أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟















المزيد.....

انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1887 - 2007 / 4 / 16 - 12:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لطالما كانت الانتخابات النيابية السورية لا حدثا سياسيا بامتياز. لا يقتصر الأمر على انقطاع تأثيرها على اتجاهات النظام الحاكم وغياب دلالتها على سياساته المحتملة، بل يتعداه إلى كونها دالة على ثباته واحتفاء بدوام سيطرته. بعيدا عن أن تجلب التغيير أو تؤشر عليه، الانتخابات هذه من براهين النجاح في استبعاده والتحرر منه. معلوم على أية حال أن نسبة ثلثي أعضاء مجلس الشعب مقررة لقائمة "الجبهة الوطنية التقدمية" (حزب البعث، وبضعة أحزاب تابعة)، وأن النسبة هذه تكفل تمرير أي مشروع قانون عبر المجلس (الذي يحرص من جهته على أن تمر المشاريع بالإجماع). الثلث المتبقي، المكون من "مستقلين"، مستقل أكثر من أي شيء آخر عن السياسة وعن المعارضة. ولعله من باب التعبير عن هذا الاستقلال المؤزر، صرح مرشح ورجل أعمال حلبي: "كلنا بعثيون وإن لم نكن حزبيين". والـ"نا" التي وكل المتكلم نفسه النطق باسمها تحيل إلى ما يمكن أن نسميها "النحن الشمولية"، أي مصادرة "أهل الصلة" على أننا، نحن السوريين، موحدون تماما ونجسد وحدتنا في النظام وحزب البعث، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ الانتخابات ذاته. لا ننتخب ممثلينا إلا لأن مصالحنا وانحيازاتنا وتفضيلاتنا متعارضة وغير متوافقة تلقائيا.
وليس إلا اقتحاما لأبواب مفتوحة أن نقول إن المجلس فاقد للوظيفة الرقابية، كما للوظيفة التشريعية المستقلة (هو ممر لإصدار القوانين وليس مقرا لها). أما وظيفته التمثيلية فتسهم في تثبيت المجتمع السوري في روابط أهلية موروثة، بل بالفعل في تسييس هذه الروابط وتطييفها.
من يسير في شوارع المدن السورية هذه الأيام ستلفت انتباهه صور المرشحين "المستقلين" يعرضون أنفسهم داعين "الشارع" للتصويت لهم في الانتخابات المقررة في 22 نيسان الجاري. صور فقط، مع فعل أمر غير معلل يقول انتخبوا فلان أو فلانة. لا تجمعات انتخابية. لا بيانات انتخابية ملصقة في الشوارع أو يوزعها مندوبو المرشحين، لا ظهور على التلفزيون، لا مخاطبة للناس عير الإذاعة، لا مقالات في الصحف. وحيثما أصدر بعض المرشحين بيانات انتخابية فقد اعتنوا بإثبات الولاء للنظام لا بقطع التزامات ملموسة لجمهور "الناخبين". أما "الجبهويون" فلا تظهر حتى صورهم. فهم فوق المنافسة وفوق الإقناع. والتصويت لهم هو تصويت للنظام.
على أن صمت صور المستقلين لا يفتقر إلى بلاغة. فغياب البرامج والمهرجانات الانتخابية.. يتوافق مع نمط تعبئة انتخابية خاص. فإذا كان معقولا أن برنامجا انتخابيا يحاول مخاطبة عقول قرائه المحتملين، وكان رهان تجمع انتخابي إقناع قطاعات من المجتمع بالتصويت لمرشح أو تحالف انتخابي يلتزم بالعمل من أجل أهداف محددة..، وإذا كان البرنامج والتجمع.. يعتمدان نمط تعبئة عقلاني من حيث المبدأ، فإن دعاية انتخابية تقف عند الصورة والاسم تعتمد تعبئة متمحورة حول من هو المرشح، وليس ما هو أو ما قد يفعل أو بم يلتزم، هويته وليس التزامه. أي أن من ينتخب هو أصل المرشح وفصله، نسبه وقرابته وعشيرته وأهل ثقته. والثقة بالمرشح تنصب هنا على العصب لا على الرأي.
وعلى الحسب كذلك. فالمال والنفوذ يتدخلان بكثافة لتدعيم روابط العصب التي لم تعد قادرة على الوقوف على قدميها دون دعم من السلطة والمال.
على أنه إذا كان ثالوث النسب، المال، الولاء يضمن توفره فرص نجاح أكبر للمرشحين "المستقلين"، فإن قائمة الجبهة لا تعرض نموذجا أكثر عقلانية للتعبئة الانتخابية. عدا أنها تراعي "كوتات" أو حصص تمثيلية للمكونات الأهلية للمجتمع السوري، وإن بطريقة كيفية غير مقننة، فإنها تشبه هي ذاتها، حزب البعث بالخصوص، روابط أهلية وراثية، وذلك لكون عضويتها، تفتقر إلى عنصري الطوعية والاستقلال الذين يجعلان منها تنظيمات مدنية. خلاصة هذا الوضع أن خيارات السوريين تنحصر بين أهل الحسب والنسب وأهل السلطة. لا عجب أن "ينتخبوا لا أحدا" حسبما صرح لنشرة إلكترونية محلية شاب جامعي رفض أن يوصف امتناعه عن التصويت بالسلبية. وتتداول منابر إعلامية غير معارضة أن بين 10 و15% هم من يشاركون في ما يسميه أهل الولاء "العرس الديمقراطي".
