سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 10:01
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
المفارقة العجيبة, أن رغد العيش وبلوغ الكمال في تحقيق المنال في بعض المجتمعات المتخمة ترفا, خاصة الأوروبية منها, يكون ذلك الرغد مدعاة للانتحار, ويأتي ذلك ضمن دراما سيكولوجية عجيبة, تتجاوز الوسطية, وتستثني العقل,على اعتبار أن الإنسان الذي يخوض معركة صراع البقاء, ويسلك اقصر الطرق للثراء الفاحش, فيحقق كل مايطمح له الإنسان من رغد العيش, الذي يصل إلى حد المرثون الجنوني نحو القمة,فيحقق ذروة حاجاته التي تفوق الخيال بالمعايير الطبيعية والإنسانية, فيصل بطرق غير مشروعة وأحيانا مشروعة إلى سقف احلامة , فيصاب بشعور فقدان الرغبة في الحياة التي لا قيمة لها وقد أصبحت لديه الأشياء سهلة بلا معنى, فلا هدف لتلك الشريحة يحفزها على متعة الاستمرار في النضال والصراع من اجل الأفضل , طالما بلغوا أعلى درجات تحقيق الذات, لاهدف ولاحلم اكبر من ذلك يدفعهم للعناء, والتفكير, والطموح والتدبير, فيفقدوا الشعور بمتعة الوقت والعلاقات والأشياء, فيصابوا بالإحباط والفراغ النفسي, وعدم أهمية الذات بعد أن وصلوا إلى قمة التبجيل والهيبة الزائفة بحكم إمكانياتهم المكتملة, حتى يصلوا إلى ذروة السقوط النفسي, مما قد يؤدي بهم للانتحار, وكثير من الدراسات في أوروبا عامة وفي بريطانيا خاصة تطرقت إلى هذه المعادلة العكسية العجيبة لمن ينظرون للأمور بسطحيتها , ولدينا مثل يقول(الزيادة أخت النقصان) !!!!
وما دفعني إلى هذه المقدمة , والمقاربة المعاكسة على شكل مفارقة, هو ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والأمنية من تردي قاتل , على مستوى الساحة الفلسطينية, وقد كانت حادثة طوباس علامة فارقة بين الشيء ونقيضه مع ثبات السلوك, حيث أقدم احد المعلمين الأفاضل عندما ضاقت به الدنيا ذرعا, واختار اقصر الطرق المؤلمة للخلاص وتفادي مزيدا من العجز والألم, لمواجهة جريمة يتسبب بها المجتمع الدولي, بحصار آثم وصل إلى حد عجز الآباء عن توفير قوت الأبناء, فأقدم على الانتحار, وهذه هي المفارقة بين من ينتحر لأنه وصل إلى حد الرغد والثراء, ومن ينتحر لوصوله إلى حد الكفاف والعدم !!!!
فقبل أن نُكفر هذا المُعلم, يجب أن نُكفر كل من ساهم في قتله ودفعه إلى هذه الجريمة, التي يندى لها جبين الإنسانية, هذا إذا كان هناك من يؤمن بالإنسانية, بل هذه نتيجة للتعامل مع البشر على أنهم أدنى من الحيوان, عليه أن يَقتل, ويُقتل في معركة صراع بقاء بمفهومها السوداوي!!!
لقد بلغت الأزمة الاقتصادية والأمنية إلى حدود الانفجار, وما تفشي الجريمة الدموية, وربما نشهد مزيدا من حالات الانتحار, ماهي سوى ترجمة هستيرية مخيفة للازمة الاقتصادية والسياسية والأمنية المُزمنة,بل إن الأزمة الاقتصادية تكاد تكون قنبلة موقوتة تم نزع فتيل الأمان منها لتتجه في عد تنازلي صوب ذلك الانفجار الشامل.
جرائم معلومة وأخرى مجهولة,صعود بياني جنوني في الأسعار ينبئ بوضع لايجمد عقباه, القطاع الخاص يفلس وينهار, القانون شبع موتا وسد مكانه سطوة قانون التخلف والتطرف العائلي, وسلطة المليشيات والزعران, وهناك توجه حقيقي ومحموم لدى جيل الشباب بالتفكير الفعلي لطرق أبواب الهجرة, هربا من جحيم الفاقة والضياع , هذا بعدما هاجرت رؤوس الأموال التي تحمل صفات الجُبن بجيناتها!!!
وضمن هذه المعطيات النظرية البسيطة , فإننا متجهون صوب الانتحار الشامل, في الوقت الذي بدت فيه عمليا حكومة الوحدة الوطنية, بعد حكومات الحزب الواحد عجزها عن إيجاد الحلول العملية, للوضع الاقتصادي والأمني الكارثي, فهناك قرابة 160 ألف موظف بالقطاع العام وهؤلاء عمليا وبالمتوسط يعيلون قرابة 800 ألف مواطن بحاجة إلى حياة كريمة بحدها الأدنى, هؤلاء ينتظرون عبر أفق مغلق قيادات مهدية رشيدة, لتنقذهم وأسرهم من الهلاك ,الذي أصبح هاجسا مرعبا كلما تبدل الليل والنهار, في حال تفاقمه قد يصل إلى حد الهجرة والانتحار كظاهرة, هذا إذا كان هناك من يهتم بهجرة شبابنا وانتحار أبائنا!!!
وللعلم إن مايسمى بالحصار الاقتصادي, وهو في حقيقته إبادة جماعية, لم تأتي من فراغ, بل هي تنفيذا صادقا لمخططات ومؤامرات تستهدف النيل من عزائم كل من تبقى لديهم ذرة شرف وطني. ولكن الطامة الكبرى أن تساهم القيادة السياسية الفلسطينية, سواء عن غباء أو استغباء, بشكل مباشر أو غير مباشر, بالصمت وتبرير العجز في إدارة الإمكانيات, سواء ماخفي منها أو بان, للتخفيف من معاناة المواطن الفلسطيني الصامد الذي نفذ صبره, والحيلولة دون بلوغه خط اللاعودة صوب الهجرة والانتحار, وهما وجهان لمخطط اسود يستهدف كافة الفلسطينيين, قبل استهداف قياداتهم بكافة توجهاتها الأيدلوجية!!!
وهنا أود الإشارة إلى أمر غاية في الأهمية , وهي رسالة جادة موجهة لكل مسئول, خاصة ونحن على عتبات تنفيذ خطط أمنية, عليهم توفير أدنى حالات الأمان الأسري أولا, فلا يطلب من جياع ومعدمين, أن يطبقوا قانون لايغني ولا يسمن من جوع, خاصة أن القانون بسقفه الأعلى سيطال هؤلاء الجياع دون غيرهم, بدليل تسريبات الخطط الأمنية التي ستبدأ ببسطات المرتزقين, وإجبار المعدومين على ترخيص سياراتهم التي لاتوفر لهم أكثر من رغيف الخبز, وترك حيتان الفلتان يرتعون في كنف القانون الذي لن يمسهم بدعوى الحالات الخطرة, والحقيقة أن لهم امتدادات أخطبوطية متنفذة داخل مؤسسة القانون, فاحذروا ثورة الجياع التي ستعصف بأي خطة أمنية لا يوازيها خطة اقتصادية فاعلة تضمن لهم ولأسرهم, أدنى مستويات الحياة الكريمة, وما دون ذلك الانفجار والانهيار, ومزيدا من الهجرة والانتحار!!!
فقد استبشر المواطنون خيرا بحكومة الوحدة الوطنية, فحلموا بعروس وإذ بالمولودة قردة, وأصدقكم القول إنني أرى في الأفق القريب عاصفة قد تحرق الأخضر واليابس, إن لم يتم تدارك الأوضاع الاقتصادية بمنطلقات سليمة, وخطط طوارئ صحيحة.
وربما آن الأوان على غير الشعارات المتبعة والمتعقلة, بان يتم التلويح جديا بحل السلطة الفلسطينية, فهو تلويح يهدد الأمن والسلم الدولي طالما أدار هذا المجتمع الدولي مابين شريك وصامت هذه المؤامرة القذرة ضد الشعب الفلسطيني المرابط, والذي يعلم الجميع إن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة تمثل مفتاح السلم والحرب مهما خنعت أنظمة الردة العربية, التلويح بحل سلطة أوسلو وإعلان التعبئة الشعبية العامة في وجه المحتل, خير من التسليم بالعجز وتوسل رفع الحصار الظالم الغير منطقي والغير مبرر, فليس من الطبيعي دعوة الموظفين لمزيد من العطاء والالتزام دون الالتزام والعطاء من سلطتهم, فإما إعلان العجز والاندحار أو تلبية أدنى حاجاتهم الحياتية, فما فائدة قوات امن عاجزة, وتشريعي مثل عدمه, وحكومة ورئاسة وجيش طالما بدأ شبح الجوع والعوز ينهش في أمعاء المواطنين الخاوية, وطالما أصبحت حياة الإنسان رخيصة لدرجة الموت المجاني الذي يقيد عن عمد ضد مجهول, وأصبح جيش البطالة المقنعة والمكشوفة يزيدون عن المائة والستون ألف عاطل عامل!!فلا فرق بين لواء وجندي, فإذا ما استمر القبول بحكومات عاجزة وسلطة ورقية اسمية, أقصى مالديها تامين حياة وزرائها وأسرهم وحاشيتهم, هنا نستطيع الجزم بان السقف سينهار ويصبح الصراع على أشده بين من يدعون الحفاظ على وهم السلطة كانجاز وطني, وبين شعب بكامله تطحنه الأهوال يجب أن توجه طاقاته في مقاومة رؤوس مخطط الإبادة الجماعية وعرابيهم, فالتضحية بالكرسي العفن, والجاه والنفوذ الزائف النتن, اشرف من انتحار أب أو هجرة شاب.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