أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - المسلسل الديموقراطي ببلادنا...من أين....وإلى أين ؟















المزيد.....


المسلسل الديموقراطي ببلادنا...من أين....وإلى أين ؟


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 567 - 2003 / 8 / 18 - 03:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



1 ـ التغيير، مطلب كان حاضرا بامتياز

الديمقراطية آتية لا محالة وإرادة الشعب لابد من أن تحترم.

هناك عدة تساؤلات شغلت الرأي العام ولاسيما الرأي الشعبي.

 كيف يمكن النظر إلى ما يسمى بتطور المسلسل الديمقراطي ببلادنا؟ وهل الديمقراطية بدأت تمارس فعلا؟ هل هي في بدايتها ؟ هل هي في منتصف الطريق؟ وإلى أين تسير ؟ وماهي أهلية القوانين الجاري بها العمل حاليا في تعزيز المسار الديمقراطي ؟

 ألم تكن فترة أزيد من أربعة عقود كافية للقوى الديمقراطية لكي تتقدم في إنجاز مهمتها الأساسية المتمثلة في إصلاح الدولة المغربية عبر إرساء قواعد دولة الحق والقانون ؟ فأين يكمن الخلل؟

 لقد افتقرت السياسة السائدة ببلادنا وإيديولوجيتها إلى الأساس الديمقراطي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. إن الاختيارات السياسية المعتمدة منذ الاستقلال كانت تفتقر للبعد الديمقراطي والمراقبة الشعبية. وتعمقت هذه الوضعية مع فرض حالة الاستثناء، ورغم المحاولات التي تلتها لإعادة تدشين المسلسل الديمقراطي عبر تحديث المؤسسات فإنها لم تسمح بسيادة الإرادة الشعبية وبالتقييد الديمقراطي للسلطة ومحاسبتها في ممارسة مسؤولياتها...وتراكمت الهفوات والانزلاقات والانحرافات في جو ساد فيه القمع والاستغلال والفساد مما أجل ممارسة التغيير الديمقراطي الفعلي.

 إن السياسات المنتهجة عملت أساسا على تنمية امتيازات الأقلية على حساب السواد الأعظم لفئات المجتمع المغربي، ولم تنفع الحلول التقنية والروتوشات التقنوقراطية لأن الاختيارات مسندة على خدمة مصالح آنية ومستقبلية مرتبطة بتحالف طبقي سائد لم يسمح بإحداث تغييرات جوهرية لأن من شأنها إضعاف تلك المصالح وتقويض أساسها. هكذا كانت المؤسسات المنبثقة من الانتخابات لا ترقى إلى المستوى الضامن لتحقيق انطلاقة إرساء الديمقراطية لأنها ببساطة لم تكن سليمة المنشأ ولا تتوفر على سند شعبي إضافة إلى أن آليات وأدوات تدخل الدولة غير مدمقرطة لتكفل خلق فضاء ديمقراطي سليم.

 ولقد ناضل الشعب المغربي نضالا مريرا من أجل إرساء أسس دولة الحق والقانون منذ فجر نضاله من أجل بناء المغرب الجديد، مغرب في مستوى تضحيات أبنائه الأوفياء الذين ضحوا من زجل ضمان أسباب العيش الكريم لمختلف فئات الشعب المغربي. ومنذئد والشعب المغربي يتلقى الانتكاسة تلو الأخرى. وإذا كان القضاء على الاستعمار المباشر قد تحقق فإن إرساء أسس الديمقراطية الحقة مازال موضع عدة تساؤلات إذا اعتبرناها أولا وقبل كل شيء مشاركة سياسية فعلية ومساهمة مجدية وفعالة في تدبير الشأن العام.

 فالديمقراطية ليست مجرد ظاهرة للاستهلاك الخارجي فحسب، إنها قضية الإنسان الاجتماعية والاقتصادية في تدبير شؤون البلاد وبهذا المعنى مازالت الديمقراطية عندنا متعثرة.

 لقد بدأت الدعوات الأولى للديمقراطية بالمغرب منذ الأربعينات إلا أنه ابتداء من الستينات أخذت النضالات من أجلها تتبلور نظريا كهدف ضمن استراتيجية على يد مفكرين وسياسيين ومناضلين من طينة المهدي بنبركة ومن تلوه، تسكنهم رغبة جامحة في تغيير الواقع الاجتماعي. وتطورت الحركة النضالية واتسع مداها بعد أن تحول الأمل في الاستقلال، لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يستفيد منها الجميع، إلى خيبة من جراء تكريس واقع التخلف الاجتماعي والسياسي لأوسع الفئات الشعبية، وتفاقمت المشاكل الاجتماعية لاسيما إبان الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البلاد.

 وكانت المطالبة باستصدار الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية باعتباره خطوة للانتقال من عهد الحكم الفردي المباشر إلى عهد سلطة المؤسسات ورغم كل الانعكاسات استمر الشعب المغربي بفضل قواه الحية في نضاله من أجل الديمقراطية كاختيار وباعتباره أداة وسبيلا ونهجا لبناء دولة عصرية. إلا أنه لم تكن الإنجازات التي تحققت على امتداد أربعين سنة بعد الاستقلال إلا تعبيرا جليا عن مصالح فئات اجتماعية تحققت لها السيادة عبر تحالف طبقي تصلبت مواقعه في إطار التبعية.
 وابتداء من السبعينات عرفت البلاد احتدام الصراع الطبقي وظهر بجلاء فشل التنظيمات السياسية في قيادة الجماهير عبر التجدر وتوالت الانتخابات واستمرت البلاد في اجترار الأزمة وإعادة إنتاج نفس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مما أدى بالقوى الديمقراطية إلى تسليط الأضواء الكاشفة على ما يراد إخفاؤه والتعرية على الواقع المزري المعيش مؤكده على حاجة البلاد الماسة إلى ديموقراطية حقيقية وفعلية يمارسها الشعب عبر مؤسسات فاعلة منبثقة منه. ولا حاجة لنا للتذكير بن العمل الوحدوي للقوى الديمقراطية قد أثبت جدواه وأعطى جزء من أكله حيث أنه بفضله تم فرض فتح ملف الحريات العامة وإثارة إشكالية ضرورة ارتكاز الحكم على مؤسسات دستورية ذات مصداقية ومسوؤلية فعلية منبثقة من الشعب فاعلة في اتجاه خدمة مصالحه والدود عليها.

 النضال الديمقراطي والارتقاء به إلى مستويات مكنت من تحقيق مكاسب كان ولازال مطلوب صيانتها، وهي في الحقيقة نضالات تعتبر امتدادا لحركة التحرير الشعبية من أجل بناء " مغرب الغد".

 ولقد مضت أكثر من أربعة عقود من الصراع والنضال من أجل تحقيق شروط العيش الكريم لأوسع فئات الشعب المغربي ولازالت قواه لحد الآن، وأكثر من أي وقت مطالبة بالنضال لتحقيق ذلك. فإذا كانت أربعة عقود كافية لإخراج الاستعمار الأجنبي فإن نفس المدة لم تكن لم كافية لإرساء قواعد انطلاقة فعلية لمسلسل ديمقراطي حقيقي كفيل بتحقيق ظروف اجتماعية تضمن شروط العيش الكريم لأوسع فئات الشعب المغربي. هكذا يبين التاريخ أن النضال من أجل الديمقراطية أشق وأطول من النضال ضد المستعمر وهذا ما سبق وأن أكده أحد قادة جيش التحرير حين قال أن الثورة المغربية لم تستمر إلى نهايتها وكان ذلك نتيجة مؤامرة مدبرة لقطع الطريق عليها من جراء تلاقي والتقاء النيات الاستعمارية مع نيات الوصوليين الذين كانوا يستعجلون الوصول إلى أي حل كيفما كان".

 وقد عرفت المسيرة النضالية تعثرات منذ نهاية السبعينات، ويعزو البعض هذا التعثر لتراجع دور ومساهمي الشباب في هذا النضال. بعدما كان الشباب المغربي على رأس النضالات مناديا بضرورة التغيير، موظفا قدرته على عدم الامتثال للتقليد والواقع المعيش وعدم اعتباره قدرا مقدورا، وقدرته على تحطيم الطابوهات وعلى البحث عن بدائل كفيلة بتخليص البلاد من أزمتها مضحيا في سبيل تحقيق ما يؤمن به من أفكار ومبادئ اعتبرها صالحة لبناء مجتمع جديد.
 


2 ـ الديمقراطية ممارسة قبل أن تكون خطابا.

