أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - هل يصلح الإسلام دستوراً لدولة؟















المزيد.....


هل يصلح الإسلام دستوراً لدولة؟


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7 - 12:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما غزت خيول المسلمين دول الجوار وشمال إفريقية لنشر الدعوة واغتناء الغنائم، تلاشت حدود الأقطار والامبراطوريات وأصبح الشرق الأوسط وشمال إفريقية أمةً واحدةً حكمتها دولة الخلافة بقوانين إسلامية يمكن تلخيصها بأنها كانت قوانين القصاص والحدود لتنظيم معاملات المجتمعات التي كانت في غالبيتها رعوية وقليل منها زراعية. هذه الدولة الحديثة لم تكن بها مدارس وجامعات أو بنوك تجارية أو مصانع. وكانت الغالبية العظمى من معاملات وقضايا الناس تنحصر في البيع والشراء والسرقات والمشاجرات القبلية أو الأسرية التي كانت تؤدي إلى القتل أو الجرح. ومثل هكذا مجتمع يمكن تنظيمه بقوانين الحدود الإسلامية التي تمثلت في حدود القصاص من القاتل وجلد شارب الخمر وجلد أو رجم الزاني والزانية وقطع يد السارق وفض المنازعات بين المزارعين فيما يتعلق بالري أو إيجار الأرض، وجمع الزكاة والخراج، وبالطبع جمع الجزية من أهل الذمة.
وبقيام الدولة الأموية في الشام ثم العباسية في العراق غلبت السياسة على الدين الذي أصبح أداةً من أدوات إخضاع الشعوب عن طريق تخدير حواسهم بفتاوى وعاظ السلاطين. وأصبحت رغبة الخليفة وعماله في الأقاليم هي الدستور والقانون الذي يحكم الدولة. وأصبح القتل الجماعي سائداً في الدولة نتيجة الثورات العديدة والمؤامرات ضد الخلفاء. وإذا أغضب شخصُ ما الخليفة أو عامله، قطع رأسه. ولم تعد المحاكم أو قوانينها الشرعية ذات أهمية إذ كانت كلمة الخليفة هي القانون. وكان بإمكان عامل الخليفة أن يذبح الرجال ذبح الشاة كما فعل خالد القسري مع الجعد بن درهم حين ضحى به يوم عيد النحر بينما ضحى بقية المسلمين بالخراف.
ثم جاءت الخلافة العثمانية وأصبح الخازوق أداتها المفضلة في انتزاع لقمة العيش من أفواه الجياع في هيئة الزكاة التي كانت تُجمع بمنتهى القسوة من المزارعين والرعاة في جميع بقاع الامبراطورية العثمانية التي كانت قد تملكت شرق أوربا وأذاقت أهلها الويلات وأبدلت قوانينهم الكنسية بقوانين عسكرية يصوغها قائد المنطقة التركي وينفذها عسكره.
وبنهاية الدولة العثمانية ودخول المستعمر الغربي البلاد الإسلامية، انتهت الدولة الإسلامية التي لم تطبق الدستور الإسلامي إطلاقاً ولم تطبق الجانب العملي من الآية (وأمرهم شورى بينهم). وظهرت الأقطار الحديثة بحدودها المعروفة وتنفس الناس الصُعداء وحلت القوانين المدنية مكان القوانين القبلية والعسكرية، وعرفت تلك البلاد لأول مرة المدارس والجامعات (باستثناء القاهرة وبغداد) والمستشفيات الحديثة والطرق المعبدة والشرطة والمحاكم والقضاة المدنيين والمحاماة والصحافة التي ساعدت في توعية الجماهير. وتحررت المرأة من قيودها وتعلمت وعملت بالمحاماة والطب وغيرها من المهن.
ومع تطور الوعي الجماهيري وظهور حركات التحرر من ربقة الاستعمار ظهرت نبتة شيطانية في مصر زعم قادتها وزارعوها في الأوطان أنها نواة الصحوة الإسلامية التي سوف تُعيد للإسلام مجده وتُرجع الدول الإسلامية إلى العهد الذهبي الذي لم يكن إلا في مخيلة عُشاق الماضي الإسلاميين Nostalgics. وبدأت التفجيرات في مصر إيذاناً ببدء معركة إعادة الخلافة الإسلامية.
وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل لو تحقق لهؤلاء ما يريدون ورجعت الخلافة الإسلامية، هل يمكن أن يصلح الإسلام دستوراً للأقطار الحديثة التي أصبحت تضم قوميات عديدة ومعتقدات شتى، ولها مصالح مختلفة مع الدول الغربية الأقوى، وقد أصبح كل العالم الآن قرية صغيرة يتأثر فيها المواطن في أصغر قرية في العالم بما يحدث في البلدان الأخرى، بفضل الإنترنت؟
في عالم اليوم القانون هو السيد المطاع الذي لا يعلو عليه أحد. وهذا القانون يعامل الجميع معاملة متساوية، لا فرق بين غني وفقير أو مواطن وزائر أو رئيس الوزراء وعامل النظافة. ولا فرق بين المرأة والرجل. والحاكم في الأقطار الديمقراطية خادم الشعب وليس سيدهم أو أميرهم المطاع. فأين تقف التعاليم الإسلامية من مجتمع كهذا؟
الإسلام، بطبيعته، لا يعترف بالمساواة ومبني على المفاضلة في كل شيء، ابتداءً من القرأن ونهايةً بفقه القياس والاستنباط. فلو بدأنا بالقرآن، نجد أن الله يفاضل بين الأمم والأنبياء والرسل والمومنين وغير المؤمنين والنساء والرجال، وحتى بين الملائكة. فالمعروف أن الرسول هو شخص يثق به المرسل (بكسر السين) ويأتمنه على رسالة ليوصلها إلى شخص بعينه أو أشخاصٍ عديدين. وإذا لم يثق المرسل (بكسر السين) في الرسول فلن يعهد إليه بالرسالة. وكل مهمة الرسول هي إيصال تلك الرسالة. ونظرياً لا يمكن أن يختار الله رسولا لإيصال رسالته إذا لم يكن قد علم أن ذلك الرسول مؤتمن عليها وسوف يوصلها كما أراد الله. فكيف إذاً يُفضل الله رسلاً على رسلٍ؟ هل لأن الرسل المفضلين ينحدرون من عائلات كريمة، أم لأنهم أغنياء؟ فجميعهم موثوق بهم ولا يجوز عقلياً أن يفضل بعضهم على بعض. ولكن القرآن يقول لنا:
- (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض فمنهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) (البقرة 253)
- (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً كلاً فضلنا على العالمين) (الأنعام 86)
- (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) (الإسراء 55).
فما هو سبب أو تبرير هذه المفاضلة؟ ولم تقف المفاضلة عند الرسل والأنبياء، فقد تعدتها إلى الرجال المؤمنين الذين فضلهم الله على المرأة:
- (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) (النساء 34)
- (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) (النساء 32)
- (أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكثر تفضيلا) (الإسراء 21)
والتفضيل لا ينتهي في الحياة الدنيا يل يمتد إلى الآخرة كما قال (وللآخرة أكبر درجات وأكثر تفضيلا). ولأن الجنة بها عدة درجات وقد فضل الله بعض الدرجات على الأخرى، فقد جعل أعلى الدرجات للمجاهدين، فقال:
- (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة) (النساء 95)

ولم يسلم من هذا التفضيل المقعدون وذوو العاهات. فنجد القرآن يضرب الأمثال بذوي العاهات ويسال: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (الأنعام 50، الرعد 16، غافر 58)
ويقول (وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) (النحل 76). ولتوكيد المفاضلة أكثر يقول (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) (الحديد 10).
فما دام القرآن يفاضل بين كل هؤلاء المجموعات، ماذا نتوقع من الفقهاء الذين برعوا في علم القياس؟ حتماً سوف يقيسون على ذلك التفضيل ويفاضلون بين جميع طبقات الشعب، وحتى بين الحيوانات. فقد زعموا أن الله قد فضل ناقة صالح على نوق جميع الأنبياء والرسل. يقول ابن حزم الأندلسي ( ألم تروا أن الله خلق الحيوان فجعل بعضهم أفضل من بعض بلا عمل أصلاً ففضل ناقة صالح عليه السلام على سائر النوق، نعم وعلى نوق الأنبياء الذين هم أفضل من صالح) (الملل والنحل، ج2، ص 64). غريب أن يكون هناك أنبياء أفضل من صالح ولكن ناقة صالح أفضل من نوقهم. لا سبب منطقي غير التفضيل من أجل التفضيل.
