أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي















المزيد.....

حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:51
المحور: الادب والفن
    


في كتابها ( قوة الأشياء ) تنقل سيمون دي بوفوار هذه الواقعة من زيارة لها مع صديقها جان بول سارتر إلى الاتحاد السوفيتي في بداية الستينيات:
"تناقش سارتر مع محرري ( الأدب الأجنبي ) فأثار رعشة فرح حين طرح اسم كافكا، وانتفض المعسكر الآخر محتجاً: لقد تبناه المفكرون البرجوازيون. فأجابهم سارتر: عليكم أن تستردوه منهم".
ويُحكى أن لينين قائد الثورة السوفيتية استقبل ذات يوم نخبة من الشعراء الشباب فسألهم إن كانوا يقرأون بوشكين فقالوا: لا يا رفيق، نحن لا نقرأ بوشكين، إنه برجوازي، نحن نقرأ لشاعر الثورة مايكوفسكي. فتبسم لينين بتهكم وقال: أما أنا فأفضل بوشكين.
هذا ما تفعله الدوغمائية بالحس الجمالي النقي، فهذان مثالان واضحان عن سطوة الإيديولوجيا، بمعناها المتصلب، على العقل، أو وقوع العقل في شبكة المحددات الدوغمائية، حين تضببُ التصورات المسبقة الرؤية السليمة، أو حين لا يصدّق المرء ما تلتقطه حواسه لمخالفته ما يعتقد. فالحقيقة، ها هنا، تُصادر لصالح الوهم، إذ يبدأ الرائي بتخطئة ما يرى، والسامع بتخطئة ما يسمع، والقارئ بتخطئة ما يقرأ، فيغيب المنطق، أو يتخذ آلية متجاوزة للواقع في معطياته وتاريخيته، فيجري تبسيط تصورنا عن ذلك الواقع وتسطيحه وتزويره.
واعتقد أن كثراً من البشر يعانون، بهذه الدرجة أو تلك، من هذه المعضلة، والتي تتجلى بمحاولتهم عدم الاعتراف بما تخبرهم به حواسهم وفهمهم التحليلي لتعارضه مع صورهم القبلية، وما رسموه وخططوا له. وهذا ما يحصل حتى داخل المعسكر الليبرالي الرأسمالي حيث ادعاء الواقعية البراغماتية والابتعاد عن الإيديولوجيا.. تقول بربارا توكمن عن الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر إبان الحرب العالمية الثانية: "لقد حللنا الشيفرة اليابانية، وتلقينا تحذيرات بالرادار، واستقبلنا دفقاً متواصلاً من معلومات دقيقة... وكانت لدينا جميع الأدلة ورفضنا تفسيرها بصورة صحيحة، تماماً كما رفض الألمان عام 1944 أن يصدقوا الدليل في نورمندي... فالناس لا يصدقون ما لا يُطابق خططهم أو يلائم ترتيباتهم المسبقة".
إن كافكا كاتب عظيم، لا بد من قراءته لنفهم، على الأقل، جزءاً من إبداع القرن العشرين وفكره ومزاجه وقلقله، كما أن بوشكين شاعر وناثر من طراز فذ، لا يمكن إهماله في بحث أي دارس لتطور الأدب الروسي خلال القرون الثلاثة الأخيرة، لكن المعتقد الجامد بمسطرته ومعياريته القاسية ألقاهما، في مثالينا آنفي الذكر، في سلّة القمامة. ومفكرون من قامة سارتر ولينين لا بد أنهم كانوا يدركون القيمة الحقيقية للإبداع ولذا كان بمقدورهم أن يقرأوا ويفرزوا ويشيروا بثقة إلى مواطن الجمال والقوة في أي عمل مبدع. وإذا كان أمثال كافكا وبوشكين يُزاحون باسم منطلقات الماركسية فإن ماركس ذاته قد وجد في الإيديولوجيا بعدِّها وعياً زائفاً ما يجعلها مكافئاً في امتدادها مع الأفكار المنحرفة التي تستخدمها الطبقة المتسلطة سلاحاً ضد الجماهير المخدوعة والمستغَلة.
خضع الإبداع الثقافي، لمدة طويلة، عربياً، لسلطة الإيديولوجيا، وحتى أولئك الذين بقوا مستقلين ــ مجازاً ــ ولم ينضموا إلى الأحزاب الرائجة بأشكالها القومية والماركسية والليبرالية والإسلامية قد شايعوا هذه الإيديولوجية أو تلك، وربما أوجدوا لأنفسهم إيديولوجياتهم الخاصة، أو بالأحرى تأويلاتهم الخاصة لتلك الإيديولوجيات ( أو غيرها ) التي بها راحوا يزاحمون أصحاب الإيديولوجيات المتصارعة في الساحة السياسية. ولمدة طويلة كذلك، بقي التركيز في الكتابة الإبداعية على المضمون الفكري، والذي يعني في سياقنا، ما تقترحه الإيديولوجيا من قيم واتجاهات وأفكار يجب أن يتضمنها النص وينتصر لها. حتى إذا ما دخلنا عصر التنكر للإيديولوجيات والتخلي عنها، بعد هزيمة حزيران عربياً، وبعد انهيار المعسكر الشيوعي عالمياً، حصل إفراط في الاهتمام بالشكل والأسلوب عند بعضهم وكأنهم يعوضون عمّا فقدوه من فرص، أو