أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نشأت المصري - جلباب الفقير















المزيد.....

جلباب الفقير


نشأت المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 11:22
المحور: المجتمع المدني
    



لا أخفي عليك عزيزي القارئ, وعندما لملمت أفكار هذا المقال وأنا أتأمل الأسلوب الذي أحاكي به لتوصيل هدفي من الموضوع لسيادتكم, إنهمرت الدموع من عيني وكدت أجهش من البكاء.
ليت قلمي يحكي فكرتي ليوصل إحساسي:
كنت في المهد قطعة من قماش الصوف الغالية الثمن, وجيدة المنشأ, وضمن ثوب قماش غاية في الروعة والأناقة بألوانه الجميلة والتي تحاكي الموضة, وأتأمل ماذا يكون مصيري وعلى أيٍ من الأشخاص سأكون, وأي نوع من الملابس سوف أفصل, سأكون فستاناً أم بذلة أم معطف أم جلباب أم بنطلون أو غير هذا!! ترقبت كثيراً وبعد خروجي من المهد لألاقي مصيري.
وفي أثاء ذلك دخل المصنع التاجر الثري والذي يقدر أن يبيع نوعيتي ولديه المشتري القادر على الدفع ليدفع ثمن قطعة من ثوبي والذي أنتمي إليه, نظرت له بلهفة لعله يسمعني ناديت عليه ليختارني لأكون ضمن مقتنيات من يعرف قيمتي, رحت أداعب أضواء المكان لتظهر جمال ألواني.
عجباً!!! لقد رآني !!! لقد نظر إلي !! لقد أشار عليّ ويقول هات هذا الثوب الجميل, لقد شعرت بالسعادة لقد تحققت أحلامي.
ركبت لأول مرة سيارته ووضعني بكل عناية في أنظف مكان فيها, وهو يتلمس نسيجي ويقول: الله ما أروعك!! , وينظر ناحيتي ويقول: ما أجمل ألوانك!!.
وبعد سفر !! وصلنا لمكان العرض وقد أمسك بي ووضعني في فاترينة زجاجية في واجهة المعرض.
ولم يمر وقت طويل على هذا الحال حتى دخل المعرض أكبر خياط ملا بس بلدية في المدينة, لقد وضع عينه علي ويتملقني وراح يقول لصاحب المحل أعطيني قطعة من هذا الثوب الجميل وكان إختياره علي لأنفصل لأول مرة ممن أنتمي .
فرحت كثيراً لأنني سأكون نافعا جلبابا قيما من الصوف لا يقدر أن يشتريه إلا القادر والغني!!! سأكون في منزل الأغنياء يا فرحتي!!.
هذا الخياط مشهور في المدينة بحسن صنعته ودقة تفصيله للقماش وراح يداعبني بمقصه ليصنع مني أجمل جلباب وأغلى جلباب .
فصنع الأكمام والصدر والظهر وفتح جيوباً وحاكني على ماكينته الكهربية, وراح يجملني بخيوط القيطان (نوع من الدوبارة الحريرية تجمل بها الجلابيب البلدية) بأربعة أدوار ليزيد من قيمتي النقدية, لأخرج متباهيا بجمالي, وروعة تصنيعي.
ووضعني داخل كيسا كبيرا وعلقني في معرضه ليجد من يدفع قيمتي .
لقد دخل معرضه كثيرين ولكن أغلبهم لا يقدر أن يدفع قيمتي , ثمني.
يا للروعة!! لقد دخل المعرض شخص من أثرياء المدينة ومن أطيب الرجال بها فهو يعطف على الكل ويعطي بسخاء , ربما أكون من نصيبه , ربما أكون على جسده , ولى الشرف أن أكون من ضمن مقتنياته.
شاورت له, تملقته, أخذت أنادي عليه ليلتفت إلي , ليت صاحب المحل يشاور علي!! وكاد يغمي علي!! لقد رآني!! لقد شاور علي!! قال : أحضر لي هذا الجلباب الرائع!!!
