أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - عامر عبد زيد - المتخيل السياسي في العراق القديم















المزيد.....



المتخيل السياسي في العراق القديم


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1879 - 2007 / 4 / 8 - 11:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


المتخيل السياسي في العراق القديم
الإطار النظري

إذا كان لكل بحث من غاية تدفع الباحث إلى النظر والتأمل فأن المراد من وراء الحديث عن الخيال: توضيح أمر أساس يقوم على كشف نصوص معينة شكلت المنتج الثقافي العراقي القديم ، كانت تمثل الحوار الحضاري الذي دار على هذه الأرض والذي يمثل اللاشعور المعرفي الذي لا تزال امتداداته العميقة في أرجاء العالم كله عامة والمنطقة خاصة بعد أن أصبح جزءاً من البناء الثقافي للمنطقة واتخذ وظائف وأشكالاً جديدة.

إن التعرض إلى دراسة تلك النصوص وتحليل بنائها وآلية اشتغالها والإطار التداولي الذي ظهرت فيه، لا يتم إلا إذا وضعنا أيدينا على الوسط الرمزي الذي يتخلل عمق كل ممارسة إنسانية في الواقع التاريخي وما يخضع له من منظومات عقائدية وسياسية تعمل على توظيف ذلك الوسط الرمزي لإسباغ الشرعية على وجودها مما يجعل ذلك المخيال يوجد في عمق كل ممارسة إنسانية (( فكل سلطة تريد تبرير ذاتها ، وتفعل ذلك باستعمال مقولات قابلة للتعميم والشمولية ، أي صالحة لكل الناس )) .

ومن هنا كانت غايتنا كشف آليات المتخيل السياسي في العراق القديم ، ثم تفكيك تلك الآليات لهدف نزع البداهة عنها وكشف آلية عمله ونشوئها التاريخي من خلال كشف البيئة الفكرية والوظيفية الأيديولوجية والإطار الابستولوجي الذي كانت تتحرك في ضمنه ، وبالتالي كشف تاريخية ذلك الخطاب عبر ربطه بالإطار الاجتماعي ـ السياسي من خلال مقولتي الزمان والمكان وهما مادة واسطة للخيال من خلال الواقع والتاريخ وبناء الصور المستقرة على أساس المكان أو الصورة المستمرة ، على أساس الزمان . من خلال القوى المحركة له المتكلم بالرغبة على مستوى الفرد ، والسلطة على مستوى الجماعة واللغة والوسيط.
وقد تناولنا هذا الامرمن خلال التركيز على ثلاث موضوعات هي:
1- المخيال السياسي وجذوره الاجتماعية.
2- السلطة السياسية والنظريات ألمعاصره.
3- اللغة بوصفها القناة التي تعتمدها السلطة -سواء كانت اجتماعية أو دينية أو سياسية،عبر المثقفين أدباء وفنانين ..الخ- في إنتاج المخيال السياسي.
هكذا يمكن دراسة المخيال السياسي بوصفه سلسلة حلقات متداخلة تقوم السلطة- دور سواء كان واعي أو غير واعي- في إنتاجها بوصفها الباثه للرسالة،والمخيال السياسي بوصفه الرسالة، والشعب بوصفه المتلقي للرسالة .
1-المخيال السياسي وجذوره الاجتماعية.

ولغرض الدخول إلى تلك البنى الرمزية التي تمثل الثقافة المتوقفة عند مفهوم(الخيال ) (( الذي يشغل دوراً هاماً في قيام النظام الاجتماعي فهو كالاسمنت المسلح في تشكيل وحدة الجماعة أو الشعب أو الأمة فهو يحرك الممارسات الفردية والجماعية الحاسمة ))  أي انه يعمل على تعميق الأواصر بين الأفراد ويشد من وحدتهم ويصون وجودهم إذ (( لا يوجد أي مجتمع بشري يمارس دوره أو آليته بشكل مختلف ، أي بدون تشكل متخيل ما )) فأن الخيال حاجة من مقومات النظام الاجتماعي والثقافي والسياسي وهذا يدفعنا إلى تقديم تعريف لهذا المفهوم.

1- الخيال في اللغة العربية: إن هذا اللفظ ظل يتردد حتى نهاية النصف الأول من القرن الثالث الهجري بين حالات التوهم والظن والتصور ، وهذا إنموذج خال الشيء ظَنّه بخاله ( خليلاً ) و ( مخيلة ) و ( خَيْلُولةُ ) وهو من باب ظنت وأخواتها ، وتقول في مستقبله ( أخال ) بكسر الهمزة وهو الأفصح. و( أخَالَ ) الشيء يقال هذا أمرٌ لايخُيلُ و( أخيل ) إليه انه كذا و( تخايل ) أي تشبه يقال ( تخيله فتخيل ) و( الأخيل ) طائر وهو ينصرف في الفكرة ويجعله في الأصل صفة من التخيل(4).

2- يعد ( الخيال ) قدرة على تصور الأشياء ، والأشخاص ومشاهد الوجود.فالخيال يستطيع بقدرته الخاصة التأليف بين الأشياء ، والألوان والأحاسيس فيبدع الصورة مستفيداً من التعاقب والحركية في الزمان ومن التشكيلية في المكان.
وقد ظهرت ثلاثة كشوف في التحليل النفسي كان لها اثر على تصور الخيال وفعاليته.
أولاً / وجود العقل اللاشعوري ، وهو فعال معقد التركيب ، وله تأثير بالـغ فينا من حيث لا نتوقع.
ثانياً /( وجود الكبت) أي إن جزءاً كبيراً من عقلنـا تحول بينـه وبين علمنا قوى معينة تؤدي إلى تقسيم العقل إلى مناطق منفصلة لا توافق بينهما.
ثالثاً / إن العقل اللاشعوري بما فيه من كفاح يرجع إلى سـن الطفولة المبكرة حين تؤدي واقع الجنسية في الأطوار الأولى من نمو العقل ، دوراً لا يفطن إليه احد.

وهكذا تغدو الصور بالضرورة: مجموعة من الروابط الشعورية واللاشعورية والمعنى المنقول إلينا هو الصورة وهكذا تظهر حركتان في إنتاج الصورة: الأولى التي يتوصل علم النفس فيها للكشف عن الصور وسحبها من الداخل إلى الخارج وتوضيحها ، أما الثانية فهي الرمزية التي تقوم بمسار معاكس ومتداخل ، حيث نسحب الخارج إلى الداخل وتعبر بسلسلة من الرموز عن الصور بطريقة موحية أو غامضة أحيانا،ومهمة علم النفس التوضيح بوساطة تحليل ، في الوقت الذي نجد الرمزية تبحث عن دلالات غير واضحة العلاقة ، فالرمزية: إنها خروج بالتشبيه في صورته الخارجية إلى صورة داخلية تعتمد على الإحساس الباطني الذي لا يتقيد بما تمليه الحواس من الصور الخارجية المرئية. وتغني الرمزية بعض الحوافز بمنبهاتها المختلفة وترضي رغبات تؤدي إلى ارتياح محسوس بشبيه الغموض(5).

3- ويحفظ ( الخيال ) مدركات الحس المشترك وصور المحسوسات ولهذا التأكيد على جانب المعرفي للخيال إذ نلاحظ إن هذا التصور القائل بان الخيال يعود إلى الحس الباطن فالحس احد مستويات المعرفة ، وهذا الحس ينقسم على حس ظاهر وأخر باطن وقد ظهرت تصورات فلسفية حول هذا التصور المعرفي للمخيلة وترد عند الكندي بمعنى ( التوهم ) إي الفنطاسيا ( وهذه ) قوة نفسانية ومدركه للصور الحسية مع غيبة طينتها ، ويقــال ( الفنطاسيا ، وهي التخيل حضور صور الاشياء المحسوسة مع غيبة طينتها ) (6).
4- ومعنى الخيال: هو أن يجد الحسّ شبح شيء مع صورة شيء آخر ، ونجد صورة الإنسان مع صورة المرآة ، ثم لا يكون لتلك الصورة انطباع حقيقي في مادة ذلك الشيء الثاني الذي يود بها ويرُى معها ( طبيعيات الشفاء الفن الخامس 40 ).

والخيال: عبارة عن الصورة الباقية في النفس بعد غيبوبة المحسوس سواء كانت في المنام أم في اليقظة ( الحكمة المتعالية 4/518 مفاتيح الغيب / 140) ، والخيال عندنا جوهر مجرد عن البدن ، وعن هذا العالم كله ، ولكن ليس مجرداً عقلياً بل هو موجود في عالم إدراكي جزئي ونشأه جوهرية قائمة لا في مادة ولا في مظهر أخر ، كما ظن القائلون بعالم المثال.

والصور الخيالية غير محتاجة في وجودها وبقائها إلى حضور مادة جسما نية ، ولاهي موجودة في آلة دماغية ، وإنما هي كالمرآة مخصصة معدة للنفس على تصوير تلك الصور في عالمها الخاص الادراكي ( تعليقات على الشفاء لصدر الدين / 138).
إن القوة التي بها تدرك المدركات ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: القوى التي بها تدرك الصور الجسـمانية ، وهي الحواس الخمـس
والادراكات الحاصلة فيها هي صور روحانية.
الصنف الثاني: القوة التي تدرك هذه الصـور الروحانية التي تســمى خيالات
( رسائل ابن بأجه الالهيه /8) .
4- وبينهم يطلق الخيال بالمعنى ( الزخرفي ) على قدرة تنسيق المدركات وترتيبها كما ويطلق الخيال المسَّوي ) على الاستعداد لتشكيل الصور الإبداعية ، وهذا التعريف يقودنا إلى ما يشير إليه الحقل الدلالي للفعل تخّيل ، تصّور ، ابتكر ، اخترع ( Imaginer )
.
ومن هنا جاء تعريف علم النفس ( للخيال ) على انه:
1- إعادة تنظيم المعلومات الناتجة عن الخبرات الماضية وإعطاؤها علاقات جديدة بحيث تكون خبره عقلية حاضرة . والتخيل ، إما أن يكون تقليدياً إما مبدعاً  .
2- ومفهوم التخيل (Fantasm fantasy) يمثل (( الصوّر أو الحوادث المصورة التي يعيشها الشخص وتكون مصبوغة مشوهة بأغراض الدفاعية الباطنية وتعّبر لا شعوريا عن إنجاز رغبة مكبوتة. فالتخيل رواية مرئية حتى لو كان مقتفياً جداً والمتخيل نفسه متخيل ، أي انه حاضر في التخيل مشاهداً أو مساهماً حتى في التخيلات الأولية.

ومن هذه التعاريف يظهر لنا إن الخيال فعالية باطنية فردية لكن لديها ماهو داخلي ممثل بالحاجات والرغبات ماهو خارجي يرد إلى الداخل ويمارس السيطرة على تلك الحاجات فتظهر بسبب التفاعل بين تلك الرغبات والقيم الخارجية التي ترد إلى الداخل فيظهر ( الرمز ). وعلى هذا ( فالخيال ) هو يؤدي إلى إنتاج بعدين؛ الأول: معرفي فيما الثاني نفسياً اجتماعياً فأما المعرفي فيحصل فيه ( الخيال ) بالشكل الأتي:ـ

الأول: يصدر على انه مرتبط بفعل التذكر ، فالجذر اللغوي يتضمن آليات التذكر التي تقوم على فعل إرادي للفرد عندما يتذكر شيئاً فيجعله لديه مذكوراً بمعنى إن يكون محل اهتمامه حين ما دامت التذكر و (( الذكرى ضد النسيان تقول ذكرته ذكرى غير مجراة ويجعله منك على ذكر ))  وقد مثل الذكر مستويات منها ماهو لساني ، ومنها ماهو اعتقادي إيماني ( وذكره بلسانه وبقلبه يذكره { ذكراً }   .

وفي مجاله المعرفي ( فالذكـر ) هو احتضار الذهـن لما تقدم وجوده في النفـس ( المقابسات 361) .
وفي هذا يقول ( جون لوك ) من خلال مفهوم الاحتفاظRetention أو الحفظ ، وهي القوة القادرة على الاحتفاظ بالأفكار البسيطة التي تكونت في العقل ، بمعنى أنها من إنتاج العقل ، وليست موجودة في الخارج. ويقسم الاحتفاظ بالإنكار على طريقتين:

1- إما بالاحتفاظ الفكر أو الإبقاء عليه في الذهن مدة معينة بدون أن تغيب عن عقل الإنسان او تختفي عن انتباهه وهذا ما يسميه ( لوك ) بالتأمل Contempation
2- وإما بإحياء الصور الذهنية الأفكار مرة أخرى ، بعد أن تكون قد اختفت أو أصبحت بعيدة عن مخيلتنا أو نظرنا ، وهذا ما يسميه ( لوك ) بالتذكر : ويقسمه على نوعين هما :
أ- إما اسـترجاع إرادي للمدركات أو الأفكار ، وهذا يتضمن المجهود الذي يبذله العقل في البحث عن الأفكار أو الألفاظ المنسية.
ب- استرجاع لاإرادي تظهر فيه الذكريات تلقائيـاً لأنها قد تظهر أحياناً من تلقاء نفسها في عقولنا فترتفع من مسـتوى الخلايا المظلمة التي كانت توجد فيها إلى الظهور في ضوء النهار .

وعلى هذا يكون فعل التذكر فعلاً معرفياً يتعلق بصور ذهنية أو أفكار كانت موجودة ، إلا إنها أقصيت عن الضوء إلى الظل بفعل اهتمامات العقل لكنه سرعان ما يتذكرها بشكل إرادي قصدي أو لاإرادي ، وهو ما يدخل في عملية التداعي أحياناً دون قصد ، وهذا يقودنا إلى مفهوم الوعيConscience بوصفه إدراكاً يخضع لمقاييس متداخلة يسهم في تجاوز الاحباطات والحواجز ، إلا انه يبقى نسبياً مرتبطاً باللحظة التاريخية ، وهذا يعني إن الوعي مرتبط بعلم النفس والاجتماع والمعرفة التي يظهر عندها من خلال مفهوم الخيال إذ يرى ( جيلبار ديران ـ Gilbert Durand ) إن الوعي يتمتع بطريقتين لاستحضار العالم ؛ واحدة مباشرة يبدو فيها الشيء ذاته حاضراً في الذهن ، وذلك عند الإدراك أو الإحساس البسيط ، كأن تتخيل إنساناً تعرفه ، أو شجرة أو شيئاً مادياً محسوساً وأما الثانية فهي غير مباشرة عندما لايمكن لوعينا إن يستحضر موضوعه استحضار حسياً ، كما هو الشأن عندما تتذكر طفولتنا أو نستحضر عالم ما بعد الموت.

في كل الأحوال التي يكون فيها الوعي لا مباشر يكون موضعه غائباً أي من جنس المجردات التي يمكن ان يقال عنها انها تمثل ( قيمة أخلاقية سياسية ) ولايمكن للوعي أن يتمثل ، إلا بوساطة الصور. هكذا فإن الأمر بقدر ما يمثل جانباً معرفياً فانه يقوم على بعد حسي يحصل فيه الإدراك بشكل مباشر ، وبعد حسي باطن يعتمد على المدركات السابقة. فعندما يتصور الوعي بأشياء فأنه يريد أن يراها في الخارج بينما هي مخزونة في ذاكرته ، بل حتى عندما يتصور صور جديد فأنه يتصورها بالمقارنة مع تلك الموجودة في الحسن الباطن أو العقل بوصفها نتيجة لتجارب سابقة.

وهنا لا يعود الأمر معرفياً فحسب بل نفسي بما يتعلق بفروض و غايات وحاجات داخلية واجتماعية بما تمثله المؤسسات والسلطات الاجتماعية ، واللغة وخزينها وهذه أمور ترد من الخارج إلى الداخل فيظهر الترميز وهو تحاور أو صراع يقوم به الوعي بين الرغبات والمقيدات الخارجية وهذه العلاقة التي تظهر من الإدراك الذي يكون غير مباشر تأتي بوساطة الصور ، ومن هنا تكون العلاقة بين الصورة ( Image ) التي (( هي تمثل بصري لموضوع ما )) وهذا التمثل أيضا اخذ مستويات ثلاثة:ـ

1- الصور النسخ تحصل من خلال الإدراك وقد يكون هذا عبر الإدراك الحسي المباشر.
2- الصور الرمزية التي ترتقي بالوعي إلى ضرورة النظر إلى الصور في تمازجها التام بين الدال والمدلول والحامل للدلالة.
3- والصور الاستيهامية تفيد في تلافي نقص وتعوض عنه.

من الملاحظ إن المراد من التخيل انه يتناول الصور الثانية والثالثة.
فالصور الرمزية تمثل شيئاً ما يأخذ موقع شيء آخر يحل محله أو يُذكَّر بشيء أخر فالتمثال يذكر رمزياً بشخص أو حدث أو فكرة ما ، هكذا يؤكد وجوداً وفعلاً مستمرين ، فالكلمة تحل محل شيء يمكن استدعاؤه دون الوجود المادي لهذا الشيء. وأن الرمز يتطلب ثلاثة عناصر هي:
الـدال: Unsignifiant وهو الشيء الذي يأخذ مكان الأخر ، أي الرمز نفسه بالمعنى الدقيق والملموس للمصطلح.
المدلول: Unsignifie وهو الشيء الذي يحل محل الدال.
الدلالـة: وهي العلاقة بين الدال والمدلول والصـلة التي يجب أن ترى وتترجم أو تؤول عن طريق الشخص أو الأشخاص الذين يتعلق بهم الرمز.

ومن هنا فكل الرموز الاجتماعية لا تمتلك رابطة ميثاقية مع مدلولها أي ليس من الضروري أن يكون لها علاقة أبدية مع المدلول ، وهنا تظهر الشفرة أو الاصطلاح الذي يحدد العلاقة بين الدالات والمدلولات ، ويجب أن تكون هذه الشفرة معروفة لدى الأشخاص الذين تتعلق بهم الرموز لكي يكون لها دلالة فان اجتماعية قائمة وعليه فأن الرمزية تأخذ بعدين هما ، النوع الأول: تمثل المفاهيم التي تعبر عن حقيقة ما. أما المستوى الثاني من الرمزية فهي التي تقدم صوراً أو تمثلات ذهنية ، تأخذ موقع الأشياء التي تعبر عنها .

