أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - فيلم - العطر- للألماني توم توكفر.. إدانة صريحة لقطيع البشرية المنقاد إلى العماء














المزيد.....

فيلم - العطر- للألماني توم توكفر.. إدانة صريحة لقطيع البشرية المنقاد إلى العماء


ليندا حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


في الوقت الذي أخذت نهاية البطل "غرنوي" في "العطر" لـ "زوسكيند" مساحة زمنية وسردية لم تتجاوز حصة باقي التفاصيل في حياة غرنوي. كانت اللحظات الأخيرة هي المشاهد الأهم والأعمق التي عمل المخرج الألماني "توم توكفر" على الاشتغال عليها في النسخة السينمائية من "العطر".

يشعر المرء بعد الانتهاء من قراءة "العطر" بغرابة، بعدم إشباع، بسبب النهاية غير المتوقعة والتي تبدو لأول وهلة مبتورة غير مبررة قياسا برواية ذات تفاصيل مطرزة بعناية فائقة واهتمام عال بالجزئيات حتى خلق زوسكيند عالما جديدا لم يسبقه إليه أحد، ونجح بسحب القارئ وتوريطه بهذا العالم. إذ لم يشك القارئ لحظة بأن أنف غرنوي لا وجود له؟؟ بل إن الرواية جرفت قارئها للشك بأن حاسة الشم عنده معطلة، بينما أنف غرنوي هو القياس النقي والمعياري! كثير من التفاصيل يعتني زوسكيند بها عن ولادة غرنوي وفترة رضاعته وعمله في دباغة الجلود في يفاعته حتى وقوعه تحت سطوة رائحة جميلات فرنسا الصغيرات في ذلك الوقت. إلا أن المخرج مر بهذه التفاصيل مرورا أسرع ليس لقصر فترة الفيلم (147 دقيقة) بل لأن نهاية غرنوي كانت مغوية بالنسبة له أكثر. أو لنقل بأنها كانت بوابة لتمرير رؤية المخرج وتمرير قراءته الشخصية للنهاية التي افترضها قبله زوسكيند أو حكم بها على بطله. هذه الرؤية الخاصة للمخرج كان من الممكن أن تحدها رواية فاخرة كـ "العطر" مكتوبة بحرفية عالية، بمعنى أنها نص جاهز ربما لا يحتمل أية إضافة سيما وأن الرواية مقروءة بشكل واسع ومعروفة جيدا في بورصة الأدب الألماني والعالمي بعد ترجمتها إلى كثير من لغات العالم.

أية نية صافية وغاية ربانية دفعت بغرنوي لقتل هذا العدد المخيف من النساء لتصنيع عطره الأبدي الذي يخزن في دقائقه كل الجمال والرهافة والنشوة والتألق الروحي!! فلم يقلّ إبداع غرنوي في تنفيذ جرائمه عن إبداعه في تصنيع وابتكار روائح جديدة خلقها لهذا العالم. إذ أن اندفاعه وانجرافه المجنون نحو غايته وحلم حياته جعلا منه مجرما متيقظا وبارعا للوصول إلى مبتغاه. لم يكن الحكم الصادر بحق غرنوي يعنيه طالما أن العطر الذي حلم به صار بحوزته. هذا الإبداع المتأصل في روح غرنوي سيقف في مقابلة مع شره الذي دفعه لارتكاب جرائمه الفظيعة.. وينجح زوسكيند بتوريط القارئ مجددا بالتعاطف مع هذا القاتل بغية الوصول لهذا العطر السماوي! ألم يسأل القارئ نفسه إذا لم يكن القتل هنا مبررا، ومن الذي أحب
ضحايا غرنوي أكثر من غرنوي نفسه!!

وإذا ظل الموقف الأخلاقي للمخرج توكفر من غرنوي غير واضح وغير محدد. فإن موقفه من الإرادة الجمعية للبشر كان واضحا. هناك إدانة صريحة للمجموع السلبي والذي ظل على الدوام قطيعا منقادا نحو العماء. لن ينسى المتلقي المشهد الذي صفح فيه المجموع عن غرنوي بقوة طاغية لعطره الذي صنعه من روائح ضحاياه، عطره الذي كان دافعه الأصلي للجريمة، هو نفسه الذي سحر هذا المجموع. وحين تمكن من قلوبهم لم يستطيعوا أن يروا من غرنوي إلا هذا الإله المبدع الذي خلق هذه المعجزة. وراحوا يمجدونه ويباركونه. يفقد هذا المجموع فجأة ذاكرته الأخلاقية ويندفع بطيش نحو غرائزه ويصوره المخرج كتلة مرصوصة من الأجساد العارية المذهولة المأخوذة بحمى عمياء لن يستيقظوا منها إلا صباح اليوم التالي حين يغادرهم غرنوي فيكتشفون فجأة عريهم والفضيحة التي يغرقون فيها.

إنه الشيطان إذا. تقمص روح غرنوي ليغوي البشر غوايته المجيدة التي فوق تحملهم والتي سينتبهون بعدها لعوراتهم. وضمن حمى المشاهد الأخيرة ستغيب الضحايا عن الذاكرة الجمعية، التي كانت منذ لحظات تحاكم القاتل. لكنها ستكون بالمقابل محفورة للأبد هناك في أعماق روح غرنوي.

إذا كان ميلان كونديرا قد اشترط على الرواية الجديدة صعوبة تحويلها لفيلم ناجح أو استعصاءها على السينما، فإن رواية العطر قد أفلتت ببراعة واستطاعت أن تكون الاستثناء. ففيلم "العطر" لا ينقصه السحر. إلا أن تميزه قد مر تماما من الحلقة الأقل قوة ( كي لا أقول الأضعف ) في السرد العبقري "العطر".



#ليندا_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل السيء في لوحة الموزاييك
- الانفصال في علاقة نساء سوريا برجالها
- علي رطل
- رغم الإرهاب الإسلامي: عدد الألمان الذين يدخلون الإسلام تضاعف ...
- أقدام حافية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - فيلم - العطر- للألماني توم توكفر.. إدانة صريحة لقطيع البشرية المنقاد إلى العماء