أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هويدا صالح - قراءة في قصص ذاكرة الجسد















المزيد.....

قراءة في قصص ذاكرة الجسد


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 11:15
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الذات والموضوع في ذاكرة الجسد
قبل الدخول إلي عوالم قصص ذاكرة الجسد لأشرف الخريبي علينا أن ننير قضية تتماس بشكل أو بآخر مع المجموعة و هي كتابة الجسد ، هذا المصطلح الذي يحيلنا إلي روح الأنثي ، يكشفها ، يفك شفراتها الممتلئة بالقلق والبوح، في لغة تهجس بغواية الكشف ، وتميل إلي توظيف شفرات الجسد كقوة فاعلة وشاهدة ، وتنزع إلي مراودة الآخر حتي يصنع لذته الخاصة . هي لغة تهجس بالسرانية والترميز ، فهي تمثل صوت الأنثي الأولي ، الأنثي الرافضة لشتي أنواع القهر والسلطوية .
، ويمكن أن نعتبر قصص مجموعة " ذاكرة الجسد " كتابة تحتفي بالمرأة ، كذات فاعلة ، وليست مجرد مفعول بها ، كما تحتفي بالمهمشين ، المنسيين تعلن عن نفسها في مفارقة مخاتلة ، فللوهلة الأولي ننتظر من السرديات المتتالية أن تقدم لنا كتابة تحتفي بالجسد ، وتؤصل لعالمه الفارق ، ولكننا نجد أنفسنا أمام مسائلة جريئة للمجتمع ، تسعي لخلخلة قيما استشرت وبعنف فيه ، وترنو إلي كشف عوالمه الداخلية ، تغدو فضاءات النصوص ، فضاءات للذات ، ليست الذات المفردة ، بقدر ما هي الذات الجمعية ، تقرر الذات في لحظة فارقة أن تخرج عن صمتها وتبوح ، أن تواجه العالم بكل متناقضاته ، أن تعبر عن انكساراتها وانتصاراتها ، نزواتها وأهوائها ، تهجس المجموعة بزعزعة كثير من الثوابت القيمية ، بغرض مراجعتها ، ولكن في لغة كنائية ، تكني ولا تصرح ، تستعمل المجاز الاستعاري ، ولا ترضي باللغة العادية التي تعطي نفسها بسهولة ، منذ العتبة الأولي للنص ، منذ العنوان ، ذاكرة الجسد ، ذاكرة الكتابة ، إن الكتابة عند أشرف الخريبي مغامرة كشف وبحث ترتاد الوجود بهدف إعادة صياغته من جديد وفق الإطار الدلالي العام ، وهو ما تتقزز منه الذائقة المحافظة في مثل هذه الكتابة ، التي تؤكد لغتها الوجدانية ، فالذاكرة هنا للروح ، روح الذات الساردة ، وليست للجسد ، فالكتابة تفضح الزيف الرمزي الذي يتردي فيه المجتمع ، برموزه السلطوية ، سواء كانت سلطة السياسة القاهرة أو سلطة الأعراف والتقاليد ، أو سلطة المجتمع بتمظهراته ، فالحالات التي يقدمها الكاتب هنا حالات لشخوص مرتبكة ، تواجه العالم بقسوته ، يعمد الكاتب لتشكيل عالمه الرمزي إلي بني سردية متتابعة ، تقدم لنا عوالم مدهشة وباذخة ، لا نقدر إلا أن نتعاطف معها ، فالجسد يكتسي في هذه المجموعة بعدا رمزيا أكثر منه بعدا إنسانيا ملموسا ، وفي سرداته يحيلنا الكاتب إلي أحداث ووقائع وشخوص تحمل رؤيته للعالم ، فسؤال الكتابة لديه هو كيف تري الذات الساردة العالم مهما تعددت تنويعاتها ، وتيماتها ، وتستمد نصوص المجموعة تستمد بنيتها من المتخيل والواقعي ، وتغوص خطاباتها في عوالم مشدودة إلى ذاكرة الروح و فضاءتها ، فالسارد يصنع لنا فخاخا ليختبر بها الذاكرة الجمعية ، والهوية السيسو ثقافية ، فهو ينسج اللاشعور الجمعي ليحلم ويتعذب ويشعر بالقهر ، ويتمرد نيابة عنا .