أما الصور النمطية ، وهي تلك الصور التي تكون مصبوغة مشوهه أغراض منها الدفاعّية الباطنية وتعّبر لا شعورياً عن إنجاز رغبة مكبوته. واثر ذات في نظرات الذات إلى ماهو خارجها متمثلة بتلك التصورات عن الأخر ، تظهر من خلال تلك العلاقة التي ينتجها التخيل ، وهي تعتمد التنميط Modele الذي يقوم بالنمذجه التي تتوخى ترشيح شكل معين أو محاكاة لمثال معين. والأنماط الاصيلية هي الحوافز الاصيلية أو الفطرية في تخيل كافة الناس وهي كذلك سرد أو حبكة أو شخصية تحيل القارىء على الذاكرة الجمعية بوصفها موروثاً سلفياً ، يظهر على السطح في شكل أساطير وإشعار .

وبهذا تكون الصورة من خلال دلالتها النفسية هي إعادة إنتاج عقلية ذكرى تجربة عاطفية أو ادراكية غابرة ، ليست بالضرورة بصرية لان الصورة فعالية عقلية معرفية ويمكن القول إنها قصدية لأنها ترمي إلى إحياء ذكريات قديمة وتحويلها إلى تراث مشترك يحقق وحدة الذات من خلال خلق وحدة التراث فهي اجتماعية من حيث الفاعلية المقصورة وهي معرفية من خلال الأدوات المعتمدة.

ومن خلال هذه الصياغة نلمس إنها تعود إلى الصورتين معا الرمزية، أو النمطية وهذا التداخل حاصل داخل بنية الخطاب الذي يقدم قراءة للتراث يرمي إلى تحقيق بعدين الأول: يقوم على خلق ذاكرة جمعية ترمي إلى تحقيق الوحدة للأمة أو الشعب الان مما يعمل على التماسك الداخلي، وبالتالي فان القراءة لاتقوم بدون قصد معاصر حسب بل تهدف إلى إضفاء الشرعية على ما هو قائم ألان.

الأمر الثاني الصور النمطية تتعلق بنظرة الذات إلى أعدائها وما يشكله الأخر من خطر عليها وعلى هذا يتم توظيف كل تلك الذاكرة في تحقيق تماسك الذات تجاه التمركز حولها ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المصطلح الرجوع إلى ألاصل الاشتقاقي الفرنسي لمفهوم الصورة النمطية Stercotypes المرتبط بتاريخ وبفكرة الاستنساخ فالصورة النمطية يمكن أن تتضمن (( مفهوما وعقيدة واسلوباً أدبياً )) وهي تسقط في النمط الثالث الذي هو(صور الاستيهامات) التي تفيد نقص ما. وفي هذا يقول محمد أركون:(يعلمنا علم النفس والتحليل النفسي بان الإيمان يتطابق عموماً مع دوافع الرغبة الأكثر استعصاء على الكبح ومع مضامين الذاكرة الأكثر تعقيدا، ومع تصورات المخيال الأكثر استيهاماً، ومع نبضات القلب الأكثر قوة ومع الحاجات العقلية الأكثر صراحة كما ويعلماننا بان السيطرة على هذه المملكات المختلفة يعتمد على مناهج العلم والروح المعترف بها والممارسة داخل كل ثقافة من الثقافات)  .

هذا النص المكثف العميق في دلالته يضع عملية الترابط بين تلك الصور الرمزية أو النمطية وأبعادها العاطفية أو العقلية في تشكيل أحداث الماضي بعيون الحاضر وصورة الأخر( العدو) وماتحمله تلك الصور من دلالات وهذه الموازنة تجعل السيطرة على الحقيقة غائب حيث ثمة عوائق وقيود وشروط، اكراهات تنصب حائلا دون ذلك سواء من جهة الجسد ورغباته، أو اللغة وعلاماتها أو الذاكرة وكوابيسها أو الظروف وسياقاتها والرغبة إشارة إلى علاقة ثلاثية الراغب، الوسيط، الموضوع المرغوب به والرغبة من الناحية النفسية: خبرة أو موقف يتصل أما لاشي يفتقده الإنسان في وضعه الحاضر مع فكره الحصول عليه أو شيء موجود يريد الإنسان التخلص منه، ويوجد في الحالة شعورية قوية والرغبة قد نلمس فيها دافع يكمن خلف الطبيعة الثقافة المنتجة لهذه الرغبة ففي الوقت الذي تكون ( الثقافة العالمة التي ينتجها العلماء والأدباء ويتميز بالدقة محكمة الخطاب ، أما الخطاب الشفوي فهو ينتمي إلى الثقافة العالمية الوحشية التي ينتجها العوام ، وتتميز ببداهتها وتلقائيتها والتي تجد عبر الأسطورة والبطل الكرزمه وقدراته المتعلقة ( بالإلهام ـ Charism ) وهو عبارة خاصيّة تمنح الفرد جملة من القدرات الخارقة للعادة وتهيئة مستلزمات السلطة للزعامة وأنجاز المعجزات الخارقة ، وهي كذلك تشّد الإتباع للفرد.

وهكذا تغدو الرغبة في موقفها ( معاني الألم ، الشر ، الحياة ، الموت ) عبر الوسيط البطل الانموذج الذي سعى إلى تحقيق رغباته من خلال محور الرغبة يظهر من يناصره ويظهر من يعاديه والذي يحول بين موضوع رغبته.
ويشير محمد عابد الجابري: إلى المخيال الاجتماعي Imaginaire Social . ويرى انه مفهوم استعير من علم الاجتماع المعاصر. اذا يشير احد الباحثين الاجتماعين المعاصرين ( بير أنصار ) الذي ينطلق من تعريف المخيال الاجتماعي من تعريف (ماكس فيبر) للفعل الاجتماعي كونه نشاطاً يحمل معنى يشد إليه الفاعلين الاجتماعيين فينظمون سلوكهم بعضهم إزاء بعض على أساسه فيقول: والواقع انه [ أي الفعل الاجتماعي ] يفترض من اجل إنجازه أن يندمج كل سلوك فردي في عمل يحمل طابع الاستمرارية وان تنتظم التصرفات وتتجاوب بعضها مع بعض طبقاً لقواعد ضمنية مستضمرة ، حسب ما ينتظره كل منها من الأخرى. وبتعبير أخر أَن الممارسة الاجتماعية ، بوصفها تنتظم شتات تصرفات الأفراد وتوجهها نحو غايات مشتركة ، تفترض وجود بنية معقدة من القيم وعمليات التعيين والاندماج المحمل بمعانٍ ودلالات ، كما تفترض لغة رمزية ( شيفرة ) اجتماعية ومستضمرة ليست هناك أية ممارسة اجتماعية يمكن إرجاعها فقط إلى عناصرها الفيزيقية ، والمادية ، ذلك لأنه لما يشكل جوهر الممارسة الاجتماعية إنها تسارع إلى التحقق من شبكة من الدلالات يتم فيها استيعاب وتجاوز الطابع الجزئي للتصرفات والأفراد واللحظات. ومن هنا فإن كل مجتمع ينشيء لنفسه مجموعة منظمة من التصورات والتمثلات ، أي مخيالاً ، من هنا فإن كل مجتمع هو إنتاج نفسه ، مخيالاً يقوم ـ على وجه خاص ـ بجعل الجماعة تتعرف بواسطته على نفسها ، ويوزع الهويات والأدوار ويعبر عن الحاجات الجماعية والأهداف المنشودة. والمجتمعات الحديثة مثلها مثل المجتمعات التي لاتعرف الكتابة ، تنتج هذه التخاييل الاجتماعية ، هذه المنظومات من التمثلات ومن خلالها تقوم بعملية التعيين الذاتي ، تعين نفسها بنفسها وتثبت على شكل رموز معاييرها وقيمها   .

وينقل عن باحث أخر قوله: انه ( بقيام الجماعات البشرية معانٍ ودلالات مخيالية اجتماعية تتمكن من إعطاء معنى لكل ماهو (( موجود )) ، لكل ما يمكن أن يقوم فيها أو يقوم خارجها. وأيضا فيفضل هذه المعاني والدلالات المخيالية الاجتماعية تقوم الجماعات البشرية بتدشين العمل التاريخي وتنشيطه  .
ولهذه السـلطة الاجتماعية والدينية وظيفة هي الدفاع عن المجتمع ضد نقاصه الخاصة والمحافظة عليه ( ... ) وتخضع السلطة لحتميات داخلية تظهر كضرورة ويخضع لها كل مجتمع ، فهي تبدو أيضاً كنتيجة لضرورة خارجية إن كل مجتمع كلي على صلة بالخارج. وهو مرتبط ، مباشرة أو عن بُعد ، بمجتمعات أخرى يعدها معادية ، واستناداً إلى هذا التهديد الخارجي. نتيجة المجتمع إلى تمجيد وحدته عبر سلطة الرمز التي تمظهر عبر المخيال الاجتماعي فبما انه منظومة من البدا هات والمعايير والقيم والرموز فهو ميداناً لتحصيل المعرفة بل هو مجال لاكتساب القنا عات ، مجال تسود فيه حالة الإيمان والاعتقاد وهذه القنا عات الاجتماعية تأتي على مستوى من الفعل الاجتماعي الأول: عند (( ماكس فيبر )) يكون العمل أو أي فعل إنساني ، اجتماعياً في إطار الهدف الذاتي الذي يرتبط به الفرد أو الأفراد ، اخذين في الاعتبار مشاركه .الآخرين ووجودهم العنصر الأول هو وجود الآخـر والثاني هو المغزى ،أوالهدف من الفعل الأول هو وجود الآخرين ورد فعلهم العلمي. الثاني: وعند دوركهايم يتكون الفعل الاجتماعي من ( وسائل عمل ، ووسائل تفكير وشعور خارج الفرد الموهوب ، وهذه الوسـائل تكون قادرة على الإكراه ، والقسر ، ولها فعالية إجبار لا يملك لها احد رداً). حيث يضع دوركهايم داخل الفعل الاجتماعي النشاطات الفردية والتفكير والمشاعر الوجدانية في إطار النشاطات الجماعي وتفكير الجماعة ومشاعرها وأعمالها.

2 / السلطة :ـ وهي آلية التخيل الثانية والتي تؤثر في تشكيل الخيال الفردي والاجماعي عبر الغاية ( فالسلطة هي القدرة على التأثير فعلياً على الأشخاص والأمور ، باللجوء إلى مجموعة من الوسائل تتراوح بين الإقناع والإكراه.وقدعرف( ماكس فيبر ) الذي يعرف السلطة بالإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية معينة ، ليكون قادراً على توجيهها حسب مشيئته)(24). ولكن ما هي هذه السلطة الفاعلة والمؤثر في تشكيل المخيال السياسي البحث أولا عن طبيعة تلك السلطة في الثقافات السابقة للرأسمالية يطالعنا التحليل التالي: تكون لدى إنسان الشرق القديم ايديولوجيا تربط بين التصورات الاجتماعية والتصورات الكونية في مفهوم الدولة ـ التي من النمط الخراجي ( بدل الآسيوي ) ـ ايديولوجيا قوامها منظومة من المفاهيم والتصورات المركبة المتداخلة ، هي من اخص خصائص العقلية التي من النمط الخارجي ، تصورات توحد وتجمع بين:
(1) الألوهية ؛ (2) الطاغية ؛ (3) الوظائف السياسية القانونية ، وظائف التنظيم ( القانون الأخلاقي والديني ، القانون السلطوي القمعي ) الذي تقوم به الدولة الخراجية ؛ (4) نظام حركة الكون ؛ (5) خصوبة الحقول. وتتأسس الوحدة بين هذه العناصر في ذهن الرجل الشرقي القديم على الاعتقاد في الأصل الإلهي لسلطة الطاغية الحاكم المستبد والاعتقاد في القوانين التي يسنها. بإلهام من الإله ، هي قوانين مكملة بطبيعتها ، للقوانين الطبيعة ينتج الخصب ، خصب الأرض: هناك وحده بين الأمر التشريعي الصادر عن وبين الحركة الكونية كالليل والنهار والفصول ( وبالتالي خصوبة الأرض ) لأنها جميعاً من الله .

ويقدم مقارنة بين المجتمع اليوناني والمجتمع الخراجي الشرقي ( الشرقي القديم البابلي والمصري الفرعوني ) حيث يظهر في النمط اليوناني انه ( كان العبيد في أثينا وروما قد عانوا من وضعية لاتسمح لهم بالاعتراض ولا بالاحتجاج ، او قلما يسمع منهم ذلك ( ... ) ففي المجتمع العبودي في أثينا ينتمي المفكرون جميعاً إلى طبقة (( المواطنين ))مما يجعل الصراع الإيديولوجي بينهم ، على المستوى الفلسفي ، يتحرك دائماً في سماء هذه الطبقة وحدها ، يعكس الصراعات الجارية فيها وحدها متجاهلاً تماماً الصراع بين هذه الطبقة العبيد ).

أما المجتمع الخراجي ، فأنه الكثرة الكاثرة من الشعب المسخر تتألف من الفلاحين وقد كانوا يشكلون بالفعل الوسط المُلْهِم لبعض الاتجاهات الفلسفية. وهكذا فأولئك الذين كان يصدر عنهم في المجتمعات الخراجية ما ينم عن المعارضة الأيدلوجية لهيمنة الأرستقراطية واستبدادها لم يكونوا يحتلون مواقع في صفوف هذه الارستقراطيه نفسها ، كما كان الشأن في اليونان , بل كانت مواقعهم في الجهة الأخرى من الحاجز الذي يفصل بين الطبقات الاجتماعية ، أي الجهة التي يوجد فيها الكثرة الكاثرة من الشعب ( ... ) فالطبقة التي تحرك الفكر الاجتماعي المعارض هي نفسها الطبقة المستقلة وهي تتمتع بحرية نسبية على عكس العبيد .فالملاحظ إن المجتمع الخراجي يرتبط الاحتجاج على الدولة بالاحتجاج على الآلهه وتوجيه النقد لها كما يلاحظ في النصوص البابلية ، وذلك بسبب العلاقة المباشرة التي يقييمها الرجل الشرقي القديم بين الحاكم الطاغية وبين الآلهه: فالحاكم الطاغية هو المالك الوحيد ، واعتباره كائناً يجمع بين السلطة والملكية يجر إلى إعطائه أبعادا كونية واعتباره يمتلك أسرارا إلهية. هذا من جهة ومن جهة أخرى فالخصب في نظر الفلاح الخراجي مرهون، كما رأينا قبل، بإرادة الطاغية. ومن هنا ينظر أليه كشريك للسماء في موضوع هو أصلاً من اختصاص الآلهة، اعني الماء والخصب. وهكذا فهذا النوع من الجمع والتوحيد بين الآلهة والطاغية يقود ضرورة إلى النفي الديني الآلهة. إن تسييس المتعالي أدى إلى التعالي بالاحتجاج السياسي، إلى الارتفاع به إلى المستوى الإلهي  .

إن هذه النصوص التي يسوقها عابد الجابري تدفعنا إلى تحليل الترابط بين الرعوية السياسية والرعوية الإلهية التي ما تزال حاضرة في اللاشعور الخفي فهناك الاطروحات في السلطة والدين منها.
1- الأطروحة الأولى التي يقدمها ( غوشيه ) عن الظاهرة الدينية في المجتمع البدائي حيث يتناول مسألة الانفصال الأصل الذي يشكَّل جذر الواقعة الاجتماعية بما هي كذلك؛فان التنقيب الذي قام به (( غوشيه )) عن جذور الواقعة الدينية ، كما تتجلى في معظم المجتمعات البدائية يكشف عن جانب هام من جوانب الاجتماع البشري يمكن تلخيصه بالقول: ثمة انقسام اصلي يخترق المجتمعات البشرية منذ البدء ، ثمة فاصل بين المجتمع ونفسه لأقوام لأي مجتمع بشري من دونه ، ثمة تنافر يلازم ، منذ الأصل ، اتحاد البشر وتجمعهم. لذا يعقل غوشيه الحيز الاجتماعي بتعابير جديد ، مفادها ( إن لا مجتمع واحد بطبيعته ) .وهذا الانفصال ـ الذي يشكل البنيان السياسي الكامن في اصل كل واقعة اجتماعية ، وبشكل شرط أمكان كل سلطة ـ تجلَّى في البدء من خلال الشكل الديني ، الذي يقضي بأن يوضع مرجع المجتمع في ( خارجة ) أي ، بان يبعد خارج المجتمع ، المبدأ الذي يؤسسه ويحميه كيانه ، والمصدر الذي يكسبه شرعته ونظامه ، والمكان الذي يستمر ـ ابتداءً منه ـ معنا ويعقل ذاته .

فان الانفصال هو عندما يفترض المجتمع إن قوانينه جاءت من قوى مفارقه هي الآلهة. وكانت هذه بنظر غوشيه محاولة من المجتمع البدائي دون ظهور الدول فالاعتقاد بان مصدر التشريع والتقرير يأتي من خارج المجتمع إنما هو رفض المجتمع لقيام سلطة داخلية تملك حق التقرير وإعطاء الأوامر ، والتسليم بارتهان البشر للعالم الأخر ، إنما هو محاولة الجماعة لمنع (( ارتهان الإنسان للإنسان )) .

