أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيداء كريم - !!وداعا ميحا















المزيد.....

!!وداعا ميحا


بيداء كريم

الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 11:37
المحور: الادب والفن
    


في صباح كتلك الصباحات الباردة والضباب الشتائي يتلمس الدرب وقطرات الندى التي تلون أنواع الزهور . . استيقظ حسن من نومه همّ كعادته ليرتدي قميصه الأبيض وبنطلونه الرمادي وليضع تحت أبطه كشكول المحاضرات وكتابه المفضل (( الحرب والسلام )).
وفي مشيته المتأنقة خرج آخذا معه الباب صادف الأولاد الصغار اللعوبين المجاورين لمنزله . . حيوّه تحية الصباح . .
- صباح الخير . .
- صباح الخير أيها الأولاد الحلوين . .
توقفوا أريد أن أطلب منكم طلبا قد يكون صعبا عليكم . .
تفضل عمو ؟؟.
كانت هذه الفكرة تلح على حسن منذ عدة ايام . .
أريد ان تعثروا ليّ على قط صغير العمر وبمواصفات خاصة وبأسرع وقت ممكن والذي يعثر عليه سوف أكرمه بمبلغ قدره (( 50 فلسا )) . .
تقافز الأولاد فرحا وطمعا للحصول على الدرهم . .
ومضى كلٌ منهم إلى بحثه البوليسي . .
جال الأولاد في بحث مضن ومتعب وكلٌ يريد أن يكون هو صاحب الامتياز . .
وبعد بضعة أيام . . حيث لم يدم البحث عن القط المحظوظ تقافز الأولاد وتسابق الواحد مع الآخر والفرحة ترتسم على وجوههم . .
طرقوا الباب . . طرقات سريعة . .
طرقات تتقافز فرحا . .
وإذا بحسن يفتح الباب . .
لم يصدق ما شاهده أمامه . . فأمنيته قد تحققت وهو الآن يملك قطا جميلا ذا مواصفات وسيمة حيث الوجه الأبيض الناصع الجميل والبقع الصفراء التي تضع بصمتها على الجانب الأيمن من عينيه الصفراوين الحادتين وتلك النعومة المفرطة . . راح حسن يحتضن القط فرحا . .وطلب أن يمهلوه بضع دقائق ليجلب النقود التي وعد بإعطائها للأولاد تيمنا بالمعروف الذي عملوه وبالتحديد إلى الولد الذي عثر على هذا القط . . وكلٌ بدأ يصرخ محاولا أن ينال (( القطعة المعدنية )) وكانها كأس ذهبي واحد يقول أنا من عثر عليه والآخر يقول أنا الذي اوصلتكم إلى المكان الصحيح . . و . . و . . إلا أن آخر يؤكد انه هو من سرقة من حضن أمه . .
لم يبال حسن بضجيج الأولاد . .
كانت الفرحة ترتسم على وجهه . .
أخذ بأحضانه الفارغة يحتضن القط . . وحاوره من اللحظة الأولى محاورة الأب لأبنه وكأن القط سوف يفهم لغته هذه .
ميحا رجل صغير . . الأخ الصغير لتلك العائلة إلا ان تلك الأوقات الجميلة كانت قصيرة كالعادة جدا حيث يمضي حسن وضياء إلى ساحات القتال . . حيث لا ميحا ولا الأولاد وضحكاتهم اللعينة . . إنه صوت المدافع والرشاشات حيث البرك الحمر التي تسيل وبقايا أشلاء هنا وهناك ليتقلفها التراب أخيرا ويضمها الظلام بصورة مؤلمة .
فرح ميحا بعودة ضياء وهو الأخ الأصغر لحسن من الساحات المقفرة ليلا بتلك اساعة المتأخرة والبرد الشديد وصوت الهواء المسموع وطرقات خفيفة جدا على الباب تكاد لا تسمع يقفز ميحا بنشاط ليخبر العائلة جميعا بموائه بقدوم الشاب ضياء .
- الحمد لله على سلامتك يا بني . .