وبمجرد أن قامت الدولة الإسلامية بدأ التمييز بين الناس في الدولة الواحدة. فقد فضل الرسول قبيلته قريش على جميع القبائل الأخرى وجعل الخلافة فيهم فقال (يظل هذا الأمر في قريش ولو بقي منهم اثنان). وألّف ابن عساكر كتاب ( فضل قريش والانصار والاشعريين وذم الرافضة) وجعل القرشي أفضل من كل مواطني الإمبراطورية الإسلامية. بل زادوا في ذلك وقالوا إن الجزية لا تؤخذ من الكتابي القرشي. يقول ابن رشد الأندلسي (فإن العلماء مجمعون على أنه يجوز أخذها من أهل الكتاب العجم ومن المجوس كما تقدم، واختلفوا في أخذها ممن لا كتاب له وفيمن هو من أهل الكتاب من العرب بعد اتفاقهم فيما حكى بعضهم أنها لا تؤخذ من قرشي كتابي) (بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص 293).
وقد فضلوا العرب عامة على بقية الأجناس، يقول ابن القيم الجوزية ( وَمِنْ هذا اختيارُه سبحانه ولدَ إسماعيل من أجناس بني آدم، ثم اختار منهم بني كِنانة مِن خُزيمة، ثم اختار مِن ولد كِنانة قُريشاً، ثم اختار مِن قريش بني هاشم، ثم اختار من بني هاشم سَيِّدَ ولدِ آدم محمَّداً صلى الله عليه وسلم) (زاد المعاد، ج1، ص11). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (إن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانييهم وسريانييهم، رومييهم وفرسييهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي (ص) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل ."( اقتضاء الصراط المستقيم، ج1/373).
وبسبب هذا التفضيل عندما عيّن الخليفة هشام بن عبد الملك نصر بن سيار والياً على خراسان، استعمل نصر على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم ، واستعمل على مرو وساج بن بكير بن وساج وعلى هراة الحرث بن عبد الله بن الحشرج ،وعلى نيسابور زياد بن عبد الرحمن القشيري ، وعلى خوارزم أبا حفص بن علي، ختنه (زوج ابنته) ، وعلى الصغد قطن بن قتيبة ، فقال رجل من اليمانية : ما رأيت عصبية مثل هذا ، قال له نصر : بلى التي كانت قبلها. فلم يستعمل أربع سنين إلا مضرياً (الكامل في التاريخ للمبرد، ج4، ص 84).
وقد ولّدت هذه الأفضلية الهاشمية نزعات عنصرية و طائفية في الدولة الإسلامية، فنجد الإمام الذهبي في هجومه على الرافضة يقول (وهم يكذبون على الحجاج وغيره أنه قتل الأشراف ، ولم يقتل الحجاج هاشمياً قط مع ظلمه وغشمه ، فإن عبدالملك نهاه عن ذلك ، وإنما قتل ناساً من أشراف العرب غير بني هاشم ، وقد تزوج هاشمية - وهي بنت عبدالله بن جعفر - فما مكنه بنو أمية من ذلك وفرقوا بينه وبينها وقالوا : ليس الحجاج كفئاً لشريفة هاشمية ) (المنتقى من منهاج الاعتدال للإمام الذهبي، ص 46). فكون الحجاج قتل غير الهاشمين فأمر مقبول للإمام الذهبي، ما دام الهاشميون قد سلموا. وإذا كان الحجاج بن يوسف ليس كفؤاً للهاشمية، فما هو حال العامة؟ وقد قرأنا حديثاً عن القاضي الشرعي السعودي الذي فرق بين رجل وزوجته وأطفاله لأن الرجل من قبيلة تقل شرفاً عن قبيلة الزوجة.
