أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مازن لطيف علي - د. سعيد الجعفر: المثقف العراقي لم يكن مثلاً للمثقف العصامي الذي يقاوم الإغراءات















المزيد.....


د. سعيد الجعفر: المثقف العراقي لم يكن مثلاً للمثقف العصامي الذي يقاوم الإغراءات


مازن لطيف علي

الحوار المتمدن-العدد: 1868 - 2007 / 3 / 28 - 11:56
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاوره :مازن لطيف علي

يرى الدكتور سعيد الجعفر ان هناك مشكلتين رئيستين مرت بهما الثقافة العراقية في محنتها الكبرى أبان الحقبة الصدامية أولها أن سدنة الثقافة الأوائل في القرن العشرين لم يتركوا تلاميذ، فأساتذة عمالقة مثل على الوردي وابراهيم السامرائي ومصطفى جواد ومحمد باقر الصدر وعبد الجبار عبد الله لم يتركوا ورائهم تلاميذ. ويؤكد أنه حتى الثقافة السياسية الليبرالية والعلمانية لم تخلف بعد سدنتها الأوائل مثل كامل الجادرجي، لم تخلف تلاميذ، فقد جاء استيلاء العسكرعلى السلطة الى اختصار السياسة بسبطانة المدفع، حين لا يعجبك من يجلس في السلطة فما عليك إلا أن تحتل الإذاعة ووزارة الدفاع. ومع ذلك فالعسكر السابقون لحقبة البعث تركوا المجال للسياسي والمثقف أن يفعل بشكل ما. فحقبة الشهيد عبد الكريم قاسم وحقبة عبد الرحمن عارف بقيت مرتبطة بوشائج كثيرة أيجابية بالمثقف والسياسي...الدكتور سعيد الجعفر احد اهم الشخصيات والرموز الثقافية المقيمة منذ فترة طويلة في السويد..ولد الجعفر في اهوار الناصرية في قريبة الفهود عام 1956حيث درس العلوم الزراعية في جامعة البصرة وحصل على الماجستير ثم الدكتوراة في الليسانيات "علم اللغة "في اختصاص علم المعجمات النظري في جامعة بطرسبورغ..كتب الشعر واصدر مجموعتين هما "بين احتفالات الماء والوحشة" "حرف سقط من اغنية المطر"
مارس الترجمة منذ فترة طويلة وقد ترجم عن السويدبة كتاب "9_11"لنعوم تشومسكي عام 2002






س: كيف بدات لديك الإهتمامات بالفلسفة والشعر واللسانيات وتطورت وأين تجد نفسك بينها ؟
من الصعب في مجال الفنون وضع مقاييس فلا يمكنك مثلاً أن تقول أن وردة أجمل من وردة أخرى، أو أن طائر أجمل من طائر آخر. القياسات والحدود توضع في آفاق ومجالات أخرى. أنا أرى في الفلسفة شعراً وبالعكس. فالفلسفة تقرن بالشعر وبالموسيقى والرياضيات لكن هذه الفروع الأربعة في الفن والعلم لا تقرن بالهندسة أو الكيمياء او الطب. لكن كما تعلم فأن شروط الفلسفة و ازدهارها في مجتمع معين هي ليست الشروط نفسها التي يخضع لها الشعر. ففي مجتمع كمجتمع الأهوار الذي نشأت فيه وأمضيت فيه أيام صباي ويفاعتي ينمو فيه الشعر كالنخل في كل مكان، وكانت علاقتي ليست فقط بالشعر المكتوب بالمحكية أو ما يسمى خطأ الشعبي، فكوني من عائلة رجل دين فقد كنت على مساس بالشعر الفصيح من خلال أدب الطف وبالذات السيد حيدر الحلي والهندي والكواز وغيرهم والذين كنت أحفظ لهم الكثير من القصائد، كما أن والدي كان يكتب شعراً فصيحاً بالإضافة الى كونه شاعراً معروفاً بالمحكية في المنطقة.
