أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الامير المجر - العقل الاميركي بعيون عراقية-رهان القوة في مواجهة حلم السلام المستحيل















المزيد.....


العقل الاميركي بعيون عراقية-رهان القوة في مواجهة حلم السلام المستحيل


عبد الامير المجر

الحوار المتمدن-العدد: 1858 - 2007 / 3 / 18 - 05:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اللحظة العراقية الراهنة المحتدمة، والمشحونة بانفعالات شتى متداخلة ما انفك يغذيها تاريخ قريب تحيطه هالة ضبابية كثيفة بلبلت الكثير من الافكار القارة ـ وان لم تلغها تماماً ـ وفي عصر "البشارة" الراسمالية التي اسسها من دون ان يدرك تداعياتها المثيرة اللاحقة آدم سميت.. الاب الروحي لمبدأ "اقتصاد السوق".. وفي زمن التاثيث الكوني لمرحلة ما بعد الانقسامات العالمية الكبيرة اوهكذا تصور البعض وما زالوا عقب الانهيار الدراماتيكي لنموذج العدالة الاجتماعية ودوله "الاشتراكية"… يبدو من الصعب للغاية.. تحديد شكل اللعبة الدولية الراهنة او بشكل ادق تحديد شكل النموذج البديل او الاشارة الى ملامحه ما دام التجاذب الدولي بشأن هذا الامر المصيري محكوماً بقوانين الغلبة والاستحواذ الا انه وبرغم هذا كله تبقى مسالة القيم هي محور الصراع الانساني عبر العصور وبسببها ولاجلها! نزفت الانسانية الكثير ومازالت.. والسياسة الفعل الانساني الخلاق ومصهر صناعة الحياة بكل تبدياتها تمثل بنظرياتها واساليب ادارتها الشغل الشاغل للناس وعلى مستويين.. مستوى النخب التي تقرا جوهر الفعل من خلال استيعاب النظرية ومحاججتها او اغنائها، ومستوى العامة الذين ينفعلون باسقاطات الحدث السياسي وينغمسون فيه وهؤلاء للاسف هم القوة التي تشتغل عليها النخب السياسية وتغير بواسطتها التاريخ!.. وبما ان صراع النخب في اختلافاتها الرؤيوية يستدعي "التحشيد" في غالب الاحيان فان وسائل التاثير التي تنوعت وتعددت، باتت طبقاً لتداعيات الصراع، تتسم بطابع يتناغم في خطابه مع جوانيات البسطاء واحلامهم البريئة لان مسألة اختراقهم والسيطرة على ذبذبتهم لاسيما في ظروف الانعطافات الحادة، قضية رئيسية لكسب الجولة او قل هكذا هو حال العراق اليوم، الذي ترى نخبه الطليعية ان اخطر ما في الاحتلال هو محاولته اعادة تأثيث "العقل العراقي" بما يتناسب مع خطابه ولعل الذي يراقب المشهد الثقافي والاعلامي العراقي سيجد ذلك جلياً وسيجد ايضاً الغياب الواضح للخطاب العقلاني النقدي الذي يقر الاختلاف ويؤمن بالحوار.. وان محاولة "نقد" العقل الامريكي في هذه المرحلة تعد مغامرة علمية جريئة وسعد سلوم الذي نشر العديد من البحوث والمقالات القيمة في مجلة "مسارات" التي يرأس تحريرها يقدم في هذه الخطوة رؤية متقدمة على طريق مشروع طويل وصعب لاسيما وانه يطرح آراءه في وسط ما زال يعاني من آثاره الصدمة والترويع ايضاً!..