فرحت والفرحة كانت عظيمة , بل كانت أعظم عندما أخذني بين ذراعيه , وركب سيارته وذهب بي إلى بيت قديم, وأخذني من قبي, أعطاني لرجل فقير معدم كريه الرائحة, وقال له: هذه لك أنت, لا تبيعها, ألبسها أنت من برد الشتاء القارص!!! يا للهول لم أعد ملك للغني سوف أكون لغيره, رحت أتشبث بالغني أناديه أترجاه ألا يتركني مع هذا الفقير, هذا لم يعرف قيمتي بل سيقلل من قيمتي, ولكن لا أحد يسمعني أو يحث بي.
ولكن وجدت الفرحة في أعيون الفقير وبلهفة قال: هذه لي أنا أشكرك!!! أشكرك!! أنت دائما تعطف علي.
لكنني حزين على مصيري الشاق المضني, وأخذني ودخل بيته لزوجته وأولاده, الجميع معدمين تظهر عليهم علامات البؤس والضنك, والحاجة, جميعهم لا يملكون غير هدمتهم والتي تستر أجسادهم البالية.
تغنى لزوجته بفرحته بي, راح يحضنني, ولكن ليس لديه دولاب لحفظي, ليس لديه شماعة تليق بقيمتي, وفجأة وضعني على السرير وقال لزوجته والدموع في عينيه: أنا سوف أبيعه وبقيمته أكسي الأولاد وأطعمهم!!! يا ترى,, هل يبكي فراقي أم يبكي حاله أنا لا أعلم؟!!
أخذت زوجته تتبادل معه البكاء تارة وتارة أخرى تقول له من حقك أن تلبسها, ومن حقك أن تعيش ذي الناس ولو مرة في حياتك, وبعد جدال قرر بيعي, وأخذني بحزن عميق ليبيعني, وكادت الفرحة ترجع إلي ولكن صرخة زوجته وأبنائه كانت أقوى لا تبعه يا بابا ألبسه أنت.. عيش ولو مرة واحدة مثل الناس, مش ممكن تكون مصلحتنا على حساب فرحتك بجلبابك.
لقد استسلمت له وأنا أنتظر مصيري المشئوم, ولكني تعاطفت مع الفقير, لقد أخذني بلهفة وفرحة ووضعني في صندوق خشبي تحت السرير, ومن آن لأخر يفتح الصندوق ليراني ويتحسسني ويغلقه مرة أخرى.
وقال لزوجته: أول مكان أذهب إليه بهذا الجلباب الغالي هو دور العبادة الخاص ببلدتنا, فقالت زوجته فكرة جيدة لكي يكون جلباب مبروك حقاً, أحسست أن هذه الأسرة متمسكة بمبادئ الدين والعبادة, أحسست بالانتماء لهذه الأسرة,, ويمكن أن أكون أحببت صاحبي الجديد الفقير.
فسألت زوجته: من يكون هذا الرجل الذي أعطاك الجلباب؟
فرد: أنه الرجل الطيب الغني الساكن فيه روح الله المعطي بسخاء لكل الفقراء أمثالنا, لقد عملت معه يوما واحداً في رفع التراب من أمام منزله, وقد أعطاني أجرتي بدون مناقشة وقبل أن يجف عرقي كما يقول الكتاب, وقد أعطاني قطعة اللحم والتي أكلناها كلنا منذ أسبوع, هو هذا الرجل.
ولكنه ليس مثل الرجل الثري الأخر والذي أرهقني وكسر ظهري بعبودية مرة وأنا لا أستطيع أن أتوجع خوفا على يوميتي وقوت أولادي, إنه لا يرحم ولا يعطي بل يريد أن يأخذ فقط.
فقالت زوجته: الله يسامحه!! وربنا عوضك بالجلباب الغالي الجميل.
كل هذا سمعته وأنا داخل الصندوق, خجلت جداً من نفسي, كان يجب أن أحبه من أول ما نظرت عريه !كان يجب أن أستر جسده! لماذا أريد أن أكون في بيت غني, فأنا لست الجلباب الأوحد للغني فمعه غيري كثير, أما هذا الفقير فليس لديه غيري أنا والجلباب القديم البالي الذي عليه الآن.
ماذا يعجبني في الأغنياء!!! ربما يستعملونني لمدة يوم, أسبوع, شهر, سنة, ليس أكثر ثم يلقون بي وأنا في عز شبابي, ويا ليتهم يتبرعون بي للفقراء ولكنهم ومن بخلهم يفكون أوصالي ليصنعون مني رداء كلب أو قط مدلل لديهم, أو يصنعون مني خرق لمسح أحذيتهم أو وسادة لنوم الكلاب, أو منشفة لمسح نجاسات لياليهم الحمراء.
