أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر عبد زيد - الحداثة المرجوة















المزيد.....


الحداثة المرجوة


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1888 - 2007 / 4 / 17 - 11:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن جوهر الحداثة هو استعمال منهج خاص لنقد الخصوصية ,ليس بهدف التدمير بل من اجل تنظيم أكثر عمقا, والحداثة المعتمدة على عقلنه التاريخ لا تخضع الطبيعة والمجتمع إلى القدرة والشمول فحسب بل تقدمها إلى تنظيم نشاط المجتمع باتجاه التقدم أنها مرتبطة بوعي تاريخي يجعل من الحاضر المولد للمستقبل دوما وفكره التقدم تشكل محاوله حداثويه تقوم على تقييم الوقائع التاريخية على أنها علامات في الطريق المؤدي بالإنسان إلى التقدم .
نحاول في هذا البحث إن نقف عند المشاكل الاتيةالتي تجمعها إشكالية الحداثة المرجوة عبر تفاعلها مع الخطاب العلمي ، وهذه المشاكل هي التالية :-
1- العلم وعلاقتة الوطيدة بالحداثة .
2- الديمقراطية وثقافة الحوار.
3-الحداثة والديمقراطية.
1-للعلم علاقة وطيدة بالحداثة
بوصفه يشكل الرؤيه والمنهج العاملين على إحداث االتغير الاجتماعي والسياسي والثقافي كما للعلوم انتماء اجتماعيه لكن هذا يشترط تقييم االخطاب العلمي وتفعيله لتكون فيه التنمية ألاقتصاديه رهينة التنمية العلمية و يجب ان تتخذ من العلوم مقياسا للخطأ والصح فاما الخطأ فيجب رفضه ,وهذا يحدث عبر رابطة التنافس في القدرات العلميه لا التبجيليه او المحسوبية , وبالتالي يغدو العلمي ممثلا للذهنيه ومقياسا للسلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي وهذاسوف يتحقق عبر ربط المؤسسات العلمية بالاقتصادية ,عندها يكون للعلماء تأثير وتفاعل في الحياة ألاجتماعيه .
على العلماء ايضاً ان يتجاوزوا الاغتراب النظري عبر تبيئة النظريات مع الحاجات حتى تتجاوز التنظير الى التطبيق وتنتقل من التعليمي الى التطبيقي لا أن نكتفي برفض الواقع الذي يرفضنا بدوره إذا ما تعالينا عليه , عبر الرؤية النخبويه التي تقوم على ذهنيه التمركز على الذات وكأن العالم فوق البشر وهو أمر ولده واقع العلماء في تراثنا الذين كانوا قله والمتميز منهم في الطرح الاصيل والمعالجة اقل بكثير . أما اليوم وخصوصا" في الغرب ليس للعلم مكانة اجتماعيه
فقط بل هو الفاعل االاجتماعي أي أن العلماء غير مقصين عن الواقع الاجتماعي كما هو الحال في بلداننا ولهذا يجب تفعيل دورهم داخل المجتمع عبر ادخالهم الى المعترك الاجتماعي والمؤسسات الرسمية وهذا سيقود الى تفعيل كل المؤسسات كما هو حال الغرب فالعلماء هم رواد التغيير وهذا مرده الى أن لهم هناك مكانة كبيرة , وهذا يعود الى القفزة العلمية الغربية من الميتافيزيقيا الى العلم في وقت نحن مازلنا سجناء التصورات الميتافيزيقية التي نرددها وكأنها مقولات عصرية , في حين هي مرتبطة بأبن رشد وأبن سينا وغيرهم أما الواقع