أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - حيتان على مائدة عشاء!














المزيد.....

حيتان على مائدة عشاء!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:32
المحور: المجتمع المدني
    


ما أصعب أن تَجِدَ نفسك في وسط جماعة ليس من لغة مشترَكة بينك وبينهم، فتُكْرَه على أن تعتصم بحبل الصمت، مُسْتَمِعا لأحاديث، هي في ميزانك لا وَزْن ولا أهمية لها، وقد يعسر عليك فهم كثيرٍ من مفرداتها، وعباراتها، ومصطلحاتها.

حَدَثَ معي شيء من هذا القبيل حين دعاني قريب لي إلى العشاء في منزله، ليفاجئني بجمع من ضيوفه، من شتَّى المنابت والأصول؛ ولكن يجمعهم ويفرِّقهم شيء واحد هو سوق الأسهم (البورصة) فكلهم من كبار المستثمرين في الأسهم.. بعضهم وزراء سابقون، وبعضهم مدراء بنوك، بعضها "إسلامي" الخَلْق والخُلْق، وبعضهم مستثمرون ـ إعلاميون، أي يؤدُّون عملا إعلاميا ماليا إلى جانب الاتِّجار بالأسهم.

تارةً، كانوا يتبادلون أحاديث تفوح منها رائحة الحرب الباردة، وطوراً يتبادلون عبارات المجاملة والتبجيل والألقاب الرفيعة، فالمصلحة بتناقضها كانت هي قوة الجذب والطرد في العلاقة بينهم.

بعضهم تحدَّث بتشاؤم عن متوسط عُمْر المستثمر في سوق الأسهم، وبعضهم تحدَّث عمَّا يعانيه من أمراض في القلب. لكنَّ "الأرقام" التي كانوا يذكرونها في أحاديثهم كانت هي سيِّدة الكلام؛ أمَّا وقعها في نفسي، وفي نفس كل من يشبهني اقتصاديا وماليا، فكان من السوء بمكان.

ثمَّة شيء في أحاديثهم أدهشني وحيَّرني أكثر من سواه، وهو رغبتهم الدينية في أن يُقْنِعوا أنفسهم، أو بعضهم بعضا، بأنَّ الاستثمار في البورصة، أو الاتِّجار بالأسهم، بيعاً وشراءً، ليس ضربا من "القمار"، أو "المَيْسِر"، فالآية تقول: "يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبيرٌ". وتذكَّرتُ رفاقهم من المستثمرين في المصارف حين توفَّروا، مع كثير من الشيوخ، على إنتاج فتاوى تُنَزِّه هذا النوع من الاستثمار عن "الربا" إذا ما استوفى شروطه الدينية الإسلامية.

لقد رأيتُ في هذا الجانب من الجدل، الذي لن يحسموه أبدا، كيف يُسوَّى النزاع بين مصالح البشر (الاقتصادية والمالية في المقام الأول) وبين ما هو في منزلة البديهية الهندسية، فالمصالح يمكنها أن تكون حربا حتى على ما يشبه تلك البديهية من المبادئ والمعتقدات إذا ما أخفقت في تأويلها بما يعود بالنفع والفائدة عليها.

على ما يكتنف العلاقة بينهم من مبادئ داروينية، أهمها مبدأ صراع البقاء، اتفقوا وتواضعوا على أنَّ الاستثمار في سوق الأسهم فيه من المعاني والنتائج ما يجعله من "الحلال الخالص"، وليس فيه ما يَحْمِلنا على النظر إليه على أنه ضرب من القمار، بإثمه الكبير.

في هذا الجدل سمعت كثيرا كلمة Risk (المجازفة) وكأنها هي التي، بمعناها، تقيم الدليل على أنَّ الاتِّجار بالأسهم ليس قمارا، وليس إثما كبيرا بالتالي.

القمار إنَّما هو كل لعب يُشْتَرَط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا من المال، سواء أكان بالورق أم بغيره. والقمار بتعريفه هذا هو "المجازفة" بعينها، فاحتمالا الربح والخسارة متساويان في وجه عام. إنَّ "المجازفة"، التي ينطوي عليها كل استثمار حتى ذاك الذي يربيه الله وهو التجارة، ليست بالمعيار الذي به يصلح تمييز الحلال من الحرام.

حتى معيار "النفع العام" ليس بصالح، فالاستثمار في سوق الأسهم ليس من النمط الذي يُنْتِج ثروة مادية حقيقية للمجتمع، فهو لا يؤدِّي إلا إلى تقاسُم، وإعادة تقاسُم، "القيمة الجديدة" المُنْتَجة في قطاعات الإنتاج المادي كالصناعة والزراعة.

