أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيلة عبد الانيس - في اسباب العنف الطائفي وجذوره















المزيد.....

في اسباب العنف الطائفي وجذوره


سهيلة عبد الانيس

الحوار المتمدن-العدد: 1889 - 2007 / 4 / 18 - 12:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اصبحت قضية العنف بكافة اشكاله الاجتماعية والدينية والسياسية في الفترة الاخيرة مثاراً للنقاش الواسع ، ويرجع العلماء والمفكرين والخبراء في العلوم الاجتماعية ذلك الى جملة من الاسباب ، فمنهم من يرى ان قضية العنف وبروزها الحاد انما يعود الى غياب الديمقراطية او بعض مظاهرها الاساسية وعدم ترسيخها كقيمة سلوكية متبادلة بين الافراد بعضهم البعض وبين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة وبين السلطة والجماهير كحق يمليه عقد اجتماعي محدد بين الطرفين ، ويرى فريق اخر ان الازمة الاقتصادية والسياسية تعد اساس ظاهرة العنف وهناك فريق اخر يرجعه الى افتقاد المشروع الوطني وغياب هدف مجتمعي عام وسيادة نمط الحل الفردي وظهور انماط اجتماعية متباينة واشتداد التباين لمظاهر حياة الفئات المختلفة ، ويضيف البعض الاخر بروز ظاهرة الاحياء الديني المرتكز في معظمه على شروح مشوهة للدين كسبب يكفل العنف ضد المخالفين اياً كانوا ، ويراه البعض الاخر بانه تجربة نفسية بالدرجة الاولى ولا يمكن فهمها الا من خلال دراسة الفاعلين العنيفين ، غير انه في الوقت نفسه حاله حال أي نشاط بشري لا ينفصل عن سياقاته الاجتماعية والسياسية والتاريخية ، اذ تحكمه وتؤدي مجموعة العوامل البنائية التي ترتبط بالنظام الاجتماعي ومؤسساته اليه .ولكي نوضح كيف ولماذا يحدث العنف وتحديداً الطائفي في العراق لابد من معرفة الظروف والعوامل التي هيأت الفاعلين نحو العنف والعوامل التي اضعفت كوابح افراده تجاه هذا العنف ، وهنا لا بد من قراءة سريعة للواقع الاجتماعي والسياسي للعراق .
بدءاً لابد من التمييز بين مصطلح الطائفة التي تعني التنوع في المعتقدات والممارسات الدينية بين الافراد . والطائفية التي تعني استخدام التنوع الديني لتحقيق اهداف سياسية او اقتصادية او ثقافية مثل المحافظة على مصالح ومزايا مكتسبة او النضال من اجل تحقيق تلك المصالح لزعماء وابناء طائفة معينة في مواجهة الطوائف الاخرى حيث تصبح الطائفة بهذا المعنى استخدام الدين كوسيلة لتحقيق اهداف دنيوية .
واذا ما طبق هذا الكلام على الواقع العراقي نجد ان ظروف الصراعات والعنف التي عاشها العراق ابتداءاَمن ثورة تموز 1958 والمراحل التالية وما رافقها من تجاوزات ومؤامرات وانقلابات انتهت الى تشكيل خمسة انظمة حكم في حدود العشر سنوات ، وفي سياق اتساع لغة العنف بين الحاكمين والمحكومين وفي داخل كل منهما خلقت ظروفاً ملائمة لتجديد القيم البدوية والطائفية التي لم تقتصر على فئة اجتماعية معينة بل امتدت الى معظم الاطراف والجماعات العراقية باحزابها ومنظماتها ومؤسساتها ، ومع ان مختلف الاطياف العراقية اعلنت وباستمرار رفضها التعامل الفئوي ونبذ قيم التعصب والعصبية الا انها في واقع الامر انغمست فيها احياناً وانجرفت معها احياناً اخر بغض النظر عن مواقفها داخل الحكم وخارجه .
وجاءت ظروف الحروب لتضيف عاملا اخر لانعاش هذه القيم والممارسات ، ففي الحرب العراقية-الايرانية ركزت الدعاية الاعلامية على اثارة المسألة المذهبية ونفخت في بوق الطائفية ، بينما قادت ظروف ما بعد حرب الخليج 1991الى مزيد من التعديل والتكييف في مفاهيم وطرق الحكم وسياساته الخاصة في الاعتماد المتزايد على المؤسسات التقليدية "العشيرة " وعبرت هذه السياسة عن طريقة اكثر عملية لضبط الشارع السياسي بأقل جهد ممكن مرتبط بذلك بالنظام القبلي الذي يقوم على هيكل هرمي لم يتطلب الكثير لكسب ولائه سوى من خلال دعم عدد محدود من اعضاء القبيلة المتربعين على قمته . وهكذا شهدت مرحلة مابعد الحرب سياسة رسمية اعلنتها الحكومة العراقية صراحة من خلال تاكيد اهمية ومركزية الدور القبلي في هيكل المجتمع العراقي وضرورة احترام وصيانة القيم القبلية رغم مخاطر هذه السياسة في اضعاف هيكل الدولة وهيبتها ومن اجل حفظ ولاء العشائر غضّت السلطة النظر عن التجاوزات القبلية للنظام القانوني في البلاد .