الغربي فقد نهض على أقامة قطيعة ابستمولوجيه وهذا مايجب أن نعيه حيث نلاحظ أن عصر الانوار ارتكز على تحرر الانسية غائية العقل وقابلية المعنى للتأويل من خلال التاريخانية التي تسير حسب منظومة عقلية تحكم الكون والمجتمع وتنطلق من غائية التاريخ وباختصار تغدو الحداثة تفكيرا تاريخيا وليس أسطوريا" . اما الواقع العربي فمازال يعيش حالة التجاور بدلا من التجاوز فالاخيرة تمثل حالة اجتماعية مختلفة كل الاختلاف عن التقليدية والتوفيقية .
والعامل الثاني متمثل في غربة العلماء في الواقع العربي فهم يتعرضون للتغريب لاسباب كثيرة منها :
ـ الواقع السياسي الذي يقوم على الأيديولوجية الكلية التي لا تفتح أي مجال للاختلاف والنقد العلمي الطبيعي والإنساني .
ـ الواقع ألمعاشي للعلماء وخصوصا" في العراق الذي عاش أساتذ ته هيمنة الأيديولوجية سابقا" وتهمة التأخر مقابل من جاء من المغتربين الأمر الأول يشكل أمرا ملحا حيث لا نلمس أي تفرقة بين عامل النظافة والأستاذ الجامعي أو حامل الشهادة .
- هيمنه التصورات الدينيه التي تعلي من اهمية العلوم الطبيعية وتهمش العلوم الانسانية والفلسفية لاسباب كثيرة .
وعلينا أن نعي فشل تجربة محمد علي التحديثية في فصله بين عمليه التحديث المادي عبر استعارة العناصر التكنولوجية من اجل إتمام التقدم المادي دون تردد وتحفظ بينما اعتبر الجدل الفكري خطرا فمنعه , وهذا مرده إلى تغير الهدف من الدوله الحديثة التي تحولت من دوله تبني صورتها وشرعيتها بوصفها اداة التقدم التاريخي ووسيلة ادماج االمجتمعات المتخلفة في الحضارة الى دولة الحزب والطبقة , والمصلحة الخاصة وصارت وظيفتها تمكين اصحاب المصالح من احتكار السلطة مما جعلها تنتج عكس االقيم الحديثة التي كانت اصل شرعيتها .
وثمة أمر أخر يعيشه العلماء في العراق على وجه الخصوص وهم اليوم يتعرضون الى القتل المجاني بوصفهم اكباش فداء بين المتصارعين رغم هامشية دورهم في اللعبة السياسية والاجتماعية للاسباب سابقة الذكر واذا ما كانت لهم فهي هامشية ذيليه .
علينا الاقتناع بأهميه العلم والعلماء في بناء عالمنا العربي والعراقي على وجه التحديد خصوصا" بعد ادراك العرب هذا حتى دولة اليمن فأنها تبذل الدور الكبير في رفع كفاءات أبنائها وعلمائها رغم امكاناتها الماديه مما جعلها محل جذب الكثير من علمائنا واساتذتنا فعلينا ان نعي هذا اذ أن بناء مجتمع يعتمد العلم يجب أن تتوفر له البيئة االمناسبة حتى يمكننا من ايجاد حلول لمشاكلنا الاجتماعية والسياسية عبر احلال ذهنية االعلم المعتمد الظن منهجا" والتوصيف بدل اليقينيات العقائدية وبهذا نبتعد عن الجدل االذي لاطائل من ورائه واعتماد الاستقراء خير هاد لتجاوز المحنه وهذا ايضا" يتطلب تعميق الحريات السياسية والدينية والاجتماعية و يفترض توفر الخطط القياديه الرائدة وليس العشوائية بعيدا عن التطويب الأيديولوجي وبعيدا عن قواعد الادارة القائمة على الرقابة الصارمة