لحظة تشارلز بيرس
يرى علماء الغرب كما يذكر الدكتور محمد عبد الله العربي ان الخلق القومي هو ذلك المزاج الخلقي الذي تتميز به امة عن اخرى، ويتلخص هذا العنصر فيما شاهدوه باطراد في بعض الشعوب من توفر خصائص عقلية وسلوكية تمتاز بها بعض الشعوب، خصائص ثابتة على مر الزمن، ويضربون على ذلك بعض الامثال، اذ يقولون ان الفيلسوفين "كانت وهيجل" يمثلان العقلية الالمانية و"ديكارت وفولتير" يمثلان العقلية الفرنسية و"لوك وبيرك" يمثلان العقلية البريطانية و"وليم جيمس وجون ديوي" يمثلان العقلية الاميركية.
ومن هذه الحقيقة يمكننا ان نتوقف عند لحظة تاريخية مهمة تتصل بموضوع بحثنا في هذه السطور يمكن تسميتها بـ"لحظة تشارلز بيرس" الذي نقل المزاج الخلقي للامة، الامريكية الى ساحة النشاط السياسي، او انه منهج هذا النشاط بنظريته التي ستكون مرجعاً فكريا يؤسس لـ"العقل السياسي الاميركي".. ففي اواخر القرن التاسع عشر تقريباً نشر تشارلز بيرس مقالة فكرية في مجلة "العلم الشعبي" الاميركية فاثارت الانتباه لتتحول فيما بعد الى نظرية فلسفية لدولة تكونت سكانيا وتكاملت على امتداد نحو ثلاثة قرون لتغدو نموذجاً مصغراً لسكان الكرة الارضية اسمها الولايات المتحدة الاميركية..
كانت مقالة تشارلز بيرس او نظريته "البراغماتية" رحماً خصباً لكتابات توالدت منها وحاورتها واختلفت معها في التفاصيل اواغنت جوهرها وكرستها لاحقا كمرجع فكري لسياسية "أمة" ستسود العالم بعد اقل من قرن، ونستطيع القول ان تلك المقالة لم تكن شطحة خيال خصب، بل هي نتاج تامل دقيق داخل حراك اجتماعي وسياسي اخذ يتنامى بسرعة بفعل المعطيات العلمية التي افرزت قيما جديدة..
وعلى العموم فان الفلاسفة "البراغماتيين" اللاحقين امثال وليم جيمس وجون هربرت ميد وجون ديوي الذي يعد الابرز بينهم، يلتقون جميعا عند النقاط المشتركة التي تمثل الاساس والمنطلق لتلك الفلسفة، واذا كان الجميع تقريباً يتفق معهم بشأن ان الحقائق نسبية ولا وجود لحقائق مطلقة فان هذا الفهم عندهم يخرج عن الرؤية المشتركة للأشياء عند الاخرين، فالبراغماتيين يرون ان "الحق" لاحق على التجربة وليس سابقاً لها!.. اي ان الحق ليس قيمة عليا وهو طبقاً لذلك ليس قيمة مطلقة، بل يخضع او تتأثر "قيمته" بمقدار المتحصل من التجربة البشرية، ولعل هذا اخطر ما في البراغماتية او ما نراه من تطبيقاتها العملية في السياسة والاقتصاد، اما الفكر فيرون ان الذي يحقق نفعاً منه هو الفكر الصحيح.. قيمة الفكرة في قيمة نتائجها!
وهذا يعني ضمناً نسفا لأسس القيم التي يقوم عليها معنى الوجود برمته والتي تتطلب قدراً من الايثار والتعاون بين البشر والذي هو قبل كل شيء غريزة تسكن اعماق النفس البشرية.. وتستحثها باتجاه ذلك من اجل الشراكة "الفطرية" لحماية وبقاء النوع الانساني على الارض..
النموذج البراغماتي، أذن، يمثل البعد الاخلاقي لثقافة الاقصاء ومبدأ الغلبة، وهي ثقافة تعكس بشكل مزدوج جوانيات اناس "مغتربين" اجتثوا لاسباب مختلفة عن جذورهم الاصلية وجدانيا وثقافياً، وسكنوا ارضا اخرى ظلت فيها الريبة من الاخر، ومحاولة التغلب عليه، او قتله وافنائه، كما حدث مع الهنود الحمر، او مع الوافدين الاخرين من اجناس مختلفة هي الثقافة السائدة قبل الحرب الاهلية وبعدها وحتى اليوم..! وهي في الوقت نفسه اي في بعدها الاخر تؤسس لثوابت علاقة "أمة" عليها ان تفرض وجودها و"قيمها" على العالم لا سيما وان الوازع الديني برغم ضعفه الاكيد في التصدي لاستراتيجيات الدولة في سياساتها المختلفة واقتصاره على البعد الاجتماعي / الروحي فانه بات بسبب كثرة الاجناس متشظياً بين "القبائل" الوافدة داخل حراك اجتماعي يحكمه رأس المال ومراكز القوة المتعددة. هكذا اذن، تاسس "العقل الاميركي" الحديث ومن تلك اللحظة المشحونة بخزين هائل من العواطف والآمال والقسوة والخوف سيحقق الجهد الخلاق للعقل البشري في تلك البقعة "الفسيفسائية" دولة "الحضارة العالمية".. والتي سيقول عنها ولا يعني اميركا بالتحديد، هنتغتون"عندما تنشأ دولة الحضارة العالمية يغشى بصر شعبها ما يطلق عليه تويني "سراب الخلود". ويصبح مقتنعاً بان ما لديه هو الشكل النهائي للمجتمع الانساني"
كلام هنتغتون هذا، نراه مجسداً في كتاب فوكو ياما "نهاية التاريخ والانسان الاخير" الذي عد فيه النموذج "الديمقراطي" الاميركي هو النموذج النهائي الذي ينبغي ان تحتذيه البشرية ولعله تراجع عن افكاره هذه وان لم يكن لصالح رؤية هنتغتون القائلة بـ"صدام الحضارات" التي بشرت بمرحلة تراجيدية ستعيشها البشرية بعد انتهاء الحرب الباردة لان الحضارة الغربية ستصطدم بحضارتين عائدتين هما الاسلامية والكونفوشية او انه مهد نظرياً لهذا الصدام الذي ستتبناه الادارات الاميركية باسم "محاربة الارهاب" وهو ما يحصل اليوم لكن وجه المفارقة في هذه المسألة هو ان السياسة الاميركية ظلت تمسك "نظرياً" بطرفي الرؤيتين "الفوكويامية والهنتغونية" بعد ان جعلتهما عملياً منهجين "متساوقين" مما يعكس حالة الارتباك التناشر بين الشعارات والتطبيق.