الاتِّجار بالأسهم، بيعاً وشراءً، يظلُّ كلَعِب القمار في النوادي؛ يُشْتَرَط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا من المال؛ ولكن ورق هذا اللعب هو "الأسهم". وثمَّة فَرْق كبير بين أن تملك أسهما في شركة وبين أن تبيع أو تشتري أسهما في البورصة، فأنتَ مستثمِر حقيقي إذا ما امتلكتَ أسهما في شركة (في مصنع مثلا) وأنتَ لاعب قمار، لا ريب في معناه، إذا ما اتَّجَرْت بالأسهم ذاتها، بيعاً أو شراءً. و"الإثم" يَعْظُم عندما تؤثِّر في سوق الأسهم بوسائل وطرائق وأساليب، يجتمع فيها الكذب والخداع والإشاعة والتآمُر، أي عندما تصطنع، بتلك الوسائل والطرائق والأساليب، ما يؤثِّر في عمل قانون العرض والطلب في هذه السوق بما يفيدكَ ويضر غيرك. ومع أنَّ الكذب والخداع والإشاعة والتآمُر.. هي قوام الأخلاق الحقيقية في سوق الأسهم فقد حرص المستثمرون فيها على تجميلها بتسميات جميلة من قبيل الحذق والمهارة والذكاء الاستثماري..

هذا المرض الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي انتشر وعمَّ، فجمهور المستثمرين في سوق الأسهم من مواطنينا في اتِّساع وتزايد مستمرين، وإنْ كان معظمه، من الناحية العددية، من صغار المستثمرين، الذين هُم الضحية الكبرى على وجه العموم.

الشأن السياسي تخلَّل أحاديثهم، فكانوا "ساسة"؛ ولكن من النمط "الشيلوكي"، فكل تطوُّر أو حدث سياسي يمكن أن يعود على مصالحهم الشخصية في سوق الأسهم بالنفع والفائدة هو تطوُّر جيِّد. بعضهم تمنى أن "تطوِّر" قمة الرياض المقبلة "مبادرة السلام العربية" بما يلبي مطالب ليفني؛ لأنَّ هذا، بحسب توقُّعه، سيؤدي إلى ازدهار تلك السوق. وعندما قال أحدهم إنَّ لإسرائيل يداً، أو أصابع، في إحدى الشركات، فيُحْجِم، بالتالي، كثير من المستثمرين عن الاتِّجار بأسهمها، ردَّ عليه آخر قائلا: ليس من "يهود" في الشركة، وكل ما في الأمر أنَّ منتجات إسرائيلية تُوْجَد فيها. وهذا إنَّما يعني أنَّ مصلحته تقضي بتحريم تطبيع العلاقة مع "اليهود"، حتى الآن، وتحليل تطبيعها مع "المنتجات الإسرائيلية" الآن!

العشاء انتهى؛ ولكن نتائجه لم تنتهِ بَعْد، ولسوف نراها عمَّا قريب في الأسعار، في الأرباح والخسائر، في الحيتان والأسماك!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمهورية -العائلة المقدَّسة-!
- -مبادئ الرباعية- في -البيان الوزاري-
- من أجل هذا النمط من -الجماعية-!
- قطار سلامٍ سكَّته -التطبيع-!
- الظواهري.. لسان يبحث عن آذان!
- تغيير حقيقي أم خديعة؟!
- الانتخابات في مناخ -الفقر الديمقراطي-!
- اليوم -حَبْس- وغداً.. !
- -روح إسرائيلية- لإحياء -المبادرة العربية-!
- فيلم -هيكل سليمان الضائع-!
- -اتفاق مكة-.. و-أهل مكة-!
- صورة الحرب إذا ما نشبت!
- بعضٌ من الثقافة التي رضعنا!
- -الشريك الفلسطيني-.. هل عاد إلى الوجود؟!
- عباس وهنية في خطَّين متوازيين!
- كوريا وإيران.. فَرْق أعظم من الشبه!
- مسطرة -المجلس الأعلى للإعلام-!
- نُذُر حرب جديدة!
- ساعة المخاض لسلطة -فتحماس-!
- في جدل العلاقة بين -الذات- و-الموضوع-


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحري ...
- بعد تقرير كولونا بشأن الحيادية في الأونروا.. برلين تعلن استئ ...
- ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في غزة
- تفاصيل قانون بريطاني جديد يمهّد لترحيل اللاجئين إلى رواندا
- بعد 200 يوم من بدء الحرب على غزة.. مخاوف النازحين في رفح تتص ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في قطاع غزة
- العفو الدولية تحذر: النظام العالمي مهدد بالانهيار
- الخارجية الروسية: لا خطط لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إ ...
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة تلقيه رشى


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - حيتان على مائدة عشاء!