أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة رستناوي - مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف















المزيد.....


مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يجب أن نميز مصطلح الحوار عن المماحكات و الجدالات العقيمة التي تعج بها أدبيات الأديان و الفرق , فنكاد نعدم وجود نتاجات فكرية تنتمي إلى جنس الحوار المنشود , رغم مرور القرون و القرون
إن الحوار لا يكون بين متعصبين , و لا أقصد بالمتعصبين أولئك المتطرفين في كل دين أو فرقة , بل أقصد بالمتعصبين الذين يستريحون أو المتحمسين لأفكار ووجهات نظر بعينها غير قابلة للمسائلة من قبلهم, و لا يسمح للآخرين بانتقادها, فالتعصب سلوك غير عقلاني و غير أخلاقي , و على من يدخل طرفا ً في حوار عليه أن يكون عقلانيا ً و أخلاقيا ً معا ً" طبعا ً ضمن الحدود الدنيا" و عندئذ فقط نكون جديرين بالحوار , فالحوار ذو بعد إبداعي , و عندما يفقد الحوار هذا الهاجس الإبداعي ينقلب إلى مماحكة و جدل عقيم.
و لكن هل هناك من ضرورة للحوار؟
لن يجادل في ضرورة الحوار و الحاجة إليه إلا الأصناف التالية
1- أولئك المتعصبين الطائفيين الذين يرون في الحروب الأهلية في العراق و لبنان و حروب البلقان جهادا ً مقدسا ً, و يرون في القتل الهمجي و المجاني للإنسان على الهوية و الاسم عملا ً يستحق الاحترام و التمجيد ,و يقربهم من الله "الخاص بهم"
2- أو أولئك المغفلين الذين ينادون و يهللون للتطهير الديني, و يعتقدون بإمكانية إبادة ملايين أو ربما عشرات الملايين من البشر و حذفهم من الوجود أو إجبارهم على اعتناق دينهم و حقيقتهم ,و يؤمنون بخرافة المجتمعات الصافية

3- أو أولئك الذين يستمتعون بإهانة الآخرين , على اعتبارهم أقلية, و لا ضير عند ذلك – أي بعد اعترافهم بوضاعتهم - أن نعطيهم حرية مقيدة , دون أن تغفل أعيننا عنهم , فتاريخ هذه الأقليات يدعو للتوجس , و ملطخ بالعمالة للأجنبي و تصيُّد ضعف قوى الأكثرية للإطاحة بها
هذه الفئات الثلاثة لا ترى أي حاجة إلى الحوار أو جدوى له . و هي تمثل النسق العام للتفكير في المجتمعات الإسلامية .
***
هناك من يرى أن الحوارات مع ممثلي الأديان و المذاهب الأخرى ليست إلا امتدادا ً للمعركة المقدسة التي يقودها , هذه المعركة أحيانا ً تأخذ شكل عنف جسدي, و في أحيان أخرى شكل عنف كلامي , و ما هذه الندوات الحوارية و المنشورات السجالية إلا لغاية إضعاف الروح المعنوية لدى الخصم و تشكيكه في مسلماته و زرع الشكوك و من ثم كسبه" إلى جانبنا" ؟
أو إظهار الآخر بمظهر الجاهل الغبي أمام مرأى المجتمع و إفحامه و إسكاته, و أمثال هؤلاء من الكثرة بمكان, حيث يكتسب المشاركون في الحوار أهميتهم من كونهم ممثلين مخلصين لروح الدين و الطائفة و أبناء بررة لها , و بقدر الشراسة التي يبديها هؤلاء المشاركون, بمقدار ما يزداد رصيدهم داخل الطائفة و في أوساط الشارع المتدين, و إضافة إلى الشراسة يجب أن يكون المحاور – مندوب الطائفة – مطلعا ً على هفوات و تناقضات خطاب الآخرين بغية إفحامهم . وعليه أن يكون متسلحا ً بذاكرة شفوية , وثائق كتابية و بصرية, تدعم وجهة نظره, و يحبذ أن تكون هذه الوثائق سرية استطلع المحاور – مندوب الطائفة – الوصول إليها رغم تكتم الطرف الآخر عليها .