يحيلنا أشرف الخريبي بوعي إلي إيحاءات عديدة واقعية ورمزية ، وأبعاد نفسية وفكرية لعلاقة الإنسان بجسد المجتمع وضميره الجمعي ، ومخزونه المعرفي ، ولكي يمكننا إدراكها علينا بفك طلاسم اللغة الترميزية المستعملة ، التي تخلق حوارا دائما مع الوجود ، وتغوص عميقا في سراديب الذات . وتتعمق صورة الجسد حين يصبح معادلا للحياة / الموت كما في قصة، " فاطمة " فاطمة تمثل عالم المههمشين الذين يمثلون البراءة بأي حال / البحث عنها ودور الأطفال / غيابها يمثل غياب القمر / توظيف الميثيلوجيا الشعبية بعودة القمر حين يتوجهون إلي السماء لتطلق عنانه ، هي الحلم / المرأة الحلم / البحث الدائم / تخيلها في كل ما هو جميل ، يقيم السارد طقوسا شعبية أسطورية ، تحمل الدلالات الميثيولوجي يقول :
" لو سألت الطير والشجر السواقي وفدادين الذرة النجوع- القرى كل أهل البلد.يعرفونها.سيقولون لك عنها سيحكون لك,
............ يا سيدنا يا بلال فك شنقة الهلال "
هكذا يا سيدي على دكة الشافعي شيخ الناحية ظلوا صامتين وعيونهم تتعلق بالسماء يطرحون الأمر يقلبون الحكايات القديمة القمر محطوط في المدار عند الساقية المهجورة جلس على أبو محمود مع زوجته الحامل في الأشهر الأولى منتظرا أن تأتيه بالولد. السماء كانت غائمة كأنها ستمطر
" يا سيدنا يا عمر فك شنقة القمر "
وقفت الكلاب على أقدامها الخلفية هاجت القرية بالبسملة و التراتيل و الدعاء و معرفة الله
زامت البيوت و تكدرت البهائم في الأجران وناحت, أطلت الضفادع من شقوق الماء في المصارف
والترع وسكنت زحفت الثعابين والتفت في دائرة جماعية كبيرة و بينهم الأقرع الكبير