2- الديمقراطية وثقافة الحوار
إن الحديث عن الحوار يعني الحديث عن الآخر الذي يمثل طرفا يمكن أن يشكل قطبا في الجدل الفكري إذ لا يمكن أن يتم التعامل معه على انه مجرد صدى للذات عندما يتم إجباره على تلقي الأفكار دون اعتراض أو انفعال بل إن الحوار هو تفاعل تكاملي تجد فيه الذات طريقة لعدة مستويات .

الأول : محاولة دراسة إلية الإرسال والتلقي حيث تقترض من هذه الإلية أن يكون هناك قطبين أن يتناوب كلاهما بين أن يكون الأول مرسل لأفكاره فيما يكون الآخر متلقي لهذه الأفكار وخلال ذلك يمارس عملية امتحان تلك الأفكار حتى يجد صداها في ذاته هذا على مستوى التلقي الذي يجب أن يحسن الإصغاء مثلما على المرسل أن يحسن تنيظم أفكاره ويعتمد أحسن السبل التي تحترم محدثه وتعتز بأفكاره وتعتمد الطريقة واللغة التي تدخل إلى ذاته بأقصر السبل .

والثاني : أن يكون هناك محور للحوار وان تكون هناك مشكلة ينصب الحوار في إيجاد حلول لها ، لا أن يكون الحوار يفتقر إلى القصدية عابر القصد ينسال من فكرة إلى أخرى بدون رابطة فيجعل منه مجرد حوار هدفه التسلية وليس المثاقفة والتكامل الحواري الذي يقود إلى نتيجة .

والثالث : أن يكون الحوار قائما من اجل غاية هي المعرفة وبعيد عن الأفكار المسبقة التي يحاول كل طرف أن يجبر محدثه إلى الاستماع إليه ، وكأن المتحاورين عدوين يمارسان المبارزة بالكلام بدل السيف الذي يعوض عنه اللسان .

فهذه المستويات وليدة ارتهان ألذات إلى قيم حوارية صراعية بعيدة عن التثاقف الفكري .
الرابع : أن الحوار لا يعني فقط الحوار الثنائي بل أيضا الحوار الذي عبر القراءة وعبر الاختيار فان القارىء الذي يعيش حياة الأخر سواء كان غربيا أو التراث فانه بكل الأحوال يعيش رهانات الآخر الثقافية التي هي وليدة إشكاليات مختلفة مما يجعل من الفرد مغتربا عن الآخرين مستلبا إذ يعد الاغتراب مشكلة لتعدد دلالاته ومعانيه فهو " عجز " وهو إحساس ينتاب الفرد بأنه لا يستطيع السيطرة على مصيره لأنه يتقرر بوساطة عوامل خارجية وبالتالي يغدو سلوكه الخاص غير قادر على تحديد النتائج التي يسعى إليها . وهذا يولد " الا هدف " وهو إحساس عام بفقدان الغاية من الحياة وغياب المعايير الاجتماعية المحددة للسلوك المشترك لذلك يحدث الانحراف الواسع وتبرز عدم الثقة وهذا يقود إلى التنافر الثقافي الذي يتجسد بالانسلاخ عن القيم الأساسية للمجتمع ويولد لديه التمرد ، وبالضرورة فان هذا يقوده إلى العزلة الاجتماعية حيث الإحساس بالوحدة والانسحاب من الحياة الاجتماعية .
وتجد أن الاستلاب والتعالي على الآخرين يجعل المثقف يسقط في فخ النخبوية وكأنه يمثل رسالة يجبر الآخرين أن يستمعوا إليه في وقت هو لم يستمع للجماهير ويدرس مشاكلها مغرور يخادع نفسه قبل أن يخدع الآخرين يظن انه يرى ما لا يرى وهو في الحقيقة فاقذ للبصر والبصيرة لا انه لا يستطيع أن يدرك كذلك .

وكما يقول " علي حرب " أن التجربة الفكرية الفذة لا يمكن تكرارها أو تعميمها وإنما الممكن استلهامها والتفاعل معها بالمقابل هناك هاجس لاهوتي : هو يقوم على التحرر من هذا الاستلاب بالعودة إلى الأصول لأحيائها والتماهي معها كما هو الحال في الحركات الأصولية .

والهاجس العلماني حيث تبدو الحقيقة في المنظور العلماني والتقدمي بمثابة فردوس مفقود تمثله قيم العقل والاستنارة والحرية والعدالة التي ينبغي تحقيقها للتحرر من هذا الاستلاب .
وفي نظر علي حرب في كلا الوجهين تعامل الحقيقة بعقل غيبي ما ورائي بمنطق ثبوتي أحادي أما بالارتداد إلى الماضي أو باللحاق بالتقدم نحو المستقيل الذي لا ينفك نتراجع عنه
فالمستلب لا يستعيد هويته ولا يبلغ حقيقة (1) .
فان الحوارية تظهر عندما يشعر أن الإنسان انه رهبن خياراته الداخلية وهي التي تدفعه إلى كشف الأدوات المناسبة لإيجاد الحلول لها . وهذه هي أخلاقيات الحوار التي تؤمن بان الأخر جزء من الذات وان الذات جزء من التاريخ والواقع والجماهير وبالتالي خير الكلام من كان العقل مرشده والحكمة والأخلاق غايته لكن بالمقابل نجد أن ذهنية الإقصاء القائمة على الأحادية و الشمولية تمارس مهامها ضمن فعالية عصابية قائمة على ذلك وسيلة في تشكيل الهوية القائمة على ثنائية ألانا / الأخر في سلسلة طويلة : الأيمان / الكفر ، الاصالة / الانحراف .. يتحول الأخر إلى هامش مقابل مركزية الذات .