فالدين هو في أصله دَيْن البشر للعالم الآخر وللكائنات العلوية وللقوى الفائقة. وفكرة الدين هي التي تتيح المجال حسبما يرى غوشيه لإدراك طبيعة السلطة للوقوف على ماهية الاجتماع ذاتها. وبيانه ، إن الدين يتضمن أولا مبدأ ( الخارجية ) أي القول بأن المجتمع يستمد قوانينه من خارجه لا من ذاته. ويتضمن ثانياً ، مبدأ (( المغايرة )) أي القول بأن البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشـر مثلهم ، ويتضـمن ثالثاً ، مبدأ (( الانفصال )) ، أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره ، بين المجتمع ومصدره ، بين الجماعة والمبدأ المؤسس لها.فأن هذه المباديء تحدد أسـس الواقعة الدينيه البدائية فإنها تشــكل من جهة أولى شروط أمكان الدولة ؛ لان نشوء الدولة ما كان ممكناً الإ أن يعقل المجتمع نفسه بواسطة مبدأ خارج عنه .
إذا كانت هذه آلية المجتمع البدائي في المحافظة على وحدته من التمايز فإنها تسهم في خلق عالم مفارق وأسبغ الشرعية على الملوك اذ في حين هي جزء من نظام تشريعي ماضي من الشفاهيه بوصفه عرفاً يضفي القدسية على لوضع السياسي يرجع تشريعاته إلى الآلهة واوجب الخضوع لها ويعلي من شأن الملك في نفس الوقت. فهذه الآلية تم استخدامها على ما قاله ( غوشيه ) في المجتمع البابلي القديم الذي كان يخضع لهذه الجبرية التي ينسبها إلى الالهه وهي صدى لجبرية سياسية واجتماعية التي تجد تمظهراتها في الظاهرة الدينية عبر الحديث عن الرمز والمقدس والاعتقاد والأسطورة والطقوس تتحرك فيها الأهواء بطرق قد لا تجد غير القوة وسيلة للتعبير عن ذاتها فالدين نسق متضامناً من الاعتقادات و الممارسات المرتبطة بأشياء مقدسة ؛ فانه تولد حدوداً وممنوعات ، وأوامر ونواهياً ، وقواعد أخلاقية تؤسس النمط العلائقي للجماعة ، فالدين بوصفه نظاماً رمزياً وعقائدياً متكاملاً تشامل بالمقدس ، ومن خلاله ينحت المؤمن عالماً يتحرر فيه من عزلته ومن تيهه .
لكن هذا الدين يكون عرضة للتغير بفعل الصراع السياسي الذي يتم التعبير عنه وكأنه استجابة لإرادة كونيه ، حيث يقوم الرهان السياسي إعادة تغير الرموز وبقاء الذاكرة.
الفرضية الثانية: وهي العائدة لـ ( كلاستر ) الذي كان يعد التفكير ضد التيار شرطاً لأي تفكير حقيقي ، عرض قاده ذلك إلى رفض التصّور السائد في الفكر الغربي ـ وكذلك الامر عند ابن خلدون الذي يعد السلطة لا تنشأ إلا بالغلبة والقهر ـ عن السلطة ، من خلال إعادته النظر في مفهوم السياسي آخذاً في الحسبان الاعتبارات التالية:

أولا: إن السـلطة السياسـية امرّ ملازم للحياة الاجتماعية ، بمعنى انه لا مجتمع من دون ســلطة ، وهذا يصح على التجّمعات البدائية ؛ بحيث لا يجوزاعتبارها سـابقة على السياسي ، أو مرحلة جنينية للمجتمع السياسي.
ثانياً: إن المؤسسـة السـياسية ، وان كانت غائبة عن المجتمعات البدائية ،فان غيابها
يخفي شيئاً ما ، هو بالتحديد ذو طبيعة سياسية.
ثالثاً: إن السلطة السياسية ، ليست بالضرورة قسرية ، مادام ثمة أمكان لوجــود سلطة لاتقوم على القهر والعنف. وهذا ما افترضه كلاســتر منذ البدء ، ومــا سـتثبته له الدراسات الميدانية فيما بعد ، وفي مقالته ( أثريات العنف ) وهــي مقالة يحلّل فيها ، بشـكل رئيـس ظاهرة الحرب ، ويختلف مع ( هويز ) في مـا خص الحرب ليفي شتراوس فيما يختص بالتبادل ، فانه كلاسـتر يركز علـــى الاتجاه الطبيعي فيما يركز الثاني على الجانب الاقتصادي ، اذ يرى الحرب تنتمـي إلى عالم الثقافة وليس الطبيعة وموقفه من الثاني إن الحرب لا يفسرها الاقتصــاد على السياسة.وعلى هذا فان الحرب هي وسيلة سياسية بالدرجة الأولى للحفاظ على استقالات كل مجموعة وحريتها لذلك يقوم منطق الاجتماع البدائي على ( التشتت والتعدد ) انه منطق يولد الفوارق ، و يتعارض مع منطق التبادل الشامل ، الذي هو منطق التماهي والتوحيد ( ... ) فالجماعات البدائية تحرص على المساواة ، لذا فهي ترفض الانقسام الاجتماعي داخلها ، وتعمل على استبعاد اللامساواة ومنع الارتهان. ونمط الإنتاج المنزلي لما يخدم هذا الهدف بالذات بمنعه أمكان الاستقلال. غير إن الحرب كل واحد لكل واحد تفضي إلى الغالب ومغلوب ، وبالتالي فأن حرب كل واحد لكل واحد تفضي ، لا محالة ، إلى إقامة علاقات سيطرة يمارسها الغالب ، وهذا يعني اضمحلال المجتمع البدائي أن يرتضي ، لا الصداقة الشاملة ولا العداء الشامل ، لان الأولى تفقده هويته ، والثاني وحدته وانسجامه. ومن هنا لجوء الجماعة البدائية إلى التحالف ، فاستحالة حرب الكل ضد الكل تدفع الجماعة إلى تصنيف الآخرين إلى الأصدقاء وأعداء ، ( ... ) وهي إذ ترتضي التحالف ، فإنما تفعل ذلك مكرهه ، لأنه من الخطورة خوض الحرب بصورة منفردة ، فالتحالف وسيلة لاهدف ( ... ) وإذا كانت الحرب وسيلة لغاية سياسية ، هي الإبقاء على استقلال الجماعة وتمايزها والحفاظ على كينونتها .
فان هذه الافتراض الذي يظهر حضور السياسي في بداية الاجتماع الإنساني الذي يعتمد الحرب كوسيلة للمحافظة على كيان الجماعة الزراعية أو الرعوية فإنها في ظل الزراعة عاشت حروبا حولت المزارع القديمة إلى مقرات عسكرية يتوسطها بيت الإله والحاكم الذي هو القائد فان الحرب والرموز سرعان ما حولت الجماعة إلى كيان يخضع إلى الحاكم في ظل مدينة يتحول الحاكم المستبد بها إلى وسيط بين الإله والشعب الذي خضع ، فالتجربة العراقية القديمة قد مرت به الجماعات البدائية الزراعية والرعوية المرتحلة حتى استقرت في مدينة لها نظامها الديني ومخيالها العقائدي وفيه يحصل ارتهان الإنسان إلى الإنسان إلا انه يعبر عنه إلى ارتهان الإنسان لغاية كونيه دينية وهذا ما يظهر في الأدب العراقي ملحمة جلجامش وارتهان شعب اوروك للملك الذي يتم التعبير عنه باراده إلهيه تخلق له خصما هو انكيدو..

الفرضية الثالثة:عن السلطة الرعوية يطرحها مشيل فوكو حيث يحدد الفــرق بين (( السلطة الرعوية )) في الشرق القديم والفكر السياسي عند اليونان ، وذلك من خلال المقارنات الآتية:
أ‌- يلاحظ أولاً إن الراعي في الفكر الشرقي القديم يمارس سلطته على ( قطيع ) يرعاه ، وليس على الأرض كما في الفكر اليوناني. وهكذا تختلف العلاقة بين الآله والبشر هنا عنها هناك: فالآلهة عند الإغريق يملكون الأرض ، وهذه الملكية هي التي تحدد العلاقة بين الناس وآلهتهم ، وبعبارة أخرى إن علاقة الآلهه بالناس تمر عبر الأرض: الالهه يتصرفون في الناس بوساطة الأرض من خلال ( التحكم في الفصول والخصب وأحوال الناس. أما في الفكر الشرقي القديم فليس هناك مثل هذا ( التوسط ) في العلاقة بين الإله الراعي ورعيته. إن العلاقة بينهما علاقة مباشرة: الإله الراعي يمنع الأرض لشعبه أو هو يعده بها. فالآهه في الفكر اليوناني تملك الأرض ومن خلالها وبواسطتها تتصرف في أقدار الناس ، أما الفكر الشرقي القديم فالإله يملك العباد وقد يعطيهم الأرض ، وقد يعدهم بها.

ب‌- مهمة الراعي أن يجمع شمل الرعية ويقودها وليس ثمة شك في إن مهمة الرئيس السياسـي عند اليونان الهدوء والأمن داخل ( المدينة ) وعلى إشاعة الوحدة والائتلاف فيها. ولكن الفرق بين الفكر الشرقي القديم والفكر اليوناني في هذه المسألة فرق واضح أيضاً: ذلك إن ما يجمعه الراعي الشرقي هم الأفراد المتناثرون المشتتون الذي يلبون نداءه اذا دعاهم للاجتماع لصوته و (( ضميره )) ولكن ما إن يختفي الراعي حتى يتشتت شمل القطيع / الرعية.

ج_ الراعي في الفكر الشرقي يضمن الخلاص للرعية. واليونانيون يقولون أيضـا إن الالهه تنقذ المدينة ، وهم كثيراً ما يقارنون الرئيس الفاضل بربان سفينــة يقف فيها بعيداً عن الصخور فيجنبها الارتطام بها. لكن الكيفية التي يخلص بها الراعي في الفكر الشرقي رعيته تختلف عن الكيفية التي ينقذ بها الربان سفينته: فالرعية لا تعني قيادة السفينة وتجنبها الأخطار بوصفها كلاً ، أي كسفينة ، بـل هي رعاية دائمة يقوم بها الراعي لكل فرد من رعيته ، كلاً على حدة.

د_ ويبرز فوكو فرقاً أخر هذه المرة بممارسة السلطة ودوافعها: الرئيس ، رئيـس المدينة عند الإغريق يصدر فيها عن فكرة الواجب فالواجب ، واجبه رئيســاً هو الذي يفرض عليه. أما الثواب الذي يناله عندما يقوم بما يفرضه عليـــه الواجب ، من الانقطاع إلى العمل من اجل المصلحة العامة ، فهو تخليد الشعب له: فالذين يضحون بحياتهم أثناء الحرب ، من اجل المدينة ، أبطال خالـدون. أما الراعـي فهو يصـدر رعايته لرعيته ، لا عن فكره الواجب بل بدافــع ( الإخلاص ) وهو يخلص رعيته يسهر على حقيقة ، وذلك شغله الدائم من خلال انه يعمل على تدبير طعام قطيعه بينما قطيعه نائم وانه يسهر عليه بعينه التي لا تنام لا يسهو ولا يغفل عن أي فرد منه .

هذا التصور يقدمه محمد عابد الجابري وفيه تظهر أمامنا ثنائية اليونان / الشرقي في حين إن مشيل فوكو يحاول تأصيل مقوله الواجب مقابل مقولة الإخلاص المسيحية التي تمتد بجذورها إلى التوراة وبذلك شكلت جذراً لمفهوم الدولة بإطارها الغربي ( لكي تؤمن المسيحية لنفسها هذه المعرفة الفردية ، امتلكت وسيلتين أساسيتين مستعملتين في العالم الإغريقي: فحص الضمير وتوجيه الضمير لقد تبنتها لكنها أحدثت فيها تغييراً كبيراً ... كان توجيه الضمير يشكل صلة دائمة: لم يكن عضو الرعوية يُساق فقط لكي يجتاز بانتصار احد الممرات الخطوة. كان يُساق فقط لكي يجتاز بانتصار احد الممرات. وأي محاولة للتخلص من ذلك كانت تعرضه حتماً للهلاك. أما فحص الضمير فلم تكن غايته تقوية الإحساس بالذات ، بل تمكين الفرد من أن ينفتح على موجّهه وان يكشف له أعماق النفس ) .

والملاحظ إن الأمر لدى ( فوكو ) كان يقوم على نقد مهيمنة الدولة الغربية الحديثة ، أما عند ( الجابري ) فهي تقوم على نقد الفعل السياسي العربي وامتداداته ونحن نرى إن مسألة بين العقل والسياسي اليوناني مقابل المسيحي عند فوكو أو الإسلامي عند الجابري ، أما نحن فنرى إن مخيال السياسي العراقي القديم يشكل الأساس الذي تطور باتجاهين الأول التصور العقلاني الميتافيزقي اليوناني الثاني التوحيدي القدسي وسلالته التوراتية المسيحية الإسلامية.

وتناول الموضوع بالرغم من مسافاته الشاسعة جاء فيه إهمال لجذر الشرقي العراقي / المصري الذي مثل البعد الأساس في تشكيل الخيال السياسي اليوناني والتوحيدي معاً.
فالتصور اليوناني للواجب الذي يفضي بتقدير الشعب للحاكم له اساس عراقي قديم وذلك يعود إلى ملحمة جلجامش التي كانت تعكس المخيال السياسي الذي شكلته المدينة العراقية في ذلك الوقت فهذه الملحمة تعطي تصوراً للعالم الأخر الذي هو انعكاس للتصور السياسي ، فالمدينة تجعل من العالم الأخر ( السفلي ) عالماً عبثياً وليس أمام الراعي السياسي ( جلجامش ) من أمل إلا النضال من اجل الحصول على الخلود والذي يفشل في الحصول عليه حسب المخيال الملحمي فالذي يبقى ان يعمر المدينة ويدافع عنها ويعيش حياته باعتبارها الهدف ، والنتيجة تكون في خلوده في ضمير الشعب الذي يخلد ذكراه وهذا التصور ذاته في الفكر السياسي.

لكن بالمقابل نجد إن الفكر اليوناني ايضاً يتأثر بالفكر المصري الذي يعطي تصوراً سياسياً أخر يوظف فيه مخيالاً سياسياً يعطي العالم الأخر أهمية كبرى فيجعل الخضوع للإرادة الالهيه وجبريتها ، نصيباً في الفوز بالجنة في العالم الأخر ، وهذا تطلب محاربة شهوات الجسد وتنقية النفس ، فكان لهذا تأثير عميق في الفكر الباطني اليوناني الاورفي والفيثاغوري وسقراط ومقدراتهم.

بالمقابل كان للفكر العراقي السياسي ـ في مرحلة التوحيد البابلي اثر كبير على التوراة ، أما المسيحية فقد جمعت بين الجذر التوراتي والتأثير الاغريقي.
وهكذا كانت تلك التصورات السياسية العراقية ذات اثر عميق فيما بعد وتشكل آصاله إنسانية رائدة..

أما السلطة التي أثرت في تشكيل المخيال السياسي العراقي القديم ، فنحن نجد الفرضيات الثلاث مجالاً للاستثمار في دراسة السلطة في العراق القديم حيث نجد إن هذه السلطة قد تغيرت بحسب المراحل التاريخية وبالتالي تغير مخيالها السياسي الذي يسبغ الشرعية عليها ، على وفق الظروف الاتية:

1- في ظل القرية بوصفها تمثل شكلاً سياسياً واجتماعيا واقتصادياً أول داخلها ظهرت أول القوى سواء كانت زراعية أم رعوية ونجد فيها ذلك المجتمع الذي كانت تسوده الاستقلالية والمساواة الذي ظهرت داخل الظاهرة ـ الدنية التي نسب اليها اصل السلطة التي حاول من خلالها أن يقر المساواة بالخضوع إلى قوى مفارقه ، في حين إن هذه الظاهرة هي انعكاس للوضعية الاجتماعية والمستوى السلطوي داخل ذلك المجتمع نجدها بوضوح في عبارة ألام الكبرى وابنها ، ثم في المجتمع الإلهي الذي هو انعكاس للمجتمع البدائي ، وفي هذه المرحلة ، وقد وجد من خلال الظاهرة الدينية تبرير أسطوري لوضع الزراعي وتفسير لظواهر مثل تغير الفصول وحركة الكواكب وأثرها على الإنسان ، وقد عاشت تلك المجتمعات تغيرات خلقت صراعات كانت تحتمي بالإله ومن الرجال المدافعين مراكز قوى فولد ظاهرة جديدة .

2- في ظل الهيمنة المدينة: التي شكلت ظهور تغير اجتماعي بظهور دور فاعل لرجل بموازاة ألام حيث الانقلاب الذكوري فظهر هذا واضحاً في ملحمة جلجامش حيث أصبح للبشر دور في المجتمع مقابل الآلهه وكان هذا ظهوراً للرعوي السياسي وكان المجتمع يشكل لذلك تغيراً في طبيعته حيث اختفاء مرحلة المساواة بظهور أنصاف الالهه وأنصاف البشر فإذا كانت الحرب وسيلة للمحافظة على استقلالية المجتمع والمحافظه على المساواة بين أفراده فان الحرب كانت وسيلة لظهور الرعوي السياسي.

3- في ظل هيمنة المدنية الكونية ( التوحيد ): حيث شهدت هذه المرحلة تغيراً كبيراً وذلك بتحول المجتمع من طابعه السياسي الممثل ( بدولة المدنية ) حيث حدث التوحيد السياسي الذي قاده الرعوي السياسي الاكدي ( سرجون الاكدي ) فهذه الوحدة السياسية كانت بحاجة إلى مخيال سياسي وديني فظهرت قصة الخليقة البابلية ، وقوانين حمورابي التي تمثل هذه الشمولية والمرحلة التوحيدية والقضاء على العماء بظهور اله واحد يملك القدره الحق بالكلمة والذي يخضع له كل الالهه فكان يسبغ الشرعية على الوحدة السياسية ، وكانت المراثي الدينية تمثل انعكاساً حضارياً لهذه الوحدة.

كانت الحقب الثلاثية يمثل كل منها مخيالاً سياسياً يجد انعكاساً في النصوص الملحمية التي تشكل العتبة التي تظهر المرحلة اللاهوتية التوحيدية والميتافيزيقية اليونانية.

3 -اللغة: هي القناة التي تعتمدها السلطة في بناء المخيال السياسي. وهي تشكل حضور في الوعي الفكري والوجودي للإنسان.وبالتالي فهي تمثل الوسيط الرمزي بين اكراهات السلطة والرغبة التي تعبر عن نقص في الوجود والحاجة إلى الاعتراف ، وهنا تأتي السلطة ضمن جدلية التملك والعطاء بوصفها وسيلة لسيطرة وفرض الاعتراف على الأخر باعتبارها سلطة دنيوية تعد امتداداً لسلطة دينية مفارقة ، أو باعتبارها سلطة قبلية أو مذهبية فهي تحاول التلاعب بالرغبة الفردية من خلال خلق تسويغ عقائدي أو فكري بوصفها تعبر عن مقاصد الرغبة والسلطة تمنح الاعتراف بمشروعية الرغبة الفردية إلى المجد أو الرخاء أو الخلود في العالم الأخر أو في الأذهان ، أي أن يكون في كل لحظة من الوجود انتصاراً للحياة على الموت وللمعنى على اللامعنى.

