل 42 من القانون التنظيمي للمالية الفرسي سنة 1959 . ينضاف الى هذا القيد الزمني الذي يلزم البرلمان في المصادقة على قانون المالية في ظرف زمني لايتعدى 70 يوما كما نص على ذلك الدستور الفرنسي . وفي حالة رفض البرلمان التصويت على هذا المشروع ، يمكن للحكومة فتح إعتمادات بمرسوم من أجل تسيير النرافق العمومية ومؤسسات الدولة ، الى أن يتم التصويت على المشروع المعروض على أنظار البرلمان .
نخلص مما سبق الى أن هذه القيود تشكل إمتيازا للحكومة على حساب البرلمان في فرنسا ، إلا أن الامر يبقى عادي الى حد ما ، ما دامت الحكومة إمتداد للبرلمان ، رغم التحالفات التي قد تتغير داخل الجمعية الوطنية الفرنسية .
هذا يقودنا الى الدول المغاربية المتأثرة بالتجربة الفرنسية ، ففي المغرب مثلا نص الفص 50 من الدستور الحالي على ما يلي ( يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروطينص عليها قانون تنظيمي ) . ورغم ذلك فإن هيمنة الحكومة تتضح من خلال كون نفقات التجهيز التي تعتبر أهم جزء في الميزانية ، بسبب إرتباطها بمستقبل الدولة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، والتي تتجاوز صلاحيتها سنة ، لا يصوت عليها البرلمان الا مرة واحدة وذلك عندما يوافق على نفقات التجهيز ، بحيث إذا استحدثت أمور تستوجب إعادة النظر في مقتضيات القانون المالي المتعلق بنفقات التجهيز ، فإن البرلمان لا يملك هذا الحق ، عكس الحكومة التي يمكن لها إعادة النظر في البرامج المصادق عليها من قبل البرلمان ، وذلك عن طريق تقديم مشاريع قوانين تهدف الى تعديل نفقات التجهيز . كما لا يجوز للبرلمان حسب المادة 36 من القانون التنظيمي ، عرض الجزء الثاني (النفقات) من المشروع للمناقشة قبل التصويت على الجزء الاول ( المداخيل ) .
من التقييدات أيضا التي تحد من قدرة البرلمان على التأثير في مشروع قانون المالية ، ما نص عليه الفصل 51 من الدستور المغربي «إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود» ، وفي نفس السياق اندرج الفصل 05 من القانون التنظيمي للمالية رقم 07 ـ 98 التونسي ، الذي حد هو الآخر من مبادرة النواب إذا تعلقت بالحد من المداخيل ، أو بإضافة مصاريف جديدة . أما الدستور الجزائري في مادته 62 و 120 فقد أعطى للبرلمانيين حق إحداث تكليف عمومي ،شريطة إيجاد مورد بديل .
نستنتج مما سبق ، هيمنة الحكومة على مشروع قانون المالية ، وذلك راجع إلى الضمانات الدستورية والسياسية التي تتوفر عليها من جهة ، ومن جهة ثانية إلى التأثر بالنموذج الفرنسي شكلا وليس مضمونا ، أي أن الدول المغاربية أخذت من فرنسا المؤسسات مقابل عدم القدرة على تملك مبادئ الديمقراطية الفرنسية كسلوك وممارسة ، وليست مجرد دساتير أو أجهزة .
2 ـ السلوك البرلماني : بين ضآلة الضمانات القانونية وإكراهات الثقافة السياسية
يعد البرلمان السلطة التشريعية الموكول لها إعداد القوانين ، لكن هذا الاختصاص يغيب بشكل ملموس بخصوص مشروع قانون المالية ، الذي تنفرد الحكومة بإعداده وعرضه على السلطة التشريعية ، التي تبقى تعديلاتها واقتراحاتها ، سواء من خلا ل لجنة المالية أو ممثلي باقي اللجان الدائمة أو النواب ، ذات طابع مراقباتي أكثر منها مبادراتي أو تشريعي . ذلك راجع في الحقيقة إلى كثافة الصلاحيات الدستورية ـ القانونية المتوفرة لدى الحكومة من ناحية ، ومن ناحية ثانية تمثل النواب لحكومة صاحب الجلالة أولا وللعمل السياسي ثانيا .
يلاحظ أن جميع المشاريع القانونية التي تأتي إلى البرلمان ، تمر مرور الكرام رغم الاختصاص التشريعي والمراقباتي المخول للسلطة التشريعية . وقبل أن نعرض للسلوك البرلماني، نعرج على بعض الفصول الدستورية، التي تحد بشكل صريح من فعالية العمل البرلماني وهي:
الفصول 45، 50، 51، 55، 56، 57 من الدستور المغربي الحالي.
ـ الفصل 45 ينص على كون القانون يصدر عن البرلمان بالتصويت عليه ، لكن القانون وتماشيا مع هذا الفصل ، يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة ، بمقتضى مراسيم ، تدابير يختص القانون عادة باتخاذها .
من خلال هذا يتضح أن البرلمان قابل ليتخلى عن سلطته التشريعية للحكومة علاوة على المصادقة على مراسمها.
ـ الفصل 50 يفرض هذا الفصل قيدا آخر على البرلمان ، من خلال المدة الممنوحة لفحص وإقرار قانون المالية ، والتي تنص على ضرورة تصويت البرلمان على الميزانية في تاريخ أقصاه 31 دجنبر . وفي حالة عدم تنفيذ هذا الأمر ، فإن الحكومة تفتح بمرسوم ، الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، على أساس ما هو مقترح في مشروع القانون المالي .
ـ الفصل 51 هذا الفصل يقر من جهة استحالة أي تعديل قد يؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود ، وبالتالي حرمان المؤسسة التشريعية من دورها في إعداد السياسات ، ويجعلها منحصرة فقط في المناقشة والمتابعة التي تكون في أبعادها محددة بمسايرة الفلسفة الحكومية في مختلف مبادراتها . ومن جهة ثانية يبقى لأعضاء البرلمان الحق في التعديل ما لم يخلوا بالتوازنات المالية ، المحددة من طرف القانون المالي . لكن هذا التفسير حسب د محمد الغالي، يصطدم بالاستعمال التعسفي للفصل 51 من الدستور، من طرف أعضاء الحكومة. وذلك من خلال حكمهم على كل المبادرات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، بعدم الشرعية، بحجة مخالفتها للدستور.
زمن خلال الفصول 56 و 57 يتضح أن الحكومة تستغل المقتضيات الدستورية لتقييد البرلمان، فالفصل 55 يسمح للحكومة أن تشرع بدل البرلمان، في اتخاذ التدابير التي هي عادة من اختصاص القانون. أما الفصل 56 فيقيد هو الآخر البرلمان، لكونه ينص على ضرورة مناقشة ما حددته الحكومة بالأسبقية، وفق الترتيب الذي تحدده. أما الفصل 57 فيسير في نفس الاتجاه، لكونه يعطي للحكومة صلاحية منع أي تعديل، بذريعة كونه لم يعرض على اللجنة المعنية بالأمر.
وأمام هذه الترسانة الدستورية، يتبين موقع البرلمان الضعيف مقارنة بالحكومة، التي لها وزن سياسي مدعومة بالفصول الدستورية تارة والتنظيمية تارة أخرى. ينضاف إلى هذا العامل ، عامل آخر غاية في الأهمية وهو سلوك البرلمانيين المغاربة ، الشاذ مقارنة بنظرائهم الأوربيين . حيث يسجل عزوفهم عن توظيف الصلاحيات الدستورية المخولة لهم ، كاللجوء مثلا إلى المجلس الدستوري ، في الحالات التي تمس فيها صلاحيتهم من طرف الحكومة . أو التصويت بلا ضد مشاريع هذه الأخيرة . فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يصوت البرلمانيين ضد مشروع قانون المالية ؟ هل لكونه يخدم طموحهم السياسي أم أن ذلك ناتج عن ثقافة الخضوع السائدة ؟
الكل يجمع أن هناك سلوك مشين لدى البرلمانيين المغاربة ، كظاهرة الترحال أي تغيير القميص السياسي الحزبي والغياب المتكرر عن الجلسات العامة ، وعدم التمكن من النصوص القانونية التي تحدد العمل البرلماني ،حيث أن أغلبهم أمي ، إضافة إلى سيطرت المحسوبية والزبونية في ممارستهم داخل أروقة البرلمان .. الخ .
فهذه السلوكات راجعة أساسا إلى العديد من العوامل التاريخية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، النفسية ( كالتماهي بالمتسلط ومحاولة استغلال النفوذ ، كالتملص الضريبي مثلا الخ ) .
