الاحتجاجات مهمة ولكن...

عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 570 - 2003 / 8 / 21 - 04:51
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

مطالب القوى العاملة مهمة، واحتجاجاتها مبررة إذا سارت بشكل سلمي وقانوني، فمن الواضح أن الظروف والقوانين والإجراءات التي تتم للقوى العاملة ليست هي القوانين والإجراءات التي تتم للقوى المالكة، فهذه هي المدللة فيما تريد من جلب للعمالة الأجنبية وتحديد الأجور وتحديد الإيجارات وأسعار السلع الخ...

وهذا جزء من طبيعة الأنظمة الاجتماعية التي يحدد سقفها القانوني المالكون، فقدراتهم وهيئاتهم مترابطة بحيث تقوم بتنفيذ المصالح العامة لهم دون صراعات حادة، كما هو الأمر بالنسبة للعاملين الذين لا يحصلون على تغير اقتصادي إلا بصراعات جمة. وهذا الأمر يعود للعاملين أنفسهم، بسبب ضعفهم وتشتتهم، وغياب الرؤية الإصلاحية البعيدة المدى، فالنقابات متفرقة، وليست هناك قوة سياسية واجتماعية توجه طاقتها لتغيير أوضاع العاملين عن طريق الدخول إلى البرلمان والبلديات، وطرح خط موجه لتغيير أحوال هذه الطبقات الشعبية. هناك فاعليات وجهود مختلفة في ذلك، ولكن لا يوجد تيار سياسي وفكري ونقابي يتوحد من أجل تطوير أوضاع العاملين بدرجة أساسية، كما هو الشأن في حزب العمال البريطاني مثلاً، فهنا لا بد أن تندمج قوى النقابات والجماعات الفكرية والاجتماعية من أجل تكوين وتجذير هذا التيار، ومن خلال خيوط فكرية متعددة، حتى لو تم ذلك في عقود، لأن مثل هذه المسائل تحتاج إلى صبر طويل وإلى اختمار وتبين المصالح المشتركة العميقة لمجموعات كبيرة من العمال والموظفين والمثقفين. إن هذا الأمر يحتاج إلى زمن طويل، فأغلبية الجمهور العامل ضائع بين الجماعات الدينية، التي ليس في منهاجها توجيه التطور الاجتماعي نحو تفتح الوعي الاجتماعي والنقابي، في حين تبذل الجماعات الوطنية اهتمامها نحو لملمة صفوف هذه القوى الاجتماعية.

كيف استطاع حزب العمال البريطاني أن يكون له قاعدة سياسية كبيرة، ويؤثر في تطور حياة الملايين من العمال وأسرهم، بل أن يكون له دور في صنع السياسة البريطانية والوصول الى الحكم والتأثير في كل جوانب الحياة السياسية، بما فيها الدساتير وأوضاع الملكية الخ...؟ لقد اعتمد ذلك على وجود تعاون كبير بين مجموعات المثقفين الاجتماعيين والفئات العمالية الواعية والمستنيرة، التي كرست التقاليد النقابية بصبر طويل، عبر نشر الوعي النقابي والانضباط بين صفوف العمال والتثقيف المستمر الذي يصل إلى خلق كليات وجامعات لدراسات العمال، وتطوير الجناح العمالي النسائي من الحركة العمالية. هذا لا يتحقق بين عشية وضحاها بل يستغرق قروناً، فجذور الحركة العمالية البريطانية والأوروبية تمتد إلى عصر النهضة. إن أبسط ردود فعل العمال والعاطلين تجاه الظواهر هي العنف، وهي ردود فعل تستغلها القوى الأخرى من أجل تغييب دور العمال في الحياة السياسية، وهي غالباً ما قادت إلى الكوارث، ولهذا فإن فعل النضال المنظم يحتاج الى الهدوء والدراسة وتكوين الروابط المختلفة وتعليم العمال. إن الفوضويين والذين لا يريدون للعمال دوراً مستقبلياً يكرهون فتح فصول محو الأمية بين العمال وتكوين المدارس وتدريس الاقتصاد والعلوم وافتتاح كلية عمالية وصحيفة عمالية الخ... فهم في سرعة من أمرهم، لكن الآن تطورت مدارك العمال وهم في سبيل دراسة خبرة زملائهم في البلدان الأخرى والتطور بمهل ونضج. هذا ما يمكن أن يخلق في المستقبل قادة عماليين يستطيعون أن يقدموا سياسة عملية لتطوير أوضاع العمال ويفرضوها بالقانون.
 

#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات