أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جورج طرابيشي - كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في -تسيير المخاطر















المزيد.....

كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في -تسيير المخاطر


جورج طرابيشي

الحوار المتمدن-العدد: 570 - 2003 / 8 / 21 - 04:37
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في "تسيير المخاطر"
      الحياة     2003/08/17
"حدث الأحداث"، "الحدث المطلق"، "الحدث بألف ولام التعريف"، "الحدث الذي لن يكون بعده أي حدث حدثاً".

إزاء هذا التوصيف للعملية الارهابية المزدوجة التي ضربت نيويورك وواشنطن يوم 11/9/2001، يحق للمرء أن يتساءل: ماذا كان وقع هذا "الحدث" على المجتمع الأميركي نفسه؟ وهل تغير هذا المجتمع بقدر ما يوحي تغير الخطاب الأميركي نفسه؟

مؤلفة هذا الكتاب، أستاذة العلوم السياسية في السوربون والاختصاصية بشؤون الولايات المتحدة الأميركية وبعنف المدن، تكاد تجيب عن ذلك السؤال سلباً: فالتغير، الذي طال الخطاب أكثر مما طال السلوك، طال أيضاً الظاهر أكثر مما طال العمق. أو فلنقل انه طال البنية الفوقية أكثر مما طال البنية التحتية، أي طال الدولة أكثر مما طال المجتمع، وهذا في أمة يصدق عليها الوصف أكثر من أية أمة أخرى في العالم بأنها أمة مجتمع قبل أن تكون أمة دولة. والواقع ان كلمة "مجتمع" نفسها ليست هنا في محلها. فأميركا هي في المقام الأول أمة جماعات محلية communities. فهي الأمة الأقل مركزية في العالم. ومهما بدت المفارقة كبيرة، فإن كارثة 11/9 هي كارثة نيويوركية أكثر منها أميركية. وحتى في داخل نيويورك نفسها، فإنها كارثة مانهاتن أكثر منها كارثة بروكلين، كارثة نيويورك/ الرمز أكثر منها كارثة نيويورك الحياة الواقعية.

هذا لا يعني ان وقع 11/9 على الأميركيين لم يكن هائلاً. لكن ردود فعلهم هي وحدها التي تغيرت، وليس حياتهم اليومية ولا منظومات قيمهم. فغضبهم أخذ شكل احتدام للنزعة الوطنية بلبوسها العسكري. وطبقاً لاستطلاعات للرأي أخذت "على السخن" غداة الكارثة، فإن 85 في المئة من الأميركيين، بمن فيهم النساء والتقدميون، أيدوا الرد العسكري، حتى لو طال هذا الرد لا قاعدة "القاعدة" في افغانستان وحدها، بل كذلك عراق صدام حسين الذي لم يتوفر (ولن يتوفر) دليل على تورطه مع "القاعدة".

رد الفعل الغاضب هذا، الذي شــل القـدرة النقدية لدى الاميركيين ـ باستثناء بعض المثقفين من أمثال نورمان مايلر وناحوم تشومسكي الذين تساءلوا عن سبب كراهية العــــالم لأميركا ـ هو ما أفـــسح في المجال أمام ما تسميه مؤلفة "المجتمع الأميركي بعد 11/9" بـ"أكبر عملية انتهازية سياسية في تاريخ الولايات المتحدة". فبين عشية 11/9 وضحاها تحول بوش الابن من رئـــيس "أسيء انتــــخابه" الى "رئيس مجــمع عليه" إذ ارتفع معدل شعبيته من 51 الى 86 في المئة.

لقد كان المحلل السياسي جيورجي آرباتوف تنبأ في 1988 بأن الاتحاد السوفياتي سيلحق أذى كبيراً بالولايات المتحدة الأميركية بقدر ما سيحرمها من عدو قابل بسهولة لتحديد هويته. وابن لادن، مصمم عملية 11/9، قدم لأميركا على طبق من ذهب العدو المحدد الهوية الذي افتقرت اليه مع تفكك الاتحاد السوفياتي. وكان أول من أكل من هذا الطبق الرئيس بوش وفريق المحافظين الجدد الملتف حوله في البيت الأبيض. فقد عرفت الادارة البوشية كيف تستنفر الرأي العام الاميركي الى أقصى حد يمكن تصوره من خلال تطبيقها الذكي لما اسماه المحلل السياسي الفرنسي جان بيار دوبوي "استراتيجية النزعة الكارثية المستنيرة".