 منذ الثمانينات أعلن بوضوح أن توجه البلاد هو توجه ليبرالي، وهذا ما ترجمته مختلف السياسات المتبعة، وهي سياسات ارتكزت على تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتمحورت أساسا حول التصدي لعجز الميزانية على البحث عن توازن مالي عبر تقليص النفقات العمومية وتخفيض الاعتمادات المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية وتقليص التوظيفات العمومية والتفنن في إثقال كاهل الجماهير الشعبية بالضرائب واقتطاعات مختلفة. ومع استفحال الأزمة تعاظمت البطالة حتى همت حاملي الشهادات العليا في ميادين ومجالات لازالت تشكو فيها بلادنا من العجز في الأطر ( مهندسون / أطباء / تقنيون..).

 كما اعتمدت تلك السياسات المتبعة على الخوصصة سعيا وراء ضمان الانفتاح على الاقتصاد العالمي وفتح الأسواق وجعل قانون العرض والطلب هو المتحكم في ظل المنافسة والعولمة الاقتصادية، حيث بات الاستهلاك عالما مما أدى إلى سيادة " القانون الغابوي " لا يرحم الضعيف ويزيد من إثراء الثري وسيطرة القوي ويفقر الفقير ويقهر الضعيف.

 ومن المعلوم أن الإمبريالية الأمريكية قد عملت على دعم التوجه الليبرالي المتوحش عبر العالم انطلاقا من متطلبات خدمة استراتيجيتها، فالعولمة والتحولات الدولية دفعها إلى البحث عن استمرار سياسي لضمان مصالحها البعيدة المدى عبر العالم الشيء الذي دعا إلى نهج إصلاحات الواجهة الديمقراطية.

 ويعتمد البعض، في هذا الإطار أنه تم طرح ما يسمى باستحقاقات لضمان استقرار سياسي وسلم اجتماعي لاسيما وأن الأزمة كانت سائرة نحو الاستفحال آنذاك.

 وظلت الأوضاع الاجتماعية تتميز بتقليص مداخيل الفئات الواسعة للشعب وضعف الأجور وارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية بل انهيارها، وتدني مستوى المعيشوالتبذير.بطالة واستمرار الأمية وتدهور الخدمات الاجتماعية ( تشغيل، تعليم، وتكوين، صحة، إسكان، ضمان اجتماعي..) وقد رافق هذه الوضعية امتهان لكرامة المواطن وانتهاك لحقوق الإنسان وتجاوز أحكام الدستور ومقتضيات القانون وفساد إداري وإمعان في مظاهر البذخ والبهرجة والتبذير.

 وزاد الطين بلة مع الانتكاسة التي عرفها مسلسل إرساء الديمقراطية، لقد تم تغييب الرأي العام والرأي الشعبي على وجه الخصوص، لأن الحكومات السابقة كانت تتخوف منهما لأنها بكل بساطة كانت لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الذي من المفترض أن تحكم باسمه، وكان منتظرا من الحكومة الحالية، حكومة التغيير أن تضع في حسبانها الرأي العام والرأي الشعبي، لكن يبدو أن الجبل تململ فأنجب نملة، ولازالت الملفات الثقيلة تنتظر من الحكومة الحالية الوفاء بعهودها ولو في مستوى حدها الأدنى. إن " الاستحقاقات" والتطورات التي رافقتها جاءت في ظروف تفاقمت فيها أزمة الرأسمال التبعي بالبلاد من جراء صيرورة العولمة وما صاحبها من هجوم على الاقتصاديات المحلية وكان المآل هو النفق المسدود في جو تنامت فيه الأنشطة الطفيلية المرتبطة بالمخدرات والممنوعات والتهريب، واستفحلت فيه مظاهر الفساد وانتشرت الرشوة وبرزت إشكالية حقوق الإنسان والمواطن بكيفية لم يسبق لها مثيل من قبل.

 في هذا الجو العام أقدمت الكتلة الديمقراطية على تقديم تنازلات ساهمت بشكل كبير في فبركة خريطة سياسية مشوهة في إطار خيار التوافق والتراضي والقبول بالسلم الاجتماعي، وذلك في وقت يعتقد فيه البعض أنه لا زالت إصلاحات دستورية وسياسة مطروحة، حيث يعتبرون أن الدستور الأخير في حاجة إلى تعديل وإلى تطوير ليكون التشريع الأعلى المعبر عن المصالح الحقيقية لأوسع فئات الشعب والضامن لحقوقها ولمشروعية المؤسسات. لأن المصلحة العامة لهذه الفئات هي المصدر الأساسي المبني على تشريع دستوري يسعى لتحقيق الديمقراطية الحقة حسب اعتقادهم. لذا فإنهم يرون أن الفعل الديمقراطي الحقيقي ـ كما تطمح إليه الفئات الحية للشعب المغربي ـ مازال لم يتحقق بعد، ولازال هؤلاء يتساءلون حول تمكين مؤسسات المجتمع وضمان فعلها ومشاركتها في تدبير الشأن العام؟

 هؤلاء يعتبرون أن التغيير أو الإصلاح، ليس مجرد رغبة أو وصفه إرادية معزولة عن مسار التاريخ وعن الشروط المعيشة. فالمشروع الديمقراطي هو كل لا يمكن تجزيئه، وحالما جزء فقد مضمونة، كما أن تجزيئه يؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية ليس عل الجزء فقط ولكن على الكل، على المسار بكامله وهنا تتجلى المسؤولية التاريخية الجسيمة للقوى المناضلة من أجل الديمقراطية.

 إن تقييم الممارسة الديمقراطية تنبع من مضمون وفعالية الممارسة على أرض الواقع المعيش لاسيما فيما يرتبط ببلورة القرار والمشاركة الفعلية في تدبير شؤون البلاد والشأن العام وضمان حقوق الإنسان والمواطن والحرص على احترامها، إن أي مشروع ديمقراطي هو ترسيخ للفعل الديمقراطي، ليس كفعل آلي لحظي ولكن كفعل يتجاوز الفاعلين الراهنين إلى فاعلين مرتقبين أو محتملين، إنه فعل يخص الحاضر والمستقبل، وأحيانا حتى الماضي ( المحاسبة والمساءلة )، وهذا هو المضمون الفعلي للنهج الديمقراطي ولأفق التغيير الديمقراطي الذي تطمح إليه طلائع الشعب المغربي منذ أمد.

 ولازلنا نستشف من الدراسات والتحاليل الفكرية والسياسية والسوسيواجتماعية والاقتصادية التي تناولت إشكالية الديمقراطية ببلادنا أن التساؤل لازال قائما حول غياب أو حضور انطلاقة ديمقراطية فعلية، حيث يتحدث البعض عن نوع من " المعاندة التاريخية " في الساحة السياسية بحكم قوة التقاليد وصلابة العقلية السائدة على امتداد أكثر من أربعة عقود.

 لكن هل فعلا توفرت الشروط الأساسية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتدشين تحول نوعي بجعل البلاد تلح فعلا عهدا جديدا ؟

 إن مهام التغيير الديمقراطي الفعلي لازالت مطروحة ولازالت تستوجب توحيد جهود القوى الديمقراطية لبلوغ مستوى يضمن الشروط لممارسة ديمقراطية حقة تتجسد في تدبير الشن العام من طرف الشعب بواسطة ممثليه الفعليين، وهذا التدبير يجب أن يشمل مختلف القضايا المرتبطة بالحياة اليومية الآنية والمستقبلية، كل ما يهم لقمة العيش والتعليم والصحة والشغل والسكن وظروف الحياة في الشارع والحي والمنطقة والمدينة والقرية والدوار والإقليم والجهة وموقع البلاد ضمن دول العالم، وإدارة وإعلام وميزانية وضرائب..لأن كل ما يحدث بالبلاد وبعلاقة مع البلاد هو من الشأن العام.

 فالديمقراطية، وهذا معروف لذا الجميع، ليست مجرد رغبات وخطابات ودعاية إعلامية ومهرجانات وتنظيم لقاءات أو أيام دراسية، إنما قبل هذا وذاك ممارسة يومية والتماس نتائج على أرضية الواقع المعيش، إنها ليست فقط مجرد ضمانات منصوص عليها ضد السلطة التعسفية بل تشمل مختلف الضمانات لتوفير شروط العيش الكريم للمواطن، ضمانات دستورية وضمانات عملية وتوفير آليات فعالة لمواجهة الانحرافات وضمان سيادة الشروط للمشاركة السياسية الفعلية وضمانات اعتبار الصفة الإنسانية مهما كان الظرف ومهما كانت الصفة ومهما كان الرأي والموقف.