فإذا أخذنا ما سبق في الاعتبار وأردنا أن نأتي بدستور قرآني إسلامي نحكم به قطراً عربياً، وبعيداً عن الشعارات الجوفاء التي يرفعها الأخوان المسلمون مثل (القرآن دستورنا)، فكيف نوافق هذا الدستور الإسلامي مع الدساتير العالمية؟
1- دساتير البلاد الديمقراطية وقوانين الأمم المتحدة تقول (الناس سواسية أمام القانون، بدون أي اعتبار لعرقهم الإثني أو دينهم أو معتقداتهم أو آرائهم السياسية. فهل يمكن أن يكون الدستور الإسلامي بهذه الشفافية والقرآن نفسه ملئ بالمفاضلة كما رأينا؟ يقول الشيخ ابن باز ( وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل ، وأبو لهب ، وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يومنا هذا، إخوانا وأولياء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة، ومن سلك سبيلهم من العرب إلى يومنا هذا.) وماذا عن المواطن الذمي الذي لا تقبل شهادته ضد المسلم بينما تُقبل شهادة المسلم ضد الذمي؟ ماذا عن المرأة التي ترث نصف ما يرث الرجل وشهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد حتى إن كان أعمى وسمع الصوت فقط (قال مالك تُقبل شهادة الأعمى في الطلاق إذا عرف الصوت (قال ابن القاسم) فقلت لمالك فالرجل يسمع جاره من وراء حائط ولا يراه يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف صوته؟ (قال) قال مالك شهادته جائزة وقال ذلك على بن أبى طالب) (المدونة ج6، 4 43). وماذا عن شهادة العبد التي لا تُقبل إطلاقاً؟ ويقول مالك شهادة المرأة لا تُقبل إلا في المال. وحتماً شهادتها لا تُقبل في أي قضية قد يكون العقاب فيها حداً من الحدود الشرعية مثل القتل أو القطع. فهل هذه مساواة أمام القانون؟ وهل الحديث (المسلمون سواسية كأسنان المشط) يعني شيئاً عملياً؟
والقرآن والسنة لا يخفيان تفضيل المسلم على غير المسلم خاصة إذا كان من ساكني دار الحرب. فكيف نوافق هذه المفاضلة مع الدساتير الحديثة؟
2- حرية الاعتقاد:
تنص الدساتير الحديثة وقوانين الأمم المتحدة على حرية الاعتقاد في أي دين أو لا دين على الإطلاق، وحرية ممارسة شعائر الأديان. ولكن في الإسلام ينص القرآن على أن الدين الإسلامي جاء ليظهر على جميع الأديان الأخرى ويلغيها. والرسول قال (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب). ولا تسمح أغلب البلاد الإسلامية بناء الكنائس أو المعابد المسيحية أو اليهودية أو البوذية. والمواطن المسلم الذي يترك الإسلام يُقدم إلى المحاكمة ويُقتل على أساس أنه مرتد. وتمنع الدول الإسلامية التبشير بالأديان الأخرى بينما ترسل المبشرين إلى أوربا وآسيا وأمريكا وإفريقية للتبشير بالإسلام. فهل الآية (لكم دينكم ولي دين) تعني أي شيء عملياً؟ وإذا طبقنا الدستور الإسلامي فسوف يصبح غير المسلم مواطناً من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، لأنه يأتي بعد العبد المسلم.
3- تقول قوانين حقوق الإنسان إن لكل شخص الحق في التعليم الذي يساعده على إيجاد وظيفة يكتسب منها. فهل يكفل الدستور الإسلامي هذا الحق؟ الحديث يقول (أطلبوا العلم ولو في الصين) ولكن أي علم يعنيه الحديث. قد بينت في مقالات سابقة أن العلم المقصود هو علم الشريعة. يقول الأصبهاني ( أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن‏.‏ بيان ذلك أن شرف الصناعة‏:‏ إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما اشرف من موضوع الدباغة الذي هوجلد الميتة‏.‏ وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح‏.‏ وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب إذ ما من واقعة في الكون فإن الأمة مفتقرة إلى الفقه لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات‏. ‏إذ عُرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث‏.‏) (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، النوع السابع والسبعون: معرفة تفسيره وتأويله). والعالم الإسلامي الإن قبل أن يصبح دستوره الإسلام يزيد فيه عدد رجال الدين عن عدد الأطباء والمهندسين. فمن يضمن لنا تعليماً حديثاً يضمن للفرد الحصول على وظيفة تساعده على كسب قوته؟ فلا يمكن للكل أن يشتغل واعظاً بالفضائيات.