أنها ذهنية تتجذر في البيت والمدرسة وتتفرع في المجتمع والحزب وتنغرس بالتسلط والإقصاء في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية على مستوى التراث والحاضر .
ففي التراث كانت حرية الاختلاف غائبة مقابل حضور ذهنية التمركز حول الذات الراسخة في الممارسات التالية :
في علم الكلام حيث يقول حسن حنفي : أصبح الأيمان باللفظ أي بالنطق بالشهادتين وأصبحت الأمة امة الألفاظ حتى بلا تصديق باطني حتى ولو أضمرت الكفر فإخراج الفعل من مكونات الأيمان عند الناس يقابله إدخال الفعل بلا حدود من الحاكم المتمثل لله . ومن سلطة الحاكم المستمدة من سلطة الله .

ويقول حسن حنفي : من هذا التصور المركزي للعالم جاءت فكرة الزعيم الأوحد ، المنقذ الأعظم والرئيس المخلص الملهم يأمر فيطاع . فقد تحولت سلطوية التصور إلى تسلط النظم والإعلاء من شأن القمة على القاعدة فاهم شخص في الدولة هو الرئيس واهم فرد في الجيش هو القائد وفي هذا يقول الفارابي: سواء قلت الملك أو الرئيس أو الإمام أو الله فأنني أقول شيئا واحدا .

وقد افتح علم الكلام آليات تبرير المعطيات : كان عمل العقل في تراثنا الفلسفي عملا تبريرنا خالصا أي انه يأخذ المعطيات وينظرها ويحيلها إلى معطيات مفهومية يمكن البرهنة عليها . لم يقف العقل إمام المعطيات محايدا أو ناقدا إياها أو معارضا لها أو متسائلا عن صحتها كانت مهمة التوفيق بين الأضداد (2) .
وفي الأدبيات السلطانية التي تحولت إلى أداة للهيمنة فان تحديد المفهومي للخطاب الذي يتصف بكونه سياسي والذي تجسد نصيا بالإحكام السلطانية فهذه النصوص تنطلق من بنية متداخلة من العلاقات تتصف في كونها خطاب يضم نصوص لكل منها خصوصية أو أحيانا متخاصمة فيما بينها في تياريها من اجل خدمة السلطان وهذا يظهر في الصراع بين النصوص المنسوبة إلى الكتاب مع نصوص المتكلمين والفقهاء ، فهؤلاء يتصارعون فيما بينهم في كسب شرعية التعبير عن السلطة وخطابها الرسمي .

أما الحاضر فانه واقع بين" نظرية المؤامرة " وتوظيفاتها السياسية التي اسبغت الشرعية على التسلط والقمع السياسي بحجة العود الخارجي وبالتالي أنتجت فكرا يحاول مقاومة الإصلاح وقد خلق هذا واقعا اجتماعيا متخلفا ، في ظل غياب المؤسسات الدستورية وهيئات المجتمع المدني في ظل دساتير لا تعدو أن تكون سوى يرامح يلجأ ذلك العالم وبرلمان صنعته انتخابات غالبا ما تكون غير حرة في ظل منظومة قضائية مستقلة شكليا يقودها موظفون لدى السلطة .

أين هذا من مفهوم الديمقراطية الذي يعني الترتيب المنظم الذي يهدف إلى الوصول إلى القرارات السياسية والذي يمكن للإفراد من خلاله اكتساب السلطة للحصول على الأصوات عن طريق التنافس . وتكون السلطة السياسية مرتكزة على نظرية السيادة الشعبية ويتم اختيار الحاكم عن طريق الانتخابات الحرة وليس الاستفتائية لصالح مرشح واحد وبنية الحكومة مستندة إلى التعددية السياسية وفصل السلطات هذا يعني أن تكون صلاحيات الحكام محدودة ويتمتع المحكومون بحريات عامة كحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية إنشاء الجمعيات والحرية الدينية ، وكل هذا قابل لتعديل القواعد والمؤسسات استجابة للظروف المتغيرة.
بين " نظرية الانفتاح " على الأخر حيث الجواب الشافي عبر نقد وتحطيم الثوابت الحضارية عبر الترويج لشعارات الثقافة القائمة على التبعية للمركز الغربي .

