أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعدون محسن ضمد - حصاد السنين














المزيد.....

حصاد السنين


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1875 - 2007 / 4 / 4 - 07:14
المحور: حقوق الانسان
    


في ميزان الربح والخسارة لا توجد كفتان فقط، بل ثلاثة... نعم، ثلاثة.. واحدة للربحان والثانية للخسران أما الثالثة فـ(للبطران). والبطران هو الذي يَعْلَم سلفاً بأنه ممنوع عن امتيازات الرابحين ومع ذلك يكد أكثر من كدهم.
تسمية كفة للبطران في معادلة الربح والخسارة، فكرة رادوتني وأنا استمع لصديقي مزهر جاسم الساعدي، وهو يروي لي تفاصيل لقائه بالبروفسور متعب مناف جاسم. كان مزهر على موعد معه لغرض استلام دراسة مكتوبة لصالح مجلة مدارك. مزهر جاسم كان مسروراً جداً وهو يحدثني عن متانة الدراسة التي حصلنا عليها من هذا المفكر الرائع، وغنى مادتها، وأهمية نشرها بمجلتنا. لكنه سرعان ما قطب عن حاجبيه فجأة، ما أن سألته عن صحة الدكتور متعب، وراح يسرد لي بحزن بالغ كيف أن هذا الرجل الذي أنهكته سنين الدراسة والتدريس والبحث، مهمل جداً ومتعب إلى أبعد الحدود. يعاني المخاوف وهو يعيش بأشد مناطق بغداد خطورة. أنا حقاً لم أصدقه وهو يقول لي بأن د. متعب جاء إلى الموعد سير على قدميه.. طبعاً الرجل فعل ذلك، احتراماً لموعده مع المجلة وأيضاً احتراماً لالتزامه مع الجامعة، ذات الجامعة التي تهمله الآن، وأهملت قبل ذلك أستاذه المفكر الكبير الدكتور علي الوردي وبخلت عليه حتى بالألقاب العلمية، الألقاب التي كانت تبعثرها يمينا وشمالاً.
يا إلهي سيراً على الأقدام؟!! (سألت مزهر).
دهشتي من هذا الموقف لم تقتصر على ما يشكله جهد المشي من خطورة على صحة هذا المفكر، لكن على أمنه الشخصي، وفي بلد مثل العراق، يغرق بجنون قتل العلماء، كيف يمكن لمتعب مناف أن يخاطر بالسير على قدميه، ويخترق أكثر المناطق احتراقاً بجنون الاغتيالات.
اللعنة على بلد لا يحتضن مفكريه، ولا يجمع بأحضانه الدافئة غير القذرين والوصوليين والتوافه المنافقين... اللعنة على مجتمع لا يحسن إلا ذبح مبدعيه.
في المناطق الخضراء الآمنة ثمة الكثير من البيوت الفارهة المحروسة بإحكام، ومع ذلك هجرها سكنتها من النواب والساسة، وتركوها فارغة، وتركوا قبلها واجباتهم معطلة. وفي المناطق الساخنة ثمة الكثير من العراقيين ممن يرفضون أن يتخلوا عن واجباتهم، بل قل عن قيمهم، ويتنعموا بفنادق دول الجوار. متعب مناف يسكن بمنطقة أقل ما يقال عنها أنها ساخنة، ومع ذلك لا يتخلف عن دروسه قط. يعيش جنون التفخيخ والتهجير لحظة بلحظة. ولا يتوقف له قلم قط، بينما برلمانيوا العراق يعيشون بمناطق محمية لدرجة أن لا يستطيع اختراقها حتى عزرائيل بجنوده، وهم مع ذلك يتذرعون بالأخطار ويعطلون كل شيء في هذا البلد. لماذا لم تنقلب هذه المعادلة؟ لماذا لم يجلس أمثال متعب على مقاعد البرلمان؟
إن المقارنة (المهزلة) بين نائب في البرلمان لا يعرف له تاريخ، أو يعرف له تاريخ غير مشرف، ومع ذلك يحصل على كل الامتيازات المتاحة لإنسان، وبين مفكر تحرمه نزاهته من كل امتيازاته وفي كل سنين عمره. ابتداء من سنين الدولة التي أعدمها صدام ووصولاً لسنين الدولة التي أعدمت صدام.
أقول إن هذه المقارنة هي التي كشفت لي عن وجود الكفة الثالثة في ميزان الربح والخسارة.. نعم كفة الـ(بطران). فنائب البرلمان لا يمكن أن يكون خسراناً بكل الحسابات، المادية منها والمعنوية، فهو من جهة معنوية؛ مجاهد، وسيحصل على أعلى مراتب الجنان، وهو من جهة أخرى، كفاءة سياسية، ومن حقه أن يتمتع بأرفع الامتيازات الدنيوية. والمفكر مثل متعب مناف، لا يمكن أن يكون (ربحان) أيضاً بكل الحسابات.. فلا هو متمتع بالمعنويات، ولا هو غارق بالماديات، ولأنه لا يصدق عليه أنه خسران؛ على الأقل لأنه لا يعترف بالخسارة؛ احتراماً لنفسه وعلمه. فهو إذاً لا (خسران) ولا (ربحان).
وأنا إذ أقدم احترامي وإجلالي لمفكر بطران يسعى على قدمين متعبتين ليستمر بخدمة مجتمع لا يثمن خدمته، أقدم بذات الوقت عدم احترامي لهذا المجتمع، الذي يكافئ أبناءه بالذبح والخطف، أو في أحسن الأحوال بالإهمال.
علي الوردي الذي عانى ما عانى أيام حياته، كان على فراش الموت يوم أقيم حفل تكريمي له، فما كان منه غير أن أرسل رسوله للمحتفلين لينقل لهم عن لسانه هذا البيت الشعري:
أتت وحياض الموت بيني وبينها... وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
علي الوردي اعتبر بأن الحفل التكريمي الذي يقام له وهو على فراش الموت غير نافع، إذ كان الأولى أن يتمتع بهذا الامتياز قبل ذلك بكثير، بالتالي فإن كل الاحتفاء الذي أحيط به هذا الاسم الْعَلَم بعد وفاته، هو احتفاء زائف، يقوم به مجتمع يغرق بالزيف. وعلى هذا الأساس فإنني أكاد أجزم بأن علي الوردي عرف أخيراً ـ وهو يتمثل بالبيت السالف ـ بأنه محكوم عليه بأحكام الكفة الثالثة.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق
- وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا
- الإسقاط الرمزي لشكل الأعضاء التناسلية.. دراسة في عدوانية الذ ...
- ولمية عفاريت
- مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة ا ...
- تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
- تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا ...
- تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعدون محسن ضمد - حصاد السنين