علاقتي بالفلسفة بدأت في وقت مبكر أذا أخذنا بنظر الإعتبار المكان الذي نشأت فيه، فأول كتاب قرأته في الفلسفة كان في المادية الديالكتيكية وكان عمري حينها خمس عشرة سنة، ثم جاء انتقالي الى كربلاء وثم الدراسة الجامعية لأكثف قراءاتي الفلسفية. بيد أن الإقتصار على قراءة الفلسفة الماركسية خلق نوعاً متطرفاً من الدوغما الإلحادية، بحيث أنني حين قرأت مؤلف الشهيد محمد باقر الصدر "فلسفتنا" كان الإلحاد والمادية قد أخذا مني أي مأخذ. لكن وجودي في أوربا وعلى مدى ربع قرن ثم ارتباط أختصاصي في اللسانيات بعلم الدلالة وعلم الإشارة قادني الى دراسة و مقاربة الفلسفة الحديثة، واكتشاف أن الثورات الكبرى في الفلسفة قام بها ديكارت وكانت، وهكذا أنزلت الماركسية من عرشها. وهنا أود ان أذكر أن الماركسية كما يعتقد الكثير من دارسي تأريخ الأفكار هي فلسفة مثالية في مضمونها مادية في شكلها. فالجبرية في مسألة المراحل الخمسة تشبه جبرية المعاد يوم القيامة في الإسلام، كما أن مرحلة الشيوعية التي ستملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت ظلماً وجورا هي فكرة مهدوية، ولذا يقال في الفكر الأوربي المعاصر أن الفلسفة الماركسية هي مهدوية بدون مهدي. ولهذا السبب انتفض تيار مابعد الماركسية لدى أبرز ممثليه سمير أمين وعمانوئيل فالرشتاين على الماركسية الكلاسيكية فأعتبرا أن الماركسية يجب أن تجرد من هرقطات الفلسفة في جبرية المراحل الخمسة ويوتوبيا المرحلة الشيوعية ونظريتها السياسية المتمثلة بدكتاتورية البروليتاريا ونظريتها حول الدولة والمجتمع الإشتراكي، والإحتفاظ فقط بالجوهر العلمي للماركسية المتمثل في الإنجاز الهائل لماركس في كتابه رأس المال، وتقليل الحماسة لصراع الطبقات والإستعاضة عنه بنظرية المركز والأطراف. ولو أرادت الاحزاب الشيوعية أن تنفتح الآن فحري بها أن تنفتح اولاُ على تيار مابعد الماركسية.
هنا أردت ان أذكر شيئاً عن الحوار أو الخطاب الذي دار ويدور في أروقة الدراسة الفلسفية من كون الفلسفة وصلت الى طريق مسدود وكون العلوم الأخرى أخذت وظيفتها، وأن علم اللغة بالذات أحتل مكان الفلسفة في عالمنا المعاصر، حتى أن رولان بارت أراد أن يلحق علم الإشارة بعلم اللغة مع أنه علم وسط بين الفلسفة وعلم اللغة. أقول أن الثورة التي قام بها كانت في مآخاة عقلانية ديكارت و تجريبية الانجليز من خلال مبدأه في التراسندنتالزم والتي تترجم الى العربية بمصطلحات كثيرة منها التسامي، أقول أننا اليوم بحاجة الى من يقوم بمآخاة الروح والعقل ، مآخاة الشرق والغرب، فهناك محاولات في الجوانب البراجماتية للقيام بذلك كما هو الحال في الطب البديل والعودة الى الحكمة الشرقية التي هي ليست ميتافيزيقية كما فهمت في السابق من خلال الأفكار المسبقة والنمطية التي سادت خلال أكثر من سبعمائة سنة. وبناء على ذلك فالفلسفة يجب أن تبدأ الآن مرحلة جديدة تحدث فيها ثورة كانتية جديدة.