فمباركة البرلمانيين للمشروع المالي الذي تتقدم به الحكومة ، يمكن إرجاعها إلى كون السلطة التنفيذية هي حكومة الملك ، والمشروع لا يعرض أمام أنظار ممثلي الشعب ، إلا بعد مروره بالمجلس الوزاري ، الذي يرأسه الملك .
فالنخبة البرلمانية لا يمكن أن تعارض الملك، نظرا لرمزيته، ومن تم لا يمكن أن تعارض أي مشروع تمت المصادقة عليه بحضوره.
فالملك / السلطان هو الروح بمنطق الآداب السلطانية والحكومة هي حاشيته المنفذة لأوامره، أما الشعب / الرعية فهو الجسد المطيع الأوامر السلطان. وبالتالي لايمكن أن ننتظر من نواب الرعية، معارضة حاشية الملك . ذلك أن ولي الأمر أدرى بمصالح الرعية من نفسها، وحاشيته هي الوسيط المخلص لتوجيهاته.
هذه العلاقة تتضح من خلال استدلال الحكومة بخطب الملك ، محاولة منها لشرعنة ممارستها . هذا المشهد تولدت عنه نخبة برلمانية ، كباقي مكونات الشعب ، قد راكمت معرفة حول السياسة ورجالاتها في نسق سياسي مغلق ، تراكمت فيه تمثلات وقيم حول الحاكم ، باعتباره سليل البيت النبوي ، ومن تم تعد طلعته من طاعة الله والعكس بالعكس . قد يصح هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية يمكن القول أن سبب الطاعة / الإذعان راجع إلى كون الملك / الرئيس هو الموزع الرئيسي للثروة ، العطايا ، والكرامات على الموالين له والذي يمكن اعتبار البرلمانيين جزء منهم . وقد تجسدت هذه الوضعية في المغرب، في مرحلة ما بعد الاستقلال، وذلك من خلال أراضي المعمرين الفرنسيين، التي تم توزيعها على بعض الشخصيات الموالية للنظام السياسي. فالبرلمانيين يستفيدون في هذا الإطار من الإعفاءات الضريبية ، والحظوة والعناية الرسمية .
لكن يبدوا أمام تراجع الدور التوزيعي للدولة ، أن الممارسة البرلمانية ، قد تتغير نتيجة تضرر النواب من الجمود المرتقب .
نخلص من كل ما سبق أن ثقافة الخضوع ، كشكل من أشكال الثقافة السياسية ، هي السائدة في الأوساط النخبوية والمجتمعية بالمغرب ، وباقي البلدان المغاربية الأخرى . هذا النوع من الثقافة يجد أساسه في العلاقات الأبوية المكرسة في الأسرة، والعشيرة، المدرسة، الحزب، وبالتالي في التنشئة الاجتماعية والسياسية. ومنة أبرز سماتها أن الأفراد / البرلمانيين ، يعرفون أفعال الحكومة / السلطة ، ولديهم مواقف تجاهها ، لكن تبقى هذه المواقف سلبية ، حيث يحترمونها إذا كانت أعمالها حسنة ، ويخضعون لها إذا كانت أعمالها مدمرة . وتبقى فكرة وجود عمل فردي أو جماعي، من شأنه التأثير على عمل السلطة / الحكومة، هي فكرة غريبة عن هذا النوع من المجتمعات، لان الأفراد يبقون خارجين، بشكل من الأشكال، ينتظرون من النظام إسداء الخدمات، ويخافون التجاوزات. لكن دون أن يعتقدوا بإمكانية سيرورته . وهذا ما يتضح من خلال عدم استغلال البرلمانيين للصلاحيات الدستورية المتوفرة لهم ، كالتصويت ضد المشاريع الحكومية أو المطالبة بتعديل دستوري مثلا . علاوة على الغياب عن الجلسات العامة ، من منطلق أن كل شيء سيسير وفق التوجيهات العليا . فمشروع المالية لسنة 2006 لم يحضر له سوى 26 نائب ، وافق عليه 18 وعارضه 08 وامتنع 02 .
إذا كانت صلاحيات ومواقف الحكومة قوية مقابل ضعف ولامبالاة البرلمانيين، فما موقع الملك كفاعل سياسي رئيسي من كل هذا ؟
3 ــ التدخل الملكي
يحتل الملك في النظام السياسي ـ الدستوري المغربي مكانة هامة فهو حسب الفصل 19 أمير المؤمنين.. الخ ، الفصل 23 شخصه مقدس لا تنتهك حرمته ، الفصل 24 يعين الوزير الأول ّ، الفصل 25 يرأس المجلس الوزاري ، الفصل 27 له الحق في حل مجلسي البرلمان أو أحدهما ، كما بإمكانه إقالة الحكومة من مهامها .