 والديمقراطية ليست مجرد التعددية من أجل التعددية من أجل التعددية، فهناك من التحديدات ماهي مزيفة وشكلية وبهلوانية، فحتى ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية أصبحت في ظل سلطة الرأسمال وعمولته لا تخدم مصالح الفئات الشعبية الواسعة لأن السبيل لخدمة هذه المصالح يمر بالضرورة عبر الارتباط الوثيق بالمواطن والاقتراب منه أكثر فأكثر لتجسيد ديمقراطية المشاركة والديمقراطية التداولية حرصا على خدمة مصالح وسع الفئات، ففي واقع الأمر تظل الديمقراطية غير مكتملة إذا هي لم ترتكز على أساس فعل ديمقراطي متجسد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، غذ أنها بدون هذا لفعل لا يمكنها أن تتجاوز نطاق حدود ما سمي " الديكتوقراطية". 

 

3 ـ تحقيق الطفرة...ضرورة تاريخية.


 من المفروض على المغرب أن يلج عهدا جديدا، وهذا ما ظهرت بوادره، إلا أنه ما زالت ضرورة تحقيق الطفرة لأنها ضرورة تاريخية تفرضها الضرورة التاريخية وتفرضها طموحات الشعب المغربي ومسيرته النضالية ويفرضها الوفاء لتضحيات الشهداء من أجل مغرب حر يضمن العيش الكريم لأبنائه. وباب تحقيق هذه الطفرة هو تكريس الديمقراطية الحقة، فلا خيار لنا، ولا مناص من دعم انطلاقة مسار ديمقراطي حقيقي لأن استمرار غياب الديمقراطية الفعلية والفعالة يدفع المجتمع نحو الآفاق المسدودة المعيقة لنموه وتقدمه وفقدان طابعه الإنساني ويجعله خارج الركب الحضاري مهما تعددت الروتوشات لتحسين الواجهة. فالديمقراطيات الحقة في عصرنا الحالي اختيار لا مفر منه ومسار لا رجعة فيه، وغيابها شكل السبب الرئيسي والأساسي لكثير من المشاكل التي عرفتها البلاد من توتر واحتقان وعرقلة التقدم ونشدان التطور الجدير بها اعتبارا للتاريخ النضالي للفئات الشعبية واعتبارا للتضحيات الجسام لأبناء الشعب الأفذاذ الذين قضى بعضهم نحبه في ركح النضال من أجل خير هذا البلد وسموها.

 لقد كان النضال الديمقراطي ولا زال معدنا لطاقات النضال والتعبئة للفعل حاضرا ومستقبلا لأنه هو الكفيل بخلق خلخلة ورجة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لضمان الأداء الديمقراطي الكفيل بالإرساء الفعلي لصيرورة تصليب بنيات دولة الحق والقانون على مستوى الممارسة والعقلية ونهج التعامل والفعل في فضاءات المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وقدر بلادنا حاليا مرهون بالديمقراطية الحقة لأنها شرط أساسي وحيوي لأية تنمية مجدية في كل المجالات والميادين، لأنه لا يمكن تقوية الفعل السياسي وتأطير المجتمع المدني دون ديمقراطية حقة ودون فعل ديمقراطي حقيقي. فالتنمية تتطلب انخراط الإنسان وإدماجه لضمان تفاعله ولن يأتي ذلك إلا بإقرار ديمقراطية حقة. فلازالت هناك ضرورة تاريخية ملحة للنضال من أجل إنجاز إصلاحات دستورية وسياسية لتوفير إمكانية تأسيس قواعد دستورية وقانونية مناسبة فعلا للتطور السياسي للبلاد وتضمن الانتخابات ذات مصداقية كفيلة بإقرار مؤسسات منتخبة معبرة فعلا عن اختيارات أغلب فئات الشعب المغربي تنبثق منها حكومة منسجمة ذات الإرادة والكفاءة اللازمتين لتحقيق برنامجها مستعدة للمحاسبة والمساءلة بصدده.