4- التجارة في الأطفال: تضمن الدساتير الحديثة للأطفال وضعاً يقترب من المقدس في حمايتهم وحماية مصالحهم وتعليمهم. أما في الإسلام فالصبي الذي يبلغ الثانية عشرة من عمره يُعتبر بالغاً ويُمنع من الاختلاط بالنساء منذ سن الرابعة. والبنت في سن التاسعة تكون امرأة يجوز زواجها. ولذلك تكثر التجارة بالأطفال الآن في اليمن والسعودية ودول الخليج وباكستان والمغرب والسودان. في تقرير عن اليونيسيف للعام المنصرم وصل إلى السعودية من اليمن خمسون ألف طفل يعيش أكثر من سبعين بالمائة منهم في الشوارع (إيلاف، محمد الخامري، 5 مارس 2007). هؤلاء الأطفال يقعون تحت تجارة الرق وهي تجارة يعترف بها الإسلام وأصدر فيها الفقهاء عشرات الكتب التي تنظم بيعها. ورغم توقيع جميع الدول الإسلامية على بروتوكلات الأمم المتحدة التي تمنع التجارة في الأطفال وفي الرق عامة، إلإ أن تجارة الأطفال تمارس في دول الخليخ لاستعمالهم في سباق الهجن، وفي السعودية لاستعمالهم خدماً في البيوت أو لتجارة الجنس. وفي موريتانيا والمغرب كذلك. فمن يحمي هؤلاء الأطفال وخاصةً البنات في سن التاسعة من جشع الملتحين الذين يهمهم اتباع سنة النبي؟
5- حرية التعبير:
تكفل قوانين حقوق الإنسان حرية التعبير للفرد في أي شكل أراد: في الفن والغناء والكتابة والتمثيل والرسم. والدستور الإسلامي يُحرّم رسم الإنسان وكل ماله روح. وعندما وصل الطلبان إلى سدة الحكم في أفغانستان، دخلوا المتحاتف وقطعوا رؤوس كل اللوحات التي كانت تحمل صورة إنسان، ودمروا تماثيل بوذا. والدستور الإسلامي يمنع دراسة أو نشر أي شيء غير إسلامي. فقد منع النبي عمر بن الخطاب من قراءة كتب اليهود. يقول ابن خلدون عن الشريعة الإسلامية (إنها ناسخة لكل ما قبلها من شرائع ومن علوم الملل، والنظر فيها محظور. فقد نهى الشرع عن النظر في الكتب المنزلة غير القرآن قال صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [البقرة: 46] ورأى النبى صلى الله عليه وسلم في يد عمر رضى الله عنه ورقة من التوراة فغضب حتى تبين الغضب في وجهه ؛ ثم قال :"ألم آتكم بها بيضاء نقية ، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعى" ) (تاريخ ابن خلدون، ص 551). ومنع عمر نفسه الناس من تعلم رطانة الأجانب الكفرة. وقتل رجال الدين والخلفاء الفلاسفة وأحرقوا كتبهم. والآن يصادر الجامع الأزهر كل الأعمال السينمائية والمسرحية والكتب التي تتجرأ وتناقش الإسلام، حتى إن لم تهاجمه. وقد صادرت وزارة الإعلام الفلسطينية مؤخراً كتاباً عن التراث الفلسطيني (قول ياطير) بزعم أنه يحتوي على لغة تخل بالآداب العامة. فكيف يبدع المثقفون الإسلاميون في ظل دستور يصادر الأفكار؟
6- الحدود: تكفل القوانين الوضعية للمتهم حق تمثيله بمحام يدافع عنه ويبرر لماذا فعل المتهم ما فعل إن كان فعلاً قد ارتكب الجريمة. ثم تكفل الدولة له التأهيل المناسب في السجن. والدستور الإسلامي لم يعرف مهنة المحاماة. وقضاة المحاكم الشرعية يستمع بعضهم إلى شهادة الجن كما حدث مراراً في السعودية. وتُقطع يد السارق وتقطع الأيدي والأرجل من خلاف وتُرجم المرأة إذا مارست الجنس. والإسلام من المفترض فيه أن يكون دين الرحمة والرأفة. وهل هناك عقاب أكثر سادية من رجم المرأة الزانية؟ وماذا عن سمل العيون بمرود يحمي به في النار كما فعل رسول الله مع الذين سرقوا نياقه؟ وبما أن غالبية الدول الإسلامية يعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر ويطّرون للسرقة للبقاء على قيد الحياة، فسوف تمتلئ المجتمعات الإسلامية بمبتوري الأيدي والأرجل الذين يصبحون عالة على مجتمع لا يتكفل بإعانتهم إذ أن الدستور الإسلامي يخلو من أي ضمان اجتماعي للمواطنين (كل مآوي الأيتام واللقطاء في الدول الإسلامية تعتمد على العون الذاتي)
