أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المحسن - علي بدر وإدوارد سعيد















المزيد.....

علي بدر وإدوارد سعيد


فاطمة المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 1841 - 2007 / 3 / 1 - 12:13
المحور: الادب والفن
    


(مصابيح أورشليم) رواية جديدة مهمة للروائي العراقي علي بدر صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وضع كاتبها استئنافا للعنوان (رواية عن إدوارد سعيد)، وسيرة سعيد المتخيلة لا تهيمن على الرواية قدر ما تتحول الى ذريعة من بين ذرائع الحديث عن مدينة القدس من حيث هي ذات متغيرة ومتغايرة.
الراوي الذي يتبنى طروحات سعيد، في جزء من نصه، يقول انه يحاول تفكيك الرواية التاريخية المتداولة، ليصل الى سردية غير السردية الإسرائيلية عنها. وهكذا يفصح عن نوايا المؤلف في تداخل بين الدورين دور الداعية ودور الفنان. وهو يمضي الى رواية موازية يضعها في المقدمة، وملاحظات يفرغ منها في النهاية على هيئة مدونات رشحت عن بحثه في الوثائق والصور الفوتوغرافية وكتب السياحة، ونصوص الروائيين والشعراء الاسرائيليين ومذكرات المشاهير الذين زاروا المدينة او إستوطنوها.
ينطلق الراوي وليس المؤلف، وفي لحظة تقارب بين الإثنين، من فكرة مفادها أن (( التاريخ سرد متقطع، وهو مختل وغير متسق، وهكذا سأرويه من جديد على خلاف الرواية الإسرائيلية المتسقة والموهومة والخداعة)).
ثم يضع طموحاته أمام القارئ لا على مستوى الخطاب الروائي حسب، بل على مستوى التمثل لنسق من التقنية الجويسية التي يراها إنموذجا يقتدى، حيث بطل رواية "يوليسيس" وهو يستكشف دبلن يتوخى ((قراءة الأحداث التاريخية، والرموز، والثقافات، والحالات بصورة متتالية)).
نحن إذن أمام نص ينظر الى نفسه ويستدير الى حجج الكتابة،متنقلا بين مواقع الوعي بالفعل الروائي والذات المنتجة له، ومطوحا مرات بمهمته الروائية، كي يكشف أسرار صنعته ومصادر بحثه. من هنا بمقدورنا متابعة الجانبين في عمل المؤلف: مدى الحرية والطلاقة التي مكّنت خياله من التنقل في فضاء تنظيم معلوماته وإدراجها في سياق روائي، ومدى القدرة على تفعيل التناص الذي تعتمده الرواية منشّطا لأفكارها ولغتها.
تختلف أقسام الكتاب الثلاثة من حيث الإيقاع والتقنيات، فالأول سرد تمهيدي لدوافع تأليف الرواية، ولعله يمثل الإطلالة الأولى على عوالم الثقافة والمثقفين العراقيين ماقبل مرحلة الإحتلال ومابعدها بقليل، هذه العوالم التي تجنبت الروايات العراقية عموما التطرق اليها على هذا النحو الحيوي والمتفاعل والجريء. عنصر الجذب والاثارة والتماسك في هذا الجزء المؤلف من 73صفحة، يستحق رواية مستقلة، فكواليس الحياة الثقافية العراقية ابان عهد صدام حسين، وتفاعل الجيل الجديد من المثقفين مع الأفكار والمؤثرات الخارجية والأحداث السياسية، يستدعي الكثير من المقاربات. وفي هذا الحيز يتطرق السارد الى تأثير معركة إدوارد سعيد مع كنعان مكية التي تسربت شظاياها الى العراق مثلما تسربت كتب الثاني الممنوعة وبينها كتابه الأشهر (جمهورية الخوف).