كيف يتحقق للســلطة هذا الأمر ، أن يحـدث من خلال ذلك الاختـراع العجيب ( اللغة ) وقدرتها على تشكيل المخيال الفردي وإشباع غرائزه أو إثارتها من خلال الرسمال الرمزي الذي تقدمه له ، مما يجعله يخضع بشكل كبير لها وان هذا يحدث من خلال آلية ( الترغيب والترهيب ) وهذا يحدث عبر التخيل الذي تقدمه السلطة متخذةً من اللغة وسيلة لتحقيق هذه الغاية.

وهنا تظهر بوضوح أهمية الوظيفة التي تقوم بها اللغة ، فهي ( وظيفة عضوية في الإنسان ، وهي كذلك أساس طبيعي للفضائل وللصلات الاجتماعية والسياسية ، يقول أرسطو: (( الكلمات المنطوقة رموز لحالات للنفس ، والكلمات المكتوبة رموز للكلمات المنطوقة ، والكتابة ليست واحدة عند كل الناس ، شأنها في ذلك الكلمات المنطوقة. ولكن المحاولات النفسية التي يعد التعبير دليلاً مباشراً عليها هي عند كل الناس ، شأنها في ذلك شأن الأشياء التي تعد هذه الحالات صوراً لها)) . وعن اثر اللغة يقول هايدغر ( إن اللغة هي مسكن الكائن ) وعن دومينك شـوفالي( إنها تمثل ذاكرة تمنح الفرد عناصر الوعي للتعبير عن هويته قياساً على الجماعة التي يتحرك داخلها وعلى إمكانية التسامي عن هذا الحد الاجتماعي ) . ويكشف هيكل في فصل الأول من ( علم ظواهر الروح ) of spirt phenomenology عن ( الطبيعة الالهيه للغة ) هذه الطبيعة التي بسببها لاتسمح لنا اللغة بالتعبير عما نريد. وهكذا ، فإننا ونحن نشـير إلى الشيء بـ ( هذا ) ونقول عنه ( هذا ) فإننا نفترض بل ونتمنى إننا نعبر عن وحدة هذا الشيء وعما ينفرد به. أما في الواقع فإننا نقول عنه ماهو عام ومشـترك بينه وبين أي شيء أخـر في العالم . ذلك إن ( هذا ) هو كل شيء ، كما يمكن أن نقول ( هذا ) حول أي شيء. باختصار ، إننا ونحن نسعى لنقول ماهو خاص ، قلنا ماهو عام. وشبيه بذلك إذا أردنا أن نشير إلى نقطة خاصة ، إلى مكان في فـراغ ، أو إلى لحظة في زمـن ، وان نجـدها على اعتبارهـا( هنا ) و ( ألان ) ، فإننا إنما نشير من جديد لا إلى نقاط محددة بل إلى أفكار عامة جداً ، ومجرده جداً ، خاصـة بفـراغ وبزمن (( ذلك إن كل مكان يمكنـه أن يكون هـذا الـ ( هنا ) بالذات ، بينما كل لحظة يمكنها أن تكون هذا الـ ( ألان ) بالذات ). 

وعن الجوانب المـادية للغـة وآليات التجريـد التي تعتمد يشــير جــون لوك ( شيء ، وان التجربة هي التي تنقش فيها المعاني والمبادىء جميعاً. والتجربة نوعان: تجربة ظاهرة واقعة على الأشياء الخارجية أي إحساس ؛ وتجربة باطنة واقعة على أحوال النفس أي تفكير ويعطي مثلاً في اللغة تأييداً لهذا الرأي: فإن الألفاظ في الأصل تدل على جزئيات مادية ثم نقلت بالتدرج على ضربين ، احدهما من الجزئيان إلى الكليات بملاحظة التشابه وإسقاط الأعراض الذاتية والضرب الآخر من الماديات إلى الروحيات بالتشبيه والمجاز: فألفاظ التخيل والاحاطة والتعلق والتصور والاضطراب والهدوء وما إليها اخذت أولاً من الماديات ، ولفظ النفس معناه الأصلي النفس وهكذا .

وعلى أساس التشابه وإسقاط الأعراض تظهر القوانين العلمية وعلى أساس التشبيه والمجاز تظهر الميتافيزيقيا والدين والأدب. وقد ظهر كثيرً من الدراسات التي اهتمت بدراسة اللغة ومنها:
1- سوسير الذي يعتمد تعريفاً للغة على الفرق بين مصطلحين هما: اللغة Langue والكلام Parole . إذ تمثل Langue نسق اللغة ، أي القواعد ، والمواصفات والاتفاقات التي يشترك بها كل من يستعمل اللغة. أما Parole فهو الكلام الفردي الذي تعمل فيه المبادىء والمواصفات والاتفاقات التي تمثل اللغة.

واللغة هي (( كل مكتف بذاته ، وهي مبدأ للتصنيف )) ولهذا السبب فان ما يسميه سوسير Langue هو في حقيقته نسق اللغة ، وان كل شخص يستعمل اللغة يحمل في ذهنه ( عقله ) إدراكاً بمبادىء اللغة ومواصفاتها ، ويكون هو ضمن نسق اللغة.

وعلى العكس من ذلك فان الكلام Parole هو كلام أو الكلام المعزول ... انه الشكل المتجلى لنسق اللغة غير المتجلي .. انه التحقق الذي يؤكد سوسير على انه (( فردي دائماً ، ويكون الفرد سـيداً له دائماً ، { وهو يطلق } على الجانب التحققي اســم الكــلام
Parole  .

والثنائية الثانية التي يدرسها سوسير العلامة: الدال: والمدلول ، فالعلامة Sign هي الوحدة الأساسية للبنية اللسانية التي تصنع النسق ، فهي اتحاد الدال Signifie والمدلول Signifieo ويعد الدال الصورته الصوتية ، والمدلول هو المفهوم ويؤكد: (( إن العلاقة اللسانية لاتوحد بين الشيء والصورة الصوتية. فالصورة الصوتية ليست صوره مادية ، شيئاً مادياً خالصاً ، بل هي الطابع السايكولوجي للصوت ، انه الانطباع الذي تتركه على حواسنا )) .

والثنائية الثالثة هي التزامنيه والتعاقب ؛ تبعاً كما يراه سوسير , من المكن أن تكون دراسة نسق اللغة أما من ناحية تزامنية Synchronic أو تعاقبية diachronic وعرفهما (( يمكن أن تصف كل شيء يرتبط بالجانب السكوني static من عملنا بأنه تعاقبي. وهكذا تختص التزامنية بوصف حالة اللغة في حين تختص التعاقبية بوصف المرحلة التطورية)) .

والثنائية الرابعة هي: ( التتابع والترابط ) ولتوضيح الأمر يقول: (( من ناحية ، نجد إن الكلمات في الخطاب discourse تكتسب علاقات تعتمد على طابع اللغة الخطي liner لأنها مرتبطة معاً في سلسلة ... وتترتب العناصر بتتابع في سلسلة الكلام. ويمكن تعريف التتابعات بأنها الارتباطات التي تدعمها الخطية linearity ... ويكتسب المصطلح قيمته في التتابع فقط لأنه يقف في علامة متضادة بكل شيء يسبقه أو يعقبه أو كليهما )) .

ويشير سوسير إلى ضرورة تَشْكيلُ علم جديد اقترح لهُ تسمية (( السيمولوجيا )) لا يمكننا إذن أن نتصور علماً يدرس حياة الدلائل داخل الحياة الاجتماعية ، علماً قد يُشْكَّل فرعاً من علم النفس الاجتماعي وبالتالي فرعاً من علم النفس العام وسوف نُسَمّي هذا العالم بالسيمولوجيا )) .

وفي هذا المجال تعليقات رومان باكوبسون ( بين اللغة المكتوبة والمقروءة ) (( ومن هذه الزاوية يمكن رؤية احد الفروق الجوهرية بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة في حين تمزج بجلاء ، فالأولى لها صفة الوقتية ، في حين تمزج الثانية بين الزمان والمكان ، حين تختفي الأصوات التي تسمعها و تكون أمامنا أحرف ثابتة عادة عندما نقرأ ؛ وكذلك ، فان زمن التدفق المكتوب من الكلمات قابل للقلب فنستطيع أن نقرأ ، ونقرأ قراءة ثابته ، قد نستطيع أن نسبق حدثاً ما ، ويصبح التوقع الذي هو ذاتي لدى المستمع موضوعياً لدى القارىء حيث يستطيع قراءة نهاية رسالة أو رواية قبل قراءة أجزائها الأولى)) .

ومن هنا فالزمن واللغة لديه: (( إن إمكانية التي يمتلكها عاملات متنافسات ومتناقضات جوهرياً أي حدوث التزامن من جهه و التتابع الزمني من جهه أخرى ، تفسر ما قد يكون امثل تحقيق لفكرة الزمان في بنية وحياه اللغة وتبرز صراعات مختلفة بين سمتي الزمان ، فهناك زمان لحدث الكلام من جهة ، وزمان للحدث المسرد من الجهه الأخرى .. ويمكن أن يكون الزمان أحادي الخطية أو متعدد الخطية ، وقد يكون مباشراً أو معكوساً في السرد وخصوصاً الشعري منه ))(47)

أما تعليق دريدا ، حول التمركز الصوتي عند سوسير حيث يؤكد دريدا أن مفهوم الكلام والكتابة التقليديين (( يحيلان الى خارج المعنى )) Logocentr وهذا مصطلح مهم أخر يستعمله دريدا ليعنى به ماهو متجه ميتافيزيقيا .. فالمتمركز حول الصوت ذلك الاعتقاد الذي يرى إن الصوت يقارب الواقع المتعالي tronsiendental حيث يقول دريدا (( دائماً ما يوحى مفهوم العلاقة داخل ذاته بالفرق بين الدال والمدلول .. حتى أن يتم تمييزها بأنها وجهان لعملة واحدة ولهذا السبب يبقى هذا المفهوم ضمن تراث مفهوم التمركز حول اللوغوس الذي هو في حقيقته تمركزاً حول الصوت: التقارب المطلق بين الصوت واللاصوت والكينونة being ، وللصوت ومعنى الكينونة ومثالية المعنى ))(048) وهذا مايخص الجانب اللساني.
2- وهو يتعلق بالدراسة المنطقية التي تناول دراسة اللغة والادله في مضمار السيمونطيقا لقد استعار بيرس مصطلح ((semeiotic)) من التسمية التي اطلقها جون لوك على العلم الخاص بالعلامات والدلالات المنشق عن المنطق ، والذي كان لوك ينظر اليه بوصفه علم اللغة ، وانفق بيرس حياته في تطوير هذا المفهوم. ويشهد الكم الهائل من ملاحظات بيرس على الجهد العتيد الذي بذله في تحليل المفاهيم الخاصة بعلم النفس والاديان. واستغرق تأمل بيرس وبحثه في الموضوع حياته كلها ، واستعان في سعيه هذا بجهاز عقلي من التعريفات. يهدف الى تصنيف الواقع والمدرك والمعاش في مجموعات مختلفة من العلامات ، اذا قسم العلامات الى ثلاث مجموعات ؛ الأيقونات Icones والمؤشرات Indexes والرموز Symbols .

وكان بيرس يرى اللغة موجودة في كل مكان وفي اللامكان في ان واحد. فاللغة بالنسبة اليه لا تتعدى كونها كلمات والكلمات هي علامات ، غير انها لاتنتمي الى فئة خاصة من العلامات ، او حتى الى مجموعة ذات خصائص ثابتة ، فبينما ينتمي معظم الكلمات الى مجموعة الرموز فان بعضها ينتمي الى مجموعة المؤشرات مثل اسماء الاشارة ويضع وبيرس العلامة اساسا للعالم بامره ، اذ ان العلامة هي نقطة الاتصالات التي ينبني عليها تعريف كل عنصر على حدة ، وهي المبدأ الذي يحكم تفسير مجموعات العناصر ، سواء كانت هذه المجموعات مجردة او ملموسة(49)

واللغة نظام او نسق مركب من وحدات منفصلة ومتمايزة فيما بينها وكانت هذه الوحدات مجرد علامات صوتية لها وظيفة رمزية. ممكن بناء مخيال عبر قدرات اللغة على التشبيه والترميز الى مفاهيم وتصورات مجردة او خيالية ليس لها بالضرورة سند وجودي خارجي.

بعد هذه التاصيلات في حقل الدراسات السيمائية فان اللغة تبقى تعكس ذلك الجانب اللغوي والنفسي والاجتماعي وهي أيضاً من أهم أدوات الإنسان في التعبير عن نفسه ، أو تمويه موقفه أو هي أداه إكراه في أيدي القوى المهيمنة التي تشكل قناعات الفرد في الأسرة والمجتمع ... فهي تظهر في هذه الوظائف:

1- اللغة بوصفها نبعاً للذاكره :ـ فجوهر المتخيل رموز تسبح في الخيال وتقوم في الذاكرة الاجتماعية ، والحركية والفردية ،ة فالتعرف الذاكروي الذي تصفه الانا بمبدأ رمزي صوري هو الذي يؤدي إلى المعرفة حيث اللاتجانس المتخالف يؤدي إلى التنافر واللاظهور والكمون اللالغوي.

فاستحالة المعرفة بالمختلف والمتخالف يجعل الرمز أمراً ضرورياً وغياب الرمز عن الانا يفقدها رغبتها وقدرتها على المعرفة وان قوة ، واندفاع الوعي الوجداني هي رمز يغوص في رموز اللانا فيحصل عنف رمزي ينشأ الكبت ، والكره ، والحسد واللالم والحب ، والعُصاب ، والاستلاب ، حيث كينونة الكائن تتجسم وتبرز مع كل ماهو اللاعقلاني.

إن الفرد إذا حرم من الرموز اللغوية لا يفكر فالفرد المتوحش البدائي الذي لم يستعمل الرموز اللغوية لا يستطيع ، أن يفكر أو أن يقوم بعملية حسابية ابتدائية.
والمبدآن اللذان هما: وجود النظام الرمزي في الكون والثاني منطق المشابهة . يكفيان لتأسيس الرمزوية العامة ودراسة أشكالها الأكثر تعّددية ، فالانتقال من رمز إلى أخر يتم بالمشابهة والتشابهه(50)

ويلاحظ في الرمز: أن يكون الشيء رمزاً لصفة مجردة يمثلها هو بدرجة عالية. وعندما يمثل هذا الشيء على الدوام شيئاً أخر يكون وإياه في ربط من القرين الظاهرة والعادية.
والرمز لدى (( لالاند ـ Lalande )): بان الرمز هو الذي يمثل شيئاً أخر بمقتضى علاقة المشابهة(51)

من خلال يتم بناء الذاكرة الجمعية من خلال الرموز وإحالاتها.وهكذا يغدو الفعل القائم على التذكر بحيل إلى ثلاث مستويات:

الأول: فعل التذكر ، في البدء فان الجذر اللغوي يفتح باب للنظر في التأمل فهو يحيلنا إلى ( الذِكْر ، والذكرى ، والذكرة ، ضد النسيان تقول ذكرتهُ ذكَرى غير مُـجراهٍ .
واجعَلْه منِك على ذكر وذكر بضم الذال وكسرها. و( الذكر ) الصيت والثناء. قال الهه تعالى: ( ص والقرآن ذَي الذّكْر ) أي ذي الشرف (52)
فالفعل يشير إلى أمرين: فعل إرادي فردي يقوم على التذكر بدل النسيان والثاني يجعل فعل التذكر أكثر عمق يكون بالقلب عندما يرتبط بالإرث الذكري فالأمر الأول فعل معرفي أما الثاني اعتقادي ديني.
وهكذا يغدو هذا الجذر اللغوي مجال التأمل المعرفي ولاعتقادي. حيث يرتبط الفرد بالإرث ألاعتقادي الرمزي.

الثاني: المتعلق بالذاكرة المختلفة أو الجغرافيه التخيلية ، وهي التي تقوم على استعادة الماضي يقصد خدمة الحاضر ، حيث ( تطال الذاكرة ، وما يمثلها بأهمية بالغة ، مسألة الهوية ، القومية ، القوة والسلطة فدراسة التاريخ سواء أكان في المدرسة أم في الجامعة ـ إذا تشكل أساس الذاكرة ـ هي ابعد ما تكون عن دراسة الحيادية) (53) فهي قراءة انتقائية للماضي (فالهوية القومية متورطة باستمرار في السرد ، سرد ماضي الأمة ، وسرد أجدادها المؤسسين ، وسرد الوثائق والوقائع الأصلية وغيرها ، ولكن لم يسلم أبداً بهذا السرد على انه مجرد مسألة قص محايد للواقع (54)

حيث يتم استعادة الماضي بانتقائية عبر صور نمطية ، يتم فعلها في المؤسسات التربوية والإعلامية.
وهناك ذاكرة يتم بناؤها من خلال تصنيف الوجود إلى صفات ايجابية يتم إسقاطها على الذات وإسقاط ماهو سلبي على كل ماهو معادي لهذا الرغبة الجمعية حيث يظهر في صور نمطية في مسوخ خرافيه ، أو أعداء مفارقين ، فهي تسقط على الخصوم كل ماهو نمطي وبالتالي تمنح نفسها أن تتخذ منه كبشاً للفداء بوصفه يهدد الذات الفردية أو الجمعية. مثلما بين انانا والمسخ وجلجامش والمسخ ... الخ.

