أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - الأساتذة فيصل عودة ورفقاؤه من أعيان المعلمين عيد المعلم















المزيد.....

الأساتذة فيصل عودة ورفقاؤه من أعيان المعلمين عيد المعلم


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 1843 - 2007 / 3 / 3 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


أنا وكثير من أمثالي مدينون في هذا اليوم للمعلّم ومدينون منذ زمن بعيد له بالذكرى والإمتنان والعرفان
ولكن ماذا نفعل ونحن كلّ يوم كما يقول المثـل (جاك الواوي وجاك الذيب!)
إن أكثر من أربعةً من المعلّمين لهم في قلبي ذكرى وشوق وهم فعلا مثلٌ يُحتذى ..ولكي نحتفل بهم ونحتفي بهم كما أرغب من كل قلبي , ومن خلالهم لكل أولئك الذين يضيئون الظلمة بشعاع لا يكلّ من المعرفة..أود أن لا أطيل الكلام وأن أضرب الأمثلة التالية:
1:الأستاذ فيصل عودة..ذلك الأستاذ الجليل والبسيط والمتواضع الذي علّمنا نحن جيل الخمسينيات في مدرسة ثانويّة الوثبة للبنين بالبصرةوالذي حبّب لنا اللغة العربيّة وقواعدها وأهم من ذلك فتح عيوننا على حبّ الأدب بكل أشكاله ..الشعر .. وشعراء لم نكن نسمع بهم تلك الأيام ..والقصّة والنقد وكل الفنون الأدبية العربيّة والأجنبيّة ..ذلك الأستاذ الحقيقي الذي كان يحمل معه في كل درس كتابا من عيون الأدب ليطلعنا عليه ويقرأ لنا منه شيئا ..ذلك الأستاذ الذي كانت دروس الإنشاء معه أعذ ب الدروس حيث كنّا ننتظر درس الإنشاء بفارغ الصبر.. يوم كان لا يجبرنا أن نكتب في موضوع مفروض علينا بل أن يدوّن كل طالب عنوانا على اللوحة (السبّورة)وبعد أن يصبح عددها عشرة أو يزيد يقول لنا أكتبوا في أي من المواضيع التي تختارون مما على اللوحة ..لقد جعل بعضنا ممن أصبحوا من فحول الشعراء والأدباء فيما بعد يكتبون دراساتٍ وبحوثا أرفع كثيرا مما يكتبه طلاّب الجامعة في الوقت الحاضر ولم نكن في حينه قد اجتزنا الثاني أو الثالث المتوسّط كان قريبا من الطلاّب رصينا وناقدا ومتذوّقا لامعا بأعين من درّسهم , وبذل في تثقيف طلاّبه وتنمية أذواقهم ما لم تبذله وزارات التربية لعقود من الزمن ..ولست أنسى ذلك اليوم القريب الذي لقيته فيه وهو في هندام متواضع في السوق وكان بصرهُ قد بلغ من الضعف ما جعله يقول لي أنه يخشى أن يلقاه طلاّبه ولا يعرفهم فيظنّون أنّه يترفّع عليهم ولهذا طلب منّي أن أوضّح لكل من ألقاه من طلبته هذا الأمر وأن أوضّح لهم أنه يعاني من ضعف البصر فقط ولكنه يتذكّر طلبته جميعا ..ذلك اليوم الذي أسرّني فيه أنه لم يحض بجيل مثل جيلنا وأننا كنا خير من علّمهم ..ولعلّ في ذلك ما يسرّي عن النفوس كثيرا من الإحباط.
2. الأستاذ يحيى عبد سعيد هو أستاذ الرياضيات وقد قام بتدريس التفاضل والتكامل لطلبة العلوم والهندسة بجامعة الموصل و هو منتهى الجد والإلتزام ,محاضرته ساعتها ساعة كاملة إلاّ بضعة أنفاس من سيكارته التي كانت من سيكاير الجمهوريّة..لا يغفل عن حلّ أي سؤال من أسئلة كتاب ثوماس بل حتّى أسئلة مابعد الفصول والتي كانت تسمّى العامّة كان لا يغفل عن أي سؤال ويقدّم تمارين كثيرة للطلبة ويشرح ويجيب عن أي استفسار وبلغته الموصليّة اللطيفة كان يقول :لو غشعتوني بالسوق وعندكم سؤال ..