النص الثاني الذي يشكل جسد الرواية الأساسي، يدخل على نحو مختلف الى موضوعه، والاختلاف هنا في التقنيات، حين يتحول المكان بطلا، والراوي واصفا وفي احيان ساردا، فالوصف هنا يقوم بوظيفة تفسيرية ورمزية، تحتل موقع الدراما بمكوناتها المعروفة. ولعل مفارقة إختيار الإسم "أورشليم" تساوي المادة الأساسية التي يتشكل منها هذا الفصل، وهي الأدب الاسرائيلي الذي لم تجرؤ على ترجمته سوى بعض المنابر الفلسطينية القليلة. وقدر ما يحاول المؤلف ايجاد مساحات للحرية يتحرك فيها خلف التابوات وأمامها، مستوضحا ومفسرا نواياه ونوايا الخنادق المتنازعة، قدر ما يشتغل على التقنية التي تؤلف جزءا أساسيا من لغة الخطاب التي تتموج بين الحياد والانحياز. الراوي يصف ويوغل في الوصف، لتبدو مساحة المدينة مثل خارطة من الصور منبسطة أمامه يراها بعينية وبعيون سارديها على مرمى الرصد والتشريح. والجمل الأسمية التي تطغى على فقرات الوصف تحدد طبيعة الواصف الذي يتجاوز على الأفعال وحركتها والحبكة ومتعلقاتها، بتعاقب الصور((منازل قديمة، شوارع مغبرة، أزقة رطبة يجلس على أرصفتها باعة الكتب الدينية والتذكارات، أطفال نائمون على أكتاف أمهاتهم عند المخسوم، شحاذون يشبهون التماثيل اليونانية يتململون ببنطلوناتهم الوسخة استعدادا ليوم طويل، أسواق مزدحمة بالناس)) صورة القدس العربية هي ذاتها صورة أورشليم الجديدة :
((باعة، سابلة، سياح، رجال، نساء،شومير يسيرون متفرقين مع عوزياتهم المدهونة وبناطيلهم الكاكية، روائح فاكهة مسحوقة على الارض الإسفلتية، رهبان يمسكون المجامر الفضية ويحرقون حفنات البخور)) التكرار يبدو مثل ايقاع سكوني للنص الذي يحتاج الى قاريء صبور وفطن، فالوصف لايشتغل في الغالب ديكورا تزينيا كما في الرواية الواقعية، بل هو قول روائي يُستشف منه موقف، ولكنه في مواقع أخرى يدرج في باب الصورة المكررة التي يمكن حذفها دون أن يختل السياق. الشخصيات في الرواية شخصيات موصوفة وليست مسرودة حتى وهي متلبسة بأفعالها، ولكن وصف وجودها هو إحالة ذهنية لطبيعة المدينة المتغيرة، ولطبيعة الراوي العليم باسرارها. شخصية إدوارد سعيد وأقواله لاتوحي بوجود موضوعي، قدر ما هو مقولة تترجمها كتبه وأفكاره، فافعاله تتكرر بوجوده الافتراضي ((كان ادوارد سعيد واقفا في ظلام ما.. كان واقفا وهو يفكر بالمنزل القديم المشيد من الحجر)).
المكان هنا شخصية أدبية قدر ماهو صراع هويات متداخلة (مجال جغروثقافي وسياسي وسيوسيولوجي وديمغرافي) حسبما يقول الراوي المتلبس إهاب الباحث، ولكن الوصول الى تلك التشابكات بحمولتها المعرفية التي تصدى لها المؤلف، كانت تخضع الى اعتبارات الموازنة والبحث عن منافذ لقراءة الأزمنة الحقيقية والمتخيلة.
الشخصيات التي يستلها المؤلف من سياق الرواية الاسرائيلية تقف بموازاة الشخصيات العربية المنتزعة من سيرتها الحقيقية : إدوارد سعيد وحبيبته وراشد حسين الشاعر الفلسطيني (من شعراء الارض المحتلة الرواد) وقادة الحروب من الصفين وأبطال المعارك والحكايا: ((كنت اكتب روايتي عن ادوارد سعيد ويائيل وإيستر.. شخصيات خيالية.. شخصيات واقعية تذوب وتتلاشى وتختفي، وهكذا تصبح أورشليم أهم بكثير من صانعيها)). ولأن أورشليم أهم من صانعيها يصبح تاريخها محض خيال يستنسخ نفسه، يوتيبيا حلمت بأرضها كل الأديان السماوية.
