أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين التميمي - بوووم - قصة قصيرة















المزيد.....

بوووم - قصة قصيرة


حسين التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 1902 - 2007 / 5 / 1 - 13:38
المحور: الادب والفن
    


على الرصيف الأيمن من الشارع ذو الممرين كان حذائي يقرع حجارة الرصيف بإيقاع غير منتظم ، وبصوت شبه مكتوم ، على الرصيف الأيسر رأيتهم يقفون قرب سيارة الرجل ذي الوجه الغريب الملامح . كان يستند بظهره الى حافة السيارة ، أما الرجل الثاني فقد كان يواجهه باهتمام وكأن ثمة حديثا بينهما لم يكتمل، بينما كان وجود الرجل الثالث شبه مهمل ، مع تقدمي في المسير صرت اقترب من تكوين خط متعامد مع وجودهم المريب ، هذا الخط يضمن لي التواجد في أقرب نقطة يمكن بلوغها دون التورط في مغادرة خط سيري على الرصيف المقابل، لا أعرف مالذي قاله الرجل الثاني للأول لكني خمنت بأنه أقرب إلى شتيمة هينة من تلك التي يتبادلها الاصدقاء ، فاذا بالأول يضع يده في جيبه من الجهة اليمنى ، خيل لي بأنه سيخرج علبة سكائر أو قطعة حلوى ، لكن جسما معدنيا ظهر في تلك اللحظة فكذب توقعاتي ، كان جسما قبيحا له ذات الملامح التي يرتديها الرجل الأول .. وضع فوهته في صدر الرجل الثاني وأطلق النار ببرود وهدوء غريب ، في حين وضع يده اليسرى خلف ظهر الرجل الثاني ، فكان ان اتسعت حدقتا الرجل المصاب اتساعا لم اشهد مثله في حياتي واستمر في وقفته وهو ينظر الى الرجل الأول غير مصدق لما يحدث ، في تلك اللحظة صرت انا اقف في النقطة التي تتعامد مع وجودهم الصارخ في الجهة المقابلة من الشارع ، واذا بالنقطة تتحول الى مسمار طويل انغرز في قدمي ولم يعد بوسعي التخلص منه ، لم يكن الرجل الثاني قد سقط في تلك اللحظة لكن ملامحه كانت تشي بأنه قد مات الآن تحديدا وما وقوفه إلا مجرد علامة تعجب أو أن قبضة الرجل الأول ترفض ان تتركه لأسباب غير مفهومة .. الرجل الثالث لم يغير من زاوية وقوفه التي تقع خلف كتف الرجل الأول ، لكن صوتا ما صدر عنه ، صوت كان يفترض به ان يخرج من فم الرجل الثاني ، في تلك اللحظة بدا وكأن الرجل الأول قد تذكر وجود الرجل الثالث فاستدار ناحيته نصف استدارة ودون ان يواجهه او ينظر اليه اطلق النار مرة أخرى ، شعرت بأن المسمار بدأ يسخن داخل قدمي ، وعلى الرغم من تواجد بعض المارة واحساسي الكبير بوجودهم إلا أنني شعرت بأن الرجل الأول حين دار بعينيه من اليسار الى اليمين حيث الرجل الثالث – قد مر بعيني ، كما يمر الرادار بأهداف عدة قبل ان يتوقف عند هدفه المرصود ، لم يكن من الصعب عليّ أن أفهم بأن ثمة اطلاقة أخرى يتم تجهيزها من أجلي ، فكل المارة وكل السيارات ، لم تكن تعني شيئا بالنسبة للرجل الأول – باستثنائي – لذا كان رهاني مع المسمار رهان موت او حياة ، ويبدو انه استجاب في آخر جزيئة من الثانية لها القول الفصل في امكانية تورطي في الموضوع ، لذا شعرت براحة كبيرة وأنا أعيد للمسمار صفته الوهمية التي يستحقها فابتعد عني متخاذلا ، لكن الثواني الأخرى ، لحظة زوالي عن الخط المتعامد شكلت هذه المرة تكوينات جديدة لجسيمات الخوف المسمارية التي انغرزت هذه المرة في الجانب الأيمن من وجهي ، حيث خيل لي ومع كل خطوة ابتعد فيها عن الخط المتعامد – بأن الرجل الأول قد فرغ للتو من الرجل الثالث ، وهو في سبيله الى ارسال رسالة مصهورة ملتهبة ستصيب قفاي بعد ثانية أو اثنتين ، لكن الثواني توالت وأنا من طرف خفي كنت انظر الى المشهد الجانبي دون ان التفت اليه فلم يحدث فيه أي تغير ولم يسقط الرجل الثالث كما كنت اتوقع ، فخمنت ان الرصاصة لم تكن تعنيه بقدر ما كانت تعني نوعا من التحدي للآخرين بعد ان تمت الجريمة الأولى بنجاح وسالت قطرات دم الرجل الثاني لتخضب الرصيف . في تلك الأثناء بدا لي أن الرجل الأول قد ترك للرجل الثاني حرية ان يسقط بطريقة (أفلام الأكشن) ، فانحشر رأسه بين دكة اسمنتية وبين اطار السيارة الواقفة ، وبدا هذه المرة أكثر معقولية في هيئة الموت هذه ، ومع هذا الموت الذي بدا أن الرجل الأول قد اراد له هذا السقوط المعبر وهذا التمثل البالغ القسوة لحقيقة أن الموت أمر ممكن الحدوث بل وسهل الحدوث سمع عزف قطرات من الدم كانت تسيل بين قدمي الرجل الثالث .. ما أتذكره بعد ذلك انني صرت خارج المشهد برمته ، حين توصلت الى بلوغ نهاية الشارع والدخول في زقاق ضيق أبعدني عن فوهة المسدس الذي كنت أشعر بسخونة فوهته الملتهبة على قفاي .. في بداية الزقاق رأيت وجوها أعرفها ، سألت بعضهم عن الأمر فكانوا يبتسمون في وجهي دون ان يتنازلوا عن صمتهم ، لم يكن الخوف قد زايلني بعد ، في كل لحظة تمر كنت اتوقع ان يغادر الرجل الأول مكانه ذاك كي يلاحقني .. لا أعرف لماذا لم افكر بدلا من ذلك في أنه قد هرب الآن ، أو أنه في سبيله الى الهرب قبل مجيء رجال الشرطة .. ولكن أي شرطة ؟ ألم تمر سيارتهم قبل قليل في الجهة المحاذية لمشهد القتل ذاك ؟ دون أن يكلفوا انفسهم عناء النظر الى الرصيف المدمى ، أو الى القاتل الذي استمر في اشهار سلاحه دون أن يعبأ بهم وبوجودهم ؟ ذلك حدث بالفعل لكن يبدو أنني لم أعد أقوى على استعادة المشاهد التي مرت بي وفقا لتراتبيتها ، يبدو ان لدي شعورا حادا بأن هناك قصدية ما ،في كل مايحدث وأن الهدف النهائي منها هو توريطي .. لكن ألم أتورط أنا بعد ؟ وما هذه السلبية التي تطالعني الآن من خلف الوجوه التي أعرف والتي لا أعرف ، يخيل لي أنهم جميعا متورطون بطريقة ما مع الرجل الأول ، بل ربما هناك تضامن غير معلن لم أعد أفهمه مع مشهد الموت هذا أو غيره ، شيئا فشيئا قادتني خطاي الى منزلي ، شعرت وأنا اقرع جرس الباب بأنني موشك على الموت من شدة التعب ، بعدها لم أعد أذكر أي شيء سوى أنني استلقيت على حافة السرير ووضع أحدهم غطاء فوق جسدي بكامله ، فدخلت في ظلام دامس ، وبدأت أسقط وكأن أحدهم قد دفعني في فوهة بئر سحيق مظلم ، على الرغم من تعبي الشديد واحساسي بأن ذرات جسدي كلها قد بدأت تتباعد بعضها عن بعض ، إلا أنني كنت أترقب بنصف وعي لحظة ارتطامي بالأرض ، ثم غبت عن الوعي قبل ان يتحقق وصولي ، وحين عدت .. أو صحوت ، خرجت ثانية من المنزل ، وسلكت السبيل ذاته ، على الرصيف عينه ، وأنا أتمنى أن يكون ما حدث قبل ذلك مجرد حلم ، كي استيقظ منه وينتهي الأمر ، ومع اقترابي من مكان الجريمة فوجئت بالرجل الأول مايزال واقفا في مكانه ، بينما الرجل الثاني ملقى كما تركته في المرة الأولى ، عاودني الشعور بالخوف مجددا ، وقبل أن اصل الى الزقاق الجانبي سمعت صوتا ما خلفي ، استدرت ناحية الصوت كالميت ، فرأيته وهو يبتسم لي ، نعم كان هو –الرجل الأول – يصوب نحوي مسدسه ، وبدلا من أن يطلق النار قال : بم . ثم استغرق بالضحك وهو يكشر عن انياب مخيفة ، خشيت هذه المرة أن انظر في وجوه الناس الذين أعرفهم ، لكن خيل لي بأنهم يسخرون مني بالطريقة ذاتها، ومع ابتعادي داخل الزقاق واقترابي من منزلي شعرت بانهم جميعا يقفون على مبعدة مني وهم يقولون : بم . ويضحكون ، كان لدي اصرار كبير هذه المرة ان اصل الى بيتي وأنا متمالك لقواي ، وحين فتحت زوجتي الباب ودخلت ، جلست فوق أول مقعد صادفني ، ووضعت صدغي بين راحتي ورحت افكر في كل ماحدث ، أيهما حقيقة وأيهما خيال ؟ وماالذي علي أن افعله ، فلم أجد حلا للأمر برمته إلا في أن أبلغ عن الحادث ، فصمتي بدأ يثقل كاهلي .. خاطبتني زوجتي ببضع كلمات ويبدو أنني قد أجبتها بكلمات لم أكن أعنيها فانصرفت ، بعد ذلك اسندت رأسي على الحائط ، وأنا أحاول اعادة تشكيل الحوادث التي مرت بي ، كان ثمة أمر ما يبدو ناقصا ، قلت في نفسي ربما يكون الشك الذي يساورني حول الأمر برمته هو مكمن النقص ، واذا كان المشهد الأول مجرد حلم فماذا عن المشهد الثاني ؟ بعد قليل سمعت طرقات على الباب ، وقبل ان افتح شاهدته .. من فتحة في أعلى الباب ، فابتعدت بخطوات لم تمس منها الأرض سوى رؤوس أصابعي ، لكن يبدو أن زوجتي كانت تراقبني فلما رأتني أختبئ في الداخل خرجت هي وفتحت الباب دون ان تستمع الى همساتي المحذرة ، لم يعد بأمكاني أن امنع ما سيحدث لذا راحت أذناي تترقب في الثواني القليلة القادمة سماع دوي الطلقات .. لكن هذا لم يحدث ، بل سمعت بدلا منها صوت رجل يتحدث عن مقياس الماء وضرورة اصلاحه ، اقتربت منهما ، فرأيت رجلا يحمل سجلا من تلك السجلات التي يحملها عادة محصلو أجور الماء أو الكهرباء ، كان في ملامحه مايدل على انه يشبه الرجل الأول ، لكنه لم يكن هو ، لذا استلمت زمام المبادرة ورحت اتحدث معه ، بينما ابتعدت زوجتي الى الداخل ، وراح هو يدون بعض الملاحظات في السجل ، ثم شكرني وانصرف ، لكن وقبل أن اقفل الباب وراءه ، استدار ناحيتي وهو على مبعدة خطوات ، وقال وهو يكشر عن اسنان مدببة : بم . ثم غاب عن ناظري وهو يقهقه . شعرت برغبة كبيرة في أن الحق به وأن اوسعه ضربا ، لكن خشيت أن يكون المسدس مايزال معه .
في الأيام التالية كان المشهد يتكرر بأشكال وأوقات متباينة ، والناس يضحكون مني باستمرار ، فيما أعدادهم تتناقص يوما بعد آخر ، لم أعد أقوى على الصمت . في داخلي كان إحساس بالمسؤولية يتنامى ، لم أعد اشعر بالخوف ذاته ، أو ربما صار الخوف أمرا معتادا بالنسبة لطريقتي في العيش ، أيضا لم أعد أشعر بالفزع من هذا الجنون الذي يحيط بي في شكل أجساد تطلق النار وأجساد تسقط وأجساد غير مهتمة ، ومثل الرجل قارئ المقاييس شاهدت في الأيام التي تتالت بعد ذلك أناس آخرون يشبهون الرجل الأول وهم يأتون بهيئات مختلفة ، أو أصادفهم انا في أماكن مختلفة وغالبا ما أسمع كلمة (بم) ، في نهاية اللقاء تتبعها ضحكات او قهقهات منفرة ، لكن أغرب ما حدث هو أني توجهت في يوم ما إلى الجهة التي تقع عليها مسؤولية الأمر ..
استقبلني هناك الرجل المسؤول واستمع الى حكايتي ببرود ظاهر . وبدا انه لم يقتنع بأقوالي ، ثم طلب مني أن أغادر . وحين خرجت من باب غرفته نادى .
- هيه .. أنت ..
التفت اليه فقال
- بوووووووووووم
واستغرق بالضحك .



#حسين_التميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بووم - قصة قصيرة
- أشياء لن تتوارى
- البرتقال يغادر لونه
- والعيد على الابواب .. ماذا ستفعلون ايها الساسة !!
- !! ولاية .. مشّيها
- اطباء من زمن الفوضى
- محرر يسطو على اعمدتي !!
- !! البشاعة المسلية
- أكياس الدم وأكياس الاسمنت
- لا توقفوا الحملة .. لا توقفوا النشيد رجاءً
- قتلوك ياعدنان وما دروا أي انسان قتلوا
- قابيل وهابيل
- قعد البرلمان .. قام البرلمان !!
- الوردة والعصفور قصة +علامة تعجب
- يا اهل العراق .. اولادكم يلعبون الكرة فتعلموا منهم رجاء
- القلم والمخرز
- رؤوس عراقية في صناديق الفاكهة
- اذا ضحك الحمقى من مشاهد موت ابناء شعبنا ، فقل انهم حمقى لاأك ...
- .. بين الايثار والاستئثار
- وماذا عن حقوق الناس؟


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين التميمي - بوووم - قصة قصيرة