الشئ الذي أردت أن أذكره حول الخطاب الذي يدور في الغرب عن وصول الفلسفة والفكر المعاصر الى طريق مسدود، هو أن الذي وصل الى طريق مسدود هو الفكر الأوربي والمركزية الأوربية والرأسمالية. وقد تحدث عن ذلك كثيراً عمانوئيل فالرشتاين أحد أقطاب مابعد الماركسية، في كتابه "موت الليبرالية" الذي قد يكون ترجم الى العربية. فهناك حديث عن نهاية التأريخ لدى فوكوياما، وهناك حديث حول تفكيك الفكر الأوربي لدى جاك دريدا، ثم هنالك اتجاه كامل هو مابعد الحداثة في الفنون والموسيقى والشعر. وكل ذلك مرده الى وصول المركزية الأوربية الى طريق مسدود، فالفكر الأوربي يموت والبديل لم يولد بعد ولذا نحن الآن في مرحلة انتظار ليس إلا. ويبدو أن اقتراح العولمة كبديل لكل تلك الإنجازات الهائلة في الفكر والفلسفة والفنون، فشل منذ البداية ويبدو أمراً مضحكاً حين يجري اقتراح مايسمى بالإنسان الإقتصادي "هومو إيكونوميكوس" في وقت يتصاعد وعي الناس بالبؤس الذي تعيشه البشرية والحروب والكوارث وتلوث البيئة ونضوب الموارد ومشاكل المهاجرين الذين أصبحوا أقنان المجتمع المعاصر، إذ صاروا يشكلون نسبة الربع في بعض بلدان العالم الأول.
بالنسبة لعلم اللغة فإنني كنت منذ الطفولة أعشق تعلم اللغات الأجنبية وكنت أريد أن أدرس اللغة الإنجليزية في الجامعة لكن رغبة الأهل قادتني الى الفرع العلمي. بالنسبة لنا دارسي اللسانيات فإننا نجد في كل لغة شيئاً جميلاً وذلك يذكرني بما قاله طاغور " الكتب كالنساء ليس فيهن دميمات". فعلى العكس من الكثير أرى اللغة الألمانية جميلة جداً واحب كثيراً اللغة الكردية وكذلك الفنلدنية التي يسخر منها الكثير، وهنا في السويد أعشق لهجة شمال السويد نورلاند ولهجة فيرم لاند في حين أن متكلميهما يعتبرون هنا قرويون، أما أجمل لغة بالنسبة فهي العربية وكم كنت سأحسد العرب لو لم أكن عربياً على هذه اللغة التي لا تضاهيها في غناها وجمالها لغة في عالمنا المعاصر، وفي الطاقةالنفسيةوالجماليةوالتأريخية التي تختزنه كل لمفردة من مفرداتها.
وهناك موضوع نظري في علم اللغة كنت قد بحثت فيه ويخص موضوع اللوحة اللغوية للعالم او ما يسمى أيصاً بالنموذج اللغوي للعالم، أتمنى أن تتوفر لدي الإمكانية والوقت لأبحث استمراراً له موضوع علاقة النموذج اللغوي العربي للعالم بالنموذج الديني للعالم. فعلاقة اللغة العربية بالإسلام هي ظاهرة فريدة لا نجد لها مثيلاً في أي مجتمع معاصر. فاللغة الوحيدة المقدسة الآن هي اللاتينية وهي لغة لا يتكلمها شعب وبذا لا يكمن ان نقارنها باللغة العربية التي هي حية ومقدسة في الوقت ذاته، وبذا يرتبط النموذج اللغوي العربي للعالم بالنموذج الديني في ظاهرة كما قلت فريدة لم يتصدى لها أحد حتى الآن، أدونيس حاول مقاربتها في مولفه الكبير "الثابت والمتحول" لكن الأمر لم يدرسه غيره من الباحثين.