أورشليم المدينة الضائعة في الثقافة الدينية، تطل برأسها دائما في الأدب العالمي رمزا لحلم مستحيل،فهي مدينة الوهم حتى عند الذين إستوطنوها، وهذا مفصل الرواية المركزي كمقولة يؤكدها الأدب الاسرائيلي، مثلما تصبح في عين الفلسطيني المبعد عنها قسرا.وهنا تتناسل حكايات المدينة الواقعية والمتخيلة، فسلوك الشخصيات يقدم أجوبة على أسئلة قابلة للتجاوز في دلالاتها، لان هذه الشخصيات في سعيها الى ايجاد توازن لعالمها الداخلي، تختلق المكان الذي تدافع عنه وتنفي حق الأخرين فيه. لعل شخصية البطل العراقي علاء خليل الذي يحتقر الجماعة وأوهامها وفلكلورها، تمثل سعي المثقف الجديد للإنفصال عن هذا النمط المتكرر في كل الازمنة، فهو في بحثه عن حريته الشخصية وفردانيته التي سحقها النظام الشمولي، يتجاوز خطوط التحريم: ((الوطن شيء ملفق من خارطة اعتباطية، وخرقة تسمى علما، واغنية بغيضة تدعى نشيدا وطنيا)) ومقولة صديقه الفلسطيني أيمن مقدسي تنفي مقولته، فهو الذي ولد ببغداد يحلم بالقدس: ((أحلم أن يكون لي وطن أتعذب داخله لا خارجه، هل تحتقر هذه المشاعر، انت تحتقرها لانك لم تجربها)).
أورشليم أو القدس حتى خارج النص هي مكان روائي، ومعجمها ملتبس بالحروب والصراعات ((حرب تخبيء نجومها ثم تعود وتكشفها. سنعيش هكذا في التعاسة.. سنعيش على الحافة.. كل مرة يحملنا الجنرالات بأيديهم الى المحرقة.. نصل الى الحافة لننزلق.. ويأتي من ينقذنا)) صوت إيستر يتحول الى سردية اسرائيلية مضادة لفكرة الوطن، ولكن الراوي يستبدل حكايتها بحكايات اخرى عن الأماكن المتضادة، ففرق بين مدينة التعاسة الفلسطينية، ومدينة الترف اليهودية.لاتكفي المشاعر لتنوب عن واقع الحال، فالاسطورة الاسرائيلية تفترض وراثة أرض بلا بشر، وكي تصبح الإكذوبة حقيقية عليها ان تصدق نفسها أدبيا. وهكذا تلوح أورشليم عصية على الكتابة. في الجزء الأخير من النص الروائي يضع المؤلف أمام القارئ كشفا بحصيلة جهوده البحثية قبل الشروع بكتابة المادة، وقراءة لما تمخضت عنه أفكاره بخصوص الكيفية التي يكتب بها الرواية، إضافة الى تصوره كمجادل في مفاهيم مختلفة بينها مفهوم الهوية. طريقة عرض تلك الجذاذات التي سقطت من أوراق المؤلف الروائي، توحي برواية ظل للرواية الاصلية لاتخالفها من حيث الأفكار والوظائف، بما فيها المهمة غير الروائية التي أوكلها النص لنفسه في خلق سردية مضادة من حيث المنطق للسردية الاسرائيلية، وهذا العرض العلمي المشوق الذي يمتد الى مساحة تتعدى المتداول في الأدبيات العربية، يبقى حذرا حول فكرة الاندماج والانفصال بين المتسلط وضحيته، ولكنه يثبت مايشبه الفكرة المقبولة: ((الهوية تتشكل من خلال المساحة المربكة بين المستعَمر والمستعمِِر. فتبادل الأدوار لايعني أن هناك تقسيما مرتبا للهوية، بل هناك تكرار، وهناك خيال وهمي حيث يكون المرء في موقعين في اللحظة ذاتها)).
تلك الجذاذات والملاحظات والوثائق الملحقة بالرواية الأصلية، هل تشي بعجز الكاتب عن إستيعابها في نصه الأصلي؟ ربما، وربما هي محاولة لوضع الكاتب العليم في مواجهة مباشرة مع قارئه، متخليا عن دور السارد الأصلي الى سارد تعليمي يثبت حقه قبل حق القارئ في تأويل قصته.



#فاطمة_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سميرة المانع وراويتها الجديدة - شوفوني..شوفوني
- محمد مهدي الجواهريآخر الكلاسيكين وحامل لواء البلاغة وحافظ اخ ...
- الرواية العراقية المغتربة رحلة مضادة الى الوطن


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المحسن - علي بدر وإدوارد سعيد