أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - بعد رحيلك















المزيد.....

بعد رحيلك


فاديا سعد

الحوار المتمدن-العدد: 1849 - 2007 / 3 / 9 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


بني
إذا ما وجدت الخط رديئا فذلك فلأن يديَّ ترتجفان تحت وطأة بعثرات روحي المحملة إليك في هذه الرسالة.. عادتي أن أمضي معظم وقتي، وحيدة، في الغرفة الصغيرة.
لكنني اليوم وجدتُني معك، وحدي معك، أبثك شجوني، أو بعضها، لعلي أروض حصان البعاد الذي يكاد يقتلني.. إنه الرحيل يا بني، لماذا الرحيل؟ ولماذا بطريقتك ناقصة الحجة؟
ستقول في سرِّك: وأي حجة ستقنع أمي؟.. معك حق، ولكنني لم أتدخل يوماً بشؤونك، ولم أحمِّلك يوماً ما يفوق طاقتك.. والذاكرة! ما الذي أبقيت لي منها؟
فقط ذلك الركن الصغير من بيت كبير تصفه بالدافئ. لكن يا قرة عيني أمك وحبَّة قلبها، لي أن أعارضك ولمرة واحدة: فتلك المساحة الهائلة باتت باردة، رطبة، بل أكثر قل موجعة إلى آخر الوجع.
قد تتساءل عن سرِّ تغيري! إذ أنني بتُّ أشعر بالتحرر من خوفي القديم "خسارتك".. سأتركك لبعض الوقت. طرق الباب.. إنها الجارة الجديدة. لقد توارد إلى سمعها رغبتي في بيع السرير الكبير ذو اللون المذهب.
إنك تذكره ولابد.. سأبيعه ليس لأنني بحاجة إلى المال، بل لأنه لا داعي لوجوده في الغرفة الصغيرة أساساً. اتفقت معها فوراً أن تنقله غداً، إذ لدي الرغبة بالعودة إليك لمتابعة حديثنا. لكن انتظر قد يكون للأمر وجه آخر! " فيما يخص برودة البيت"؟
فالاحتمال الأكبر هو بيع بعض قطع الأثاث، مثل التلفاز الكبير وأبقيت على التلفاز الصغير ذي اللونين الأبيض والأسود، كذلك الأرائك الثلاث، إذ لا أحد يزورني منذ سنوات سوى أبي عبد الله العجوز.
لقد أصبح الصالون كما وصفته لك… آه هل رأيت؟ صرنا ننظر للأمر بالطريقة نفسها.. لتعتقد أن هذا التشابه في الآراء مصدره عدم وجود آراء مستقلة لدي.
ومع أني لم أفهم يوماً تلك الكلمة، إلا أنني أفعل الآن بعد مقارنة تصرفاتي بأم نور، والتي كنت تعيُّرني بها، عن طريق توبيخ تمرره ناعماً حيناً وقاسياً أحياناً كثيرة، ولكن لا؛ ها أنت تراني أتحدث بما لدي.
لم أعرف يوماً سر إعجابك، ووالدك بتلك المرأة، أو لماذا يعجب الرجال بالنساء الوقحات، اللواتي يناقشن مثل الرجال ويضعن رجلاً فوق أخرى مثلهم تماماً، والطامة الكبرى في تدخينهن للسجائر، وإن ذهبت إلى بيوتهن سترى التراب الناعم تحت الأسِّرة، وفي الزوايا أو فوق الطربيزات.
كم مرة قمت بزيارتها هذه "الأم نور". أقسم أنني رأيت العنكبوت معششاً في زاوية مطبخها، كذلك كانت قدورها مكمدة. وعندما تذوقت بطرف الملعقة طعامها، شعرت بضرورة رميه في القمامة، فالبطاطا صارت تحت يدي هذه السيدة كتلة من العجين.
أنت تتذكر تلك الأطباق اللذيذة التي كنت أقضي وقتي في تحضيرها، قبل أن تهاجمني آلام الروماتيزم. أطباق تعجز عنها ست "الستات".
ما الذي بقي من أمك يا نور عيني! لا شيء صارت مجرد كيس من القنب معبأ بعظام.. فقط عظام! تناوشها الآلام مثل غز الدبابيس..آه.. هنا.. هنا.. في مفصل الركبة، حتى أن جارنا، الذي لا يغفو بسهولة يلومني على أنيني المستمر الذي يسمعه، خاصة في ليالي الشتاء القارسة.
كنت تتهمني بأنني امرأة "نقاقة" لكن من يستطيع تحمل هذا الوخز المتواصل ليلاً نهار، وما زادني بلاءً أن ذاكرتي لم تعد تسعفني لأتناول الدواء المخصص للروماتيزم بسبب تنوعه، واختلاط ألوانه.
في إحدى المرات ابتلعت حبوب على مدار ثلاثة أيام متتالية، لكن آلامي الحادة لم تخف.
صحتي تراجعت، وصارت الدنيا تدوِّم في رأسي، وأمك مرمية مثل كيس قمامة عند قائمة السرير، وبقيت كذلك إلى أن حضر أبو عبد الله. وحين تنبهت إلى وجوده لملمت ثيابي التي انزاحت عن ساقيَّ. آنئذ فقط اكتشفوا أن الدواء، الذي أتناوله كان مخصصاً للضغط الذي أصاب والدك.
ليسامحني ربي دنيا وآخرة، على دعواتي التي طالته حين لعب في عقلك وأخذك معه! هذا الأمر وحده يقتلني، ويشوش ذهني إلى أبعد الحدود، ويجعل من النسيان رفيقاً لا يمكن تجاهله. فمن المتعذر علي أن أعثر على الأشياء، إلا بعد أن أقلب البيت رأساً على عقب، لأصبح بعدئذ امرأة غاضبة، عصبية، ومتألمة. فأجلس في الحديقة أبكي حظي العاثر، وحين يقع بصري على أضواء الزينة التي جعلتها يوماً ما تتسلق العريشة، تعود إليَّ سكينتي.
آه.. نسيت أيضا أن أخبرك، أن صبياً متشرداً قد سرق حقيبة يدي، وهرب. يومها خرجت لشراء نصف كيلو من السلق، ونصف آخر من الجزر كي أطبخ حساء العدس وصفه لي بعض الطيبين من الجيران وأخبروني أنه مفيد لفقر الدم.
كان الوقت باكرا، وكنت أسير متثاقلة.لم أستطع أن أجري خلفه، ولكني صرخت فيه كي يعيد الحقيبة لي، أو يتعقبه أحد ما ويمسك به، إلا أن الشارع كان خالياً من مخلوق سوى أبو عبد الله.
تصور هذا العجوز وهو يركض وراءه، فما أن بدأ بنقل قدمه الثانية عن الأولى، حتى اختفى الولد مثل الشيطان، مع ذلك لم أغضب كثيراً لأن هذا الحرامي لن يحصل إلا على قطعتين نقديتين من فئة العشر ليرات.
ما زادني تعاسة في تلك الحادثة، كان فقداني للنظارة الطبية، إذ أني لم أعد أرى ثقب الإبرة بوضوح، وبقي قميصك مشروخاً من تحت الإبط.
أتذكر؟ لقد حصل هذا عندما كنت أمسك بك، وأتضرع لك كي لا ترحل عني، بينما دفعتني أنت بعنف.. أسأل الله أن يسامحك.
قد يساعدني أبو عبد الله، الذي ينتظر منذ سنوات عودة زوجته، التي هجرته إلى مكان غير معلوم، أو يتصل ابنه الذي أقسم أنه لن يعود بدونها، فالبيت وكذلك السيارة القديمة مسجلان باسمها!!
يا له من أبله هذا العجوز. كان عليه أن يقطع رأسها قبل أن تفعل ذلك، فما نفع المرأة بلا حماية، مع أن والدك جرجرني في المحاكم لسنوات وسنوات، حتى همدت قواي.
كنت أقول في سرِّي: أنه سيعود إلى رشده إذا ما أنجبت له عدداً آخر من الأولاد حسب الناصحين: إن ما يدعو الرجل إلى الالتزام ببيته وزوجته كثرة أولاده، واتخام معدته بطيب الطعام الذي يعمي بصيرته.
مع ذلك لم أستطع الحفاظ عليكما! لو أعرف السبب!
اليوم لم يبق من الأثاث سوى مقعدك الذي أحتفظ به للذكرى، ويجلس عليه أبو عبد الله من حين لآخر، عندما يأتي ليحكي لي عن الأخبار التي وردته من غيَّابه، ولا يكف عن النقيق! وأجلس أنا على الحرام الذي أحببتُه مذ كنت طفلاً، وما أزال أتدثر به أيام البرد.
أعلمك أني لم أغسله منذ سنوات، لأنه يعبق بأنفاسك، التي تبدد غيوم سمائي، ليهّون علي غيابك... حين أفكِّر بأحوالي و أحوال أبي عبد الله أكاد أجن، فما لذي يدفع المرأة للهرب من زوج مثل هذا الرجل. لقد دللها كما لم يفعل والدك قط.
هي التي قالت له يوماً، كما اعترفَ لي:
" لا أرغب بالسيارة ولا البيت، و لا أكياس الخضار والفواكه التي تتحفني بها!"
ما لذي تريده امرأة كهذه؟ أو رجل مثل والدك؟ أو حتى أنت؟!
إن اهتممت يوماً ما بأمر كهذا، وضحه لي!!!
هل أخبرتك عن الآخرين؟ أستطيع أن أخبرك بثقة أن الكثيرين منهم قد تغير أثناء غيابك. هناك أناس طيبون أيضاً، مع ذلك اغْتُصب ابن جارتنا.
تصور كم تغيرت الحال!؟
بكت أمه كثيراً، وقد اتهم أحمد ابن أبو عبد الله، لابد أنك تعرفه؛ فهو عاطل عن العمل، ضعيف البنية، عدواني، عقله مشوش، وثيابه غالباً متسخة.
فمنذ أن صار يتردد عليه ثلة من الشبان، أثناء غياب والده….الله وحده يعلم ما فعلوا بهذا الفتى كي يقوم بفعلة شنيعة مثل هذه.
هذا بعض مما حدث بعد رحيلك.
أمك



#فاديا_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يكون.. اختياراً
- الرمي.. بالاتهامات
- هاتها.. من يد الحكومة السورية


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - بعد رحيلك