2- اللغة بوصفها مجالاً للمتخيل:ـ وهكذا تغدو اللغة وفعاليتها الرمزية مهمة في الوجود ذلك الشعب وقدرته على التحدي الوجودي حتى يصبح الترميز والتخيل ضروري لتميز تجربة ذلك الشعب (( لايوجد أي مجتمع بشري يمارس دوره او آليته بشكل مختلف أي بدون تشكيل متخيل ما )) وبالإضافة إلى تلك الخصوصية ، فأن التخيل يمنح المجتمع القدرة على أن يقدم حلولاً لما يحيط به من معضلات طبيعية (( فالدين أو الأديان في مجتمع ما هي عبارة عن جذور .. ونجد إن كل الأديان قد قدمت للإنسان ليس فقط التفسيرات والإيضاحات ، وإنما أيضاً الأجوبة العملية القابلة للتطبيق والاستخدام مباشرة في ما يخصّ علاقتنا بالوجود والآخرين والمحيط الفيزيائي الذي يلُّفَنا ، بل وحتى الكون كله ، وفيما وراءه بالأشياء الموعودة ( فوق الطبيعة ) (55). ومن هنا يلجأ الأفراد إلى رموز متعدد: فالحديث أو الكلام يستخدم نطاقاً من الأصوات ليكون أشكالا كثيرة من الرموز مثل الكلمات ، واللغة المكتوبة ، ويمكن تذكرها بسهولة واسعة لان المكتوب يكون مطبوعاً ، ويمكن للغة أن تأخذ أشكالا أخرى لا متكلمة ولا مكتوبة ( .. ) يمكن تحقيق الاتصال اللغة ، والهيئة ، ووضع الجسم أو التعبيرات الوجه وهذه الوسائل للاتصال تشكل المستوى الأول للرمزية بينما تشكل المفاهيم ، التي تعبر عن حقيقة ما المستوى الثاني والتي تقدم صوراً أو تمثيلات ذهنية ، تأخذ موقع الأشياء التي تعبر عنها ولكون المفاهيم شخصية لكل إنسان ، فإنها تكون بالضرورة أيضاً نتاجاً اجتماعياً لعدد كبير من الناس(65)

3- اللغة بوصفها حقلاً للوعي:ـ من خلال تشكل ( الهوية ) عبر جدلية العلاقة بين ألانا والأخر ( فالهوية ) تمثل الوعي الضدي بالأخر ، ومن هنا فالوعي يعني: تجاوز للاحباطات والحواجز في الواقع وكل وعي فهو نسبي مشروط باللحظة التاريخية التي يتجاوزها الوعي الخاطىء.

لهذا نرى الرمز فعالية اجتماعية تتأثر بالبيئة والوعي الذي ظهرت داخله ، فكل أفعال اجتماعية التمثل استجاباتها على التحديات الطبيعية ، أما عن مصداقية منطقية تلك الرموز بعد أن أصبحت جزء من منظومة المعتقدات للمجتمع ( فإن منظومة المعتقدات الفاعلة ضمن مجتمع غير محددة لا بالحقائق المنطقية أو التاريخية ولا بالأدلة الواقعية )

وبذلك فان غياب المنطقي يقود إلى غياب التاريخي إذ يبقى الإحساس بحضور التاريخ ، ومن ينتسب إليه ، أخر أبعاده القيمة ، هو العلامة الفارقة لكل منا التاريخ داخل منا. ولكن الإحساس به هو الذي يميز كلاً منا عن الآخر .. هناك سلطة هي التي تشكل حقيقة التاريخ تاريخ معين ، تاريخ جماعة ، أو فئة أو طائفة مختلفة ، وتعتبر كل تاريخ آخر شذوذاً تاريخياً ، عدماً ، إنما يستوجب اللعنة. وانه هو علامة التاريخ الفارقة .. فكل تاريخ علامة مميزة تشير إلى من كتبه ، وهذا يعني إن حقيقة التاريخ ليست سوى حقيقة حاملة وان حقيقة حاملة ، ليست سوى حقيقة ما يريد ان يجعله ترتبط به ، وتتجاوزه ، في آن ليخلّد لاحقاّ.
(إن وراء كل تصور تاريخي ، ومصنف تاريخي ، وحضور تاريخي تصوراً مغيباً لتاريخ أخر غير مرغوب فيه ، ومصنفاً جرى استبعاده أو تهميش قيمته ، وغيابا تاريخيا لحقيقة أخرى هي تاريخية على اقل تقدير). (58)
بهذا تكون مستويات التخيل الثلاث تتمركز حول السلطة التي تشكل الخطاب التخيلي وتوجه متلاعبة بالرغبة الفردية قد يكون غايتها ايجابية أو سلبية ، إلا إنها في كل الأحوال تعيد صهر تلك الرغبة الفردية في خدمة الجماعة وهذا يحدث من خلال الرسمال الرمزي الذي تقيمه عبر اللغة وإمكانيتها.
لكن تبقى آليات التخيل وهي السرد التخيلي ومقولتا الزمان والمكان التخيليان وهما موضوع البحث القادم.


المبحث الثاني "آليات التاخيل"



المقصد الأول: السرد التخيلي
المقصد الثاني: آليات الخيال الزمان والمكان المتخيلين



























المقصد الأول: السرد التخيلي

إن السرد التخيلي هو احد الآليات التي تعتمدها الثقافة القديمة والحديثة ، ونحن هنا إزاء بعدين ، الأول : يعتمد على الأدب القديم ، وقدرته على القيام بوظائف دينية ودنيوية يحاول من خلالها الأديب القديم إن يجد حلاً لما يحيط به من حوادث كونية واجتماعية تدخل ضمن فكراً وداخل فضائه المقدس والد ينوي وامتداداتهما ، وما يحيط بهما وهو إما : أدب الكالا( الكالا هم الكهنة الذين يرددون الأناشيد الدينية الطابع في المعبد ) وأدب الدنيوي الذي هو أدب النار ( فالنار هم الكهنة الذين يرددون الأناشيد الدنيوية الطابع في القصر ) .ويتدرج تحت كل منهما مجموعة من فنون ذلك الأدب (1)

هذا هو مفهوم السرد بإطاره القديم ، إما السرد في التصور المعاصر فالسردية Naratology فرع من اصل كبير هو الشعرية ؛ Poeties التي تعنى باستنباط القوانين الداخلية للأجناس الأدبية واستخراج النظم التي تحكمها ، والقواعد التي توجه أبنيتها وتحدد خصائصها وسماتها فالسردية تبحث في مكونات البنية السردية للخطاب من راو ومروي له ، ولما كانت بنية الخطاب السردي نسيجا قوامه تفاعل تلك المكونات ، أمكن التأكيد ، إن السردية هي : العلم الذي يعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوبا بناء ودلالة ) (2) . وهي على هذا تحوي :
1- وظائف الراوي .
2- بنية الوحدة الحكائية .
3- بنية الشخصية للأسطورة أو الملحمة أو القصة .
4- نسيج البنية السردية ، وهذه هي ملامح المعالجة السردية أسلوبا وبناءً ودلالةً .

نحاول هنا ان ننقل السردية إلى دراسة الأدب العراقي القديم الأسطوري والملحمي سعيا منا إلى كشف وظيفة السرد التخيلي بوصفه إلية من آليات التخيل السياسي ودوره في تشكل الذاكرة الجمعية وبالتالي الثقافية . وقد تضمن التحليل الوظائفي للقصة خطوة حاسمة في وضع منهجية جديدة لتحليل النصوص القصصية والحكائية الشعبية فالحكاية هيكل ، بنية مركبة ، معقدة يمكن تفكيكها واستنباط العلاقات التي تربط بين مختلف وظائفها في مسار قصصي معين (3) .وعلى هذا فان السرد وبعده الحكائي الذي يجعله قادراً على خلق عوالم متخيلة عبر فعالية اللغة وقدرتها على خلق تلك العوالم وشد الملتقى إلى صدقها إلى الحد الذي يلمس بها الصدق ويتفاعل معها ، وعلى هذا فإننا نحاول تحليل هذه الإلية عبر تحليل بعدها السردي بوصفه يعتمد التخيل أساساً في إيجاد حلول لما هو ميتافيزيقي أو اجتماعي ... الخ . وعلى هذا نلمس إمكانية تطبيق هذا على الأساطير والملاحم العراقية القديمة التي تأخذ الشكل الأتي :

ا- وظائف الرواة : هنا نلاحظ توظيف لمفهوم الوظيفة " وهي عمل الفاعل معرفا من حيث معناه في سير الحكاية " (4) .وهي تؤخذ خلال فعالية الراوي الذي يقوم بسرد أو رواية الملحمة أو الأسطورة أو مجموعة المنشدين من رجال الدين بالنسبة للنصوص الدينية داخل المعبد أو منشدي النصوص الدينية في القصر لكن تبقى هناك وظيفة راوي يكمن خلق تلك الفعالية القائمة على الإنشاد وهي تقدم نوعين من الرواة :

الأول : الراوي المفارق لمروي : يقوم بالوظائف آلاتية وهي :
1- وظيفة اعتبارية: يحاول فيها استنتاج العبر التي يمكن استنتاجها من المروي سوى كان أسطورة تدور حول كائنات مفارقة أو ملحمة تحوي تحولات يقوم بها أبطال من البشر" كملحمة جلجامش "أو اله "كقصةالخليقة البابلية" وغيرها من الأساطير مثل اختراق (انانا عشتار ) للعالم السفلي والنتائج التي ظهرت بعد ذلك أو خسارة الإنسان للخلود ، واتخاذ العبر من تلك المرويات التخيلية بوصفها حقائق تدور حول سير رموز ثقافية مهمة ، تجعل من قيم دينية وأخلاقية وسياسية ممكن القبول بها بوصفها حقيقة من خلال تلك القصص الأسطورية .

2- وظيفة تمجيدية: وهي تقدم تصورا يعلي من شأن تلك الشخصيات التي يدور حولها المروي وهذا ما نلمسه في ذلك التمجيد الذي يقدمه الراوي أو المنشدون حول جلجامش :
" هو الذي رأى كل شيء فغني بذكره يا بلادي
وهو الذي عرف جميع الأشياء وأفاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شيء
لقد أبصر الأسرار وكشف عن الخفايا المكتومة
وجاء بأنباء ما قبل الطوفان
لقد سلك طرقا بعيدةً متقلبا ما بين التعب والراحة
فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وخبره " (5) .

من الملاحظ إن الراوي يحاول إن يرسخ من خلال هذه الوظيفة والتمجيد للرمز الرعوي السياسي بوصفه الحائز على المعرفة الخفية والتي جاءت عبر كشفه للأسرار فغدا حكيما لأنه كشف عن الإحداث القديمة ، وهذه الصفات تجعل من الممكن خلق صورة متميزة تضفي الشرعية على الرعوي السياسي (جلجامش ) من خلال حيازته صفات القدرة الجسدية على تحمل المعاناة وحصوله على المعرفة التي تؤهله إن يكون حكيما وبالمقابل الخدمات التي قدمها من اجل بقاء وازدهار أوروك والأمر ذاته يظهر في أساطير الآلهة سواء حول مردوخ أو عشتار .
3- وظائف بنائية : وهي الوظائف التي يقوم بها الراوي والتي تقوم على بناء العمل السردي بشكل يتحقق من خلاله بناء العمل وهي تقوم على الوظائف آلاتية التي تكمن في تلك الوظيفة وهي :.
(1) وظيفة التنسيق : وهنا يحاول إن ينسق بين إحداث تحدث بشكل متزامن كما حدث في الحدث عن جلجامش في الوقت الذي يظهر غضب الشعب عندما يشكونه إلى الآلهة .
(2) وظيفة استباق : وهي التي يحاول من خلالها الراوي إن يقدم صورة عن إحداث لم تأت بعد ، يحاول إن يقدمها من خلال أحلام يحاول إن يعطي تصورا عنها مثل حلم جلجامش قبل رؤية انكيدو ، حيث يقول الراوي على لسان البغي
وقبل إن تأتي من الصحراء
سيراك جلجامش في الرؤى وهو في ( أوروك )
وفعلا استيقظ جلجامش من تلك اللحظة
واخذ يقص على أمه رؤياه قائلا لها :
" أمي لقد رأيت الليلة الماضية حلما
رأيت أني أسير مختالا بين الإبطال
فظهرت كواكب السماء
وقد سقط احدها إلي وكأنه شهاب السماء ( انو)
أردت إن أزحزحه فلم استطع إن أحركه
تجمع حوله أهل بلاد ( أوروك )
ازدحم الناس حوله وتدافعوا عليه
واجتمع عليه الإبطال
وقبل أصحابي قدميه
أحببته وانحنيت كما انحني على امرأة
ورفعته ووضعته عند قدميك
فجعلته نظيرا إلي "

فأجابت جلجامش أمه البصيرة العارفة وقالت له :
" إن رؤيتك نظيرك كوكب السماء
والذي سقط أليك وكأنه شهاب السماء ( انو)
والذي أردت إن ترفعه في ثقل عليك
انه صاحب قوي يعين الصديق ( عند الضيق ) سيأتي أليك (6) .

نلاحظ إن وظيفة الاستباق قد حدثت مرتان هنا من قبل البغي مع انكيدو وأم جلجامش مع جلجامش وتحدث أيضا فيما بعد مع جلجامش واتونابشتم .

4- وظيفة اللحاق : وفيها يتم إلحاق إحداث قديمة تم إلحاقها بالسرد وذلك من خلال إللقاء الذي حدث بين جلجامش واتونابشتم في دلمو بعد رحلة مضنية قام بها جلجامش حيث تم سرد إحداث الطوفان وموقف الآلهة وقال اوتونابشتم .
ففتح " أيا " فاه ، وقال لي ، مخاطبا إياي ، أنا عبده
وانتم سيمطركم بالوفرة والفيض (7) .

5- الوظيفة البلاغية : حيث يقدم الراوي الحدث وكأنه شاهد على ذلك الحدث وهذا ما نراه من خلال وصف الإحداث عبر ضمائر الفاعلين من اله أو بشر حيث يتم الإبلاغ عن وقوع الحدث عبر ذكر التفاصيل المعاشة من قبل الراوي .

6- الوظيفة التأويلية : هنا نلاحظ إن الراوي يقوم بإدخال تغيرات على النصوص عبر الإضافة والحذف ، وذلك نتيجة ظهور بعض الوظائف واختفاء البعض الأخر ، وهذا ما يظهر في تصورات ملحمة جلجامش وتصورات أسطورة " انانا وشجر الخالوب " حيث بين التصورات السومرية والاكدية هناك تأويل حدث حيث تغيرت فيه العلاقات والوظائف نتيجة التغيرات الثقافية مصاحبة لظهور سلطة الذكورة .*

إننا نلمس إن في الأساطير السومرية " جلجامش " التي تتحدث عن علاقة بين جلجامش و " انانا – عشتار " هي علاقة تقوم على وجود سلطة تتمتع بها " انانا –عشتار " تميل الرعوي السياسي جلجامش امتداد لها لهذا فهو ينتدب من قبل الإله ( اوتوا) ومن ثم فانه كان يمثل الآراء الاجتماعية – السياسية للمدينة التي كانت تجد في الغابات سد لحاجاتها الاستهلاكية ولهذا كان عليها إخضاع الطبيعة ذات الطابع الوحشي لحاجاتها بشكل يوفر لها لوازم الاستمرار لهذا كان كل ماهو معارض للحاجات المدينة يمثل عدو مسخ على المدينة إن تقضي عليه بوصفه شيطانا وحيوانا مضادا – مثل الأفعى ، وتم تحويل تلك الرغبة الجماعية للمدينة من بعدها الدينوي إلى بعد ميتافيزيقي حيث تحولت حاجات المدينة إلى بعد مفارق صادر عن لحاجات امر الهي وهذا نلمسه في العلاقة بين الواقعة الاجتماعية والظاهرة الدينية حيث العلاقة بين الدين والسياسة هي التي تمنح الأخيرة الشرعية .

فالدين عنصر ملازم للمجتمع فهو تأسيس للقوانين والأعراف وهذا التأسيس لايمكن إدراك سره إلا من خلال فكرة ( الدين ) التي تتيح المجال لإدراك طبيعة السلطة وماهية الاجتماع ذاته ، فالدين يتضمن المبادىء الاتية:
أولا- مبدأ الخارجية أي القول بان المجتمع يستمد قوانينه من خارجه لا من ذاته .
ثانيا - مبدأ المغايرة من خلال القول بان البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشر مثلهم .
ثالثا – القائم على وجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره بين الجماعة والمبدأ المؤسس والمشرع لها .(8) .

فإذا كانت الأسطورة في أحدث تعريفاتها تمثل تاريخا مقدسا من جهة تروي كيف جاءت حقيقة ما إلى الوجود تصف لنا مختلف تفجرات القدسي في العالم وتكمن وظيفتها في تثبيت النماذج لجميع الطقوس والفعاليات البشرية الهامة (9) .

وبهذا فان الأسطورة والملحمة تحاولان إن تعبرا عن تلك المبادىء سابقة الذكر التي تقوم أولها على إن مصدر القوانين يأتي من خارج المجتمع البشري يعود إلى طابع خارجي أي مفارق للطابع الإنساني الدينوي وهو بهذا مغاير أي مختلف لكونه صار من الآلهة كأمر يوجب من البشر الطاعة له فهو ذو طابع مغاير قدسي يجعله يوجب الخضوع لأنه ليس بشريا وهذا هو المبدأ الثالث الذي يجعل بين البشر والآلهة ومصدر القرار فرق جوهري ولهذا جاءت تعار يف الأسطورة على أنها تحاول تثبيت النماذج الكاملة المتعلقة بالآلهة التي تتحول إلى نموذج قابل للتقليد والتكرار الدوري ألطقسي ( المثال لا يسبق التصميم الأرضي في الزمان وحسب ، وإنما هو يوجد في إقليم مثالي في الأزل ) (10) .

فضمن تلك الضوابط للوعي يقدم لنا الراوي السومري أسطورة ( انانا وشجرة الخالوب ) والتي ملخصها ( إن الآلهة رأت يوما إن ريحا عاتية كانت تعصف بشجرة تنبت على ضفة نهر الفرات فأشفقت عليها ولذلك نقلتها إلى أوروك حيث زرعتها مجددا في بستانها المقدس على أمل إن تصنع من خشبها عرشا وسريرا ولم تستطع الآلهة انانا قطعها بعدما كبرت لأنها وجدت الحية قد اتخذت من أسفلها مخبأ وان الطائر " امركور" قد بنى له عشا وان العفريتة ( ليليت ) استقرت في وسط جذعها . ولما سمع " اوتو" اله الشمس بكاء أخته " انانا " ، طلب الملك جلجامش لنجدتها وهرع متسلحا بدرعه السميل وفأسه الثقيلة ، ونجح في قتل الحية وفر الطائر إلى الجبل وهربت العفريتة :ليليت " إلى الخرائب . وأخيرا قطع جلجامش الشجرة وجاء بها هدية إلى الآلهة " انانا " لتصنع منها عرشا وسريرا (11) .