قضيت ليلي في هذا التفكير, وفي الصباح الباكر, بكر صاحبي الجديد يتحسسني ورفعني برفق من الصندوق الخشبي فأحسست أني له وحده, وراح يوقظ الآخرين, وغسل يديه ووجهه جيداً وهو يقول لألا أوسخ جلبابي الغالي الجديد, وقد لبسني ونظر لنفسه ليقول أنا من الوجهاء والكل فرح به يقولون له مبروك!!! مبروك.. وفي طريقنا لدور العبادة تقابل مع معارفه والكل ينظر إليه بعجب وراح البعض يسخر منه!! وهم يقولون: هات أكل لأولادك بدل هذا الجلباب!!
لما تلبس جلباب مثل هذا ألبس حذاء جديد نظيف يتناسب معه!!!
مبروك يا فلان.... بس ناقص الساعة لتضعها في الجيب الخاص بها, والكل يسخر والكل يضحك والكل ذاهب لدور العبادة!! حتى رجل الدين قال له بسخرية شديدة:
مبروك يا فلان.... يا ترى حتبطل تشيل تراب وطوب وتشتغل بيه!! وراح يضحك عليه.
والعجيب!! والعجيب أن صاحبي لم يسيء أحد منهم بل كان يرد أشكر الله!!! أشكر فاعل الخير, ولكن الدموع لا تبرح عينه وأنا أكففها بأكمامي.
فقررت أن أعيش معه, أستره وأستر عريه وعورته, أعمل كرداء له في النهار وغطاء لأبنه في الليل.
ويحي لقد أخذني معه في العمل ولكنه ما زال يحترمني, فكان يرتديني في الطريق ولكن في العمل يرتدي الجلباب القديم, ولكن لما تهرأ جلبابه القديم أصبح لا يصلح لشيء أخذت مكانه في رحلة الشقاء والعناء.
فكنت له بمثابة جلباب, وكنت أزيل عليه لأقيه برد الشتاء وأكون على رأسه من حر القيظ, كنت أجفف عرقه, وأكفف دموعه, بل كنت له غطاء لأولاده, ووسادة على كتفه ليرفع علي المقطف وأدوات الشغل.
ولكني تعبت وضاعت معالمي, تشنجت خيوطي ونسيجي تهرأ, إتسخت وعلقت بي كل الأوساخ والقاذورات, نفسي في غسيل الماء والمنظفات تزيل أوساخ خيوطي, هذا الفقير لا يملك حتى مصاريف غسلي وكيي, ليس لديه سوى ثمن الصابون الرخيص الرديء والذي يزيد أعباء على نسيجي.
ولكني على وعدي معه أحبه أتعاون معه ومع أسرته بل أدعو القلوب الرحيمة والأسر القادرة أن تساعدني لنرفع معاناة هذا الفقير وأمثاله من الفقراء, ليكون له بدل الجلباب جلابيب, وبدل فستان لزوجته فساتين وبدل ملبس لأسرته ملابس.
ليتنا نرعى الفقير والمسكين, حتى لا يكون بيننا محتاج ولا في مصرنا فقير.
عدد الفقراء في مصر تجاوز نصف سكان المحروسة
فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضا ودفن (لو 16: 22)



#نشأت_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية في السعودية
- الديموقراطية والتوازن الاجتماعي
- لماذا كُسِرت لوحتي؟
- مولود جديد
- الفأر الملك
- مكتبات نظيفة خاوية من القراء
- الحقيقة المستغيّبة في حادث أرمنت
- حتى الأحلام ليست من حق المصري الشريف
- من أجل عراق أفضل
- الأقباط منسيون أو متناسون
- دواعي غلق كنيسة البياضية
- يوميات ماسح أحذية
- مصر!!ليبرالية مسلمة
- ويدخلون في مغاير الصخور وفي حفائر التراب من أمام هيبة الرب أ ...
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟!!
- إلغاء المادة الثانية من الدستور... مطلب قبطي فقط!
- كنيسة مغلقة
- الذكرى السنوية الأولى لموقعة العديسات
- لماذا تنضب أقلامنا فلا تضبط فكراً؟
- كل طبلة ولها رقصة


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نشأت المصري - جلباب الفقير