لحظة بيرل هاربر الفاصلة

لقد تركت حادثة تدمير قاعدة بيرل هاربر من قبل القوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية اثرا عميقاً في العقيدة العسكرية الاميركية وقبلها السياسية ايضاً، فالرئيس روزفلت حينما تلقى لخبر لم يصدق للوهلة الاولى، وهكذا عمقت هذه الصدمة الاحساس عند القادة الاميركان بان القوة والترهيب هما مفتاح كل مغلق!.. ومن رحم تلك الواقعة التي جرحت كبرياء الجندية الاميركية كان التدريب على "الشيء" في صحراء نيفادا بداية لتفوق عسكري ساحق سيدفع ثمنه العالم و"الشيء" هو الاسم الرمزي للقنبلة الذرية، التي سيلقيها "ترومان" خليفة الرئيس الراحل روزفلت على هيروشيما وناكازاكي والتي مثلت بداية اللحظة الاميركية المعاصرة بكل ما تحمله تناقضات، لقد سقط الحلم الاستعماري الياباني عام 1945 ليقوم على انقاضه حلم استعماري جديد، لكن صاحبه هذه المرة، بات معلماً يجيد التدريس بلغتين واقصد لغة القوة، ولغة الدبلوماسية التي سيمتطي الاميركي لاجلها "الامم المتحدة" التي قامت هي الاخرى على أنقاض "عصبة الامم" وستكون الامم المتحدة، اداة مكملة لاسباب القوة التي امتلكتها الولايات المتحدة بعد الحرب او انها باتت والى حد كبير احد مكاسب الحرب التي حسمتها بالتاكيد "القوة" الاميركية.. فهل بدات رحلة امبراطورية العقل الاميركي تطبيقاتها الفعلية على العالم منذ ذلك التاريخ بعد ان استوقفت مرحلة التاسيس شروطها اللازمة؟..-
لعل المفكر الشاب سعد سلوم، بقدر ما يطرح استنتاجاته فانه يثير اسئلة جديرة بان تكون محوراً لنقاشات مختلفة ليس بالضرورة تدور حول ماهية العقل الاميركي بقدر ما تتعلق بظلال هذا العقل على السياسة والواقع الدوليين وتحديدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مروراً بمرحلة ماكان يعرف بالحرب الباردة ثم مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانفراد اميركا كقوة عظمى وحيدة في العالم…



امبراطورية العقل الاميركي بعيون عراقية!

ينطوي كتاب "امبراطورية العقل الاميركي" على فصول ستة الاول هو "نقد العقل السياسي الاميركي" الذي ينطوي على (12) موضوعا تتصل ببعضها في محاولة موفقة لعرض خارطة العلاقات التي حكمت وتحكم الرؤية السياسية الاميركية والمؤثرات الفكرية فيها او التي صنعتها فـ"صعود القوة العظمى وانحدارها" التي يفتتح بها الفصل، تنطوي على نقد مبكر يتكئ على قراءات متعددة تتحدث عن سقوط الامبراطوريات العظمى بعد ان يرهقها الافراط في التوسع واحتلال اميركا للعراق قد يكون لحظة الانحدار او التدحرج من القمة التي بلغتها اميركا في رحلة مضنية من الصراع العلني والخفي مع قوى المجموعة الدولية ومحاولاتها تكييف الواقع السياسي وفقاً لرؤيتها ومصالحها وهو ما يتطرق اليه الكتاب بالتفصيل في الفصول اللاحقة ولعل ابرز ما يدعو الى التوقف في هذا الفصل بالذات هو "المملكة السرية للفلاسفة" حيث يعرض في هذا الموضوع لمدرسة شتراوس التي تعد المرجع الراهن لسياسة المحافظين الجدد الذين تخرجوا منها، او على يد الاب الروحي "شتراوس ـ1888 ـ1973" ومن بين ابرز تلامذة هذه المدرسة، رامسفيلد وزير الدفاع الحالي وديك تشيني نائب الرئيس وبول وولفوفيتز الذي يعد احد اهم الشخصيات المؤثرة في القرار السياسي الاميركي بل ان البعض يراه مهندس الحرب على العراق وقد اعد رسالة الدكتوراه تحت اشراف شتراوس نفسه وشغل منصب نائب وزير الدفاع خلال الحرب وهو الآن يعمل مديرا للبنك الدولي بعد ان عينه بوش في هذا المنصب عام 2004، اضافة الى ريتشارد بيرل ولويس لبي ووليام كريستول والآن كيس وغيرهم، واذا كان مبدأ "الضربة الوقائية" يعد اختراعاً شتراوسياً، تلقفه تلامذته الذين سيشكلون الادارة الاميركية في مرحلة دقيقة من التاريخ فان هذا الامر لا يتم الا بصناعة عدو وهنا يستحضر سلوم قول كيسنجر الذي يرى ان وجود العدو يعمل على تقليص مظاهر الغموض او التناقض الذي تقع فيه الاستراتيجية عندما تفتقد الهدف الذي ينبغي التعامل معه!.. وبذلك تتضح خلفيات القرارات التي اتخذتها الادارة الاميركية لاسيما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وظهور مبدأ ما يعرف اليوم بـ"الحرب على الارهاب" التي استدعت صناعة وتضخيم العدو الوهمي الذي سيكون "الاسلام" ولو باقنعة مهلهلة بعد ان عده منظرو السياسة الاميركية الحضارة المتصادمة مع الحضارة الغربية "المسيحية" التي سيتسلح بوش الابن بردائها الروحي وهو يواجه "الفاشيين الاسلاميين"!..
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم امام المحلل والمتابع هو هل ان منطلقات العداء للاسلام روحية محضة كما تحاول بعض الجهات ان تدفع باتجاه ذلك ام ان الاتجاه الاميركي المحموم نحو السيطرة على الشرق تعكس جوهرة الفكر البراغماتية التي ترى ان الحق لاحق على التجربة وليس سابقاً لها، وقيمة الفكرة في قيمة نتائجها؟.. والسؤال التالي يغنينا عن الاستفاضة في اجابة تكاد تكون معروفة للجميع، وهو ما الذي علينا ان نفعله كي نقنع الادارة الاميركية بان حربها على العراق واحتلاله وكذلك الهيمنة على ثروات المنطقة هي فعل يندرج ضمن اعمال العدوان والاحتلال، بل هل ان من حقنا القول ان اميركا ليست على حق تماماً؟!
في الحقيقة ان المفكر سلوم يضع امامنا في هذا الفصل الكثير من الحقائق والمعلومات التي تثري موضوعته من دون ان يؤصلها تماماً فبدت كما لو انها من ارهاص اللحظة الاميركية او لحظة الانتشاء المسكر بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، او انها وليدة الفكرة الشتراوسية وامتداداتها العملية داخل مفاصل ادارة صيرتها او صيرت رؤيتها افكاره المبثوثة في عقول تلامذته الامناء.







هوبز وكانط.. وما بينهما

يبدأ المؤلف فصله الثاني بمادة تحت عنوان "الصراع بين هوبز وكانط" في اشارة الى اتجاهين متضادين، اذ ان هوبز يذهب الى ان العلاقات بين الامم والشعوب منتظمة في نوع من العداء المستحكم، وتحتمي كل منها وراء تواريخها الثقافية والجغرافية بينما يرى كانط ان مسار البشرية يتغير، وانها ـ البشرية ـ تتجه بالضرورة من التوحش الى المدينة، ويستفيد سلوم من هذه المقاربة لايضاح طبيعة السلوك السياسي الاميركي حيث يراه ينطلق من مفهوم هوبزي للعلاقات الدولية، وهو ما يكرس "الازمة" الاخلاقية التي تعانيها السياسة، التي تعيش ما يمكن وصفه بالصراع، من اجل التوفيق بين قوانين الاسرة الدولية التي تعكس رؤية "كانط" للعلاقة بين الامم والشعوب وبين انشداد السياسية الاميركية الواضح الى رؤية هوبز، الامر الذي سيربك عمل المنظمة الدولية ومجلس الامن الذي تملك اميركا حق نقض قراراته ثم يشرح بتفصيل وجزالة لنموذج العلاقة بين الولايات المتحدة والامم المتحدة في عرض لابرز المواقف والاحداث التي تجلت فيها الرؤية الاميركية "لقيادة العالم" من خلال الامم المتحدة التي ظلت الادارات الاميركية المتعاقبة تسعى لتوظيفها من اجل مصالحها، او تطلعاتها "الهوبزية" بل ان الامر وصل حد السخرية من المنظمة الدولية التي ستبلغ ذروة عجزها وحيرتها امام الغطرسة الاميركية منذ مطلع عقد التسعينات وصولاً الى احتلال العراق "من دون موافقتها على ذلك" وهو ما لم يصدقه هوبز نفسه لو انه عاش التحولات المدنية الهائلة التي رافقت القرن العشرين برغم دمويته وتناقضاته المرعبة!


جيش عالمي… ام جيش يسوق العالم؟!

في الفصل الثالث من الكتاب، تتجلى رؤية سلوم باتجاه النتيجة الحتمية المؤجلة وهي نتيجة يعكس جانباً من افقها القريب البعيد، ذلك التجاذب "الدولي" بشان امكانية انشاء جيش عالمي يكون بديلاً للجيوش الوطنية ووسيلة "اممية" لحل النزاعات بين الدول، لكن هذه التطلعات الحضارية تصطدم بالتعارضات الفكرية التي رافقت هذا المسعى، الحلم منذ تشكيل عصبته الامم المتحدة مطلع القرن العشرين، او بعد الحرب العالمية الاولى، ولعل الذي اذكى هذه النزاعات، هو التعارض الايديولوجي الحاد الذي برز لاحقاً بظهور المعسكر الاشتراكي الذي خلق مشكلة بنيوية في جسد السياسة الدولية لكن السياسة الاميركية، ستكشف لاحقاً ان تطلعاتها الكونية كانت في الحقيقة تتجاوز مجرد التعارض الايديولوجي، لاسيما ان الفرصة باتت سانحة بعد نهاية الحرب الباردة، ما يؤشر عمق الازمة الدولية وبؤس الواقع العالمي في ظل ارادة الهيمنة الحاكمة للعقل الاميركي ونزوعه نحو الانفراد في قيادة عالم لم يعد طيعاً تماماً وفي الوقت نفسه غير قادر تماماً على الوقوف بوجه سلاح القوة وسلاح المال والتكنولوجيا التي ما زالت تغوي هذا العقل الوسنان، بتلك القوة، والمتجه نحو المزيد من المغامرات غير المحسوبة!



اصلاح الامم المتحدة ام اصلاح السياسة الاميركية؟!

الفصل الرابع يتضمن مسعى اكثر من امين عام للامم المتحدة لاصلاحها وجعلها مواكبة للتطورات السياسية في العالم، اخذين بنظر الاعتبار، ان ميثاقها الذي اقر عام 1945 اي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية جاء متوافقاً الى حد كبير مع رغبات المنتتصرين ووضع زمام الامور بايديهم، الامر الذي جعل العالم وبرغم العقود الطويلة التي مرت مشدوداً للحظة "الانتصار" تلك واسيراً لبرنامجها الذي بات شائخاً، والموضوع نفسه سيكون محور الفصل الخامس من زاوية مختلفة، بيما يكون الفصل السادس امتداداً للفصلين وتوسعاً في المعالجة باتجاه تحديد نقاط التحدي الاميركية ايضاً وايضاً..!



خاتمة الحروب.. مستقبل السلام الصعب!

يختتم سعد سلوم كتابه بمقال تحت عنوان "حروب المستقبل ومستقبل السلاح" يسبقه بقولين، أولهما للجنة كاينجي للسلام وثانيهما للامين العام للامم المتحدة التي توشك ولايته على نهايتها، كوفي عنان.. قولان مفعمان برغبة اكيدة في سلام، يبدو انه صعب، وسلوم الذي يدرك هذا بالتاكيد، يستشهد في معرض مقالته بكتاب هارفوت ويسن "حروب المستقبل" التي يرى انها لن تقع بين جيوش دول ضد جيوش اخرى، بل جيوش ضد عصابات مسلحة وقوات بوليسية ضد ارهابيين وعصابات مسلحة ضد اخرى داخل الاقاليم والمدن،.. هذه "الحقيقة" التي باتت تتضح شيئاً فشيئاً، تعكس عمق المأزق الذي اوصلتنا اياه سياسة الاقصاء والتهميش والتحكم بشؤون العالم من قبل دولة كبرى كما هو الحال اليوم مع "اللحظة الامبراطورية الاميركية" والكلام ما زال لسلوم، فان المشروع الكانطي سيتقوض من اساسه، وسيتهدد مستقبل السلام..
أخيراً، اقول، ان كتاب "امبراطورية العقل الاميركي" من النوع الذي يصعب عرضه لان مقولته غير قابلة للاختزال او التلخيص بسهولة كونه يحشد وبشكل كبير لمعلومات ومواقف لا غنى من الاطلاع عليها لخلق وجهة نظر علمية بعيداً عن الانفعال والاحكام الجاهزة، وهو بمثابة قراءة تأريخية سياسية تؤسس لنظرة موضوعية ومتوازنة لطبيعة السياسة الاميركية واسقاطاتها على الواقع الدولي برغم ان الكتاب وكما نوهنا يفتقر الى اعطاء خلفية وافية عن طبيعة المجتمع الاميركي والتراكم النوعي على المستويات كافة التي رافقت رحلته الفريدة وآليات تشكل اخلاقياته الجديدة او مبرراتها، والقوى المؤثرة فيه "اللوبيات" ودورها في صياغة سياسته، فضلاً على افتقار الكتاب الى الخارطة الاقتصادية "مراكز القوى" وامتداداتها داخل المؤسسة السياسية والعسكرية.
الكتاب اشر حقيقة مهمة ينبغي الانتباه اليها، الا وهي الروح الكفاحية العالية والصبر والانتقائية الذكية للمعلومة التي تخدم موضوع البحث وتسلسله التي تحلى بها المؤلف، وهو يقدم جهداً علمياً جديراً القراء…..



#عبد_الامير_المجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الامير المجر - العقل الاميركي بعيون عراقية-رهان القوة في مواجهة حلم السلام المستحيل