ولو أردت الحديث عن الشعر فإنني أقول أن محاولاتي الأولى الجدية بدأت في وقت متأخر في عمر الثالثة والعشرين، ثم وجدتني أخوض في البحر الهائج للقصيدة الحديثة وقصيدة النثر، لكن مجيئي الى الغرب جعلني أفتح عيني على حقائق أخرى هي أن الشاعر الغربي أقل تحمساً لصرعات القصيدة الحديثة منا نحن العرب، نحن من نجر ورائنا أثقال هائلة من تأريخنا الشعري، فقد أصبحنا أكثر رمزية من الفرنسيين، بينما بقي الشاعر السويدي متواضعنا قياساً لنا في هذا المجال. وقد تحدثت مرة أمام مجموعة من المثقفين السويديين حول ما يدور في العراق، فقلت أن هنالك اتجاهان شعريان يعيشان جنباً الى جنب في العراق أحدهما موغل في مابعد الحداثة والآخر منجذب الى ماقبل الكلاسيكية الحديثة يكتب ما يسمى بأدب الطف، فهل هنالك أكثر لا معقولية وغرابة من هذا، إنه وضع شعري يشبه حقاً الوضع العراقي. فازدهار أدب الطف وفنونه المغرقة في قدمها له علاقة بالتكسب من الشعر تماماً كما انتشر شعر المديح في مرحلة النظام المقبور الذي كان يقوده عبد الرزاق عبد الواحد ولؤي حقي ورعد البندر..
لقد ترك الشعراء الغربيون الصرعات التي خلقتها الدادائية والسريالية وعقلنة الشعر لدى أليوت، الذي عاش في زمن كان مهووساً بالعقل،بحيث كنت تحتاج الى قواميس وموسوعات لفهم قصيدة كالأرض اليباب. فمتى يخطو شعراؤنا نحو الأصالة في الكتابة، نحو العودة الى الشعر كونه فن يلبس المفردة والصورة غلالة فنية ولا يخنقها بحجاب الغموض. أود هنا أن أذكر حادثة هي أن أحد شعراونا المعروفين جاء الى ستوكهولم وبعد أن أهديته مجموعتي الشعرية بيوم سألني إن كنت كربلائياً أو نجفياً فقلت له لا أنا من الناصرية، فقال رأيتك تستخدم الحسين كرمز في قصائدك. ولا أدري أية رموز يجب علينا نحن أن نستخدم، فإذا كان السويديون يخجلون من تأريخهم ولذا لجأوا الى رموز الميثولوجيا اليونانية فرموزنا التأريخية تملأنا بالفخر. فليس صحيحاً بنظري أن نتغرب بحيث تصبح رموزنا غربية، ولا أن ننكفئ على الذات بحيث نقلد أدب الطف، بل أن الأصالة والمعاصرة هما منارانا اللذان يجب أن نهتدي بهما.


س: هل مازال الإستشراق يمثل أحد روافد فهم الغرب للشرق؟ وما هي توجهات الإستشراق المعاصر مع تنامي صعود الظاهرة الإسلامية؟
هنالك فرق هائل بين الاستشراق الكلاسيكي في الحقبة بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر وبين الاستشراق المعاصر. بل أن الإستشراق الكلاسيكي ليس كله يمكن وصمه بخدمة الأهداف الاستعمارية للدول الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. فلو كان أدوارد سعيد يتقن اللغات الروسية والسويدية والفنلدية والهولندية لكانت لديه وجهة نظر أخرى أقل تطرفاً مما ورد في عمله الكبير " الإستشراق". وأقوم الآن بأعداد وترجمة أنطولوجيا للاستشراق السويدي تناولت فيها الاستشراق السويدي منذ القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين وستصدر هذا العام، وسيجد القارئ أن الاستشراق الأوربي لا يمكن وضعه في خانة واحدة هي خانة خدمة الأهداف الإستعمارية والأفكار النمطية والمسبقة فأسماء مثل فيرنر فون هيدنستام سواء في قصائده التي تناول فيها موتيفات شرقية أو روايته " أنديميون" والأسم الأخير مأخوذ من الميثولوجيا الأغريقية، لهي مثال ساطع على الدفاع عن الشرق ، كما أن كل من تور أندريه و أج أس نيببيرج الذين نشطا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وفي جهودهما الفكرية الهائلة حول العرب والإسلام لا يمكن تصنيفهما الا في جبهة من دافعوا عنا وبضراوة، حتى أن أج أس نيبيرغ كان عضواً في المجمع العلمي العراقي في أربعينيات القرن العشرين.