إسألوني ولا تتردّدوا..يقدم محاضرات إضافيّة قبل انتهاء الفصل الدراسي وقبل انتهاء العام وإن حدث وكان الوقت لا يتّسع لذلك أقامها في أيّام العطل أو الجمع بدون مقابل ولو سأله أحد الطلبة عن موضوع أجابه إن كان وحده لم يفهمه أم هناك معه آخرون فإن كان معه آخرون قال ابحثوا عن قاعة فارغة ولا يتردّد عن شرح الموضوع من جديد حتى ولو كان للمرة الثالثة أو الرابعة كان شيئا لا يمكن تصديق إخلاصه ولم يحدث أن رأيت له مثيلا ..وقد أبدع في تدريس مختلف مواد الرياضيات وفروعها..لاحقا كما تابعت..أما في تصحيح دفاتر الإمتحانات فقد كان جاداً جداً فهو يدقق تدقيقا وتمحيصا في إجابات الطالب دون أن يهمل حرفا أو مخططا وتجد دفتر الطالب مليئا بالخطوط والإشارات الحمراء وبالملاحظات والهوامش الكثيرة والتي تكون عادة تقويما لا مثيل له لإجابة الطالب..وعندما يوزّع الدفاتر الإمتحانيّة يلوم المقصّر بلهجة أبويّة قائلا:ليش ؟نحنا ما كنّا درسنا هكذا مواضيع؟ ليش ما جاوبت وحلّيت زين.؟وكان من النادر أن يعترض على الدرجة التي يضعها أحد لأنهم جميعا يشاهدون أخطائهم بأعينهم وعندهم ثقة به وأغلبهم مؤمنون بنزاهته.
وكذلك يمتدح من يجيب بصورة حسنةويثني على إجابته ويشجّعه ويحترمه.
لم يكن ولا أعتقد أنه حصل وظهر لحد الآن مدرّس حريص وجادّ مثله ولعل الله يخلق من أمثاله الكثير لينتفع الناس والطلبة بعلمهم وأخلاقهم والتزامهم بالعمل العلمي والتعليمي..الله يذكرك بالخير يا أستاذ يحيى ( لقد نال لاحقا شهادة الدكتوراه..وأستاذ إنما تعني كامل الأستاذيّة بنظري ونظر العلم , له عند الله أجرُ عظيم إنشاء الله)
3.البروفسور فلاديمير بريزينا ويُكتب اسمه براء لاتينيّة عليها إشارة تشبه الرقم سبعة بالعربي وهي اللغة التشيكيّة.
رجل علم منصرف للعلم يدرّس مادة التحليلات الإنشائيّة والرياضيات العالية وتحليل وتصميم المنشآت متابع لكل تطورات العلم والهندسة مثابر لأقصى الحدود لا يكل ولا يملّ أي سؤال يُطرح عليه يقوم بمعالجته وحلّه لآخر ناتج وأثار دهشتنا مرارا وتكرارا لما يتمتع به من قدرة على ابتكار أساليب متنوعةوجديدة ومختصرة في حل المسائل الإنشائية المعقّدة..له قدرة على إعطاء ناتج العديد من التكاملات المحددة مباشرة ولو على وجه التقريب الدقيق بسرعة و على ظهر قلب ..له في ميادين العمل آنذاك كما عرفنا أكثر من ثلاثمائة مشروع هندسي إنشائي كبير..حتى عندما يناكده بعض الطلبة المشاكسون بعرض أسئلة لا أساس لها من الواقع فإنه لا يتهاون في المسارعة للبدء بالحلّ وبكل التفاصيل والنتائج .لقد كان معتداً بنفسه ولكن دون أن يفقد توازنه ولا تواضعه ولا قدرته على التفاعل مع الطلبة ..لم يكن مع كل قدراته مغرورا كان لا يهزأ بأي سؤال مهما كان بسيطا ورأينا فيه شيئا كالإعجاز الذي أيقظنا من غطرسة بعض المدرسين والدكاترة حديثي التحصيل لما كانوا يتّصفون به من تعجرف وترفّع واستهزاء بأسئلتنا والمعاملة التي كانوا يتعاملون بها مع الطلبة وكأن الله لن يخلق مثلهم أبدا ..أستغفر الله ..ولكننا عرفنا العلم ومنهج العلم وسبيل التفكير العلمي الصحيح عن البروفسور بريزينا فقط دون غيره.
الله يذكرك بالخير يا بروفسور فلاديمير بريزينا.