و بناء على ما سبق فإن رجال الدين- أو علماء الدين كما يطلقون على أنفسهم - هم آخر من يستطيع بناء حوار حقيقي بالمعنى الإبداعي المنتج, بما يساهم في تطوير الخطاب الديني , ذلك أن البنية العقلية و التركيب النفسي لشخصية رجال الدين هي بنية عقائدية مؤدلجة تؤمن بوجود يقينيات إيمانية و فكرية و تاريخية و سلوكية لا مجال لمسائلتها إلا ضمن حدود ضيقة, إذ أنه لو سائلها فسيفقد طمأنينته المزيفة و إيمانه الحديدي ,و مشروعية وجوده كرجل دين مخلص و ممثل للطائفة و الدين .
***
- هناك إعاقة لإقامة الحوار بين الأديان و الطوائف , و تأتي هذه الإعاقة من طبيعة العقل الديني الطائفي
1- العقل الديني حسم أمره و غادر التاريخ , فهو عقل مُدَشَّن " حسب محمد أرغون" فعند المسلمين السنة:
تدشين أول بتوقف نزول الوحي
و تدشين ثان بوفاة النبي محمد
و تدشين ثالث بوفاة الصحابة الملازمين للنبي و المتلقين علمهم من النبي مباشرة
و تدشين رابع بوفاة الأئمة الأربعة و صياغة علم أصول الفقه و الدين
و تدشين خامس على يد أبو الحسن الأشعري , و سادس على يد الغزالي و سابع على يد ابن تيمية
و لكل تدشين ما يوافقه من القداسة .
أما عند المسلمين الشيعة:
فالتدشين الأول بتوقف نزول الوحي
و التدشين الثاني بوفاة النبي و نصه على إمامة علي بن أبي طالب
و من ثم استمرارية سفينة العلم الإلهي الكلي على يد الأئمة المعصومين السبعة عند الإسماعيلية ,و الاثنى عشر عند الشيعة الإمامية
و التدشين الثالث بجمع و تدوين تراث هؤلاء الأئمة
أما عند المسيحيين:
فالتدشين الأول عند صلب المسيح" الإله المخلص" و من ثم قيامته
و التدشين الثاني بوفاة حواري المسيح و مريم العذراء
و التدشين الثالث مع بولس الرسول, و رسائله حتى نصل إلى الصياغة النهائية للأناجيل و من ثم تدشين التقاليد الإيمانية و الكنسية في مجمع نقية

2- العقل الديني هو عقل نصي " عقل بياني حسب الجابري" لا يستطيع ممارسة نشاطه خارج النص , عقل يكتفي بتفسير و شرح و تأويل النص المقدس أي تبني مقولة لا اجتهاد فيما ورد فيه نص.
و لكن النصوص المؤسسة المشتركة "القرآن و جزء من الأحاديث " بين السنة و الشيعة مثلا ,ً أدَّتْ إلى أن يلبس العقل الديني اللبوس الطائفي, و يتحول إلى عقل ماهوي مطلع و عارف لمقصد المتكلم – و هو الله- من النص , و هنا تكمن المشكلة؟ فكل عقل طائفي يدعي أنه الأكثر قربا ً من الله, أي أنه العقل الذي اصطفاه الله ليتم من خلاله الدين, و يعمِّر الحياة , فالعقل الديني الطائفي يصادر معنى الخطاب و يختزل الفهم المتعدد للنص في تفسير واحد هو التفسير الصحيح و التفاسير الأخرى هي مجرد هرطقات و ضلالات !, إنه عقل يحتكم إلى آلية اليقين الذهني – حسب أبو زيد- و لا يحتمل أي خلاف معه باستثناء خلافات ثانوية جدا ً, و هذا العقل لا ينظر إلى وجهات النظر الأخرى على اعتبارها اجتهادات, بل يرى أن اجتهاده حقيقة و اجتهادات الآخرين مجرد أباطيل .