وإذا عدنا الى الاستشراق المعاصر فهو ملئ بالفهم العميق للشرق والمسلمين والعرب ليس فقط هنا في السويد بل في العالم كله. وهناك أسباب عديدة لذلك منها الاتصالات المكثفة بالشرق خلال القرن العشرين والتي تتصل بالتطور التكنولوجي وبناءاً عليه تطور تكولوجيا المعلومات، كما أن فتح الكثير من الفروع في الجامعات التي تدرس الإستشراق والاستعراب والإسلام، كما أن وجود مجاميع كبرى من المهاجرين جعل الشرق يأتي الى هذه البلاد بحيث أصبح الباحث والصحفي والإنسان العادي على مساس مباشر بهؤلاء الناس أبعدته كثيراً عن الأفكار النمطية والمسبقة. وقبل هذا كله هو طبيعة الإنسان الغربي الذي يستخدم العقل في القياس و تقليب الأمور قبل الحكم عليها. ولا أنسي مستشرقين مثل يان يربه وسيجريد كالّة وإنجمار كارلسون ومواقفهم الرائعة والجريئة خلال الحروب التي خاضها صدام والنقاش والخطاب الذي كان يدور هنا. وهنا أريد ان أتحدث عن الدور الشجاع الذي يلعبه المثقف في وجه الراي السائد لدى العامة وكيف أن المثقف الغربي مشهود له في هذا المجال. فأية شجاعة كان يملكها برتراند رسل حين عارض الحرب العالمية الأولى فدخل على أثرها السجن، أو الممثلة اليسارية الجميلة فرانسيس فارمر التي قادها اظطهاد المكارثية الى مصح للأمراض النفسية وأية جرأة ملكها ويملكها نعوم شومسكي الذي كان يشتم في كتابه "11- 9" الولايات المتحدة واسرائيل بدل أن ينتقد العرب والمسلمين. في حين أن المثقف العربي وفي العقود الأخيرة كان يمالئ العامة ولا يطرح رأيه الحقيقي. أنا أعتقد مثلاً أن جزءاًكبيرا من المثقفين العرب كان فرحاً في داخله حين أعدم صدام لكنه لم يجرأ على إعلان ذلك. فخلال احتلال الكويت لم أجد بين المثقفين العرب من كان شجاعاَ سوى الطاهر وطار الذي قال أن صدام دكتاتور اضطهد شعبه ولا يجوز للمثقف أن يقف الى جانبه. وقد تحدث الدكتور علي الوردي عن أن رجال اللدين الشيعة كانوا يمالؤون العامة من الشيعة فلا يجرأون على إصدار فتاوى تحرم التطبير والزنجيل وغيرها من الطقوس التي كانت بجلها من خلق الصفويين وليس في جوهر المذهب الشيعي. وحين أصدر العلامة العظيم السيد محسن الأمين فتوى بتحريمها نقم عليه العامة من الشيعة قبل الحوزة فاظطر الى ترك العراق والعيش قرب السيدة زينب. ولو أخذت مثالاً من اليسار لقلت أن آلاف من الشيوعيين ذهبوا الى الإتحاد السوفييتي لكن أحد منهم لم يذكر المهازل التي كانت تجري هناك بحق الإنسان البسيط.