من الواضح إننا هنا إزاء تشكل فكر أسطوري يتخذ من الرمز غاية أكثر منه وسيلة فالشمس لا ترمز إلى الإله : أنها الإله بحد ذاته وعلى هذا فان هذه البنية تشكل الفضاء والأسطوري للسلطة الأنوثة . فهي أيضا توظف تلك التصورات الخارجية المتمثلة بشخصية الآلهة المتعالية وكيف تدخل ضمن العالم الدينوي وتكون مصدر الفعل ثم يظهر دور الرعوي السياسي المتمثل " جلجامش " الذي هو مجرد خادم لإرادة الآلهة ومن ثم وسيط بينها وبين البشر عندما يعمل على إزالة العوائق التي تحول بين الآلهة ( انانا ) آلهة الخصب والخضرة وبين وظائفها المتمثلة بإشاعة الخضرة والحياه والخصب داخل النبات والحيوان والإنسان وعلى هذا فان الإله " اوتو" الشمس وهو الذي يمنح الكائنات الحياة عبر أشعته الفضية وهو الذي دعي جلجامش حتى يمهد الأرض إمام ( انانا) فجلجامش هو الوسيط بين الآلهة والأرض حيث أوروك فان الهدف الذي يظهر رمزي خارجي إنما هو في الحقيقة نداء اجتماعي سياسي قائم على إصلاح الأراضي والغابات وجعلها ارض زراعية تسد حاجات المدينة ، رغم إن الأسطورة متعالية إلا إن الأمر استجابة لحاجة مدنية إلا أنها غلفت بهذا الخطاب الأسطوري حتى تكسبها الشرعية حتى يتم تطويب الأرض وتملكها على إن ذلك جاء بتوجيه الهي أولا وليس بشري .

إما من ناحية أخرى فان الراوي قد أحدث تأويلا في الروي وهذا يعود إلى ما أصاب السرد من تغير حيث تم تعطيل الوظائف القديمة وأحداث أخرى بدلها تحاول إيجاد سد لحاجات جديدة تم استحداثها لهذا الأمر حيث جاء الراوي بتأويل لوظائف والإحداث التي تحاول تأميمها حتى تصبح جزءا من السرد الجديد وكما يقول ابن عربي :" اعلم إن كل متلفظ من الناس بحديثه فانه لا يتلفظه حتى يتخيله في نفسه ويقيمه صورة يعبر عنها . وإذا كان هذا وكان ما يتخيله يعبر كالرؤية كذلك يعبر كل كلام ويتأول فما في كلام لا يتأول " (12) .

فان هذه الأسطورة تمر بمراحل من الخلق من إقامة تلك الأسطورة في نفس صانعها عبر تشكلها صورة تعبر عن مستويات تخيلية والرؤية التي ينطلق منها أي الموجه للتفكير ثم استثماره الأفكار السابقة في صناعة أفكار وان كانت مرتبطة بالقديم إلا أنها جديد في الحاجات التي تحاول إشباعها وسد حاجتها رغم أنها مرتبطة بما سبق الذي أدخلت عليه تأويل حتى يسد الحاجات الجديدة وهذه هي وظيفة التأويل في السرد الذي يظهر في ملحمة جلجامش التي لم تكن موجودة من قبل ( حيث تنامي الإدراك السياسي لطبيعة المرحلة والنظام الاجتماعي السائد آنذاك في سلالة أور الأولى وتصاعد سلطة الملك بشكل جسد خروجا أو خرقا للسلطة الدينية الرسمية ، المتمثل بمجلس الآلهة المعروف في العراق القديم (13) .

حيث ظهر في الملحمة قول جلجامش :
- ما أنت إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد
- أنت كالباب الخلفي لا يصدر ريحا ولا عاصفة
- أنت قصر تحطم في داخله الإبطال
- أنت قير يلوث من يحمله

وهذا التأويل الذي أحدثه الراوي داخل السرد الملحمي عما كان في الأسطورة السومرية يعلل بالأسباب النابعة من داخل البيئة الثقافة ذاتها إذ أحدث تغيراً كبيراً عندما جاء استجاب للتحول الحضاري الذي صاحب ظهور المدينة كان هذا يعني تغيرا ثقافيا وسياسيا .وكذلك التأويل الذي أحدثه الراوي على قصة الخليقة البابلية فكان يأخذ إبعادا أعادت امتلاك الرأسمال الرمزي الذي قدمته قصة التكوين السومرية حيث رحلت وظائف إلى الإله البابلي مردوخ إذ ( واعتبارا من مرحلة تاريخية معينة بدأت مع ملكية حمو رابي (1792 – 1750 ق.م )تشهد سيطرة الإله مردوك (Morduk) اله بابل على الآلهة والبشر فيصبح وحده بطل التكوين والخليقة ، إذ تعاد آنذاك صياغة قصة التكوين والخليقة (14) .

ولم يغفل حمو رابي الإشارة إلى أهمية مردوك والتشديد عليها في مقدمة تشريعه التي نورد عنها المقتطف التالي "
" انو العظيم ، ملك الانوناكي وانليل سيدا لسماء والأرض مقررا مصائر البلاد ، خصا مردوك (Marduk) ابن انكي بالسلطة المطلقة على جميع البشر (15) .

الملاحظ انه تأويل وإعادة امتلاك الميراث القديم من خلال إحلال الإله القومي البابلي مكانة بارزة واعتقد إن هذا يؤكد أمرين ، الأول / نفوذ بابل وقدرتها التي تمكنت من خلالها إخضاع المدن السومرية ومن ناحية ثانية محاولة امتلاك الرأسمال الرمزي السومري لإضفاء الشرعية على الحكم الشامل الذي وضعه حمو رابي وتحقق مع وحدة المدينة من خلال متعالي موحد ( مردوخ Marduk) وهذا الروي الذي نلاحظه في قصة الخليقة يشكل تأويل لما سبق إما بإحلال مردوخ محل الآلهة السابقين أو تغير في القصص القديمة عبر الحذف والإضافة ، أي عبر تأويلها من قبل الراوي الخاضع للسلطة الجديدة التي تسعى إلى إسباغ الشرعية عليها وعلى حكمها وهذا يظهر من خلال التأويل الراوي لحادثة الخلق البشري من قبل الإله حيث يظهر في قصة الخليقة الأتي :

" لدى سماع مردوك / ما أعلنه الآلهة / دفعه قلبه /من جديد ليخلق العجائب / ففتح عند ذلك فمه متوجها لأيا / (..) سوف تطلق عليه تسمية " بشري " / هذا النموذج – الأولي ، هذا البشري / أريد خلقه (..) ليسلم إلي ( إذن ) / احد أخوتهم / سوف يهلك لكي يتم تشكيل البشر !(..) الذي حرض على القتال / أجابوه : كيتغو وحده /(..) ومن ثم ،ولكي يتلقى عقابه / تمت إسالة دمه / وبدمه / أنتج أيا البشر / (16) .

من الواضح إن الراوي تدخل في إعادة بناء معلومات سابقة تتعلق بخلق الإنسان وهو هنا ياول هذه المعلومات حتى تظهر أنها نتيجة لصراع في قصة الخليقة البابلية فمثلا الخلق كان معروفا انه جاء سدا لحاجة خدمية كانت تقوم بها الآلهة العاملة ( ) وهي في الدرجة الثانية ، إلا إن هذه الآلهة أعلنت تمردها ولهذا جاء خلق الإنسان ليكون مكلفا بالعمل من اجل سد حاجات الآلهة وهو أمر وليد ظروف تمثلت باتساع سلطة المعبد واتساع الأراضي الخاضعة له ، لكن الخلق جاء من قبل بطريقتين ، الأولى : الخلق من طين .

حين كان يتوجب على الآلهة الاستحصال على طعامهم / عمدوا إلى العمل جميعهم (؟) / والهة المرتبة الثانية كلفوا بإعمال السخرة / (... ) / ولكنهم كانوا يشتكون من سوء مصيرهم / (...) / عند ذلك ، نقلت نامو ، ألام البدئية مولدة الآلهة جميعا / نقلت لأبنها انكي الشكاوى ) (...) / وبعد إن قام ] انكي [ (...) بإعداد قالب وضعه بالقرب منه ودرسه بإمعان وعندما وصل انكي بشكل طبيعي / إلى أنجاز مشروعه بدقة / توجه عند ذلك إلى أمه نامو : أماه ، المخلوق الذي فكرت به / هو ذا جاهز للقيام بالعمل من اجل الآلهة / .(17) .
ويقابل هذا صناعة الآلهة " اورور" انكيدو من طين ونفخت فيه ورمته في البرية فتشكل انكيدو .

الثاني : وهي الرواية القائمة على الصنع من أجساد إلهية
( في مصنع – الأجساد ( وهي أحدى قاعات المعبد الإله انليل ) في دورانكي ( الرابط بين السماء والأرض ) / سوف نضحي بالإلهين اثنين / بد مهما / سوف نخلق البشر ) (18).
وهذا يظهر واضحا تأويل الراوي للإحداث

الثاني : وظائف الراوي المتماهي بمرويه .
وهنا يكون الراوي متعاليا على المروي بل جزء منه وعلى هذا فانه يتخذ الوظائف التالية :
1 وظيفة وصفية : أي انه يعتمد تقديم توصيف لأفعال الإبطال وما يقومون به أو يصف أجسادهم وما يحيط بها من أخطار وقدرتها على التصدي لتلك الإخطار وهذا واضح من خلال أساطير الخصب عندما يذكر صفات " دموزي " على لسان ( انانا) – وهي تصفه

أو هذا الوصف الذي يظهر للراوي وكأنه قد رآه
2 -وظيفة توثيقية : وهي تقوم على ربط النصوص بأشخاص معينين يكون لهم وجود تاريخي قد يكون لهم اثر في ظهور النصوص ، أو يكون أبطال تلك النصوص السردية ، وهذا الأمر قد يكون واضحا في النصوص الحديثة والمعاصرة ، إلا انه صعب في حالة الحديث عن أساطير ، لكن هناك بعض ما يمكن إن تعتمد وان كان ضعيفا مثل ذكر أبطال مثل دموزي ( تموز وجلجامش وهما يظهران إن لهما إبعاد تاريخية كانا حكام لاوروك ،/ ونظرا لإعمالهم أصبحوا ما هم عليه .
فذكر هذه الأسماء يوثق النص ويجعله ممكنا إثباته باعتباره أمرا له إبعاد واقعية .

3- وظيفة تاصلية ، وهي وظيفة قد تكون متقاربة إلى وظيفة التوثيق من خلال اعتمادها ذكر جوانب تاريخية تدخل في باب التوثيق والانتساب إلى ثقافة معينة تجعل من الفرد جزء من الجماعة التي ظهر داخلها

ب -مكونات الوحدة الحكائية : وهنا نلمس النقاط آلاتية :
1 - البطل ينذر نفسه بمهمة قومية معينة .

وهنا نلمس تصور المنهج الوظائفي الذي ينظر إلى مكونات الحكاية من خلال محور أفقي يشغل البطل المركز ويتوزع المعارضون والمسائدون على جانبي المحور ثم يتقاطع هذا المحور عند نقط البطل لما يشكله من أهمية فيظهر محور عمودي يتوزع بين محور رغبات البطل الذي يتطالع مع محور الصراع ، وهو يظهرا بهذا الشكل

فالمحور الأفقي الذي يشغل البطل مكان المركز فيه يظهر المعارضون ( الخصوم ) أي الشخصيات المعادية للبطل والمساندون للبطل بعضها شخصيات ،أو حيوانات أو أدوات ، وهذا المحور تنطلق منه محور رغبة البطل الذي يسعى إلى تحقيق غاية هذه الغاية سرعان ما تغير حسب القص .
مثلا ممكن تمثل هذين المحورين لدى
أولا – أسطورة ( انانا – دموزي )
1- في هذا المحور الذي تظهر فيه انانا رغبتها في الإخصاب الجنسي والاقتران بالذكورة فتظهر رغبتها بالفلاح الذي يبدو إمامنا منافسين وهم الإله اوتو الذي يرغبها بالزواج من تموز و تموز وعروضه وترغيبا ته لعشتار ، بالمقابل المؤيدون لما قدمه الفلاح من أدلة يحاول إبقاء رغبة انانا بالزواج منه لكن سرعان ما تغير رغبة ( انانا) وتتزوج الراعي وتدخل في طقوس الزواج المقدس ، حدث هذا بعد اختيار ترشيحي . بعد خروجها من العالم السفلي تكون محورا لرغبتها القصاص من زوجها الذي أصبح محل انتقامها بعد إن وجدته غير مكترث لهذا .


2- محور الرغبة تمثل في المرحلة الثانية الحصول على سلطة أوسع تشمل العالم الأخر مع العالم هذا ، أو الرغبة في تحرير الأموات وهو المحور الذي سارت عليه (انانا) صوب العالم الأخر دخلت في محور صراع ظهر فيه مساندين لها – وهم وزيرها والآلهة التي أعانتها على الخروج ، بالمقابل ظهر المعارضون هم نواميس العالم الأخر ، وآلهة ذلك العالم ، وتجربة الموت ،
3- بعد خروجها من العالم السفلي تكون محور رغبة لها تمثل بقصاصها من زوجها تموز الذي أصبح محل انتقامها بعد إن وجدته غير مكترث لغيابها في العالم السفلي .

وهنا يظهر إمامنا مؤيدون ، هم المردة حرسة العالم السفلي الذين يبحثون عن بديل لانانا ، بالمقابل يظهر المعارضون حبها لتموز ولوعتها عليه هذا تمثل بظهور المراثي على فقدانه والفرح في صعوده وتمجيد الثنائي( تموز – عشتار ) بوصفهم رمز للحياة والطبيعة .
ومن الواضح إن محور الرغبة تغير حسب الاختبار التي مرت به الإلة ( انانا/ عشتار ) .
بالمقابل كان جلجامش قد مر أيضا في ثلاث حالات هي ثلاث اختبارات هي : الأول : الاختبار ألترسي حيث كانت غاية الفعل هي مواجهة الوحش خمبابا بعد الحصول على صديق يشكل ندا لجلجامش وقد توزع المحور الأفقي بين مناصرين ومعارضين المناصرين شعب أوروك ( رغم خوفهم على جلجامش ) انكيدو رغم تحذيره ومحاولة إلقاء الرحلة وخوفه من الوحش على صديقه بالمقابل هناك المعارضون الذين وقفوا خصوم خمبابا عشتار الرموز الأنثوية التي اقترفهاجلجامش ، أعداء أوروك والواقفون إمام توسع مدينتها وحصولها على المواد الأولية الضرورية لبقاء سلطتها وديمومتها .

أدى هذا إلى صراع لأنه مثل خرقا لماهو محرم موت انكيدو :
الثاني : الاختبار الحاسم حيث كانت غاية العقل قد تغيرت وأصبحت الغاية محاولة إزالة (الإفقار ) الذي تمثل بظهور حقيقة الموت باعتباره نقصا لهذا ظهر معارضون ومؤيدون ،المعارضون الظروف القاسية للاختبار والرحلة واختبار عدم النوم ) والحية بالمقابل المساندون زوجة اوتونابشتم الذين ساعدوه على أكمال عمله ، وحصوله على العشبة وإزالته الإفقار ثم فقدانها .

الثالث : الاختبار التمجيدي حيث أصبح الرعوي السياسي الذي يضحي من اجل أوروك وأصبح على اثر ذلك محبوبا بعد إن كان سلوكه غير مرغوب فيه وهو يمثل العودة إلى أوروك وقد أدرك إن الخلود هو ما يبقى من أثار يقيمها الرعوي السياسي تخلده في أذهان الشعب وكان يمثل إزالة ( الإفقار ) الذي ظهر بعد موت انكيدو .















المبحث الثاني: المقصد الثاني
"آليات الخيال الزمان والمكان المتخيلان"

إن الحديث عن التخيل الذي يتشكل عبر السلطة الفاعلة التي غالبا ما تكون ظاهرة وأحيانا غير ذلك عقائدية أو عرفية ألانها دائما تشكل رسالة المتلقي فردا أو جماعة وهذه الرسالة هي استجابة لحاجات الفرد والجماعة أو حاجة السلطة ذاتها وهي مرتبطة بالذاكرة والخيال والعاطفة والخوف , إما الذاكرة لا تستحضر التجربة الماضية فحسب بل تستحضرها بوصفها حدثا ماضيا وهذا ما يراه ((أرسطو)) في الذكر ((قوة استرجاع الذكريات مع ما يصاحبها من ظروف الزمان والمكان )(1) إما الخيال فهو ملكه حسية داخلية أخرى نستطيع بواسطتها إن نتصور لاالاشياء المدركة بالحواس الخارجية الخمس فحسب بل الأشياء التي لا تدركها هذه الحواس كجبل من ذهب أو فيل بحجم البرغوث ,فالخيال بخلاف الذاكرة يستخدم المعلومات الواردة من الحواس الخارجية الخمس بحرية وبطريقة أبداعية لكن الصور في الخيال هي على حسب الصور المحسوسة (2) أي لايمكن تخيل شيء خارج الحس . إما العاطفة هي ملكة حسية فالغضب مثلا يثيره الإحساس بالإهانة والخوف تخيل وقوع شر يتهددنا والحزن يسببه الإحساس بألم حاضر إزاء ذلك الشيء (3) إن هذه التركيبة التي تضم المعرفة والعاطفة والرغبة يتم إشباعها من قبل السلطة الدينية والسياسية أو الثقافية (فالدين مثلا يلعب دورا هائلا في تشكيل ألذات الفردية والحياة الجماعية )(4) وذلك من خلال استثماره تلك العواطف والرغبة والمخاوف في تشكيل الذاكرة الجمعية من خلال تقد يمة جملة من خلال تقديم جملة من الأساطير تبرر فعلا طبيعيا أو هيمنة سياسية على إنها أفعال مفارقة ميتافيزيقية ذا صلة بالإلة (ليس للافعال الإنسانية بالمعنى المخصوص,ولا الاشياء العالم الخارجي ,, قيمة ذاتية مستقلة ,فالشيء أو الفعل يكسب قيمة ويصير بالتالي ((حقيقيا )) لأنة يشترك على نحو أو أخر من حقيقة تعلو علية))(5) وهذا يحدث عبر اللغة والطقس؛ إما اللغة هي التي تمنح الإنسان القدرة على الخلق والإبداع فهذه النصوص الأسطورية المكتوبة تثبت (الفضاء (المكان ),وتمسك بة لارتباطها بالنظر (العين )ولكن الكلمة المنطوقة لارتباطها بالإذن البشرية )(6) وهذا يعني إن قراءة نص ما تعني ألامساك بالزمان والمكان وهذا يحدث عبر تقنية تخيلية الوجود إلى زمان ومكان .