ينتقمون ( رمزياً، ربما ) من أولئك الذين استعبدوا الفكر والجمال باسم حقائق ومبادئ طوباوية أو زائفة. ونظرة عابرة نلقيها على نتاجات عقد التسعينيات الأدبية في الصحافة العراقية ( في الداخل )، في سبيل المثال، ستكشف لنا عن مثل هذا الاستغراق في اللعب الشكلية والتهويمات اللغوية والمعميات. ولا أعتقد أن الأمر كان برمته قضية كتابة مراوغة تتهرب من رقابة السلطة، حسبما كان الادعاء، وإنْ كان بعضها كذلك. ويمكن القول أن بعضها الآخر كان يمارس نوعاً من التستر المفضوح، بحجة الحداثة والتحديث، لحجب فقر اللغة والأسلوب والنقص المعرفي، ولا تكاد تقول شيئاً. فيما كان الرائج في الوسط الثقافي غير الرسمي هو الاستخفاف بالنتاج الثقافي المؤدلج، مع الرغبة بالتحليق الحر في فضاء الإبداع.
تراجعت سطوة الإيديولوجيات التي تبنتها السلطات العربية طوال النصف الثاني من القرن العشرين، نسبياً، ولا سيما تحت وطأة دعاوى الإصلاح والديمقراطية، أو نتيجة خفوت بريق تلك الإيديولوجيات بعد أن خذلتها الممارسات والوقائع. لتبرز بالمقابل، فاعلية إيديولوجيات أخرى تحملها، قوى اجتماعية أصولية، بمنظور متطرف، على وفقه تمارس السلوك السياسي، وتجد مرجعيتها في التراث الديني والتاريخ، بحسب تأويلاتها الخاصة، موسعة من مساحة الممنوع والمحرّم، وفارضة سلطتها ورقابتها على النتاج الفكري والإبداعي، ومتخذة، في الغالب، التهديد والعنف الجسدي آلية تنفيذ وأدوات فعل لها. وفي هذا المناخ بات المبدع العربي عموماً، والعراقي على وجه الخصوص يخشى المجتمع ( أو قوى معينة، ناشطة داخل هذا المجتمع ) ورقابته، اكثر من خشيته من السلطة السياسية، والأخيرة هي الأخرى راحت تتبنى ( باسم الحفاظ على قيم وقواعد المعتقد الديني، هذه المرة ) بعضاً من أحكام وتأويلات القوى الأصولية، إما نفاقاً، أو بديلاً عن شعاراتها السابقة التي لم تعد تجدي نفعاً لممارسة القمع وضمان الاستمرار في الحكم.
ليس من الصواب إنكار تأثير الانتماءات السياسية لكثر من رموز ثقافتنا المعاصرة على طريقة تفكيرهم ومنحى نتاجاتهم، ومن ثم على انتشار أسمائهم، وقد قامت الأحزاب غالباً بأداء دور وكالات إعلان وترويج لأسماء بعينها عبر وسائل إعلامها وقنوات اتصالها بالوسط الجماهيري. وصحيح أن بعضاً من هؤلاء لم يكونوا يستحقون ( بالمعيار الإبداعي ) ما حصلوا عليه من شهرة وانتشار، إلاّ أن بعضاً آخر، ممن يستحقون ذلك قد أثرت عليهم انتماءاتهم سلباً سواءً من خلال تورطهم بطرح كتابات وأعمال شاحبة ذات طابع شعاراتي لإرضاء أحزابهم وقياداتها. أو من خلال عزوف شرائح من المتلقين عن الإطلاع على نتاجاتهم بسبب انتماءات منتجيها السياسية، ولا سيما في حقبة ( ما زالت ممتدة ) شهدت صراعات إيديولوجية ــ سياسية ضارة سممت محيطنا الثقافي والاجتماعي.
وإذا كان من حقنا، باسم الإبداع، أنْ نرفض مصادرة بوشكين وكافكا، وآلاف من المبدعين الحقيقيين غيرهم من الذين تعرضوا للمصادرة والإلغاء باسم إيديولوجيات بعينها، فيجب أن نرفض، باسم الإبداع أيضاً، تلك النتاجات المهلهلة والرديئة التي يحاول أصحابها فرضها علينا باسم الحداثة، وتحت ذريعة التحرر من سطوة الإيديولوجيات.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروسات بشرية
- جحا وابنه والحمار
- الأفضل هو الأسرع
- الإعلام العربي: سلطة الإيديولوجيا ومقتضيات العصر
- سنة موت ريكاردو ريس: المخيلة تنتهك التاريخ
- السياسة والكذب
- النخب العراقية ومعضلة تأصيل الهوية الوطنية
- عن الربيع والموسيقى والقراءة
- السياسة التي خربت نصف أعمارنا!!
- ( بورخس: مساء عادي في بوينس آيرس )
- كوميديا عراقية سوداء
- مغامرة الكتابة الروائية
- الحلم العراقي
- لماذا علينا نقد المثقف؟
- تكيف الرواية: مقتضيات عصر ما بعد الحداثة
- المثقف بين الممنوع والممتنع
- صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة
- في بلاد حرة: نيبول ورواية ما بعد الكولونيالية
- الجمال في حياتنا
- لعنة حلقة الفقر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - حين يُصادر كافكا وبوشكين؛ الإيديولوجيا والإنتاج الثقافي