لم يقوم المثقف العربي بإيضاح أن هنالك فرق شاسع بين الإنسان العادي في الغرب وبين الدول الإستعمارية ، وأننا نحن من نملك أفكار نمطية وأحكاماً مسبقة عن هذه الشعوب أكثر مما يملكون هم عنا. ولولا وجودنا هنا ولفترة طويلة وتماسنا المباشر بهذه الشعوب من خلال العمل والدراسة لبقينا نملك الأفكار النمطية والمسبقة ذاتها التي زرعها في عقلنا المثقفون العرب. فالغربي مثلاً لا ينظر الى الجمل كونه رمز القبح والتخلف، بل أن الأمر بالعكس تماماً فالجمل يعتبر هنا حيواناً جميلاً وذي عيون تشع بالطيبة، يقارن دائماً بالكلب ومكانته لديهم، كما ان الكثير من الناس البسطاء يحسدون بالحقيقة البدوي على حياته البسيطة مقارنة بحيتاتهم في هذا البرد والعتمة وكونهم تروساً صغيرة صدئة في الماكنة الهائلة للرأسمالية. فما أن يغادرون الى البلاد العربية حتى يذهبون في رحلات الى الصحراء في تونس ومصر والمغرب يطلقون عليها مصطلح "سفاري". وفي كتابي عن الإستشراق سأترجم مقالاً رائعاً للمستشرق الكبير نيبيرج بعنوان "لماذا أحب العرب"، سيقشع عن قلوب الناس الغمامة السوداء التي زرعت من خلال الأفكار المسبقة والنمطية.
في مقال للكاتب والصحفي السويدي بيارنه ستين كفست أعتبر هو الأندلس جسراً يمكن استخدامه لعبور الى العالم الإسلامي وبالعكس. فالأندلس كانت مليئة بتسامح تبزفيه أكثر الديمقراطيات انفتاخاً وتسامحاً في الغرب، كما أنها كانت دولة عربية إسلامية. ومن خلال هاتين السمتين يمككنا جعلها نقطة التقاء بين الشرق الإسلامي والغرب. لكنني أقول أن هنالك الآن جسوراً كثيرة هي الجاليات العديدةوالكبيرة من المهاجرين العرب والمسلمين، يمكن أن تقوم برسالة كبرى للتقريب بين الشرق الإسلامي والغرب من خلال كونها تعرف كلا المجتمعين، لكن ذلك الهدف السامي يحتاج الى جهود حثيثة من قبل منابر الثقافة العربية والإسلامية ومن قبل إدارات الهجرة والدمج والمؤسسات الثقافية في الغرب.




س: ما هو رأيك بالوضع الثقافي في العراق الآن؟
تعرض الوضع الثقافي في العراق الى مصائب كبرى لم يعهدها من قبل، فالفترة من عام 1979 وحتى الآن هي أكثر حلكة من الفترة المظلمة التي مرت بها الثقافة العربية الإسلامية ولقرون. المشكلة أن الظلمة في حقبة البعث تركزت في عقود قليلة وبذا فالأمر أكثر إيجاعاً.
وأريد هنا أن أركز على مشكلتين رئيستين مرت بهما الثقافة العراقية في محنتها الكبرى أبان الحقبة الصدامية أولها أن سدنة الثقافة الأوائل في القرن العشرين لم يتركوا تلاميذ، فأساتذة عمالقة مثل على الوردي وابراهيم السامرائي ومصطفى جواد ومحمد باقر الصدر وعبد الجبار عبد الله لم يتركوا ورائهم تلاميذ وذلك راجع الى ماذكرته عن المصائب الكبار التي انتابت الثقافة العراقية. بل أنني أستطيع أن أقول أنه حتى الثقافة السياسية الليبرالية والعلمانية لم تخلف بعد سدنتها الأوائل مثل كامل الجادرجي، لم تخلف تلاميذ، فقد جاء استيلاء العسكرعلى السلطة الى اختصار السياسة بسبطانة المدفع، حين لا يعجبك من يجلس في السلطة فما عليك إلا أن تحتل الإذاعة ووزارة الدفاع. ومع ذلك فالعسكر السابقون لحقبة البعث تركوا المجال للسياسي والمثقف أن يفعل بشكل ما. فحقبة الشهيد عبد الكريم قاسم وحقبة عبد الرحمن عارف بقيت مرتبطة بوشائج كثيرة أيجابية بالمثقف والسياسي.