7- سرقة المال العام: الدستور الإسلامي لا يعاقب سارق المال العام لأن المال غير محرز والسارق لا يحمله فعلياً من الديوان الحكومي إلى منزله إنما يستعمل التحويلات البنكية التي لم يكن فقهاء الإسلام يعرفونها ولذلك لم يسنوا لها عقاب. وسرقة المال العام تزدهر الآن في البلاد التي تحكمها شريعة الإسلام مثل السودان وإيران. وقد صدرت دراسة عالمية حديثة عن الدول الفاشلة واحتلت السودان فيها آخر مرتبة من بين كل دول العالم، وتلتها اليمن. فمن يحمي الشعب المقهور من سُرّاق المال العام في الدولة الإسلامية؟
8- ثم هناك ذوو العاهات الذين ينص القانون في البلاد المتحضرة على عدم التمييز ضدهم في التوظيف والضمان الاجتماعي وفي جميع مرافق الحياة. فهل في الدستور الإسلامي آية أو حديث أو فقه يمنع التمييز ضدهم؟ طبعاً لا يوجد والله نفسه يضرب الأمثال بعاعاتهم ويقول إنهم لا يستوون مع الناس الطبيعيين أي غير ذوي العاهات
9- وماذا عن المثليين الذين تنص القوانين الوضعية على مساواتهم بغيرهم وعدم التمييز ضدهم في التوظيف وغيره. الدستور الإسلامي ينص على قتل هؤلاء إن لم يتوبوا، كأنما الإنسان يختار من تلقاء نفسه أن يصبح مثلياً وبإمكانه أن يتوب عن هذا الذنب.

وهناك موضوع الخلافة الإسلامية التي يحن لها الإسلاميون ويريدون بعثها من قبرها قبل أن يبعث الله الموتى. فأهل الإسلام لا يعترفون بالأقطار والدول، فكل البلاد الإسلامية يجب أن تكون دولة واحدة. يقول الشيخ بن باز (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية). فكيف إذا نختار هذا الخليفة الذي يسيطر على جميع الدول الإسلامية التي لم تتوحد منذ سقوط الخلافة العثمانية؟ وكيف يفرض هذا الخليفة سلطته على الدولة الإسلامية التي تمتد من الصين إلى البلقان ومن الهند إلى جنوب إفريقية؟ وهل تقبل الدول الإسلامية الغنية مثل السعودية والأمارات بإلغاء حدودها ودمجها في دولة إسلامية يغلب عليها الفقر؟ طبعاً لن يحدث هذا فإنما هو من باب الحنين والتمسك بموروث بالي أكل عليه الدهر وشرب ومكانه الطبيعي في متحف التاريخ بدل رفوف وقاعات المحاكم في شكل دستور إسلامي.
إذا كان الأخوان المسلمون جادين فيما ينادون به من أن دستورهم القرآن فعليهم أن يشرحوا لنا بكل وضوح وتفصيل ما ينوون عمله لمعالجة النقاط التي ذكرناها، وما هي إلا غيض من فيض من مشاكل العصر الحديث التي لم تكن معروفة للسلف الصالح ولم يأت لنا المحدثون بحلول لها.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يحمينا من عمر؟
- إنهم يعبدون القرآن
- 4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 3/4
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 2
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 1
- الإسلام وجراب الحاوي
- وثنية الإسلام
- نهرو طنطاوي ولغة القرآن
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ 3-3
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ 2-3
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ - 1
- زغلول النجار والسموم الإسلامية
- الأديان ليست سماوية
- تغيير مهمة الإله
- الإسلام والشبكة العنكبوتية
- هل يحق لرئيس جامعة الأزهر أن يفاخر
- الإسلام هو القاسم المشترك
- أنثى موزعة الحقيقة بين الجاهلية والإسلام 2-2 تعقيباً على عبد ...
- أنثى موزعة الحقيقة بين الجاهلية والإسلام 1 -2


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - هل يصلح الإسلام دستوراً لدولة؟