 وبن يأتي هذا إلا عبر المزيد من الإصلاحات الكفيلة بتوسيع اختصاصات البرلمان وآليات تشكيله وتمكين الوزير الأول من السلطات اللازمة لتحمل مسؤولياته كمسؤول أول في الحكومة وتمكين المنتخبين من الممارسة الفعلية للديمقراطية المحلية والجهوية عبر إعادة النظر في اختصاصات العمال والولاة والإدارة المحلية وتمكين الهيئات المنتخبة المحلية والجهوية من الرشد عبر تخليصها من مقتضيات الوصاية المكبلة للممارسة الفعلية لمسؤولياتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
 إن سيادة الانتهازية واستغلال الظرفية لا يعود إلى غياب فعالية المجتمع المدني القادر على محاسبة ومراقبة النخب السياسية، ولا إلى غياب قواعد الشفافية والمسؤولية الواعية في قدرة المواطن السياسية على اختيار من ينوب عنه في تدبير أمور البلاد عبر التعبير عن همومه وطموحاته فقط، وإنما يعود كذلك إلى ضعف التأطير السياسي وسكون الأحزاب السياسية وهشاشة التجدر السياسي وسط الجماهير لاسيما في البادية وانفصال التنظيمات السياسية الديموقراطية عن هموم المجتمع الفعلية. وهذا ما يفسر إلى حد كبير عدم قدرتها على بلورة حركية مجتمعية قوية وضاغطة.

 وهناك قضية مطروحة منذ السبعينات وهي أن التغيير يستوجب توحيد القوى العاملة من أجله والهادفة إليه، ولقد بينت التجربة أن النضال من أجل التغيير يستوجب توحيد القوى العاملة من أجله والهادفة إليه، ولقد بينت التجربة أن النضال من أجل التغيير الحقيقي لا يشترط أي توحيد أو أي تكتل وإنما يشترط بالدرجة الأولى توحيدا وتكتلا مبنيا على تقارب الرؤية في العمل والدور وأساليب دعم صيرورة التغيير المنشود. وليس هناك من ضمانة للتصدي للانحرافات والنواقص والعيوب إلا بالنضال الواعي واكتشاف أنسب الأساليب النضالية الحضارية الملائمة للظرفية وللمرحلة وللملابسات الاجتماعية وهذه مسؤولية القوى الديمقراطية حاليا.

 فالديمقراطية الحقة لن تتحقق بدون وحدة صفوف القوى الديمقراطية، فلا ضمانة لاستمرار النضال من أجل دعم المسار الديمقراطي الفعلي ولا ضمانة لقدرته على تحقيق الأهداف المتوخاة دون تحالف القوى الديمقراطية، ولن يكتب النجاح لهذا التحالف إلا بالانفتاح على حركية المجتمع المدني وهموم أوسع الفئات ومشاركتها الفعلية والفعالة لأن قيمة التحالفات وفعاليتها لا تكمن في البيانات والمواثيق والبلاغات والاتفاقات بل تكمن أساسا في الارتباط بالفئات والفعاليات المعنية الأولى بالقضية الديمقراطية وبضرورة التغيير. وهذا الارتباط هو الذي يعطي قيمة للبيانات والمواثيق والبلاغات والاتفاقات والتصريحات وليس العكس.
وهذا يستوجب مشروعا مجتمعيا يساهم في إرساء انطلاقة جديدة لمسلسل ديمقراطي ديناميكي فعال وفاعل كفيل بإخراج البلاد من دائرة الركود الذي تعيشه حاليا.


                                  



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
- تكنولوجيا الاتصال … ظاهرة العصر
- الـسـيـاسـة و مـكر الـسيـاسة….! مـدخـل لـطـرح الإشكـالـية بـ ...
- في صنعة الصحافة الجهوية
- البنك الدولي يقترح حلا للخروج من وضعية الأزمة المستعصية
- السرفاتي مناضل..لكن ..؟
- حول مصداقية المنظمات الحقوقية
- إشـكالـية التـعـدديـة الحـزبـيـة بـالمـغـرب ظـروف الـنـشـأة
- جولة في فكر الدكتور محمد أركون
- المغرب خطاب العرش يؤسس لواقع جديد و يكرس نضج التصور
- النظام السياسي بالمغرب
- الجغرافية السياسية بالمغرب
- اللوبي الصهيوني بالمغرب و اللوبي المغربي بإسرائيل ؟؟؟؟؟؟؟
- الفقرقراطية بالمغرب


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - المسلسل الديموقراطي ببلادنا...من أين....وإلى أين ؟