هذه الفصول وغيرها نتج عنها خضوع المبادرة الحكومية المتعلقة باقتراح مشاريع القوانين ، لمراقبة الملك ، الذي له الحق في إصدار القوانين ، ومراقبة الوظيفة التشريعية للبرلمان ، حق طلب قراءة النص قراءة جديدة ، حق اللجوء إلى مسطرة الاستفتاء في شأن مشروع أو مقترح قانون . ينضاف إلى هذا أن الملك يمارس الوظيفة التشريعية بصورة مباشرة ، خلال فترة حالة الاستثناء ، فترة حل البرلمان ، الفترة الانتقالية والممارسة التشريعية من خلال الإعمال الفعلي لأحكام الفصل 19 من الدستور .
الملك يوجه العمل التشريعي مباشرة من خلال رئاسته لمجلس الوزراء ، من خلال خطاباته الموجهة إلى الأمة والبرلمان ، ومن خلال طلب القراءة الجديدة لمشروع أومقترح قانون ، وكذلك من خلا ل افتتاحه للدورات البرلمانية .
هذه الصلاحيات الدستورية، تجعل من الملك المركز المحوري قي النظام السياسي المغربي، الذي تتفرع عنه باقي صلاحيات الحكومة و البرلمان. ويجد الملك دعمه أيضا من خلال إجماع أغلب المكونات السياسية الرسمية ( أي التي تعمل في الشرعية القائمة ) عليه. ويمكن أن نشير إلى مكانته الرمزية في المتخيل السياسي والشعبي التي تكرست عبر الحقب التاريخية السابقة (مرحلة المنفى الذي تعرض له محمد الخامس وما ترتب عن ذلك من تقديس له ) . والمستمدة أيضا من سلالته الشريفة، وما تلعبه من دور في تكريس الاحترام والتقديس لشخصه.
كل هذا وغيره جعل من الملك المنتج الرئيسي للنص التشريعي، والرمزي ( كالطريقة التي تتم بها اليوم هيكلة الحقل الديني ) إضافة إلى المشاريع التنموية والحقوقية.
خلاصة القول ، إن المبادرة الحكومية ، في مجال التشريع المالي ، تحظى بإمكانية النجاح ، لما تتوفر عليه السلطة التشريعية من صلاحيات دستورية ـ قانونية وسياسية وتقنية ، وبالتالي قبولها من طرف البرلمان ، الضعيف دستوريا وسلوكيا، إضافة إلى كون المبادرات الحكومية ، عادة ما تحظى بدعم الملك ، الذي يحتل مكانة مركزية ، دستوريا ، سياسيا ورمزيا .


لائحة المراجع بالعربية:
ـ منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة نصوص دساتير المغرب العربي ، ط الأولى 1998 المغرب .
ـ القانون التنظيمي للمالية ، 26 نونبر 1998 رقم 07 ـ 98 لقانون المالية المغربي .
ـ د فونتير عبد الإله ، العمل التشريعي بالمغرب ، الجزء الثالث ، المعارف الجديدة الرباط ، سلسلة دراسات جامعية ، العدد 04 ط الأولى 2002 .
ـ د فونتير عبد الإله ، العمل التشريعي بالمغرب ، الجزء الثاني ، المعارف الجديدة الرباط ، سلسلة دراسات وأبحاث جامعية ، العدد 02 ط الأولى 2002 .
ـ المدور رشيد ، النظام الداخلي لمجلس النواب ، دراسة وتعليق ، منشورات مجلس النواب الفترة التشريعية 2002 ـ 2007 المغرب .
ـ الغالي محمد ، التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب 1984ـ2002، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ، ط الأولى 2006 .
ـ د العلام عز الدين ، الآداب السلطانية ، سلسلة المعرفة ، الكويت 2006 .
ـ د حجازي مصطفى ، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط الثامنة 2001 .

لائحة المراجع بالفرنسية :
-la port M.tulard : le droit parlementaire.que-sais je؟ 1986
- chantebout droit constitutionnel et science politique 1ed 1986 Armond.colin.



#سيد_أحمد_براهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سيد أحمد براهيم - هيمنة الملك على القرار العام المالي بالمغرب