- سلمك الله يا أمي العزيزة
- لماذا لم تطرق الباب بقوة لقد كنت غاطة في نوم عميق ولولا مواء ميحا الذي أعلن لنا جميعا عن حضورك لما سمعت .
- أجل يا أمي الحبيبة . .
- تعلمين بأنني أخاف عليك من تلك الطرقات . . لئلا يخيل إليك إنني قد جئت بصحبة أربعة من الرجال يحملوني في ذلك الصندوق الذي لابد وأن نختنق فيه يوما من الأيام .
ليمد الله بعمرك يا بني وأرجوك ان لا تقل ذلك ثانية .
كان ضياء كئيبا في إجازته هذه وكأنه يترقب شيئا ما . . حتى أنه لم يلاعب ميحا جيدا . .
ثم حين غادر البيت عائدا إلى الجبهة أحس أن هذه رحلته الخيرة .
حتى جاء محمولا على اللوح الخشبي والكفن الملون يطويه . .
أخذ ميحا بالمواء وكأنه نحيب أرملة . . بدأ يتجول في إرجاء المنزل وكأنه هو صاحب الكلمة وصاحب الدار في غياب حسن . . الأخ الأكبر . .
وميحا يدور حول نفسه يبكي ولا يعرف ما يفعل .
والآن بعد ما انقطع حبل الود بين ميحا وضياء لم يبق له سوى صديقه العزيز حسن .
لم تمض مدة حتى جاء حسن واليافطة السوداء تعلو الباب تعلو باب دارهم أخذ يسرع الخطى للوصول غىل المنزل وسط طوفان من الحزن والدموع اخذ يطرق بشدة على باب داره وأخذ يعلو ميحا بموائه . .
أخذ ميحا يركض ليختبئ في أحضان حسن الدافئة التي يلتصق بها غبار الحرب .
أخذ ميحا يخفف من ألم حسن بحركات ذكية وبريئة . .
وذات ظهيرة من أيام شهر تموز بينما كانت العائلة تتناول وجبة الغداء . .
ركض ميحا إلى سطح الدار قافزا هنا وهناك مما أدى به إلى القفز خارج المنزل وإذا بـ(( أولاد القصاب )) الذي يسيطر على الحي كله يلاحقونه مثل كلاب مسعورة حتى تمكنوا من القبض عليه فراحت الأيدي الصغيرة بما ورثت عن آبائها من عادات سيئة تمارس وحشيتها وظلمها . .
تلك البيئة السيئة التي عاشها ذلك الولد أبن القصاب حيث لا عقل يفكر ولا قلب يعطف تربى على رؤية الدماء صباحاً ومساءاً حتى ان رائحة الدم اصبحت مسكهُ المفضل..
بأيدٍ متوجشة عند يد ذلك الولد اللعين ابن القصاب جار حسن الذي جعل من ميحا العوبة تُعلق لها المشانق في اعلى الشجرة التي هي خلف دار حسن في تلك الباحة المتروكة ورميه بالاحجار حتى الموت اخذ بقية الاطفال يركضون الى حسن ينادونه شنق ميحا.. شنق ميحا..
فتح حسن الباب .. والذهول يملأ نفسه
كان ميحا.. هنا قبل قليل .. لا اصدق
ما الذي جعله يتدلى من تلك الشجرة الملعونة مشنوقاً حتى الموت..
ما جرمه ؟ واي ذنب تجري معاقبته عليه؟!
كانت جريمة ميحا ..إنه حاول ان يلعب مرة خارج المنزل
مرة واحدة اراد ان يجرب العالم.. متلذذاً بالحرية..
فهل يعقل ان تكون هذه النتيجة .. ان يأخذوه ويرموه على تلك القمامة البعيدة.
رجع حسن متأملاً حلول الظلام لدفن ميحا بمراسيم تليق به بعد ان اصبح المستحيل الذي راوده واقعاً...
بكت والدته واخوته المحبات لميحا
وترجته والدته بأن يعود ليلاً الى تلك القمامة ويحضر ميحا..
بُني العزيز يقول المثل ان للقطط سبعة ارواح.
وان قلبي يقول ان ميحا مازال على قيد الحياة
امي ماذا تقولين.. ميحا قد شنثق حتى الموت وزهقت ارواحه كلها!!
لكن بُني اسمع كلامي ارجوك واذهب صدقني فهو في انتظارك الآن..
ذهب حسن إكراماً لطلب امه..
بحث في تلك القمامة فوجده وسحبهُ من ذيله وإذا بنفسٍ خفيف من ميحا..
ياإلهي ميحا على قيد الحياة!!
صحيح إمي قالت!!
ذهب حسن مسرعاً الى الدار يحملً لهم البشرى ...
فأخذوه وغسلوه وعالجوه من الاصابات.. وفي اليوم التالي اخذوه الى الطبيب المعالج..
وتركه حسن بين احضان العائلة.. راحلاً مجدداً الى تلك الساحات الغبرة..
وبإجازات متكررة وجد ان ميحا بدأ يتعافى شيئاً فشيئاً ..
إلا إنه قد اصيب بعوقٍ كبير في دماغه مما اثر على توازنه ..
اخذ يسمع طرقات حسن من جديد إلا أنه في هذه المرة لا يستطيع المضي مسرعاً الى الباب..
حاول الوصول وهو يدور حول نفسه بدوراتٍ سريعة لكي يحاول الوصول الى الباب واحتضان حسن..
فيجيءحسن ويخفف من وطأة المه ويقول لهُ :
كفى ميحا لا تقلق انا قد وصلت اليك لا داعي لأن تزعج نفسك ابداً صديقي العزيز...
كانت هذه المرة الاخيرة التي لاعب حسن ميحا..
والتي احس فيها ان ميحا ليس على مايرام ولا يمكنه ان يستمر في اللعب..
حيث ارتحلت العائلة بعيداً عن تلك الدار المقرفة .. دار الحزن واليتم..
وتركوا ميحا وحيداً..
ميحا الذي طالما ما كان يذكرهم بضياء ...
وحيداً برفقة المنزل الحزين برفقة الذكريات الحزينة والمفرحة .. برفقة روح ضياء.. برفقة الهواء الذي يلهو مع ميحا..
توالت سنين الموت السود سنين الحرب... حربٌُ بعد حرب..
وفي احدى زيارات حسن الى ميحا والتي كانت هي المرة الاخيرة التي لاعبّ حسن ميحا..
والتي احس فيها ان ميحا ليس على ما يرام ولا يمكنه ان يستمر في اللعب..
وفي تلك الاجواء الرهيبة المملوءة بالخوف من المجهول.. وفي ساحات القتال اللعينة وبينما اخذت عينا حسن بأخذ قيلولة من النوم وجد ميحا في منامه يحتضر..
فزّ من نومه مفزوعاً..
حاول ان يأخذ إجازة قصيرة جداً للتأكد من الأمر .. ونجح في محاولته ..
سافر الى بيتهم الكائن في...
وهو يتناول وجبة الغداء سأل عن ميحا..
ـ امي هل قمتم بزيارة ميحا؟
ـ هل اخذتم له طعامه المفضل؟
لكن ام حسن واخواته .. حاولن التهرب من سؤاله عن ميحا..
نهض حسن مسرعاً تاركاً الغداء ذاهباً الى جارهم الرجل المسن ابى كريم .. الذي كان بين الحين والحين يمر على ميحا ويعطيه الطعام..
ـ مرحباً ابا كريم..
ـ قل لي فقط ارجوك كيف حال ميحا..
ـ تفضل يابُني اولاً..
ـ انت عائد من ساحات القتال الغبراء..
ـ ارجوك كيف حالهُ اعطني المفتاح..لكي اطمئن عليه ..
ـ هل هو عاجز عن الحركة؟
ـ اين هو اذن؟
فتش عنه في اروقة المنتزل لكن من دون جدوى..
نظر الى الزوايا التي كانت تجمعهم به..
ولكن نزل حسن على ركبتيه وبكاءاً شديداً قد اعتراه وهو يستعيد ذكريات اخيه الاصغر ضياء وصديقه العزيز ميحا والمنزل..
مات ميحا..
ولم يبق منه سوى الذكرى..



#بيداء_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نكسة بهضامية جديدة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بيداء كريم - !!وداعا ميحا