1- اليةالمكان المتخيل: إما المكان ينقسم المكان إلى مكان خاص هو الخيز الذي يشغله الجسم والمكان المشترك وهو الحيز الذي تشغله جملة أجسام ويتصف المكان بأنه متجانس ومتصل وغير محدود ويتصف المكان من الوجهة الرياضية بأنة ذو ثلاثة إبعاد وان الإشكال الهندسية ذات طلائع ثابتة (7) .ويصف ((كانت )المكان بوصفه مفهوما (بواسطة الحس الخارجي (وهو احد خصائص ذهننا)نتصور الموضوعات بوصفها خارجا عنا وبوصفها جميعا في مكان (8) وهو يميز أهم صفات هذا المفهوم ،على أنة (تصور ضروري قبلي يشكل أساسا لجميع الحدوس الخارجية ولايمكن ألبته إن نتصور إن ليس هناك مكان رغم انه يمكننا أن نفكر إن ليس ثمة من موضوع في المكان . ولايمكن أيضا أن نتصور سوى مكان واحد (9)إن المكان هو مقولة عقلية قائمة في تأمل العلاقات بين الأشياء الخارجية لكن نستطيع القول إن هذا المكان هو مكان جاء بفعل تأمل عقلي ابستمولوجي لكن هناك مكان أخر هو أبداع عقلي ذو طابع عاطفي انه المكان المتخيل أي المكان المرتبط بالخيال وقدرته الإبداعية على خلق عوالم بديله يحاول من خلال التعبير عن وجدانه وعواطفه ورغباته هذا المكان المتخيل .يقول عنها باشلار (إننا لا نعيش الصورة بشكل مباشر والواقع إن لكل صورة عظيمةا عمقا حلمي بعيد الغور يضيف إليه التاريخ الشخص لونا خاصا )(10)إن المكان ليس المكان العقلي الرياضي بل هو انعكاس صورة الأشياء المعاشة في ذات الإنسان الذي بدوره يعطيها صورة الأشياء وجدانية , وفي هذا يقول ادوارد سعيد انه يصف ( أي باشلار )فضاء المنزل-الموضوعي زواياه ,وردهاته ..مما يضفي عليه شعريا ..ذات قيمة تخيلية أو مجازية)(11) فان المكان هو انعكاس لذات وبعدها العاطفي واثر هذا على المكان في الوقت الذي يظهر في المكان بمعناه العلمي –العقلي متجانس متصل يصف مرسيا الياد(المكان الأسطوري) بعدم التجانس والانقطاع تظهر درا ستة عبر العلاقات التالية .

المقدس إن الحياة غير ممكنة بدون نافذة نحو المتعالي فان مركز العالم ينطوي على المكان المقدس آذيتم عن طريق ظهور تنفتح (كوة )من الأعلى (العالم السماوي )أو الأسفل الأقاليم الدنيا ,, وعالم الأموات تصبح المستويات الكونية الثلاثة الأرض والسماء والأقاليم الدنيا متصلة بعضها ببعض وفكرة الاتصال معبر عنها أحيانا بعمود كوني يكون وسط العالم المسكون الذي ينشر حولة (12) هنا يقدم صفات للمقدس هذا بالاتي :
الأولى : أنة اكتسب قداسته من حلول القدسي فيه .
الثانية :انه ينقسم إلى أماكن مقدسة هي المعابد والمدن (فالشئ يبدو وكأنه وعاء ل "قوة خارجية" تفرق عن محيط وتمنحه "معنى"و "قيمة " وقد تقيم هذه القوة في ماهية الشئ نفسة أو في صوره فصخرة تتكشف عن قدسية لان وجودها بالذات هو تجل للقدسي )(13)وكما يصف احد الباحثين هذه المظاهر البرانية للشجرة أو الصخرة آو عين الماء تقف قوة خفية تتوقف عليها حياة البشر والطبيعة القدسي )(14)
الثالث:هناك فرق بين المكان المسكون والمكان غير المسكون .إن الحياة غير ممكنة في العماء التي تفقد الصلة بالمتعالي فالإقامة في كل (مكان تعني في الدرجة الاخيره تطويبه )(15).
هكذا تغدو لدينا أماكن مختيلة الاولىداخل المكان هذا والفرق هو المقدس الذي قدسيته من حلول الإله فيه وهو مكان جزء من المكان الدينوي بالمقابل هناك أخرى متخيلة هي وليدة الرغبات والأماني في الحصول على مكان لا يتغير فيه ديمومة وحياة خالدة كان المكان "دلمو" أو"عدن" أو ارض الأحياء "غابة الأرز" وهذه اشاره إلى إنها الأرض التي يعيش فيها الخالدون ,أو المكان الذي يمكن للإنسان البشر الفاني ومن أهم مخاطر هذا الطريق هو إن الأسود تتولى حراسة ممراته وان التخلص منها يتطلب مساعدة إلهية كما نقرأ فيما يلي :-الأسطوري لها على النحو التالي :- ِِِِ
وهكذا وصل جلجامش أخيرا إلى ذلك الجبل الكبير الذي يطلقون عليه "ماشو" الجبل الذي يحرس الشمس في شروقه وغروبه .ترتفع قمة إلى السماء ,وتضرب جذوره إلى العالم السفلي وعند بوابته يقوم العقربان بالحراسة (16)هذا الجبل هو العقبة بين جلجامش (حيث أمال أوروك ) بين المكان المشتهى المتخيل "دلمو"فهو مانع دون الوصول إلى هناك فهو حاجز فاصل يحول دون الوصول إلى دلمو .وهو من ناحية أخرىا لرابطة بين العوالم الثلاثة عالم السماء المتخيل حيث "انو" كبير الآلهة وعالم الأموات العالم السفلي المتخيل ارض اللاعودة ,وفي الوسط اروك مركز العالم ؛ يصف مرسيا لياد :المكان المقدس واسطة بين الأرض والسماء (وهذا ما يظهر في رمزية "الجبل الكوني "حيث في ثقافات كثيرة تحكي عن جبال أسطورية )(17) وهناك مكان أخر في "دلو"انه "حديقة الآلهة"هي جنة عجيبة بمناظرها البهيجة وألوانها الزاهية ,وهي حقا تنقل المشاهد نقلة أسطورية هذا الجو المظلم الكئيب الذي عاشه جلجامش خلال رحلة عبور الجبل إلى جو من الإشراق والبهجة بعد إلارهاق الساعات الطويلة في الظلمات المحيط بالجبل . ألقت هذه الحديقة الأسطورية بأوصافها غير العادية تفسير تاريخيا واقعيا يجعلها حديقة أرضية تنتمي إلى العالم الذي نعيش فيه .ثم هناك مكان متخيل إن "بحر الموت" ينتقل جلجامش من "حديقة الآلهة "إلى موقع أسطوري أخر انه ذلك البحر الذي يحيط المكان بالصعوبات وتجعل أمنية الوصول عسيرة على الإنسان حتى لو كان مثل جلجامش الراعي السياسي البطل الشعبي .

إن يحصل فيه على الخلود ويقول جلجامش )لم انقش اسمي على الألواح كما مقدر لي لأذهبن إلى البلد الذي تقطع فيه أشجار الأرز ولا ثبتن اسمي في المكان الذي الذي تكتب فيه أسماء عظماء الرجال ولاقيمن نصيا للآلهة حيث لم يخط اسم حتى ألان(18)هذا النص يقدم لنا توصيفا لنوعين من المكان الأول المكان المرغوب به المكان المتخيل للحصول على الخلود وهي رغبة تداعب جلجامش مثلما تداعب كل القراء في خلود ألذات وإبعاد عنها الاندثار والغياب وهو أمر ليس مشتهى من قبل جلجامش فقط بل عظماء الرجال داخل ثقافته المندثرة بالمقابل هناك مكان له صفة أخرى، وهي كونه مكانا فارغا خاليا من أي ذكر للآلهة التي تمثلها "أوروك"الآلهة القومية فالإله يعني تعبير عن الشعب الذي يحميه وبالتالي يغدو هذا المكان محل رغبة أوروك لحاجاتها إلى الأخشاب في بناء المعبد والقصر وأوروك عموما إذ اهو مكان متخيل يحقق لها إشباع لحاجاتها , وذكر الاسم يعني تطويب لهذا المكان وتحويله من مكان للغيلان مثل "خمبابا"إلى مكان تسكنه اللالهة وتضفي عليه التمدن (وتبدو الملامح الأسطورية في غابة الأرز أو ارض الأحياء ,في إنها أولا ارض بلا حدود جغرافية واضحة وبلا معالم حقيقية تدل عليها كما إنها أيضا ليست منسوبة إلى زمان ومكان معينين(19) وثمة مكان متخيل أخر في الطريق من أوروك إلى دلمو وهو يمثل انقطاعا في المكان الدنيوي بحلول القدسي فيه فهذا المكان هو "جبل ماشو" من ألاماكن الأسطورية في الملحمة الجبل الذي وصل إليه جلجامش بعد إن قرر البحث عن "اوتونبشتم "وكان هذا الجبل يمثل عقبة إمام جلجامش عليه إن يتخطاها بالطريق المودي إلى الجبل فهو طريق محفوف بالمخاطر ولم يتمكن انسان من الوصول إليه من قبل .
ياجلجامش لم يسلك هذا الطريق أي احد مطلقا .
والتي لم يطرق أي احد مسالك جبالها .
وتمتد أعماقها على مسافة اثنتا عشر ساعة مضاعفة .
(حيث) الظلام الكثيف ولا يوجد أي نور .
من مشرق الشمس المغرب الشمس .
العالم المتخيل الثاني :هو "العالم السماوي"حيث مقر زعيم الآلهة "انو" هذا المكان يمثل هيمنة مطلقة لأنه عالم الآلهة السلطة المطلقة التي كل ما في الأرض هو صدى لها

وإذا ما بحثنا عن العلاقة بين السماء والأرض لكانت هي تمثل المكان الذي شهد الحدث الأول فهو مكان متخيل كل ما حدث فيه يحاول تكراره في أفعاله الطقسية أفعال البشر وقيمتها لا يرتبطان بمعطياتها الفيزيقية الخام بل بما هي إعادة لفعل بدئي وتكرار لمثال مطيقي 00 وما حياته إلا تكرار متصل لبوادر ابتدرها آخرون غير ه )

وأيضا للسماء استمرارية في سيطرتها لكل ما يدور على الأرض فهي المكان الذي يحل فيه الالهةفهذه الآلهة هي الفاعل في الأرض
وهذا ما نجده في ملحمة جلجامش ( يحاول القاص انطلاقا من أرضية منبسطة (مدينة 0000 سهل ) تنظيم إبعاد المعاش
(جلجامش في ممارسة استبداده 00 الشعب في شكواه 000 الخ )
د
وتشكل التجربتان المعاشتان في المدينة وفي السهل أساسا أو نقطة انطلاق المغامرة الفضائية في القصة 0بين المدينة والسهل لأيتم الاتصال بشكل مباشر إنما عن طريق طرف ثالث يملك القدرة على الفعل الإلهي 000 إن الأعلى أو عالم الآلهة هو عالم منفصل عن العالم الأرضي لكنه يرتبط به ارتباطا وثيقا بالمقاوة بشكل سقفا لهذا الأخير حيث يصعب على سكان الأسفل (المدينة ) اقترافه أو حتى مجرد الوصول إليه إذ بين الأعلى والأسفل هناك عالم تحتله فعاليات الآلهة أو نِشاطاتها(20) وهذا ما يجسده اللاهوت العراقي في جعله يقف على رأس مجمع الآلهة الإله انو اله السماء وانو الآلهة ويليه في الأهمية الإله انليل اله الجو ثم الإله انكي أيا اله الأرض )20 أنظر هذه التراتبية بين السماء والأرض بين الفعل والمنفعل
ونقد رسم ملامح السماء في أسطورة آدابا حيث يقدم لنا توصيفا لذلك المكان المتخيل كما يقول "جيلبيرت دوران"إن كل هذه الرموز الطقوسية هي وسائل إلى السماء ,فالكاهن كما ميرسيا اليالد ,عند ما يتسلق درجات السلم " يبسط ذراعية كما يغرد الطائر جناحية"ونسجل هنا التماثيل العميق بين الارتقاء والجانح فعندما يصل القمة يصرخ :(لقد وصل الى السماء لقد اصبحت خالدا )مبيا هكذا ان الهم الأساسي لهذه المزية هو قبل أي شي أخر نصيب سلم بوجه الزمن والموت (21) ان هذا المخيال الذي تدفعه الرغبة في الخلود اعطانا ملامح عن ذلك العالم المتخيل السماء حيث الإله (انو Anu )نقول أسطورة ان (ايا)اله الحكمة قال لادابا بعد ان كسر جناح ريح الجنوب وجعل يطبق الوصايا الاتية عند ما يواجه "انو"بعد رحلته الى السماء .
وجعله يترك شعره منفوشا.
وحمله على ارتداء لباس حداد ,وقدم له هذه النصيحة .
ياادبا انك ذاهب إمام "انو"الملك
وستتلك الطريق إلى السماء (22)

إن الاسطوره تحدث عن صعوده إلى السماء ومشاهدته الإله دموزي إثناء تلك ألرحله .وهذه الرحلة لها ما يشابها في نصوص العهد القديم والجديد تفصح عن كيفية الصعود إلى السماء في العهد الجديد السيد المسيح يمتطي ظهر غيمة ويصعد من أعلى جبل الزيتون الىالسماء إمام حشد من المجتمعين (23) وحول هذه الرحلة يتسائل "طه باقر"فهل خدع "آدابا"حتى ضيع عليه فرصة الخلود أم انه اخطأ في تقدير إرادة كبير الآلهة "انو"؟ وصل كان سينال الخلود لو تناول الطعام الذي قدمه له الإله؟ (24)
لكن المهم انه يقدم توصيفا تخيليا لرحلة أسطورية تشير إلى هذا المكان المتخيل السماء .وصل رسول "انو "وقال "آدابا" الذي كسر جناح الريح الجنوبية ,(ليحضر إمامي )
جعله يأخذ طريق السماء ,وصعد إلى السماء حين صعد إلى السماء وصل إلى بوابة "انو" كان "تموز"و"كزيدا" واقفين عند بوابة "انو؟(25).
العالم السفلي المكان المتخيل للأموات :
لقد كان للدور العاطفي والتبرير الديني دور كبير في بلوره ذلك المكان الذي استخدم من اجل قيام عالم دينوي يصبح هو العزاء الأخير بعد فشل المحاولة التي قام بها الإبطال من اجل نيل الخلود ,مقابل حتمية الموت تظهره هذه التجربة مركزية هذا المكان بوصفه العالم الممكن ,بالمقابل فان الصورة ألمتخيله عن العالم السفلي تصور على انه حالة سقوط في الهادية انه عالم غير مرغوب به وهذه ملامح ترتسم في ملحمة جلجامش حيث يصور لنا السرد الملحمي هذا العالم .
فخرجت روح " انكيدو"من العالم السفلي بهيئة شبح
تعانقا وقبل احديهما الأخر
تشاورا فيما بينهما ,كانهما يتحدثان معا
اخبرني ,صديقي ,اخبرني صديقي
فاجلس وانتحب
جسدي ...الذي لستة ,ففرح قليل
التهمته الديدان كأنه ثوب عتيق .
امتلأ بالتراب ,
الذي ليس له ابن هل رايتيه ؟" لقد رايته"
الذي له ابن واحد , هل رايته ؟"لقد رايته "
الذي له ابنان هل رايتيه ؟"لقد رايته"
يسكن في بناء من الاجروياكل الخبز
والذي تمدد جسده "بدون دفن " على السهل ,هل رايته؟
لقد رايته .
روحه لاتستقرفي العالم السفلي(26)

انه عبر هذا السرد يجعل العلاقة بين العالمين علاقة مفتوحة حيث لم ينقطع الاتصال بين وأهلة عبر العطايا التي يقدما الأبناء للآلهة عبر المعبد ,الاانه يقدم بائسة عن هذا العالم الذي طلق علية ارض الاعودة "كر-نور-كي" "Knr- Na-Gle " و"الأرض العظمى" "كي-كال" "Ki –GGAl " وصدر العالم وسمي بالا كدية بيت تموز (27) وسمي بيت الظلام وسمي خربوا أي الخربة وهي تسمية تشير إلى الخراب الذي يقيم فيه (28)

تتخذ صورة العالم السفلي الحسية والتي تتخذ شكل تجويف يملؤها الغبارالخانق هي صورة استقاها العراقي القديم من بيئة الطبيعة في الجنوبي (28) والملاحظ التشابه بين اسم العالم السفلي "كور" وبين "كور"صناعية الفخار ألمعتمده فالكور (الذي كان مستخدما في القديم ومنذ عصور ما قبل التاريخ من اجل صنع الفخار بالدرجة الأساسي ,وكان يتكون عادة من قبة من طين تصنع فيها الأواني الفخارية وهي مقلوبة ,وكانت تتحرك في قمة فتحة لتيار الهواء ومنفذ أخر من الجانب (29)

وقد تم توصيف جغرافيه الموت للعالم السفلي عبر تخيل ذلك المكان على انه (يمثل ألطبقه الاخيره تحت الأرض وفوق سقفه كانت تمتد مياه العمق ,وعوام هذا المكان المتخيل :

1- النهر "خبر "لفظه أكدية "أي –لو- رو- كو"أي النهر الذي يعبر منه الإنسان فهو يظهر على مستوين المستوى الطبيعي أشبه بموضع خندق الذي يحفر حول الأسوار للموت ,والمستوى التخيلي أشبه بالبحر الذي يقف حاجزاً بين جلجامش ودلمو ,ولم يكن يسمح بعبور الموتى لنهر "خبر"للوصول إلى الأسوار الابتقديم الشعائر الجنائزية .