فكارثة 11/9 لم تغد ممكنة إلا بعد ان وقعت، وقبل وقوعها كانت فكرتها بالذات مستحيلة. ووجه التجديد والذكاء معاً في استراتيجية الادارة البوشية يكمن في التوهيم على الرأي العام الاميركي بأن الكارثة التي وقعت تظل، على هولها، أقل فجاعة من تلك التي قد تقع غداً، والتي قد تأخذ شكل عملية ارهابية ذرية أو بيولوجية. والانطلاق من أن الكارثة الأفجع والأهول واقعة لا محالة هو الشرط الأول لتفاديها. وعندما تغدو الكارثة منقوشة على هذا النحو في أفق المستقبل، فإن كل التدابير الاحترازية لاستباقها وللحؤول دون وقوعها تغدو مبررة. وهكذا تكون كارثة 11/9 قد وضعت في تصرف الادارة البوشية رأسمالاً ضخماً في مجال "تسيير المخاطر". فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، وعلى الأقل منذ طي صفحة المكارثية، يتحول الشعب الأميركي من شعب طالب لتدخل أقل من جانب الدولة الى شعب طالب لتدخل أكثر من جانب الدولة. فقبل 11/9 كانت الدولة في نظر غالبية الاميركيين هي المشكلة، فصارت بعد 11/9 هي الحل. ومن دون ان يتخلى الأميركيون عن ليبراليتهم في مجال الاقتصاد والتعليم والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، صاروا طالبين للحماية من جانب الدولة. الحماية بمعناها الأمني الصرف: الأمن في الخارج عن طريق ضرب قوى "محور الشر" في معاقلها سواء في افغانستان ام في العراق ام في أي مكان آخر من العالم. والأمن في الداخل عن طريق مطاردة "العناصر المشبوهة"، وهي العناصر التي كانت تتمثل حتى الأمس بالمهاجرين السريين وبمهربي المخدرات، وصارت تتمثل اليوم بالارهابيين الاسلاميين والشرق أوسطيين. وليس أدل على هذه الحاجة الى الأمن التي خلقتها كارثة 11/9 من كون أكثر من مليون قطعة سلاح قد بيعت خلال الأشهر الثلاثة التي تلت تدمير برجي المركز التجاري العالمي. وليس أدل ايضاً على براعة الادارة البوشية في استغلال تلك الكارثة لتعبئة الرأي العام حولها من كونها مررت في الكونغرس، بعد ستة أسابيع من وقوعها، "القانون الوطني الأميركي USA Patriot Act بمعارضة صوت واحد فقط في مجلس الشيوخ، وبتأييد شبه إجماعي من الجمهوريين والديموقراطيين معاً في مجلس النواب. والحال ان هذا القانون يخل بمبدأ أساسي من مبادئ الفلسفة الدستورية الناظمة لجملة علاقات المواطن بالدولة في الولايات المتحدة الاميركية. فهو يبيح اعتقال المشتبه فيهم لعدة أيام من دون توجيه اتهام محدد اليهم، وإخفاء مكان اعتقالهم، وعدم تكليف محام بالدفاع عنهم، وعدم السماح لمنظمات حقوق الانسان ورابطة الدفاع عن الحريات المدنية بالتدخل للاستفهام عن ظروف اعتقالهم. وأخطر ما في هذا القانون انه يحض المواطنين الاميركيين على الوشاية بكل من يبدر عنه تصرف غريب من جيرانهم، مما قد يدل على انتمائه الى جماعات ارهابية أو على تقديمه المساعدة لها أو لأعضائها. ولم تتوان وزارة العدل الاميركية التي يترأسها جون أشكروفت ـ وهو من صقور الصقور في معسكر المحافظين الجدد ـ عن توزيع مئات الآلاف من الاستمارات في علب بريد المواطنين لحثهم على رصد كل حركة مشبوهة في جوارهم. ومع ان هذه الاستمارات لا تسمي أحداً، إلا ان جميع من تلقوها أدركوا ان المقصود بـ"المشبوهين" أبناء الجالية العربية والمسلمة.

والحال ان تعداد المسلمين في الولايات المتحدة يتراوح ما بين ستة وسبعة ملايين، كما ان تعداد العرب لا يقل عن المليونين (المعهد العربي الأميركي يقدرهم بثلاثة ملايين) يتحدر معظمهم من لبنان وسورية ومصر ويعتنق أكثر من نصــفهم المسيحية. ووضع جالية بتمامها في قفص الاتهام ليس أمراً جديداً في تاريخ الولايات المتحدة القـائمة في بنيتها الايديولوجية بالذات على مبدأ الدمج أو الاستبعاد الجماعي. فقد سبق أن وضعت الجالية اليابانية (أكثر من مئة ألف شخص) في "معزل" اثناء الحرب العالمية الثانية. كذلك حامت الشبهات حول الجالية الايرانية برمــتها عقب اندلاع الثورة الخمينية في ايران. لكن باستثناء بعض الحوادث المـــتفرقة التي تعرض لها المســلمون والعــرب غداة أحداث 11/9 مــباشرة، فإن "حرب الحضارات"، التي يتمناها الاصوليون المسيحيون والاســـلاميون من أعماقهم، لم تـــندلع في داخل المجتمع الاميركي. كـــما ان مــنطق الطابور الخامس، الذي روج له فريق الصقور في البيت الأبيض، لم يتمكن من أن يفرض نفــسه. ولهذا فإن الحديـــث عن "مكارثية جـــديدة" ذات طابع اثني وديني معاد للعرب وللمسلمين هو، في نظر مؤلفه "المجتمع الاميركي بعد 11/9"، حديث في غير محله. لكن هذا بشرط، وهو ألا يفلح الارهابيون الاسلاميون في تنفيذ عملية أخرى مشابهة لعملية 11/9. فعندها قد يمارس الاميركيون فعلاً كذلك.

 



#جورج_طرابيشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجن الإيراني في عهد الخميني: تابوت واغتصاب
- إيديولوجيا حقوق الإنسان إذ تصبح تهديداً للديموقراطية
- شهادة نصير سابق للالتزام
- دور أفغانستان ، ومتطرفي الهندوس والإسلام ، في تأجيج كشمير
- كيف نصير كلنا أميركيين من دون علامات استفهام وتعجب ؟
- الديموقراطية وحدها تجعل الحق في السياسة مدخلاً الى الحق في ا ...
- العنوان: الاستغلال الرأسمالي لم يعد موضوع احتجاج الحركات الج ...
- الدولة القومية التي نشأت بالحروب، بالعولمة تتصدع وتفني
- سيغموند فرويد
- كيف تخلي الغرب عن دعوته الحداثية في الشرق الأوسط ؟


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جورج طرابيشي - كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في -تسيير المخاطر