بين تلك الوقائع هيمنة المثولوجيا والدوغمائية و الانتهازية على الحياة السياسية العربية حتى بات الإصلاح بعيد بل مستحيل حتى تشبع الواقع العربي بذهنية " التفكير " الأصولي أو ذهنية ( التخوين ) التي تحولت إلى ذهنية إقصاء باسم استنبات الديمقراطية وهي لا تعدو سوى وسيلة إلى تثبيت رموز سياسية خلقت حول نفسها ماضي من السرد الذي يشير إلى البطولات والمجابهات والتي يراد لها أن تنتهي بكرسي في السلطة .

إن ما نريد قوله انه لا منجى من هذا إلا بإقرار ذهنية الحوار ودور المؤسسات الدستورية التي تستطيع أن تحيد الفردية وتجعلها تأتي بعد إجماع الأمة بهذا يتحول التخاصم إلى تنافس مبرر للتمثيل النسبي المقرون بصندوق الانتخاب لاالأبدي المصحوب بسرود سلطوية يؤسطر ويعمق من سلطة الفرد على حساب الجماعة وهو جزء من اللاشعور الجمعي الذي تشكل عبر تاريخ هذه الامه.
3-الحداثة والديمقراطية : إن الواقع الذي عاشه العراق ، هو جزء من أنموذج ساد الشرق الأوسط والعالم الثالث عامة ، حيث كان نظام الحزب الواحد المبني على مفاهيم عضوية :طائفية أو قبلية ، قد فشل بشكل كبير في توفير الرفاهية لمواطني تلك الدول مقابل ما حققته الدول المتقدمة الغربية

وقد عمق هذا الأنموذج حالة الضياع في مجتمعنا ، إذ كان المجتمع يفتقر إلى بنى عصرية ، وتوزيع منطقي للثروة الوطنية ومستوى لائق للحياة … في ظل تلك التركة والقمع البوليسي ، والتهجير والإقصاء ، وتشوبه الذاكرة الجمعية عبر التزوير التاريخي والاجتماعي بخلق ممارسات ديمقراطية زائفة وكاذبة وبخلق مخيال سياسي زائف يتخذ من الرئيس الفرد محور الرغبة ،إذ يتم إسقاط كل الصفات الايجابية عليه ويسقط السلبية منها على أعدائه ، وقد دخل هذا التزييف في ميدان التربية والتعليم والأعلام حتى تم تزييف الوعي لدى الكثير من الذين مسخت شخصياتهم سواء بعلم منهم أو بدون علم . لكن في ظل هذا التحول الذي نعيشه من الحكم الفردي الاستبدادي إلى الديمقراطية ، يتطلب الأمر مزيجا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والضمانات الأمنية … وهكذا ظهرت مؤسسات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان ، وتطبيق التعددية والديمقراطية ومناقشة الدستور … الخ .

وهنا يتطلب الأمر تحديد مفهوم ( المجتمع المدني ) ومفهوم ( حقوق الإنسان ) ، لان هذه المفاهيم تاريخيا ارتبطت بإشكاليات معرفية واجتماعية وسياسية ، واقتصادية متباينة ، فهما في الغرب كانا يعنيان شيئا ثم اصبحا في أوربا الشرقية شيئا أخر بسبب تغير الظرف ، ولابد من تحديدهما بالنسبة إلينا لحاجتنا إلى توظيفهما في أغناء حياتنا الاجتماعية والسياسية الجديدة ألان .