في ظل هذه الاجواء نمت وتكونت شخصية الفرد العراقي فما كان لها الا ان تكون شخصية منفعلة جامحة عصية، هذه الصفات دفعت بالنتيجة الى التوتر وساعدت عليه ظروف ما بعد الاحتلال وعملت على ازدياد حالة الشد التي كان لابد لها الا ان تقود الى بروزظاهرة العنف في سلوك الفرد . وعلى ذلك يمكن تحديد اهم الاسباب المهيئة والمساعدة لبروز وتجدد ظاهرة العنف وتحديداً الطائفي :
- يعد العامل الثقافي وطبيعة الشخصية العراقية والظروف التي عاشتها تحت ثقل البطالة واضطراب القاعدة المعيشية والحرمان النسبي وغياب الحق في الاعتراض السلمي سبباً مهما في بروز ظاهرة العنف في المجتمع العراقي ، الامر الذي ترتب عليه ظهور الدين بوصفه الملاذ بدلاً عن الواقع المتأزم امام غياب القدرة على التفكير الناقد والذهنية الميالة الى التطرف الامر الذي ادى الى انعاش نشاط الجماعات الاسلامية والاسلامية السياسية تحديداً ، وتتفق الاراء في ان من يتحكم في الشخصية العراقية مرجعيتان ،مرجعية تتمثل بالتراث الديني الزاخر بالصراعات السياسية والمرجعية الاخرى هي مرجعية القبلية وظلت الشخصية العراقية تستمد مرجعيتها من القبلية التي اندمجت بمرور الوقت مع الطائفة وما تزال تحكمها العصبية القبلية ، يقابل ذلك الانقلاب على المفاهيم المتعلقة بحقوق الانسان . على ذلك ظل المجتمع العراقي رغم تحضره الظاهري غير قادر على ان يطور بناءاته الثقافية والتوجهات الاجتماعية التي تساعد على ضبط النفس الى تنمية روح العداء والجمود والتعصب وعدم تقبل الاخر .
وعليه يمكن القول ان العوامل الثقافية والاجتماعية لعبت دوراً كبيراً في تزويد الفرد بالكيفية التي يعمل بها وكيف يرتكب العنف ، اما لماذا يرتكب العنف فذلك مرهون بعوامل بنائية يمثل المجتمع بمؤسساته المختلفة مصدراً لها وتتمثل في عجز النظام الاجتماعي عن تحقيق توزيع عادل للفرص والمكافأت ومن يكفل للفرد الامن الاجتماعي الذي يحقق من خلال اشباعاته الاساسية .
- كان للتحولات السياسية التي اعقبت سقوط النظام وما رافقتها من صراعات اثر في توفير بيئة مناسبة لانعاش خطاب الجماعات الاسلامية فكانت الساحة العراقية بيئة خصبة لظهور العديد من الاحزاب والحركات بصورة جعلت الافق السياسي للمواطن العراقي يعيش في حالة من الحيرة وعدم الاتزان النفسي فظروف الفوضى وعدم الاستقرار وفقدان الاحساس بالامان ساعدت في تنامي الشعور الديني خصوصاً الاسلامي اذ اتجه الناس الى المساجد وتولى الائمة والمراجع الدينية القيادة وازداد الشعور بالحاجة الى تنظيم جديد يلبي احتياجاتهم الاجتماعية وبطبيعة الحال لايقدر على ذلك الا الحركات الدينية بسبب خبرتها العريضة . ففي ظل الفوضى اصبحت الطائفة والتكوينات القبلية هي الملاذ الذي يحقق الحماية واكثر من ذلك ان الانتماء الى هذا الحزب او ذاك قد يبرر لدى الاخرين الخوف والقلق على مصالح او حقوق فئة مذهبية او عرقية تحمل تسميات بررت انها تستجيب انها تستجيب لهواجسه، وعلى الرغم من شرعية وصدقية هذا الانتماء الا انه لا يمثل انحسار لمديات الافق الواسع للانتماء الوطني .
وتبرز الخارطة السياسية العراقية اليوم تيارات دينية بشقيها " السني والشيعي " بشكل واسع وبرغم ان برامجها وبرامج احزابها وخطابها العام هو عراقي وبرغم ان المشتركات واسعة ومتعددة الاوجه الا ان واقع تركيبها الداخلي من حيث الانتماء الحزبي هو واقع خاص ، وهذا له ظروفه الخاصة التي يصعب على تلك الاحزاب تجاوزها رغم الوطنية الصادقة لديها الا ان واقع الحال يتحدث عن نفسه.