المشكلة الكبرى الإخرى التي واجهتها الثقافة هي تعهير المثقف، فالمثقف العراقي لم يكن مثلاً للمثقف العصامي الذي يقاوم الإغراءات، ولا أجد استثناءات الا قليلة. فالرموز الكبرى للثقافة العراقية كالسياب والبياتي ويوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد كانت أمثلة شنيعة على أن المثقف يمكن ان يشترى ببساطة. لقد ذهب زمن العصاميين على الوردي وابراهيم السامرائي وهادي العلوي ومظفر النواب وبطولة محمد باقر الصدر في رفض إغراءات البعث. المشكلة أن الوضع تقاقم في التسعينات بحيث أن المثقف اليساري أصبح سلعة رخيصة أمام مختلف الإتجاهات. فكم من المثقفين اليساريين أصبحوا أبواقاُ للإعلام الكويتي إبان الإحتلال الصدامي للكويت. كما أن المؤسسات الثقافية تختار مثقفين وصحفيين معروفين في الحقبة الصدامية أو أنصاف المثقفين ليكونوا قائمين على الصحافة والإعلام والثقافة، لان هؤلاء يمكن ابتزازهم بسهولة. وهنا أعود الى النقطة ذاتها التي ذكرتها عن شجاعة وعصامية المثقف الغربي و سهولة أن يصبح المثقف العربي من وعاظ السلاطين. لقد جاء في النصف الأول من القرن العشرين مثقفون كانوا من الشجاعة بحيث أن الناس لم ينقطعوا عن ذكر مواقفهم التي اصبحت أشبه بالحكايات. فموقف طه حسين في كتابه المعروف " في الشعر الجاهلي" أو موقف محمد عبدة الشجاع في تحديث الحياة التربوية والدينية، أو موقف نجيب محفوظ في " أولاد حارتنا"، رغم أن النصف الأخير من القرن العشرين لم يخلو أحياناً من نجوم مأتلقة في ظلمة التكفير مثل الشهيد حسين مروة و نصر حامد أبو زيد والشهيد فرج فودة وأخيراً السيد القمني. وهنا لا أريد أن انسى الموقف الفكري الشجاع لعبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهودية حين أفرد فصلاً للتأكيد عل أن بروتوكولات حكماء صهيون هو كتاب موضوع، وهو أمر معروف في الأكاديميات العلمية هنا في الغرب، لكن المثقف العربي جارى كعادته مشاعر العامة لكون الموضوع يدخل ضمن التعبئة الدعائية ضد الصهيونية. فالويح لأمة تحارب أعداءها بالخرافات والأكاذيب.



س: هل ترى أن العلمانية هي الحل لبناء المجتمع والمؤسسات العراقية؟
لست مختصاً في هذا الموضوع وأحاول الإجابه عليه كمواطن بسيط يتابع هذا الموضوع ضمن المواضيع الكثيرة الأخرى السياسية والإجتماعية.
