أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -ثقافة الموت- التي يجب تغييرها!














المزيد.....

-ثقافة الموت- التي يجب تغييرها!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 11:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"ثقافة الموت" التي يجب تغييرها!

يسمُّونها "غريزة حُبِّ البقاء"، أو "غريزة البقاء"، التي هي في الإنسان (الحي) دافعا ذاتيا في منتهى القوَّة، يَدْفعه إلى الصراع ضد كل ما يمكن أن يَجْعَل حياته عُرْضة للخطر، الذي أعْظَمَه خطر الموت.

لقد ظلَّ خوف الإنسان من الموت، الذي هو العاقبة الطبيعية الحتمية لحياته، وممَّا قد يتسبَّب في حدوثه، أو في تعجيل حدوثه، مَصْدرا مهمِّا لتطوُّره الثقافي والحضاري؛ وطالما رأيْنا الخوف من الموت، مع بقائه، أي الموت، لغزا محيِّرا للألباب، لجهة ماهيِّته ووقت حدوثه، مَصْدَر قوَّة وتغذية لبعضٍ من الثقافة الإنسانية، فالحاجة إلى الحرب دَفَعَت إلى إنتاج وتطوير (ونشر) ثقافة للتغلُّب على الخوف من الموت في نفوس المحاربين، ولإظهار الموت في أثناء القتال على أنَّه انتقال حتمي إلى حياة لا تَعْدلها أبدا "الحياة الواقعية"، جمالاً وجاذبيةً وإيجابيةً.

وفي لُغْز "ما بَعْد (أو ما بُعَيْد) حدوث الموت"، بُذِلَ كثير من الجهد الفكري لإنشاء وتطوير ثقافة موت متناقضة، فتلك اللحظة، أي لحظة حدوث الموت، وذاك الموضع، أي القبر، صُوِّرا، في "ثقافة الموت"، تصويرا متناقضا، تلبية لحاجة متناقضة، فإمَّا عذاب لا مثيل له يذوقه الميِّت، وإمَّا عذوبة لا مثيل لها.

إنني أرى في خفض منسوف الخوف من الموت في نفوس البشر مقياساً من أهم المقاييس التي بها يمكن قياس تطوُّرنا الحضاري والثقافي، على أن يُتَّخَذ تطوُّرنا الحضاري والثقافي (والعلمي) ذاته وسيلة لتحقيق ذلك، فمنسوب الحياة، بأوجهها ومعانيها كافة، في الإنسان يعلو مع كل هبوط في منسوب الخوف من الموت في نفسه.

ونرى ضررا مشابها يصيب حياة الإنسان الذي يعاني عُقْدَة "الخوف من الفشل"، فهذا الإنسان يُحْجِم عن القيام بكثير من الأعمال، التي يحتاج إلى القيام بها، مخافة أن يفشل. لقد أقعده الخوف من الفشل فأَقْعِدَ، أي أصيب بالقُعاد، وهو داء يمنع من المشي.

وليس للخوف من الفشل من سبب سوى الفشل الثقافي والتربوي في إنشاء وتطوير موقف واقعي وعقلاني من الفشل، الذي هو تجربة يمكن ويجب أن نتعلَّم منها كيفية جَعْلِه سببا للنجاح.

ولا شكَّ في أنَّ استبداد الخوف من الموت بنفوسنا هو مصيبة أدهى وأمر؛ لأنَّه يُحَوِّلنا إلى أموات ونحن على قيد الحياة، ويَحْول بيننا وبين أن نكون أبناء للحياة بكل أوجهها وعانيها.

"ثقافة الموت" عندنا يجب أن تتغيَّر بما يجعلها مَصْدَر قوَّة وتغذية لـ "ثقافة الحياة". وهذا التغيير لا يمكن أن يَظْهَر ويتأكَّد إلا بخوض صراع ضد كل تلك الجوانب من "ثقافة الموت" التي تَرْفَع في النفوس منسوب الخوف من الموت، والتي نراها واضحة جلية في كثير من طقوس، وعادات، وتقاليد، الموت السائدة في مجتمعنا؛ ونراها في منتهى الوضوح والجلاء في "خُطَب الرعب"، التي يلقيها "متخصِّصون"، في المقابر، في أثناء دفن موتى، وكأنَّهم يعلمون عِلْم اليقين كل ما سيتعرَّض له الميِّت في قبره.

وأحسب أنَّ الخوف من الموت هو الخوف الوحيد الذي لا مبرِّر له، والذي ينبغي للإنسان، بالتالي، أن يَجْتَثَّه من نفسه؛ لأنَّ الموت ذاته هو الحدث الذي عنده ينتهي الخوف من الموت. إنَّ هذا الخوف لا يعرفه إلا الأحياء.

لقد أنشأت الفلسفة وطوَّرت بعضا من الأفكار التي يمكنها أن تؤسِّس لثقافة موت جديدة، ومنها أنَّ الإنسان لا يذهب إلى قبره وهو محتفظا بكل قواه العقلية والنفسية حتى يخشى الموت، ويرتعد خوفا منه، فإذا كان الغائب عن الوعي لا يَذْكُر شيئا مما حَدَث عندما يفيق من غيبوبته فكيف الميِّت؟!

إنَّ الموت الذي ينبغي للإنسان أن يخشاه حقَّاً هو أن يصبح ابناً للموت وهو على قيد الحياة، وأن يموت، بَعْد موته، ذِكْراً، واسماً، وعملاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -استضافة- في كردستان أم -استيعاب- في غزة؟!
- جرائد يومية أم أوراق يانصيب؟!
- -مبادرة- البرزاني!
- -زلزال- فجر الجمعة المقبل؟!
- -عمرو خالد-.. إلى متى؟!
- لماذا -تطرَّف- العرب في قمة الرياض؟!
- لِتُعْلِن إسرائيل -مبادرتها-!
- عندما يُسْتفتى الشعب!
- -قمة التضامن العربي-.. مع بوش!
- لا تعديل ل -المبادرة- ولكن..!
- -القانون- لا يميت الأحزاب وإنَّما يدفنها!
- حيتان على مائدة عشاء!
- جمهورية -العائلة المقدَّسة-!
- -مبادئ الرباعية- في -البيان الوزاري-
- من أجل هذا النمط من -الجماعية-!
- قطار سلامٍ سكَّته -التطبيع-!
- الظواهري.. لسان يبحث عن آذان!
- تغيير حقيقي أم خديعة؟!
- الانتخابات في مناخ -الفقر الديمقراطي-!
- اليوم -حَبْس- وغداً.. !


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -ثقافة الموت- التي يجب تغييرها!