- مما ساعد في خلق الانقسام الاجتماعي والتشرنق في حدود الطائفة ومحاولة النفخ في الاختلافات بين الطوائف "المبالغة " في اقامة الطقوس الدينية مثلا وغيرها من الافكار والممارسات المعبرة عن الهوية التي عززت وحدتها الداخلية وعزلتها عن سواها لتختلف بدلا من ان تتآلف ضمن هوية مشتركة واستدعى هذا الانقسام التاريخي الذي ظل مستمر في الذهنية العراقية بشكل عمل على ابعاد صورة الاخر لانه يتغذى من طبيعة الثقافة العنيفة التي تنتجها الطائفة المتشرنقة القائمة على التخالف والتعارض مع الاخر.
- وهنا يمكن القول ان بعض القيادات السياسية ساهمت بشكل او بآخر على تعزيز هذا الانقسام من خلال الخطابات الموجهة للطائفة التي يمثلونها بوصفهم الراعيين الوحيدين لمصالح هذه الطائفة واخطر ما ترتب على هذا الخطاب السياسي المتشنج هو نجاح بعض هذه القيادات في نقل صراعاتهم الى قواعدهم الجماهيرية ليتحول الصراع السياسي الى صراع مجتمعي .
- ويمكن اضافة سبب اخر لبروز ظاهرة العنف الطائفي في العراق بعد سقوط النظام تفكك مؤسسات السلطة القديمة وخلق شرائح ممن اطلقوا على انفسهم " بالمهمشين " الذين شعروا بالعزلة والاقصاء وعدم الارتباط بالحكومة الجديدة ومؤسساتها ، مما ولد لديهم الاحساس بانهم مبعدون عن المجتمع وغير قادرين على التحكم والسيطرة على مجرياته السياسية، هذا الشعور بالعزلة ولد شعور بالضعف ومن ثم الاستياء والتعصب ، مما جعل احتمال لجوء البعض الى العنف كطريقة للتعبير عن الاحتجاج وهذا الاحتمال الاكثر قابلية للظهور ، فقد اتسعت ظاهرة الشعور بالعزلة والاقصى لتشمل طائفة باكملها وهذا ما توضح في الانتخابات الاولى .
ومن اجل الخروج من المأزق الذي يعيشه المجتمعولاحتواء الازمة والعنف الطائفي لابد من العمل وتكثيف الجهود من اجل خلق مناخ قبول الاخر بدلا من الانصهار الثقافي في بودقة الطائفية فهو البديل للقهر السياسي، وهذا يتطلب القبول بالفكرة القائلة"ان الحوار يصبح اكثر ثراء ودفئاً وان الوحدة تكون اكثر تماسكاً وقوة من خلال التنوع والتنوع يعني سماع الاخر باعتبار ان الاختلاف امر طبيعي في المجتمع البشري بل هو عامل ايجابي في توسيع المدارك العقلية للوصول الى الرأي الاكثر نضوجاً"
فالمطلوب في الوقت الحالي تشجيع التحول الطائفي والعشائري الى تنظيم الوحدات الاجتماعية من خلال بناء وحدات التجمعات الاقتصادية مثلاً، وهذا يتطلب قبلاً العمل على التحول التدريجي للعلاقات القائمة على الولاء ات التقليدية الى علاقات حضارية تقوم على المنافع الاقتصادية باتجاه تعميق تشابك المصالح بين ابناء الوطن وتعزيز منطق الولاء للوطن اولا وقبل كل شيء.
وتتطلب هذه المسألة معالجة حضارية طويلة النفس بدءاً بقبول فكرة المواطنة المتساوية والمشاركة في السلطة والثروة ولغاية بناء ستراتيجية ثنائية وطنية علمانية باتجاه تخفيف معضلات التعصب بكل انواعه وتحويله تدريجيا ليصبح عامل تماسك لا تنافر .ان الامر يحتاج الى مزيد من الصراحة والعمل من اجل معالجة الواقع المر ولا معالجة من دون الوقوف على جذور واسباب العنف الطائفي، فهذا العنف المتجدد هو ليس وليد الصدفة في المجتمع العراقي ، ولا تحليل حقيقي للجذور دون معالجة ولا صراحة من دون وضع النقاط على الحروف، وذلك ان غياب وضع النقاط على الحروف وتحديد مواطن الخلل يعني المجاملة والنفاق السياسي .
وفي الختام لابد من التذكير بحقيقة تقول " ان استمرار مظاهر العنف الطائفي في العراق سيغرق (لاسمح الله) الجميع ولن تستطيع الحرب الطائفية من ان تخرج البلد من اية مشكلة بل ستدخله في مشاكل اكبر واعقد " .



#سهيلة_عبد_الانيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيلة عبد الانيس - في اسباب العنف الطائفي وجذوره