4.في أحد أيام التعداد العام للسكان دخلنا دارا ولم يكن فيها سوى امرأة مسنّة وضيّفتنا بأحسن ما يمكن وأجلستنا مجلسا طيبا وبدأنا نسألها حسب الإستمارات فقلنا لها ما عملك؟ قالت معلّمة متقاعدة وخدمت بالتعليم أكثر من سبعة ثلاثين عاما ..سألتها إن كانت متزوّجة كما تتطلّب الإستمارات قالت كلاّ وأكملنا كل حقول الأستمارات وقبل أن تودّعنا قالت :كنت أتمنى أن يتوفّاني الله وأنا واقفة على السبّورة وفي الصف فتلك هي الأمنية التي كنت اتمناها وهي التي دعتني للصبر في التعليم رغم تقدم سنّي ولكنني أبكي أسفا لأن الله لم يحقق لي تلك الأمنية..الله يذكر بالخير كل الذين تفانوا في عملهم جميعا.
5.لم يكن ذلك المعلّم الذي أمضى نحو ربع قرن من عمره وهو يعلّم تلاميذ الصف الأول الإبتدائي ليضرب أحداً منهم ولكنه كان بسبب أن الأول الإبتدائي أيّامها هو أول تجربة للصغار حيث لم تكن هناك رياض أطفال تقدم توطئة للمدارس ولهذا تكون مهمته صعبة جدا خصوصا إذا ما علمنا أن التلاميذ يأتون وهم يجهلون كل شيء عن القراءة والكتابة وعن السلوك والنظام واحترام المعلم والمدير وغير ذلك ولكنهم بعد نحو تسعة أشهر ينهون سنتهم الأولى وهو يقرأون ويكتبون أسمائهم ويتهجّون الإعلانات والرقاع وعناوين المحلاّت والكتب وغيره..كانت مهمّة أشبه بالمعجزة ..يدخلون المدرسة لأول مرة وهم يجهلون أبسط قواعد الحساب ولكن بعد مضي المدة البسيطة يصبحون عارفين بأجزاء الدينار والأوزان وربما أشياء أكثر من ذلك كثيرا ..حقا إنه إعجاز وإنجاز للمدارس آنئذ ومفخرة لوزارة المعارف في أيامها ..ولكنه في أول يوم مع ذلك يأتي لهم بعصى صغيرة ويشرح لهم أنها ليست لهم بل للكسالى والمشاكسين وأن اسمها العلويّة وهي أي العلويّة (تشوّر)ولكنه يضعها فوق الخزانة التي تقف إلى جانب المعلم ولن ننزلها إلاّ للكسلان والمشاكس والمشاغب..وكانت كلمة منه, أن هل ننزل العلويّة ؟.. كافية ليسود الصف الهدوءإلى آخر العام .
كان يقسّم الصف إلى أعمدة الأول يسمّيه قطار الورود والثاني للرياحين والثالث للآس والثالث للبصل والرابع للثوم وهكذا يكون موقع الشاطر في الورود والكسلان في البصل أو الثوم ولكنه طبعا يتبدّل الحال كلما أحسن التلميذ في أدائه لينتقل إلى الآس ثم إلى الرياحين وهكذا وبالعكس أيضا.
كان يراقب لمعان مقل الأطفال فإذا وجد أنهم كلّوا أو تعبوا نادى عليهم أن هل هناك من عنده طريفة أو نادرة أو نشيد ليحيـي انتباه الصغار للدرس
كان هذا هو أبي
إلى كل أولئك وكثير من أمثالهم أقول :أنا وكثيرون مثلي مدينون لهم ومشتاقون لأمثالهم ولا أظن أننا ننساهم ولو أن مشاغل الدنيا تأخذنا عن عاطر ذكرياتهم بين الفينة والأخرى بعيدا ولكن أؤكد أن ذكراهم في وجداننا خالدين في ظمائرنا ..وكم اجتررنا الكثير من الأحاديث عنهم خصوصا عندما هبط مستوى التعليم في السنوات الأخيرة وهبط عدد المتفانين في خدمة العلم ..
نعم كاد المعلم أن يكون رسولا..
لقد بلغني أن رسول الله (ص)قال إن خير قدم مشت على الأرض هي قدم المعلّم
صدق رسول الله.


سنان أحمد حقــّي
مهنــــــــد س متقـــــاعد
ومشتغل بالأدب والثقافة



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - الأساتذة فيصل عودة ورفقاؤه من أعيان المعلمين عيد المعلم