في بلد كالعراق تتنوع فيه الأعراق والأديان لا تجد، كما أعتقد، حلاً لبناءه السياسي إلا على أساس العلمانية، وكما تعلم فإن القانون والتشريع الحديث له باع طويل في حل معضلات الأقليات والتنوع العرقي والطائفي فلسنا بحاجة الى قوانين مضى عليها أكثر من ألف سنه نجلبها لننفخ فيها الحياة. والعلمانية تقوم على التفريق بين الدين والإيمان. الإسلام حين جاء لم يكن ديناً فقط بل وضع حلولاً للكثيرمن المشاكل الإجتماعية وبذا كان التشريع الإسلامي في وقته ثورة كبرى على العادات والتقاليد البالية التي كانت سائدة حينها في المجتمع المتخلف في العصر الجاهلي، ومع ذلك فقد أخذ التشريع الإسلامي حينها الكثير من القانون الروماني. المشكلة أن التشريع الإسلامي بقي بلا تغيير طيلة الحقبة منذ احتلال هولاكو وحتى عصرنا الحاضر، فكيف تحيي عظاماً وهي رميم. فالجمهورية الإسلامية في إيران هي في الحقيقة ذات شكل إسلامي أما القوانين والتشريعات ومجلس النواب والإنتخابات فكلها مفردات منبثقة من المجتمعات الحديثة، من إنجازات المجتمع الغربي. فحتى أسم الجمهورية هو مصطلح لا علاقة له بالإسلام، ولم تجرؤ الدول الثيوقراطية الإسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية على إطلاق أسم خليفة على من يقود البلاد لأن المفردة ماتت وشبعت موتاً.
الإيمان موضوع آخر وهو أمر مطلق، فهو مسألة شخصية تخص الإنسان وتضمن الدولة العلمانية حق العبادة وممارسة الطقوس لكل إنسان.
لكن التشريع الحديث في العراق أو سوريا أو مصر الذي نقل التشريع الإنجليزي والفرنسي بحذافيرهما بقي غريباً على الناس في الريف الذي كان حينها يشكل ثلاثة أرباع البلاد، وخلق ظاهرة الإعتماد على العرف العشائري في حل المشاكل وتسيير الأمور. فالعلمانية التي لاتأخذ شروط المجتمع وخصوصياته بنظر الإعتبار مكتوب عليها أن تبقى قابعة في العاصمة وبعض المدن الكبرى.
العراق يبدو الآن وكأنه خرج من رماد قرون من الدكتاتورية والظلم والحروب والفاقة وقبل أن يناقش العلمانية يحتاج أن يحل مشاكل أكثر الحاحاً مثل الأمن والكهرباء، فلكي تقرأ وتشاهد برامج عن العلمانية تحتاج أولا الى الطمأنينة وخلو البال ثم تحتاج الى مصباح تقرأ في ضوءه المقالات والكتب وتشاهد التلفزيون وتتصفح الإنترنيت، كما تحتاج الاّ تكون معدتك خاوية وملابسك مهلهلة وفي بيتك تلفزيون وكومبيوتر، الم يقل لينين يوماً " أعطوني خبزاً ومسرحاً أعطيكم شعباً مثقفاً". العراقيون يريدون الآن ألأمان قبل المسرح و الخبز.




#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع عزيز الحاج
- في ذكرى اغتيال المفكر التقدمي حسين مروة
- حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصائغ
- د.عقيل الناصري: انقلاب شباط 1963 في العراق وتخاذل الوعي العن ...
- حوار مع الباحث والمؤرخ رشيد الخيون
- المفكر ميثم الجنابي ...انتعاش الهوية الطائفية في العراق يمثل ...
- حوار مع الروائي العراقي الكبير : محمود سعيد
- حوار مع المفكر د.ميثم الجنابي
- الشاعر خالد المعالي : افضل مثقف عربي هو ذلك الذي يمتلك لساني ...
- كامل شياع : في العراق اليوم ميول يسارية من شتى الأنواع وحول ...
- سلامة كيلة: الانتماء للماركسية عندنا تم بشكل عفوي وليس وعيا ...
- المؤرخ د. كمال مظهر احمد: لا أزال مؤمناً بالفكر الاشتراكي وم ...


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مازن لطيف علي - د. سعيد الجعفر: المثقف العراقي لم يكن مثلاً للمثقف العصامي الذي يقاوم الإغراءات