3- إدعاء الأصل
إن فكرة الأصل و ادعاء التأصيل , تشكل عائقا ً كبيرا ً أمام ثقافة الحوار , فلإثبات مشروعية أي سلوك أو معتقد أو فكرة نحن بحاجة إلى نسبتها إلى أصل ما, بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , و في حال العجز عن ذلك تفقد هذه الفكرة أو هذا المعتقد أو هذا السلوك أهميته , و يرمى خارج دائرة القداسة, و حيث أنه لا سبيل إلى إثبات الأصل, أو الانتماء إليه سوى العقل و الأدلة العقلية , مما يدخلنا في ورطة منهجية , و لن يجرؤ أحد على الاعتراف بذلك , و بذلك نبرر العنف الكلامي و الجسدي, و المماحكات و الحذلقات اللغوية, و الجدالات العقيمة لتتراكم مع الزمن طبقات من الشروح و الأدلة و نقيضها , تتراكم بشكل أفقي اعتباطي من دون اكتسابها أي قيمة معرفية , حيث أن العقل النقدي تحول إلى "عقل أداتي" محدود الفعالية و مطلوب منه وظيفة واحدة هي فقط تفنيد آراء الخصوم.
إن فكرة الأصل تتجلى في النص الأصل, و في الكشف و الإلهام المباشر عن الأصل مع أو دون واسطة ,و سيبني النص الأصل سيرته الأرضية و الاجتماعية اللغوية الغير مقدسة, و سيفرز عدة نصوص بنات و هوامش و متون يتبعها هوامش و هوامش يصعب فك الاشتباك بينها, بل إن كل نص منها يدّعي الأصالة.
و أما الكشف و الإلهام الإلهي على طريقة المتصوفة,فيعود بنا إلى نفس القضية فهم يحتكرون ملكات خاصة تمكنهم من الاطلاع على قصد المتكلم - و هو الله هنا- من دون كثير احترام للنص فهؤلاء تربطهم صلة قرابة ورحم بالأصل - أي أنه لهم أصلهم.
إن الادعاء أن هناك أصلا ً للحياة و أصلا ً للكون و أصلا ً للإنسان, و أن كل ما هو صحيح في الكون يشتق من هذا الأصل المتعالي عن المكان و خالق الزمان, و الادعاء أن هذا الأصل المطلق أنتج أصلاء , ووكلاء حقيقيين يدَّعون وكالة الأصل, و يتهمون الآخرين بالتزوير و الانحراف عن الأصل؟ إن هذا الادعاء يعاني من هشاشة ,فكيف نحكم بين هؤلاء المدّعين وكالة الأصل؟
حيث أن الأصل, لم يتدخَّل بشكل مباشر و واضح, ليقول قوله في هذا الخلاف , لذلك لا يبقى من وسيلة سوى العنف بشكليه الكلامي و الجسدي لإثبات الأصل , فقد اندلعت الصراعات الدينية شرقا ً و غربا ً على مدار التاريخ " الصراع الإسلامي المسيحي ,و الإسلامي اليهودي , و المسيحي اليهودي, و الصراعات بين المسيحية و بين الإسلامية ..الخ"
و كلها صراعات لم يحلها العنف, و حيث أن أي طرف من هذه الأطراف غير قادر على إبراز وثائق مقنعة للملكية و الوكالة الحصرية للأصل, لذلك سوف تبقى هذه الصراعات مفتوحة إلى إشعار آخر. فالإسلام يدّعي أنه الدين الصحيح , و أنه الدين الوحيد الحقيقي الذي أرسله الله للبشرية , و ليست اليهودية و المسيحية و سائر دعاوى الأنبياء السابقين سوى تنويعات على وتر واحد هو الإسلام, و أن إبراهيم و موسى و عيسى هم أنبياء مسلمين جاءوا بالإسلام, لا بل إن آدم -أب البشرية- كان مسلما ً, و أنَّ رسالة محمد هي التجلي الكوني و الأرقى لدين الإسلام " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و اللذى أوحينا إليك, وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى , أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه, كبر على المشركين ما تدعوهم إليه, الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب" الشورى 13.
«إن الدين عند الله الإسلام»، آل عمران 19
فالدين الأصلي هو الإسلام , و نحن كمسلمين أولى بموسى و إبراهيم من اليهود لأنهم حرفوا التوراة , و نحن كمسلمين أولى بالمسيح من المسيحيين, كون المسيح قد بشَّر بقدوم نبينا محمد " و مبشرا ً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" الصف 6
و حسب بعض الروايات التي ذكرت عن النبي محمد أن المسيح سيهبط من السماء في آخر الزمان لينصر المسلمين في حربهم على اليهود.