2- اليةالزمان المتخيل:إن الحديث عن الزمن المتخيل يفترض لدينا تأصيل احد أهم البحوث في هذا المجال والتي تمركز حول الزمن البدئي حيث تناول " مرسيا الياد" في كتابه "مظاهر الأسطورة " حيث يرى ان الأسطورة هي تاريخ مقدس يروي عن الأصول والبدايات الأولى عن ألازمان التي ابتدرت منها الآلهة الكون بكليته وشتى تفاصيله . ولكن الأسطورة لا تتخذ من هذه الأصول والبدايات موقفا ذهنيا وصفيا . بل أنها تسعى دوما إلى استعادة ألازمان المقدسة وزرعها في الزمن الجاري ، من اجل الحياة في عالم تمعن نقي متجدد يشبه حالته عندما خرج من يد الخالق ، ومن اجل إعادة تأسيس مستمر لهذا العالم وهذا ما اسماه بالزمن المقدس بقوله :" إن زمن الأسطورة هو " الزمن القوي " ، " الزمن المقدس " ، الزمن ألعجائبي الذي يخلق منه الشيء جديدا قويا ، وبكل امتلائه . إن نعيش ذلك الزمان ثانية ، إن نستعيده في أكثر ما يمكن من الأحيان ، إن نشاهد من جديد الأعمال الإلهية ، إن نلتقي الكائنات العليا ثانية ، وان نتعلم منهم درسهم الخلاق ، إن هذا لهو الرغبة التي تستطيع إن تقرأها واضحة في جميع التكرارات الطقسية للأساطير على وجه الأجمال ، تكشف الأساطير عن إن للعالم والإنسان والحياة أصلا فائقا للطبيعة وتاريخا فائقا للطبيعة وان لهذا التاريخ معنى وقيمة وانه نموذج يحتذي .

إن وظيفة الأسطورة هي حكاية تعيد الحياة إلى حقيقة أصلية وتستجيب لحاجة دينية عميقة ، وتطلعات أخلاقية ، وواجبات وأوامر على المستوى الاجتماعي ، بل وحتى متطلبات عملية . في الحضارات البدائية ، تملا الأسطورة وظيفة لا غنى عنها ، تفسر وتبرز وتفتن المعتقدات تحامي عن المبادىء الأخلاقية وتعترضها تضمن فاعلية الاحتفالات الطقسية ، وتنتج قواعد عملية لاستعمال الإنسان الأسطورة .

ويتناول الباحث الأصول وقوتها السحرية : حيث تناول أساطير الأصول وأساطير نشأة الكون ( كوسموغونيا ) فكل أسطورة أصولية إنما تحكي وتبرر وصفا جديدا بمعنى انه لم يكن موجودا منذ بدء العالم فأساطير تروي كيف طرأت تعديلات على العالم ، وهل اعتنى أو افتقر .

ويتناول تكرار ولادة الكون : لان الكون هو النموذج الأصلي المثالي لكل وضع مبدع ولكل خلق وحسب ، وإنما لأنه عمل الهي أيضا ، فهو مقدس اذن في بنيته نفسها . توسعا كل ما هو تام " ممتلىء " منسجم ، مخصب ، بكلمة واحدة : كل م هو ( متكون " Cosmise" كل شيء يشبه الكون ، فهو مقدس . كذلك إن اتفاق عمل شيء ما أو بناءه حلقة أو تركيبة ، إعطاءه الشكل أو الأخبار عنه وتشكيلة .. كل هذا معناه الإتيان بهذا الشيء إلى الوجود ، وبالتالي منحه " الحياة " وجعله مماثلا للتنظيم المنسجم بامتياز Cosmise والكون هو العمل النموذجي للآلهة ، هو قسمة أعمالهم .

وفي العودة إلى الأصول يقول : يلعب " الزمن الأصل " الذي هو زمن " قوي" ،كما قد رأينا لا لشيء إلا لأنه كان على نحو من الأنحاء " الوعاء" او الظرف الذي حصل منه " خلق جديد " . إما الزمن إلى انقضى بين الأصل واللحظة الراهنة فليس زمنا " قويا" ولا زمنا "هاما"ماعدا الفترات الذي يتحين منها الزمن ألبدئي ، طبعا – ولهذا السبب لا يؤبه له ويصار إلى إلقائه وهكذا تعدو العودة إلى الأصول التي تسمح بإحياء الزمن الذي ظهرت فيه الأشياء لأول مرة ، تكون خبرة ذات أهمية عظمى في المجتمعات القديمة .

وفي هذا الزمن الذي يسميه قدسياً او باصطلاحنا احد أنماط الزمن المتخيل يتناول فيه مظاهر محددة هي الفوائد أو الوظائف التي قوم بها ذلك الزمن وهي آلاتية :

1- تحديد العالم أي أساطير وطقوس التجديد حيث يتناول التتويج وولادة الكون ( لدى مقدم حاكم او سلطان جديد يصار إلى تكرار عملية ولادة العالم ( كوسموغونيا) وهذا المفهوم كثير الشيوع عند الأقوام الزراعية .. حيث يغدو الملك مسؤولا عن استقرار الكون برمته وخصوبته ورفاهيته . وهذا يساوي القول إن كل تحديد عادل لا يتحدد مع الإيقاعات الكونية وحسب ، وإنما مع الأشخاص والحوادث في التاريخ . والتجديد يتم بواسطة طقس العام الجديد هو في العمق ، تكرار لولادة الكون ( 30 ) .

والعالم الجديد وولادة الكون في الشرق الأدنى القديم حيث كانت ملحمة الحلق ( اينوما ايليش) في المعبد ، وعلى حد تعبير فرانكفورت كانت " كل سنة جديدة تقتسم عنصرا جوهريا مع اليوم الأول الذي خلق منه العالم وابتدأت به دورة الفصول . إذ سكان الرافدين كانوا يشعرون إن ( البدء) مرتبط عضويا" بغاية " تتقدمه .

2- نهاية العالم في الماضي والمستقبل . إن نهاية العالم علة هذا النحو ليست بالنهاية الجذرية أي بالطوفان أو الدمار حرائق وهزات أرضية ، بل هي نهاية للبشرية يعقبها ظهور بشرية جديدة لكن غمر المياه للأرض يصور كلية أو حرقها بالنار كليا بقصة كونية .

يرتبط الطوفان ( بآثار غضب الكائن الأعلى أو نتيجة شهوة كائن الهي ) .. وهذه الفكرة القائمة على الدمار ( إنها تعبر عن نفس الفكرة القديمة بانحطاط العالم تدريجيا يستوجب دماره وإعادة خلقه دوريا ) (31 )
.
ويؤكد ظهور مفهوم جديد في تناوله ( القيامة اليهودية المسيحية ) إن الزمن لن يعود هو الزمن الدوري زمان العود الأبدي بل زمان خطى Lineaire غير قابل للرجعة .0 ثم إن نهاية الزمان تمثل انتصار لتاريخ مقدس . ولسوف تكشف نهاية العالم عن القيمة البنية لأفعال الإنسان ، ويحكم على الناس على حسب أعمالهم والأمر هنا لم يعد يتعلق بولادة كونية جديدة تنطوي بدورها على ولادة جديدة لجماعة بشرية معينة أو البشرية برمتها بل يتعلق بدينوية بعملية انتخاب : المختارون وحدهم سوف يحيون في غبطة أبدية ( 32 ) .

فرق أخر عن الأديان الكونية : بالنسبة لليهودية – المسيحية ، تشكل نهاية العالم جزء من السر المثياني ، بالنسبة لليهود ، يعلن مقدمة المسيح نهاية واستعادة الفروض . بالنسبة للمسيحيين ، تسبق نهاية العالم المقدم الثاني للمسيح والدينوية الأخيرة . لكن بالنسبة لهولاء كما بالنسبة لأولئك ينطوي انتصار التاريخ المقدس – يظهر جليا في نهاية العالم .

هذا التصور الذي يقدمه "مرسيا الياد" فيه تدخل بالنسبة لنا فهو يريد إن يعرض لمفهوم الدوري للعالم في حين نحن نريد العرض لمفهوم الزمن التخيلي الذي يعتمده الإنسان بدائع الرغبة " السلطة اوالمؤسسة للسيطرة على الإنسان وهذا سوف نعرض له بعد استكمال عرض فكرة الزمن عند " مرسيا الياد " .
الألفية المسيحية : إن المسيحية ، بعد إن أصبحت الدين الرسمي في الإمبراطورية الرومانية ، شجبت عقيدة الألفية ، واعتبرتها هرطقة ؛على الرغم من إن أباء عظاما كانوا امنوا بها قي الماضي . لكن الكنيسة قبلت بـ "التاريخ " ولم تعد نهاية العالم هي لحدث الذي كان عليها انتظاره في عهد الاضطهاد .
لكن بعد بضعة قرون ، أي عقب انفجار الإسلام في المتوسط ، وخصوصا بعد القرن الحادي عشر ، عادت الحركات الألفية إلى الظهور ثانية وكانت هذه المرة موجهة ضد الكنيسة أو ضد سلطتها .
يشير دعاة هذه الحركات بإقامة الفردوس على الأرض ، بعد عهد من المحن والكوارث الرهيبة . وقد كان " لوثر " أيضا ينتظر نهاية وشيكة للعالم . وعلى مدى قرون عديدة تجد نفس الفكرة الدينية ، وهي إن هذا العالم ، عالم التاريخ عالم غير عادل شيطاني ، لكنه –لحسن الحظ – ماض إلى نهايته المحتومة . سوف تنحدر قوى الظلام نهائيا ، وينتصر "الأخيار " وعندئذ يستعاد الفردوس ( 33 ).

ثم بتابع ظهور هذه الفكرة في الأزمنة الحديثة ( على هيئة حركات سياسية توتاليتارية ( ركياتية ) ، أهمها اثنتان : النازية والشيوعية وهما نعلنان نهاية لهذا العالم وبداية العهد من الوفرة والغبطة ( 34 ).
ثم بتابع هذه الفكرة (أي الألفية ) لدى البدائيين فلاحظ النقاط التالية :
1- يمكن اعتبار الحركات الألفية تطويرا للسيناريو الميطيقي – ألطقسي المتعلق بتجديد العالم دوريا .
2- التأثير المباشر وغير المباشر ، للاسكاتولوجيا المسيحية يكاد يبدو دائما أمرا لا شك فيه .
3- إتباع الحركات الألفية قوم معادون للغرب ، على الرغم من انجذابهم للقيم الغربية ورغبتهم في الحصول على ثرواتهم وأسلحتهم.0
4- يؤسس هذه الحركات دائما شخصيات دينية من النموذج النبوي ، وينظمها سياسيون من اجل إغراض سياسية.
5- جميع هذه الحركات ترى إن الألفية قريبة ، لكنها لا تقوم إلا بعد وقوع كارثة كونية أو تاريخية .

ثم بتابع هذه الفكرة نهاية العالم في الفن الحديث :حيث يؤكد إن المجتمع الغربي فيه خوف يتهدده باطراد خوف من نهاية كارثية ، وقد شهد الفن الغربي منذ بداية القرن والفنون تشهد تغييراً جذرية حتى ليمكننا الكلام على " تدمير اللغة الفنية " ولقد ابتدأ هذا التميز للغة بالرسم ثم الشعر والرواية .( 35 )

إن العرض يشكل المقدمة التي لابد وان تقضي إلى مناقشة تلك الأفكار التي نجدها تقدم تأملا مهما في مفهوم الزمن المتخيل الذي نعرض له محاولين التأمل في قوال السابقين الملاحظ انه طرح الزمن في الإشكال السابقة ونحن نناقش تلك الإشكال بالاتي (36 ) .

1- الزمن ألبدئي : ( أو زمن الأصل ) الذي قدمه على انه زمن عجائبي قدسي قوي من خلاله يتم استعادة الماضي وهذا يحدث عبر الأسطورة التي وظيفتها إعادة الحياة إلى وظيفة أصلية ، حتى تبرر المعتقدات والقيم الأخلاقية وتضمن فاعلية طقسية ، وتتضمن كيف حدثت التغيرات ، واستعادة الزمن البدئي استعادة الظرف الذي حصل فيه الخلق.

إن هذا الأمر مرتبط باربعة إبعاد هي (الذاكرة والخيال والعاطفة والخوف) وهي إبعاد تربط الحس بالعاطفة من ناحية الفرد وتلقيه لتلك الأفكار حيث إن الذاكرة شيء حاضر الفعل ، ولكن الشيء الذي تتذكره ليس كذلك ، إذ إن إدراكنا الحسي الأصلي قد زال على نحو منا ، ولكن مع ذلك تحت تصرفنا فالذاكرة لا تستحضر التجربة الماضية فحسب بل تستحضرها بوصفها حدثا ماضيا وهكذا يمكن التركيز على الأمور الأخرى المرتبطة بذلك الحدث إما الخيال فهو ملكة حسية داخلية أخرى تستطيع بواسطتها إن تتصور لا الأشياء المدركة بالحواس الخارجية الخمس فحسب ، بل الأشياء التي لا تدركها هذه الحواس كجبل من ذهب أو قبل بحجم البرغوث فالخيال بخلاف الذاكرة يستخدم المعلومات الواردة من الحواس الخارجية الخمس بحرية وبطريقة أبداعية .

إما العاطفة تنشأ من فعل ملكة حسية فالغضب مثلا يثيره الإحساس بالضرر والإهانة ، الخوف يمرعبر تخيل وقوع شر يتهددنا في المستقبل والحزن بسببيه الإحساس بألم حاضر اوتذ1كر الم مضى زمانه ، فالعواطف تشكل موقفاً أو رد فعل إزاء ذلك الشيء ( 37 ) .

هذه التركيبة الفردية التي تمثل المعرفة والعاطفة والرغبة يتم تشكيلها من خلال السلطة الدينية والسياسية والثقافية فالدين مثلا يلعب دورا هائلا في تشكيل ألذات الفردية والحياة الجماعية ) ( 38 )
وذلك من خلال استثماره تلك العواطف والمخاوف وطبيعة المستوى المعرفي فيشكل الذاكرة الجمعية من خلال تقديمه جملة من الأساطير تبرر فعلا طبيعيا على انه فعل مفارق ميتافيزيقي مرتبط بالفعال الخلق وسلوك البشر .

من اللغة والأسطورة أداة ومن لطقوس لتمثل تلك الأفكار وذلك من خلال الشعائر الطقسية والجو الاحتفالي الذي يجعل الفرد يتماهى داخل الجماعة ويصبح جزءاً منها .0 وهذا الأمر يتعلق بتقديم أجوبة أو إسباغ الشرعية على ماهو قائم ، مثل الكون ، الموت ، الولادة ... الخ ، وهذا الأمر يظهر في ملاحم التكوين مثلما يظهر في أول تلك الملاحم وهي السومرية حيث تشرح ظهور الأشياء من خلال أساطير متفرقة وخلق الإنسان والزواج المقدس ، وفي الملحمة البابلية ( أينما ايليش ) وهي مرحلة ما قبل خلق الزمان والمكان في الفكر البابلي ، وهذه المقدسات الرمانية تظهر مقابل المكانية وأحيانا بالتوافق معها ( إذن المقدسات الرمانية استعادة ماض سحيق ، تكرار بالحلم ألاعتقادي لذكريات مع رمانية يعتبرها أصحابها ذكريات خالدة (39 ) وهذا الأمر يظهر عندما يلتقي جلجامش بوتونابشتم وهو يقص عليه حادث الطوفان .

وهذا الزمان يتم استعادته بالطقس الاحتفالي حيث يتم نقل تلك الأفكار الأسطورية من حيزها الأسطوري – الديني إلى حيزه ألاعتقادي وذلك عبر الممارسة والفعل الاحتفالي ألطقسي وعندما تفقد بعدها ألاعتقادي لا تعود سوى فعل له دلالة أخرى مثل الصراع بين الأزواج حول الفوز بالعروس في الزواج المقدس يعد زوال ذلك الطقس ألاعتقادي بالخصوبة أصبح رياضة مجرد رياضة .
وهذا الزمن رغم طابعه الديني إلا انه يمارس على المستوى الفردي كاحتفال عائلي بماسبة سنوية ما أو بأعياد وطنية للأمة وهذا موجود في العالم المعاصر حيث استعادة المناسبة يجعل الأفراد أكثر تماسك من خلال البعد لنفسي والجو الاجتماعي ، لهذا تميل الأمم إلى هذه المناسبات لتعزيز العلاقات وتحقيق التماسك .

2- الزمن المستقبلي : وهو قد تناول مفهوم الألفية المسيحية التي كانت جزء أساس من الفكر المسيحي الذي كان يقوم على ظهور المخلص ويحقق العدالة وينصر لمظلومين المسيحيين وهذا المفهوم سابق على المسيحية حيث ظهر لدى هل المنطقة .

وقد اعتمد المسيحيون هذا الزمن التخيلي وهو محمل بالتصورات الطوبادية التي تحقق للجماعة التماسك الداخلي إمام الأفكار التي كانت تواجها الديانة المسيحية وقد عارت لها هذه الديانة في إثناء حروبها مع الإسلام خلال الحروب الصليبية

وهذا الزمن يظهر لنا أكثر عمقا لو تأملنا في التراث العراقي القديم وتراث المنطقة حيث سوف نكتشف الأتي .
1- الزمن المستقبلي الذي يعني الخلود في أذهان الشعب اوالخلود المعنوي وهذا ما توصلت إليه الملحمة .
2- الزمن المستقبلي الذي يظهر به المنقذ :الذي سوف يعيد بناء المنظومة الاجتماعية وهذا يظهر لدى تموز عشتار /انانا – دموزي / اودنيس – عشتار ولدي المصريين يظهر لدى اوزريس – ازيس وما يحققه من عدالة اجتماعية .
3- الزمن المستقبلي المفارق يعني الخلود في دلمو ، مثلما هو حالة اوتونابشتم آو الخلود في العالم السفلي كما هو حال انكيدو بعد الموت حسب ما يظهر في الملحمة هذه الأزمنة طوبا دية تخيلية كما يقول بول ريكور" هي ممارسة التخيل لأجل التفكير في – طريقة مغايرة للوجود – الاجتماعي العام ... أي الحلم بكيفية مغايرة للوجود ، ولتنظيم الحياة السياسية ( 40 ) .
3- الزمن البعث ( أو الزمن الخطي ) وهو الذي عرض له ( مرسيا الياد) على انه يمثل ( القيامة اليهودية – المسيحية ) وهذا الزمن الذي الاخره هو زمن تطور بفعل الفكر الديني المصري وما يقدمه من خلاص عبر الحياة الوزريسية والحياة الفرعونية السماوية .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب السياسي وراغامات الوعي
- المثقف ورهان الاختلاف
- الجذور الحضارية لمدينة الكوفة
- رابطة المواطنه
- مقاربة نقدية في السرد الروائي
- الأعلام والعولمة
- مهيمنات السلطة وإثرها في تشكيل الوعي الغربي


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - عامر عبد زيد - المتخيل السياسي في العراق القديم