إن مفهوم المجتمع المدني كما عرض ( عزمي بشارة ) قد مر بأشكال متباينة بحسب الإشكال السياسي وكما يلي :
أولا- في أوربا الغربية حيث نلاحظ أمرين ، اولهما : النمو التاريخي ، وثانيهما : الواقع الأوربي الغربي المعاصر ، قد أضافا إضافات دخلت على المفهوم ، فمن حيث النمو التاريخي ، ظهرت أراء متنوعة تصب في خدمة النظام السياسي أو السلطة المهيمنة فيه ، ومن هنا جاء تصور ( هوبز ) في ظل الملكية يحدد المفهوم بالعلاقة بين المجتمع من ناحية والدولة من ناحية أخرى ، تلك العلاقة المفسرة بالعقد الاجتماعي ، الذي يتنازل فيه جميع الأفراد عن كافة حقوقهم . ومن هنا يظهر أن المجتمع الوحيد الممكن كمجتمع مدني هو : الدولة ، وهذا التأمل كان يهدف إلى إسباغ الشرعية على السلطة المطلقة للملك . لكن عندما ظهرت البرجوازية ، ظهرت أفكار مختلفة عن المجتمع المدني اذ تم استبعاد التصور السابق بظهور تصور مجتمع قادر على تسيير ذاته في حالة طبيعية متخيلة دون الحاجة إلى دولة وذلك هو تصور ( جون لوك ) . لكن سرعان ما عادت الدولة مع ( هيجل) بعد أن استوعب المجتمع المدني في داخلها كنفي ديالكتيكي ، وكمرحلة من مراحلها ، وكتجديد من التجديدات التي تركب في عينيتها الدولة الحديثة ، حيث العلاقة بين المجتمع المدني والدولة هي علاقة يتحول فيها مفهوم ( المجتمع المدني ) إلى غياب في ظل التيار الفاشي والفكر الاشتراكي ، بل حتى مع انتظار الليبرالية الديمقراطية فقد زالت أيضا في الفكر الديمقراطي الجمهوري الحاجة إلى مفهوم ( المجتمع المدني ). لكن المجتمع الغربي قد تعرض لعدة هزات أعادت الحياة إلى فكرة ( المجتمع المدني ) سواء في المعارك النقابية الكبيرة أم في الحركات المعادية للاستعمار في مرحلة التحرر الوطني وفي الحركة التسوية أو حركة السلام والبيتة وفي الثورة الثقافية في الستينات . وقد جمعت العناصر السابقة داخلها ضمن هذه التغيرات ، ظهر حيز عام يضع ذاته خارج آليات السوق الرأسمالي ، وخارج آليات الدولة ، ففي حالة الدولة الرأسمالية المتطورة التي عرفت بتوفير الرفاهية للإفراد كان ينمو مفهوم متميز للمجتمع المدني يتمثل في إمكانية الانضمام إليه على أساس طوعي ( تعاقد) بمشاركة تقوم على أساس الحوار ، الذي لا يهدف إلى الربح ، بل ينطلق من فهم معين للحيز العام في الصحة والبينة .

إن المشكلة التي دفعت أوربا الغربية إلى إنتاج هذا الفهم للمجتمع المدني ، تقوم في الدول الرأسمالية ، ليس على أساس مجرد الحاجة لوضع حدود للدولة والاقتصاد فحسب ، وإنما تقوم على حل مشكلة متأخرة غير قائمة بهذه الحدة في المجتمعات ، التي مازالت تعتمد في تلاحمها على البنى العضوية ( الطائفة) والعشيرة …. الخ ) أكثر مما تعتمد على التعاقد المفترض .

إن هذا التصور للمجتمع المدني ظهر بسبب تدني المسؤولية تجاه الحيز العام في سلوك الأفراد ، أما في أوربا الشرقية ، فالأمر يختلف بسبب اختلاف المشكلة المتمثلة بهيمنة الدولة على كل مقدرات المجتمع في ظل الفكر الشيوعي ، حيث عاد ( اراتوArato) الذي أحيا مفهوم ( هيجل ) عن المجتمع المدني ، من اجل تطوير مفهوم ( هافر ماز ) حول ( الحيز العام ) ، وهو يتعلق بالروابط والمؤسسات التي ينظمها المواطنون في وقتهم الحر ، وهي ليست اقتصادية بالضرورة ، كما أنها ليست تابعة للدولة ، وهي ما أراد ( اراتو ) أن يشدد عليها في بحثه عن المجتمع المدني ضد الدولة في ( بولندا) ، إذ كانت هذه مجرد محاولة لتطوير موقف أخلاقي خارج نظام الدولة الشيوعية في أوربا الشرقية .

وبهذا نجد انتصارات المفهوم متباينة بحسب المشاكل ، التي يتعرض لها كل شعب ، ففي أوربا الغربية تغير التصور بسبب تغير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ،بفعل هيمنة الدولة البرجوازية على مقدرات تشكيل الوعي الجمعي والذاكرة ، فهي على الرغم من أنها أطلقت على نفسها (دولة الرفاهية ) إلا أنها أسهمت في الاغتراب وغياب الوعي الجمعي مما أدى إلى تحديد مفهوم ( المجتمع المدني ) بما يتعلق بالاغتراب للفرد والتعاون الاجتماعي بعيدا عن الدولة . أما في ظل الوضع البولندي فان الأمر يتعلق بالجانب الاقتصادي والمطالبة بالحرية الاقتصادية واقتصاد السوق ، في ظل هيمنة الدولة على المقدرات الاقتصادية .