والوجه الأكثر تخريبا للعرس هذا يتمثل في واقع أن مواسم الانتخاب هي مواسم للاستنفار الديني والطائفي والعشائري. بالفعل توفر هذه المواسم فرصا نادرة لملاحظة كيف تقوى العشائر والطوائف، بل كيف تصنع. ففي ظل أولوية الولاء على القانون، واشتغال النظام على الاستثناءات والحظوة والولاء، حازت الجماعات الأهلية شعورا مجربا بأن تصعيد أحد أبنائها إلى أحد أجهزة الحكم يمنحها عزوة، ويرفع من هيبتها، ويمنع غيرها من "الدوس على طرفها"، ويسهل لها الرد أن تعرضت لاعتداء، والافتداء إن وقع أحد الأبناء في محظور. وهكذا أخذت "الانتخابات التشريعية" تظهر كفرصة لرص جسد الجماعات هذه وتمتين وحدتها.
والحال، إن الانتخابات البرلمانية فرصة لا نظير لها لصنع الشعب عبر تدريبه على المواطنة وتثقيفه بحقوق المواطنين، وتطوير شعور الشراكة الوطنية في أوساطه، واحتيازه الوعي بأن مشاركته الانتخابية ذات مفعول تغييري يمس شروط حياته. وهي بعد فرصة ممتازة لتوهين قوة العشائر والطوائف وإضعاف تأثيرها على الحياة العامة. ليس هذا شيئا يستحسن أن تقوم بها السلطة العمومية بل هو شيء يتعين عليها أن تقوم به. فسلطة الدولة، عبر نظام التعليم والجيش ووسائل الإعلام وقوانين الانتخاب والمؤسستين القضائية والتشريعية.. أهم "مصنع" للشعب. ولا ريب في أنه لو اقترنت دعاية انتخابية حرة، بما فيها تجمعات انتخابية، مع تقييد توسل المال، لكنا قطعنا شوطا نحو تكون الشعب السوري. ولو حازت الأحزاب السياسية، الموالية والمعارضة، فرص نشاط عام تقارب الفرص المفتوحة للطوائف والعشائر، لكان المجتمع السوري قطع خطوة أوسع على طريق الاندماج. ولو نال الفاعلون المدنيون من مثقفين وسياسيين اعترافا سياسيا بهم يداني ما يحظى به "أرباب الشعائر الدينية" وشيوخ العشائر، لتقدم المجتمع المحلي درجة على سلم الوحدة الوطنية المدنية (تمييزا عن الوحدة الأهلية القائمة على اشترك جميع الروابط الأهلية في الولاء، دون أن تشترك بأي شيء آخر).
يقول هذا الواقع الكثير لمن لا يمانع التضحية بانحيازه أو جهله. أولا، إن الطوائف لا توجد في الطبيعة بل تصنع؛ ثانيا، إنها لا تصنع إلا برسم السلطة وعبرها وطلبا للقرب منها؛ ثالثا، إن تكوين هذه وهرم أولوياتها هو ما يقضي بتدعيم و"إعادة إنتاج" تلك التكوينات العصبوية ما دون الوطنية (بينما "واجبها" النابع من مفهومها كدولة هو أن تفكك هذه التكوينات، وهي تقدر)؛ رابعا، إن التكوينات هذه ليست أصلية وأصيلة وعابرة للأزمنة في مجتمعاتنا "المتخلفة" و"الفسيفسائية"، بقدر ما هي من "خطط" السياسة والسلطة المطلقة؛ خامسا، إن هذا يقدم إجابة لمن يريد على السؤال التالي: الشعب يصنع والطوائف والعشائر تصنع، لماذا تنجح الصناعة الثانية وتفشل الأولى؟ "الشارع" يصنع و"الرأي العام" يصنع، لماذا لدينا الكثير من الشارع والقليل من الرأي العام؟ جوابنا: لأن شروط "إعادة إنتاج" السلطة لنفسها تمر بـ"إعادة إنتاج" التكوينات العصبوية، الرعوية و"الشارعية". وأبسط معنى لذلك هو أن الإطار السياسي الراهن للوحدة الوطنية هو العائق أمام الوحدة الوطنية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي
- مقام الصداقة
- أحوال الإجماع اللبناني مقياسا للسياسة السورية حيال لبنان
- بصدد تسييس ونزع تسييس قضية اللاجئين العراقيين
- بصدد السلطة السياسية والسلطة الدينية والاستقلال الاجتماعي وا ...
- صناعة الطوائف، أو الطائفية كاستراتيجية سيطرة سياسية
- في دلالة انفصال -العمل السياسي- عن السياسة العملية في بلدانن ...
- تحييد لبنان إقليميا وحياد الدولة اللبناني الطائفي
- في أصول تطييف السياسة وصناعة الطوائف
- أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!
- رُبّ سيرة أنقذت من حيرة! -هويات متعددة وحيرة واحدة- لحسام عي ...


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