فالدين الحق عبر التاريخ – من منظور المسلمين- هو الإسلام , و ليس هناك من دين حقيقي غيره , و أما المسيحية و اليهودية المعاصرة فهي نسخ محرفة عن المسيحية الحقيقية و اليهودية الحقيقية , فمحمد و نحن كمسلمين أحق بموسى و عيسى و إبراهيم و سائر النبيين من أتباعهم اليوم" نحن ورثة الله" .
هذا مختصر الخطاب الذي يتبناه المسلمون اليوم , هو خطاب هيمنة- بالمعنى السلبي- على الآخرين و مصادرة الحقيقة لصالح فئة , و اختزال المسيحية و اليهودية كنسخ مزورة في صيرورة الدين الحق الوحيد دين الإسلام.
ووفق هذا الخطاب لا يمكن التفكير في أديان أخرى كنوافذ و مسارب للهداية , مادام هناك دين وحيد و مسرب وحيد للهداية الإلهية .. إن ادعاء الأصل يقضي على أي أمل بجدوى الحوار بين الأديان و المذاهب
علينا في البداية الاعتراف بشرعية الأديان الأخرى, و الكف عن التشكيك في نسبها و قذفها بأنها بنات زنا


4- تهميش العقل
الحوار فعالية عقلية بين عقلين أو أكثر , و إن تهميش العقل, أو احتقاره لدى الأطراف المتحاورة , ينعكس كفاعلية فكرية ضحلة مسورة بالتعصب و الديماغوجيا, فالعقل يوظف هنا في خدمة الصراع بين الأديان و الفرق ,و هو المبرر فقط, و وفق منطق أعرج العقل لديهم هو العقل المشروط و الموظف لخدمة الدين أو المذهب, و دحض وجهة نظر خصوم الدين و تفنيد آرائهم من دون أن نسمح لهذا العقل بنقد الذات, مع العلم أن نقد الذات هو أساس كل معرفة.
و بذلك يتحول العقل لدى الجماهير و رجال الدين إلى عقل أداتي يدافع عن حقيقة معترف بها مسبقا ً غير قابلة للتشكيك, و غالبا ً ما يستخدم العقل الأداتي في الدفاع عن المنتصر سياسيا ً و ينبري للإجهاض على الطرف الخاسر.
فالصراع السني الشيعي حسم سياسيا ً على يد السلاطين الأمويين و العباسيين قبل أن يحسم عقليا ً و فكريا ً , و كذلك "الصراع الأشعري المعتزلي" و " الصراع الإسلامي المسيحي " حسم سياسيا ً على يد الفاتحين الراشدين و الأمويين قبل أن يدلو فيه العقل دلوه ,و كذلك " الصراع الإسلامي اليهودي " و" الصراع المسيحي اليهودي" و في كل هذه الصراعات كان المهزوم يلجأ كجزء من عملية التعويض و المحافظة بغية البقاء إلى عملية الانغلاق عن المحيط و التأسيس لعقل طائفي متعصب يركز على مفاهيم الإمام و المخلص و الابتلاء الإلهي
5- مجتمعات الكتاب المقدس
و المقصود بمجتمعات الكتاب المقدس تلك المجتمعات التي يشكل الكتاب المقدس المرجع الأعلى في إدارة شؤونها و تحديد سلوكها ووجهات نظرها تجاه الآخر و الذات و الوجود
و في هذه المجتمعات فإن مجرد طرح أي تساؤل حول مسلمات اللاهوت الديني يعد اعتداءا ً سافرا ً على الجماعة غير مبرر,و لا يجوز السكوت عنه و ذلك لسببين: 1- سينظر إلية على أنه وسيلة للطعن في الهوية, و غالبا ً ما تكون هذه الهوية بسيطة وحيدة الانتماء " دينية طائفية"
2- سينظر إليه كعمل تخريبي يقوم به مأجورين, أو أغبياء لإضعاف مقدرة الأمة أو المجتمع للتصدي للقوى الطامعة بنا و المشاريع الخارجية للإيقاع بنا.