هذا وقد جمع وضعنا العراقي الحالي المشكلتين معا هيمنة الدولة الاستبدادية ومشكلة الهيمنة الاقتصادية، ولهذا فسيكون دور الدولة في البناء معقدا، لا يمكن أن يخطو إلى الأمام عن طريق إقامة الديمقراطية الشكلية بشكلبها الغربي ، فذلك أمر لايمكن أن يكتب له النجاح في التطبيق في العراق ، دون أن تكون قائمة على معالجة الجوانب الاجتماعية وتجاوز المشاكل الاقتصادية . إذ لا بد انم يكون للدولة دور في بناء المجتمع وإصلاح المشاكل ، التي خلفها النظام الفردي ، الذي قضى عل ابسط مقومات المجتمع المدني ، وحقوق الإنسان ( المواطنة) ، وتلك هي البوابة إلى إعادة الاعتبار إلى بناء الدولة العصرية الجديدة ، بثقة لدى العراقي ، التي أسسها استنبات الديمقراطية انطلاقا من المعالجة الاجتماعية القائمة على حقوق الإنسان .

وحقوق الإنسان منجز حديث كما يراه ( محمد أركون ) ظهر مع الحضارة الغربية الحديثة ، وانتقل إلينا بـ ( استخدام الخطاب القومي السائد بعد الاستقلال ، الباحث عن إعادة الهوية والشخصية ،من اجل تمرير منتجات الحداثة التي اضطرت الدول الإسلامية إلى استعارتها من الغرب ، وربما لأنها لا تستطيع أن تستعيرها كما هي ، فأنها خلعت عليها الغطاء الإسلامي، لكي تكتسب مشروعية ، وتصبح مقبولة في نظر الجماهير ، فحقوق الإنسان ، اختراع غربي أو إنتاج العصور الحديثة في الغرب ) ، بفعل مشروع الحداثة الغربي وانعكاس لما غاشه المجتمع في الغرب من اجل مقاومة الخروقات بحق الإنسان ، ولعل هذا يظهر فيتصور مفهوم ( المواطنة – الدولة ) حيث يركز الفكر السياسي اهتمامه كليا على الحماية القانونية والمادية ( للفرد – المواطن ) وهذه الحماية تجد جذورها في تحقيق تلك الحقوق .

وبهذا نجد الترابط بين مفهومي ( المجتمع المدني ) و(حقوق الإنسان ) واضحا عندما تراعي الدولة الحقوق المدنية والسياسية المرتبطة بالحريات العامة .
لكن توظيف المفهومين يجد ضرورة مراعاة دور الدولة في تحدي مهامها داخل المجتمع العراقي ، أن يكون لها دستور يقيد سلوكها ، ويحدد لها المهام ، مثلما يؤكد على ضرورة أن يكون لها دور في إحداث تغيير اجتماعي يسعى إلى تحقيق الرفاهية للمواطن من خلال الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية ، المرتبطة بتطبيق الديمقراطية ، لان الديمقراطية الشكلية على الطريقة الغربية التي تقيد الدولة وتحد من مهامها الإصلاحية ، غير ممكنة ذلك بان مجتمعنا بحاجة إلى الإصلاحات المذكورة أنفا التي تقوم بها دولة تكون بدورها مقيدة بالدستور ( أي دولة قانون ) .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد الحداثة
- تنزع الفلسفة كل ماهو لا معقول وتحيله الى كائن تاريخي عقلاني ...
- نقد بنية الذهنية العراقية - عند علي الوردي-
- الطوفان بوصفه حدثاً
- فرويد والقراءة الطباقيه
- منهج التأويل الرمزي
- جماليات المكان في نص -مكابدات زهرة اليقطين
- المتخيل السياسي في العراق القديم
- الخطاب السياسي وراغامات الوعي
- المثقف ورهان الاختلاف
- الجذور الحضارية لمدينة الكوفة
- رابطة المواطنه
- مقاربة نقدية في السرد الروائي
- الأعلام والعولمة
- مهيمنات السلطة وإثرها في تشكيل الوعي الغربي


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر عبد زيد - الحداثة المرجوة