أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية العراقية1















المزيد.....

عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية العراقية1


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 11:37
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تفتقر الرواية العراقية إلى عالم القرية. فباستثناء محاولات مبكرة ضعيفة، ورباعية شمران الياسري، وبعض النصوص غير الناضجة فنياً وجدت الرواية كينونتها الفنية الناضجة على يد أبناء المدن في نصوص الرائد غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي والأجيال اللاحقة. بصدور ـ عراقيون أجناب ـ لفيصل عبد الحسن اكتملت بوادر الولادة النثرية الناضجة لرواية القرية العراقية. فالرواية في المقام الأول تصور عالم القرية ونبضها السري غائرة في تفاصيل بشرها المنسيين، تشابك علاقاتهم في بيئة القرية الاجتماعية والدينية، علاقتهم مع المدينة والسلطة المركزية وذلك من خلال بحثها في الحكايات الشفاهية والمكان الريفي وتجليات الإرث الديني الشيعي في المخيلة الشعبية. ففي حدود قراءاتي لم أطلع على نص عراقي يصور عالم القرية العراقية بهذه الحساسية والمعرفة العميقة التي تشي أن السارد عاش وترعرع فيها، وتشرب حكاياتها ووجوه بشرها وترابها وخفق قلوب كائناتها في لحظات الألم والمحبة، الخوف والنشوة، لحظة الخذلان والنصر في سردٍ بسيط مكثف وعميق أقتنص إيقاع النفوس في عفوية سلوكها .

يستهل الكاتب سرده بصورة قلميه مستلة من كتاب صادر حديثاً عن الأمام علي بن أبي طالب ـ كما يذكر الهامش ـ أعتقد أن الصورة المذكورة مستلة بدورها من كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد ـ في مقطعٍ صغير مستقل يرتبط ارتباطاً عضوياً ببنية النص. فسوف نرى تجليات الذات الموصوف شكلها على زمن الرواية وبشرها وترابها وطقوسها. الصورة تصل للقارئ من خلال عيني طفل يتابع تفاصيل صورة الأمام الشائعة في الجنوب والتي يكاد لا يخلو جدار بيتٍ منها، بطلعته المهيبة وسط ولديه وتحت قدميه يربض أسد عظيم الحجم. في مفصلٍ تمهيدي لاحق يصور الراوي مشهداً ميثولوجياً من طقوس الشيعة حينما يعثرون على طامورة تحت الأرض تضم رفات أحفاد الأمام الذين كان الأمويون يسجنونهم بها حتى الموت اختناقاً. سيفصل السارد تلك اللحظة الدرامية وهم يلمون البقايا من مسبحة وعمامة وأردية سوداء وسط نحيبهم ونواحهم ولطمهم إلى أن يتحول المكان إلى مزار من مزارات الشيعة المقدسة المنتشرة بأرجاء العراق. هذان المشهدان يمهدان فنياً وفكرياً للدخول في غور بشر تلك القرى المنسية على حافة الهور وفي أعماقه. سيعرض النص في فصوله الأولى جريان الحياة الاجتماعية وصراعاتها في تناقض القيم والأعراف مع الواقع ورغبات الإنسان ونزواته في فترة سابقة لتبلور الصراع السياسي الدموي الذي عصف بالمجتمع العراقي من خلال تطاحن النُخَبْ السياسية من أجل السلطة في المدينة وانعكاسه المخرب عفوية حياة العراقيين عموماً وجنوب العراق زمن النص ومكانه، تلك العفوية الوديعة وطبيعتها الجميلة رغم قسوتها وتخلفها وبدائية معتقداتها الدينية الممزوجة بالخرافة، ذلك السلام الروحي الذي ستفتقده شخوص النص إلى الأبد .

توظيف الموروث الديني والخرافي:

يشتغل النص على بعدين من أبعاد انعكاس الموروث الديني على أرواح الفلاحين. الأول ذلك الذي تثيره روايات المقتل في مجالس العزاءات الحسينية المقامة على مدار العام لوفرة مناسبات مقاتل الطالبيين الموزعة على فصوله، والتي تصل أوجها في ذكرى مقتل الحسين في العاشر من شهر محرم. حيث تقام طقوس حزنٍ دموية من اللطم على الصدور العارية حد الإدماء إلى ضرب الظهور العارية بسلاسلٍ من الحديد وضرب الرأس المحلوق بالسيف. يصور النص تفاصيل هذه الطقوس التي تقام كل عام في القرية مباشرة عقب إعادة تمثيل مذبحة كربلاء أمام الجمهور، يضاف إليها سرد الحكاية التاريخية المتداولة من على المنابر الحسينية والتي تأخذ بدورها مسارات سردية تختلف حسب مخيلة راوي المنبر ومزاوجتها بما يحدث من مظالم شبيهة في حاضر القرية زمن النص في سبعينيات القرن الماضي.

البعد الثاني يتمثل في انعكاس الروايات الدينية المتناقلة شفاهاً في مخيلة المرأة الفلاحة التي تنسج بدورها حكايات يمتزج فيها الموروث الشيعي بالموروث الخرافي الموغل في القدم. نجد في الفصل ـ 5 ـ الجدات تسرد للأحفاد قبيل النوم حكايات عن أيام النكبات الطبيعية، الجراد الذي هجم ملتهماً كل شيء والأمام علي الذي ظهر لنجدة شيعته الجياع فقضى عليه، عن عودة الموتى الصالحين في الأعياد والمواسم حاملين من دار البقاء الرسائل والوصايا والبخور والعطور، عن السيد ـ مهنا ـ وسفره الغامض في عمق الأهوار لإيداع تبرعات الشيعة السنوية في مكان مسحور يسمونه ـ الحفيظ ـ فيلج من كوة مجهولة إلى باطن له جغرافية مختلفة عن طبيعة الأهوار، بحيرات وجبال وكهوف تؤدي إلى مكان الكنز المخفي لحين ظهور المهدي المنتظر ليعينه على النصر على الأعور الدجال الفصل ـ 21 ـ .

من ناحية أخرى أشتغل النص على موروث خرافي سابق لمرحلة الأديان السماوية من خلال بيئة قرية في الأهوار ـ الدبن ـ وسكانها المعدان المعتمدين على الصيد وتربية الجاموس والذين يعدون في الكثير من الدراسات كونهم بقايا السومريين الذين أقاموا قبل التاريخ في الجوار اليابس ولجأوا إلى عمق الأهوار حفاظاً على الكينونة وقت تدهور دولتهم التي انقرضت لاحقاً . فالعامل الديني ضعيف بالمقارنة مع قرى اليابسة ويوضح النص ذلك من خلال اختلاف موقع رجل الدين في كلا المكانين. فبخلاف موقع ـ مهنا ـ رجل الدين وسلطته الروحية في قرية ـ الجوابر ـ المعتمدة على الزراعة والقريبة من المدن نجد ضعف وهزال دور السيد المنتدب من الحوزة الشيعية في النجف إلى قرية المعدان حيث يكاد أن لا يجد ما يسد به رمقه مما يجعل الشيخ يقدم له الطعام شفقةً لا واجباً. يعرض النص لبقايا طقوس شبه وثنية تمارس في هذه القرى منها ما جاء في الفصل ـ 22 ـ عن رحلة الزوجات العواقر في ثلاثة مشاحيف نحو معبدٍ قديم قائم في أعماق الأهوار طلباً للخصب في طقوس تمت بصلة لطقوس الخصب في حضارة وادي الرافدين القديمة. سيطل القارئ على مشهدٍ لا ينسى والشابة المأخوذة تحشر وسط الأدعية والبسملة في شقٍ ضيقٍ حد العنق لتغتصب في العتمة على إيقاع أدعية النسوة المستنجدات بالأئمة الأطهار! ص 97 . هذا الطقس الوثني شديد الاندماج ببيئة النص وبشره ينجح في توظيف طقس من طقوس بلاد الرافدين القديمة بطريقة تمت للحاضر بصلة عضوية عكس الكثير من النصوص التي حاولت توظيف نفس الموروث فسقطت بالتجريد الذهني والتاريخي فكانت النصوص عسيرة القراءة رغم جودة أدائها الفني. يحيل هذا الطقس إلى طقسٍ مشابه يمارس في بعض قرى صعيد مصر بترك العاقر في معبد قديم طلبا للخصب كما تناولته بعض الروايات المصرية والأفلام.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- المتاهة قصة قصيرة
- رؤيا المدينة
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- السفارة العراقية ومجلس الجالية في الدنمارك: ظروف مريبة في أن ...
- فلم جلجامش 21 للمخرج العراقي طارق هاشم حكاية العراقي التائ ...
- رؤيا اليقين
- بائع خردوات في سوق هرج ومنفي عاجز في غرفة بأسكندنافيا
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات2
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 3
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 4
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات 5
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات-1
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات6
- في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الثاني
- رواية في أروقة الذاكرة لهيفاء زنكنه رواية تؤرخ لتجربة الق ...
- المنفى يضرب أعمق العلاقات الإنسانية-خريف المدن- مجموعة حسين ...


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية العراقية1