و هذا ما يجعل مجتمعات الكتاب المقدس المتدينة مجتمعات راكدة دؤبة البحث عن زعيم حارس للكتاب المقدس و قيمه و مجتمعه , فمجتمعات الكتاب المقدس يسيرها الدين عبر عاطفة الحشد و آلية التماهي مع المستبد مما يحولها إلى مجتمعات استبداد ديني و سياسي و فكري . و بذلك ندخل في حلقة مفرغة تدور فيها هذه المجتمعات, و حيث أن العقل النقدي أعدى أعداء الاستبداد لذلك لن يعدم هؤلاء المستبدون من وسيلة لإقصاء العقل النقدي و البطش بأصحابه كونه يهدد نفوذهم, و بذلك يتحول أصحاب العقل النقدي إلى عدو مفيد مما يوحد الأمة أو الطائفة أو المجتمع لبقاء الحال كما هو , مما يعزز إمكانية مجتمعات الكتاب المقدس على الصمود في وجه الحداثة و العقل النقدي عبر- ما يسميه محمد أرغون - السياج الدوغمائي المغلق و الذي يشكل الاستبداد الفكري و العنصرية المادة الأساسية فيه



6- الصراع الطائفي داخل الدين الواحد ينعكس سلبا ً و تعصبا ً ضد معتنقي الأديان الأخرى لسيطرة المزاج التعصبي على المجتمع
4- القدرة على الأذى و الهيمنة السياسية تعيق الحوار , ذلك أن الحوار لا يكون بين مهيمن و مهيمن عليه مستضعف , و إذا تم مثل هكذا حوار في هكذا ظروف لن يكون من هدف للحوار سوى تعزيز الهيمنة.

***
و لكن لماذا يلجأ العقل الديني الطائفي إلى مصادرة المعنى؟!
سأقترح إجابتين
الأولى : أن العقل الطائفي الخاص لا يتكون إلا بوجود عقل طائفي عام و مهيمن , و المعنى المصادر من قبل العقل الطائفي هو معنى يختلف عن المعنى الذي يصادره العقل الطائفي الآخر, فالعقل الطائفي يكتسي أهميته هنا كصانع للهوية , هوية الفرد المُندغمة ضمن هوية الجماعة " الطائفة "
و أما الإجابة الثانية فهي الطائفية السياسية: فالسياسيون و الزعماء المتنافسون على السلطة لا يتورَّعون عن توظيف العقل الديني الطائفي كرأس مال رمزي. و هذا العقل باعتباره عقل ماهوي و مُدَشَّن لديه الاستعداد لنقل الخلافات الفكرية و العقائدية الدينية إلى خلافات و نزاعات سياسية, مما يؤدي إلى سلسلة حروب من انتصارات و هزائم توسع الشرخ الفكري الموجود أصلا ً, مما يؤدي لحدوث حروب أخرى و هكذا دواليك.....
فالمنتصر يريد أن يبقى منتصرا ً, و الخاسر يحشد و يعد العدة للاقتصاص لنفسه و لطائفته و زعمائه.
و هكذا ندخل في دورات من القتل و القتل المضاد و الكراهية و الكراهية المضادة , و الانغلاق الفكري و الانغلاق المضاد ,و كل هذا يصب في خانة الجهل بالآخر لا بل تشويه صورة الآخر.
فلا يمكن إسقاط دور العامل السياسي في نشؤ, و نمو مذاهب إسلامية و مسيحية بعينها, و دوره في انقراض و إضعاف مذاهب أخرى, فالخلاف بين الصحابة و بين علي و معاوية , و بين علي و الخوارج,و من ثم الأمويين و الهاشميين, و من ثم العباسين و آل البيت لم يكن خلاف عقائد, بل كان خلافا ً سياسيا ً مصلحيَّا ً على السلطة , تحول عند أتباعهم و أشياعهم إلى خلاف إيديولوجي عقائدي. و قد استعانت كل فرقة أو مذهب " بالله الخاص بها" لقهر و تكفير و إقصاء الآخرين, فارتباط المصالح بالدين يؤدي إلى تعصب ديني, هو في جذره تعصب لمصلحة .