وتأتي صورة الجسد المتوقعة من الكاتب الذي وضع عنوانه " ذاكرة الجسد " تأتي الصورة مغايرة لتوقعنا ، فذاكرة الجسد هنا ليست في الجسد المتعين ، بقدر ما هي في الروح ، الروح المفرد / الجمع / الذات / المجتمع ، ثنائية لعب عليها القاص بمهارة ، وأنتج عوالمه معتمدا علي التخيل والتوهّم والحلم ، عمل علي تشكيل لوحات فنية متفردة ، تنقل لنا صرخات الروح والجسد ، تنقلنا إلي عالم الدهشة ، فنبحث معه عن فاطمة التي فقدها كل منا ذات حلم ، فهي المعادل للقمر المخنوق ، هي التي ينادي الصغار ويهتفون باسمها علي بنات الحور ، حتي يطلقوا سراح القمر المأسور ، لقد صارت فاطمة / المرأة حلم ميثيلوجي ، مسبوغا بهالات من الجلالة والتقديس ، وبعودتها تعود الحياة .
هنا يقدم الكاتب مقلوب الأسطورة المصرية القديمة ، فإيزيس في مصر القديمة هي التي تبحث عن أوزير ، تلملم أشلاءه ، تعيد إليه الحياة ، أما السارد هنا هو الذي يبحث عن إيزيس / فاطمة ، ويحلم بعودتها التي تعيد الخصب والنماء للأرض ، وهذه رؤية نسوية تُعلي من صورة المرأة ، وتأتي بها مغايرة للنظرة الذكورية في الأدبيات .
وصارت حتي الطبيعة تشاركه حلم البحث عن فاطمة :
" همدت النار في المواقد والأفران ومن فوق المعسل القص طارت. نكشت شعور الرجال
عند أول الماء وقفت أنادى فاطمة, أظافر مخبريك الأغراء لهفتنى, كانت فاطمة في الماء تضحك, أيدي رجالك سحبتني
توقف العرق قليلا عن التهام جسدي اليقظان, البوظة طبقة كثيفة من هواء رطب.والجواميس تحلب لبنا رائبا. الأبقار تبقر بطون بعضها، تنطح أولادها. والبلد تتحاكى وتحكى "
حالة من الكابوسية ، وخوف من رمزية السلطة التي وأدت حلمه دون شفقة .
هناك حضور مكثف للمرأة في فضاءات النصوص سواء على المستوى الجسدي أو عبر الذاكرة أو على مستوى الإحالة الرمزية ، وكما أسلفت حضورها قوة فاعلة فنراه في قصة " أوامر امرأة متوحشة " يمازج بين الهم العام والهم الخاص ، بين الرجل الذي يخوض حربا عبثية ويتلقي أوامره من قيادته ، وبين الذات المفردة التي لا تعرف كيف تقيم علاقة إنسانية في الواقع ، فتنسجها من خلال عالم افتراضي ، صارت الحروب افتراضية ، وصار الحب والجسد افتراضيا :
" من فهد 1 إلى فهد 2 هل تسمعني.. حَول
فهد 2 إلى فهد 1 أسمعك بوضوح أرسل الإشارة.. حَول
إلى السرية الأولى هل تسمعني ؟ ..أفد..حول
أسمعك بقوة.. حول
صوتك الهامس في أذني يخترق مفازات الدهشة والأحلام يصب جُمار العشق في الحنايا لظى. يكتوي بحرماني منك..هكذا يا عيوني..
نجح العدو في اختراق النسق الأول
مطلوب التعامل مع الهدف
أَمر بضرب 8 طلقة 4 متتالية و الباقي منتظم بفاصل –20 /ث ثانية.. بلغ عن حاضر..حَول "
يرسم الكاتب صورته المشتهاة بلغة ، تعبر جدار الجسدانية إلي اللغة الوجدانية التي يجيدها الكاتب :
" أول إشارة من عيونها أرسلتها خلف نظرة طفولية ممعنة في البراءة كنت جالسا على الكنبة الفخمة وكانت هي تستدير لتصلح من وضع جهاز التلفزيون أمامي لأشاهد المباراة، تخرج الابتسامة الحلوة من فمي قرمزي تعانق لهفتي وتردني لعصور وأزمنة الفرح, فرح التقاط الصور الأولى في مهرجان الحياة مرت أيامي. وهي تمر بيدها فوق ملامحي. تؤكد على وجودي محفورا ليس على شاشة الكمبيوتر "
.
وفي قصة أخري هي قصة هدي " ، يرسم بطله المحاصر والعاجز عن تحقيق أحلامه ، يحاول القاص إنقاذ الذات التي اُغتيلت أحلامها وآمالها ، ولكنها ظلت متمسكة بهاجس البحث عن الحبيبة الضائعة ، التي ضيعتها ظروف القهر والضياع ، العودة إلي المرأة الحلم المتخيلة التي تبحث عنها الذات في كل الملامح ، وحين تجدها لا تقدر علي إقامة حوار حقيقي ، أو تلامس جسدي فيتحول الحوار إلي مونولج داخلي ... وتقيم حوار للحواس ، فقط الحواس التي تتحدث ، والذات تنصت ، حوار مسكو ن بالحلم / اللغة مراوغة توحي بالوجدانية ولكنها تحيلنا في براعة إلي لغة الحواس ، حوارها المتناغم ما بين دهشة الحلم القديم / ومحاولة استرجاعه ، والواقع المادي الآني الذي لا يسعد الذات بأي حال ، فتحن للبيت القديم ومفتاح النور المكسور ورائحة غبار الوطن
" أفتح عيوني على أخرهما أود أن أبكى أود أن أصرخ في وجه العالم في العلاقة بين اللغة الكلام . بين الكلام وبين الكلام هكذا يا هدى من حيث كنا قد وقفن في منتصف الحواس نعبر بوابة الحلم القديم, ندفن كل شئ للرمال, أسافر في رحلة لبلاد الذهب الأسود, لكنه كان لعينا بما يكفى كي أمر من ثقب ضيق تُحطني رحلة تأخذني أخرى ولا أفقدك أبدا أضع صورتك أمامي حين أخلو لنفسي "
وتراهن سردات الكاتب المتجاورة علي إزاحة فعل الموت بتوسيع الزمن المستعار لحبيبة ، حملها افتقاد كل ما هو جميل يقول في قصة " نزف الصوت :
" كانت البيوت شاحبة الشوارع باهتة , نخر البرد في عظمه يسير وئيدا , يحتسى صلابته يهزها ,و هو يحاول ابتلاع ريقه الجاف
تتفسخ الأيام يوما- يوما, فيؤمن للأسابيع بالمرور للشهور والسنين تتمدد طوليا تكبر في داخله يصير هامشيا هذا الزمن يتهشم الحنين، ينكسر الانفعال كبقايا المصابيح
حين تتدحرج الشمس على السحابات, على الوجدان أن يصير باهتا هزيلا "
ويميل الكاتب إلي استخدام ذات اللغة الوجدانية الشعرية التي تتسع لحمل حلمه ، فاللغة بعاديتها أو حتي بحياديتها لا تتسع لحمل إحالاته الشعرية ، ولا تقدر علي رسم صورة لضياع الأحلام يقول في لغة مكثفة محملة بالدلالات ، وقادرة علي طرح الهم الوجودي الذي يجعل الذات الساردة متشظية أمام القهر :
" يا أيها التعس الحزين, يا من كنت تحلم بمزاوجة البنفسج و القرنفل أيها الغريب المندهش من همس العالم, من سكون الليل سألقى حتما بأنفاسي الأخيرة عند قدميك,
لاشتم عبير الأرض عند روحك المشردة الكابية سأسكن , جئت إليك ،دوما سأجئ حاملة وعاء زفراتك تلك التي تحرق كل جسدي "



أما لغة الجسد التي خاتلنا الكاتب وأوهمنا بها فهي تأتي من خلال نماذج قليلة في متن المجموعة ولكنها كافية لنعرف كيف يراود الكاتب نفسه ، ويراوح بين لغة الكشف والمكاشفة ولغة تبدو جسدانية في قصة " إشارة الانتظار في الزمن المستعار "
فهو يبحث عن خبايا الذات ، فهو لا يتخذ من الجسد موضوعا يسرد حالاته ، بل يجعله أداة فنية لها فعلها وجماليتها ، وفي لغة أقرب إلي الوجدانية منها إلي اللغة التي تعري الزيف وتخلخل التابوهات :
كنا نتأمل دواخلنا بنهم برعب بأسى
نباعد ما بيننا تاركين بذاءة الكلمات دون معنى محدد
كان الشارع صائما عن ابتلاع مياه المطر
و الزمن غائرا فى التوحش يزيد انتصاب البيوت انتصابا نعيد تفاصيل شكل الصباح،
نألف الإيقاع و ننطفأ على الجانبين
البلاعات لم تبتلع مياه المطر نزعوا البلاعات لكنها المياه أصرت على البقاء رغم التشقق فى حوافي الشارع لم يحاول أن يسرق المياه و هى نفسها أصرت على البقاء .

يرصد القاص حالة من الهياج لدي هؤلاء الشباب الذين يمارسون الحياة في أحلام ورقية ، وتأتي لغة الجسد علي استحياء في جملة الانتصاب وما تمثله من إسقاط المعني الجنسي ، وتصوير لهفة الشباب علي الإشباع ولفظة التشقق التي توحي بالجوع الجنسي غير المرتوي ، وفيها كذلك استعارة الحلم لرصد وعي الذات بالعالم ، وعي جاء عبر حلم مستعار من المجلات والصور ، ليس وعيا حقيقيا حياتيا

" غير أنه حين لمحت عيناه صورة لامرأة شبه عارية فى صفوف المجلات صافية , يداريها الكلام الغبي البطولي لكنها رغم ذلك ضاحكة , فاتنة بين المجلات جسدا شهيا متوقدا حاسمة كانت تقف هائجة و كان سعر المجلة خمسون قرشا ، سيدة تقف نصف عارية تنظر عليه من بين الكلام من كل الجهات فيبادلها الابتسام فى حينها , كان منتظرا أن تتبدل جلستها و وجهتها بضجيج من الضحكات "


فلغة الكاتب ، تنفتح على ذاكرتها وجسدها الشعريين المتوهجين بحرارة الوجدان والجمال، تسبغ شعرية اللغة الحلمية فضاء السرد وتفتحه علي أفق دلالي يظهر الجمال بقوة انزياحه التخييلي في لغة تحرص علي شعريتها وبريقها ورعشتها التعبيرية ، خيوط حريرية شديدة الرهافة نسج بها عالمه الحكائي بقدرة علي بلورة الرؤية التي تتماس مع العالم والتي تسعي إلي تجسيد للعلاقات الإنسانية والاجتماعية ، مع موقف شعري شديد التكثيف ، قادر علي حمل لحظات نفسية تؤكد علي رؤيته للعالم ، مسرسباً إلينا مفردات الحلم / الدهشة حيث براءة العالم ورائحة المطر
" حيث كنا ننظر للبيوت المفخخة القديمة المبتلة و كان للمطر رائحة نحبها و نعرفها تماما الشبابيك مفتوحة الشارع طويل العربات تمر ببطئ المارون يستنجدون بالمرور ثم يجرون مذعورين خائفين المطر اللذيذ متساقطا و متوهجا بيد أنه غسل أوراق الشجر الباهت أنا و أنت و هو ماضون لقذف الكلمات و الضحكات الساذجة , لا نخاف المطر , لا نخاف العربات نشعر الصباح صباح جميل غارقا فى الانتظار فى السحب الرمادية و البرق اللامع فى السماء
كنا فاتحين للضلوع ذاك النشيد الأبدى حين تراجعت مياه الأمطار ببطئ على الجانبين و أبت أن تنزل البلاعات تخلصنا من الكلمات و الأشواق المليئة فى الصدور ملتحفين بالبرد على عكس ما يتوقعون متمسكين بانتظار ليس بعيدا نهائيا حين نحفر فى منتهى الحفر نوغل فى الحلم الى منتهاه عله يقترب هم لا يفقدون المواعيد يستحلفونها حين تجئ "

ثم يواصل الكاتب رحلته عبر النصوص التي يختمها بقصة الفارس ، وكأنه فارس هذا الزمان ، الذي استعار الحلم والدهشة ليربك حواسنا ، ويذكر ذاكرة روحنا ، وخارطة أجسادنا بما نعاني من قهر وسلطوية وتابوهات ، فالفارس حتما تغير :
وأنت مجبر تعود ..
لما وقفت النسوة العجائز خلف اليباب مولولات , صارخات .
كن يهبدن بالكفوف ويلطمن الخدود فتزيد حمرتها , ويصحن
يشققن أثوابهن لتبين عوراتهن في العراء ولا يخجلن من الرجال المارين بالطريق , مبحلقين بغير عناء .
حسين الفارس القادم ، فارس آخر الزمان ، الذي تنتظره النسوة ، ولكنه ليس انتظارا عاديا ، فهن يشققن الجيب ، ويصككن الخدود ، تري أي فارس هو ،
" وكنت قد رأيتك وأنت تجلس يا حبيبي يا حسين . ممتعضا , متأففا .
زاهدا في نساء العالمين .
غارقا في تجاعيد وجهك الأسمر الطافح بالخطوط الطولية متحسسا دوائر هلامية في شعرك الأشيب قليلا .
قلت : الليل والنجمات ورائحة بائع الفل وشارع الكورنيش.
وقلت : المكان الذي راعي طفولتي وعفويتك وغرابتك
وبلادتك أيضا .
وقلت ...
حين تلاقت شظايا عيوننا في بحر الدنيا الوسيع .
أه منك يا حسين وأنت أبو الفهام والعارف بأحوال الخلق أكثر مني .
أنت حبيب طفولتي وعمري وأيامي أهديتها لك منذ زمن بعيد فهل تعرف ؟


فارس تنتظره الحبيبة ولكنه حين يجيء لا يأتي معه التحقق ولا التواصل ، بل تأتي معه الحسرة والألم ، هو فارس عائد منهزم ، مرجعياته المعرفية لم تشفع له عند من تنتظره ، هي لا تريد سارتر ولا هيجل ، ولا تريد فلاسفة ومفكرين ، هي تريد رجلا يشعر بها ، وهو منفصل عن عوالمه ، عن مجتمعه ، وكأن فارس الختام لهذه المجموعة التي لا تفك شفراتها بسهولة ، وكأن هذا الفارس هو المثقف المنشغل عن عالمه الحقيقي ، ببضعة كتب وعلوم تعلمها ، وتعالي بها عن واقعه ،

تدعك كرامتك وكبريائك في أرض المهزلة .. أعرف .
حدثتني عن سار تر وأفلاطون والأولاد والحارة والبيت القذر .. أعرف
تحدثني عن صباياك الملاح وورد النيل وتضحك لتفر من الأحلام ..
لا أعرف .
أود أن أصرخ فيك أني أعرف ولا أعرف ولا أود أن أعرف
كل ما قلته أو لم تقله لأنهم حين فتحوا الباب هرولت النسوة يتساندن .
إذن فارس آخر الزمان العائد بالاحباط والقهر ، لم يكن هو الذي انتظرته الحبيبة / الوطن ، ولكنها تخضع في النهاية لوضعيتها معه ، فقد استسلمت ليده القاسية ، وهيأت نفسها للمذلة ، وكأن الكاتب يسرسب لنا رؤيته لوضعيات النساء في الشرق ، فالرجل الشرقي يشعر بالقهر والمذلة ، ويمارس ذات الطقوس علي جسد المرأة ، فيحولها إلي مجرد جسد خاضع للمهانة ، وينفي الكاتب عن المرأة / النساء حتي حق التمرد ، إذن الكاتب هنا يدين الرجل الشرقي بذكوريته وسلطويته ، وقهره الذي يمارسه علي امرأة يستقوي عليها لأنه فقط رجل :
" ليست الشمس وراء الباب , هكذا قلت ضاحكا وهزيلا ممتعض الوجه .
فرشت لك الأرضية بالورود والرياحين كما أمرت .
فرشت لك الصالة الصغيرة بالأغطية كما أمرت .
فأنت الآن وقبل الآن وبعد الآن الناهي - الأمر - والمنعم علي بعطفك ورعايتك وأنا أسمعك وأحفظك عن ظهر قلب . وضعت الشلتة الحرير التي تحب ووضعت كل عطورك فوق جسدي .
هيأت قدمي لك .. وبعنف .. تغرز أسنانك في لحمي وتبكي !!
والنسوة في بالوعات المجاري يضحكن وينظرن إلي الشمس وهي تحط باسترخاء عذب لتسترخي الأهداب وتنعس الأجفان .
وأنت تقول : لمي ثوبك يا امرأة ."
وفي النهاية أفلح الكاتب في تقديم رؤيته للعالم ، وتمكن من لغته التي تتراوح بين الشعرية المكثفة ، والسردية الباذخة .



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما
- الشيخ أحمد
- كوي صغيرة نبص من خلالها علي أعماق الأنثي المنسية
- أفضية الذات / عندما يصبح النقد موازياً
- رجل وحيد وشجرة عارية
- سبع مقاطع من يوميات شجرة عارية
- من يوميات شجرة عارية
- تزييف الوعي
- الواقف في مفرق التيه
- جل أسطوري
- نجيب محفوظ بين الرمز الفني والواقعي
- انعتاق
- نهاية الأضداد وبداية الإعلام غير المحايد
- الأستاذ منصور
- الموسيقي الكلاسيكية / عصر الباروك
- هو يحب الموسيقي ، لكنه ليس حالما تماما
- المرأة الحزينة
- عادل السيوي يمارس لعبة المرايا المتقابلة
- ريهام


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هويدا صالح - قراءة في قصص ذاكرة الجسد