***
عندما يتاح للفاعلين الاجتماعين المتدينين النظر إلى الدين من خارج الدين بأعين المجتمع و الآخر ليرى ما آل إليه هذا الدين نكون قد بدأنا في مسيرة الإصلاح الديني.
إن إمكانية الخروج من المشهد تتعلق بملكة التخيل و التجرد , و متى أتيحت مثل هذه الإمكانية , فإن الدين سوف يتطور بما يناسب المستجدات الاجتماعية, فلقد استطاع الدين المسيحي عبر صيرورته التاريخية بعد عصر التنوير أن يقوم بذلك , و هو لم يقم بذلك طائعا ً و لكنه أجبر نفسه على ذلك حرصا ً منه على القيام بدور اجتماعي فاعل في مجتمعات بدأت تتخلى تدريجيا ً عن تدينها , فأصبحت " دين الخروج من الدين" و هو الدين الذي تعرض لمراجعات جذرية لاهوتية أخذت بالاعتبار التطورات السياسية و الاجتماعية و الفكرية في أوربا, بينما ظل الإسلام خارج الانتقادات و صدمة الحداثة , و ذلك أن الحداثة الغربية جلبت لهم النكبات و التبعية والغزوات الاستيطانية " فلسطين" , ذلك أنها حداثة امبريالية ذات مركزية غربية, فالبعد الإنساني لهذه الحداثة كان هشَّا ً, و لم يتبلور بعد.
كل هذا وضع الإصلاحيين المسلمين في موقف ضعيف..
فالإسلام ما زال يمارس مفاعيله بنفس الآليات المنتمية للقرون الوسطى على عكس المسيحية المنحسرة من مجتمعاتها الأم , و المكتفية بلعب دور أخلاقي يحافظ على قيم التسامح و قيم العائلة.
لقد نظر المسلمون إلى الصراع مع الغرب الاستعماري و الامبريالي على أنه صراع ديني وفق ما تمليه عليهم عقيدتهم الدينية القروسطية, و لم ينظروا إليه كصراع سياسي , و لئن كانت النخب التي خاضت معارك سياسية للحصول على الاستقلال هي نخب وطنية , إلا أنها لم تكن قوية و متماسكة للصمود في وجه العسكر الذين وظفوا الصراعات الدينية و الطائفية و كل شيء لاستمرار هيمنتهم, و بالتدريج بدأت هذه القوى الوطنية - المتجاوزة نسبيا - ً بالتنازل عن قيمها لصالح التطرف الديني و الطائفي مع ازدياد وطأة القمع و الاستبداد الداخلي المبارك خارجيا ً , مما هيأ لظهور تيار تكفيري يكفر السلطة و المتآمرين علية الداعمين للسلطة" الحروب الصليبية الجديدة "
في مقابل الحرب العالمية على الإرهاب بدأ الدين في الغرب يستعيد دوره في مجابهة الإسلام السياسي, من دون أن تتحول المسيحية السياسية لقوى مهيمنة في الشأن الداخلي للدول الغربية الديمقراطية العلمانية.
....................



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل التسعينيات الشعري و الرومانسية الجديدة
- الحوار بين الأديان : حوار يحتاج إلى حوار
- عناقيد الملائكة
- إطلاق الحملة الوطنية للقضاء على الطريزينات في محافظة إدلب
- لا للمظاهرات و البيانات ...نعم لهيفاء وهبي
- الاسلام السياسي بين الفصام و الحيوية
- عرب ال48 ليسو أقلية و ليسو أكثرية
- الشاعر طالب هماش في أيقونة المراثي
- تجليات عشتار في مجموعة الدائرة للشاعر عايد سعيد سراج
- من أجل جوكندا عربية إسلامية
- ملكوت الزبالة الوطنية
- عندما يضرب المثقفون الطبول - دبكة حماة
- الديمقراطية و الإحتلال الوطني
- من هنا طريق غير المسلمين
- قصائد وطنية
- شهداء البسوس : من الزير سالم إلى جبران تويني
- الحوار المتمدن فضاء تنويري
- هولاكو...سيدة الرمال
- مشاغل سيدة الرمال
- عتبات سيدة الرمال


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة رستناوي - مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف