أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - مع الأحداث!! - 7















المزيد.....



مع الأحداث!! - 7


نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 552 - 2003 / 8 / 3 - 06:44
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


مع الأحداث!! (7)

 

د نوري المرادي

 

             

حيث ثقفتموهم!!

              أمريكا وجبروتها الآن على شفى حفرة، إدفعوها إليها يرحمكم الله!!

 

كثيرة هي الأحداث التي جرت على الصعيدين العالمي والعربي. ولربما كانت إحجية خارطة الطريق بين الفلسطينيين والإسرائيليين أقلها مفارقة. فالإعلام العربوأمريكي يطبل لها ليجعلها المرام الأعلى شأنا والأكثر رجوحا في عالم الممكنات الإسرائيلية. بينما هذه الخارطة هي حقيقة أقل شأنا من أي حدث سياسي بما في ذلك سابقاتها: تقرير تنت، مشروع ميشل، مبادرة الأمير سلطان التي تقدمتها جميعا إلى سلة المهملات. ذلك لأن الطرف الأول المعني بخارطة الطريق– إسرائيل، هو حقيقة ليس معنيا بها ولا هي ضمن أولوياته أو ثانوياته. وهذا الطرف – إسرائيل، إنما هو بحاجة إلى فترة إستعادة أنفاس بسبب الأضرار التي لحقت بعسكره وإقتصاده جراء الإنتفاضة والعمليات الإستشهادية التي أرعبته فدفعته لتجربة ما يمكن لإيقافها. ولكنه، وحين تتفتق العقول المرعوبة بحلول تبدو وكأنها مبتغاه، يعود إلى طبعه فيحتال عليها أو على تطبيقاتها لتصبح عالة تثقل من إبتدعها. ولنتذكر الزخم الإعلامي الذي صور مبادر الأمير سلطان كأنها المنقذ من الضلال، ها هو نساها ولا يقول عنها شيئا ولو بالإيهام.

أما الحدث الملحوظ الآخر فهو المسرحية التي تعرض فصولها الآن على ساحة الإعلام الأمريكي. فأمريكا عادت الآن إلى تشديد إتهام السعودية بالإرهاب وتمويله، وبحالة مشابهة تماما إلى ما حدث قبل غزو العراق، وهي الحالة المنسوخة حرفيا عما كان قبل غزو أفغانستان. وقبل غزو العراق تفتقت عقول بعض القيادات السعودية للأسف عن حيلة من نوع طريف. حيث إستجارت من غضب بوش المعلن، بشركات دعاية أمريكية تزركش لها صورتها أمام الرأي العام الأمريكي!! ويا للشطارة من يستجير بأمريكا من أمريكا!

والإعلام الأمريكي الآن يدعي أن الرئيس أخفى 27 ورقة من تقرير المخابرات الأمريكية عن دور السعودية في ضربة أيلول. ويعرض ما بين الحين والحين مشهدا عن الكونجرس الذي يشهد فيه دبلوماسي إسرائيلي (والمثل الشعبي يقول: شاهد الكلب ذيله) ومشهد حوار عن الإرهاب الإسلامي، بينما بالمقابل تغزو شرطة الأمن السعودي شقق مواطنين في بعض المدن فتقتل وتخرب بحجة الإرهاب. وهي مشاهد لو جمعت لعكست أمرا لربما أغرب من الإستعانة بشركة دعاية.

فلا الرأي العام الأمريكي له قول في سياسة بلده التي تدار من قبل لوبي شديد البأس، ولا الحكومة السعودية جاهلة بهذا. ومن هنا فلابد وأن هذه المشاهد تشكل مسرحية سياسية جديدة ستكون مقدمة لفعل ما.

فماهو؟!

الجواب على هذا نجده في مطلع أغنية خليجية هو: (( دار الهوى دار ))

ذلك لأن التمهيد لغزو أفغانستان جرى بمسرحية أمريكوسعودية. والتمهيد لغزو العراق هو الآخر إستبق بمسرحية أمريكوسعودية. والعلة إذن هي غزو، أو آثار غزو.

والمثل الشعبي يقول: (( مو كل مرّة تسلم الجرّة )) وهي قد سلمت غزو العدوان الثلاثيني على العراق وغزو حرب البوسنة والهرسك، وما كان يجب على الأمريكان أن (( ياخذهم الواهس )) فيستسهلوا الغزوات. لكنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم وغطوا عيونهم فغزوا أفغانستان. والنتيجة أن القوى الوطنية الأفغانية تعيد الآن ترتيب نفسها، وتكر على العدو المحتل فتضيق عليه الخناق عملياتيا حيث تكيل له الضربات المتكررة مثلما تعزله عالميا على الأرض الأفغانية فتجعل الدول المشاركة في قوة حفظ(!) السلام تنسحب الواحدة تلو الأخرى. وطالبان، التي كنا قبل أيام نرفق إسمها بكلمة (فلول) هي الآن تحكم علنا بعض الأقاليم، وصارت حرية حركة الكرزاي الأفغاني محدودة فلا يستأمن على نفسه حتى في غرفة نومه.

أي أنه غزو فشل، ودلائل فشله محجوبة فقط على تلك الألباب التي ترى ما تتمناه، لا ما هو موجود على أرض الواقع.

وطرد المحتلين من أفغانستان وشيك لا محالة.

لكن الألباب التي ترى ما تتمناه لا ما هو موجود، لم تعتبر، فخططت لغزو العراق، وبالمنهج ذاته تماما. فغزو أفغانستان، تم برأس حربة عميلة تسمى ظلما المعارضة، وغزو العراق تم أيضا برأس حربة تسمى ظلما بالمعارضة. وغزوا أفغانستان والعرأق أنجزا بالعدد نفسه من الأيام تقريبا. وتسليم كابل كتسليم بغداد، تم بعد كثافة نارية هائلة وضغط من العدو وخيانات في المراتب العليا، ليجري بعده محاولة إعادة ترتيب النفس للكر والفر. وكذلك فبعد أيام من الغزو أعلن عن مقتل ولدي بن لادن وبمثلها بعد غزو العراق أعلن عن مقتل ولدي صدام حسين. ناهيك عن تشابه رباني أفغانستان بأعضاء المعارضة الستة الذين ما أن تم للأمريكان الأمر حتى جردوهم من أسلحتهم.

وعموما فبرنامج غزو العراق إستسخ بالكامل من غزو أفغانستان، بشهادة التقرير الذي صدر عن مؤتمر لندن وذكر إسم أفغانستان بالحرف.

لكن أمورا حدثت عشية غزو العراق، أهمها: سقوط مكوك الفضاء وقتل من فيه، إحترق ناد ليلي لتفوق ضحيته السبعين ما بين محترق ومشوه، وإنفجار خزان نفط في أحد الموانئ الأمريكية. هذه الحوادث حقيقة شملت مجالات تفوق أمريكا الثلاث، الفضاء وفسحة الرخاء والطاقة. ولو صدق أصحاب القرار بتدينهم وإيمانهم بالتوراة، لأعتبرو هذه الحوادث نذير شؤم أو تحذيرا لابد من التفكر عنده. والإستخارة والفأل والأزلام وما شابه، عادة ما تسبق قرارات المتعللين بالإيمان وليس الملحدين.

فإن لم نؤمن نحن العلمانيين بهذه الغيبيات، فما يجري على الساحة العراقية الآن لأمريكا  يدعم أن الله سبحانه حذر أمريكا فلم تستجب. وعندها فهو بريء منها وقد أعذِر من أنذر!

وقد تابعت يوم أمس مقابلة للدكتور حارث الضاري، قال فيها ما مضمونه: (( في الشهرين الأولين اللذين أعقبا الإحتلال كان الناس في حالة صدمة لا يعون ما يجري حولهم. لكنهم سرعانما عادوا إلى روعهم وتراثهم الوطني وها هي المقاومة الوطنية لا تكف عن الهجمات اليومية التي تكبد المحتل الخسائر الجسيمة )) وكنت عشية غزو العراق، وبطلب من زميل عزيز قد سجلت على موقعي (كتابات) و(الحوار المتمدن) شهادة قلت في بعضها: (( قد يؤخذ شعبنا على حين غرة في البدء، لكنه سرعانما يهب ويلقن الغزاة الدرس الذي يستحقون )) والنتائج تثبتها ساحة القتال في العراق.

والمقاومة الوطنية العراقية الآن ليست الرقم الأصعب في المعادلة العراقية وحسب، بل وفي معادلة القطب الواحد العالمية أيضا. وقد خدمتها إضافة إلى أعراف الشعب العراقي الوطنية، قضية جانبية، تجري عليها مقولة ماركس من أن الإمبريالية تولد حفار قبرها.

فمعلوم أن هز العصا أضمن من إستعمالها. فالخوف من ضربة عصا بعبع دائم، بينما ضربها وجع ساعة سيذهب حتما، ليبقى خلفه روح الإنتقام وإحتمالات ردة الفعل، خصوصا إذا كان المضروب قد (تدبّغ) جلده فصار أقوى من العصي ذاتها.

وبغض النظر عن إنقلابي 1963 و1968 الذين تما بإدارة وإرادة أمريكية وراح ضحيتهما الآلاف، فالشعب العراقي ومنذ 1972 يعيش حروبا كانت أمريكا طرفا مباشرا علنيا أو مخفيا فيها. الأولى إبادة النظام للأحزاب والقوى الوطنية وبتدبير من أمريكا. والثانية ما بين الحكومة وجيش الحركة الكردية حيث وقفت أمريكا مع الطرفين، والثالثة مع إيران فآزرت النظام العراقي، والرابعة وحيث صار العراق قوة لا يستهان بها، دبرت له مكيدة الكويت، فكانت سببا في دمار شامل مريع له كدولة وكشعب. ومنذ 1991 وحتى عشية الغزو، لم يمض شهر دون قصف أو هجوم أمريكوبريطاني على الشعب العراقي، إضافة إلى هجوم 1998 الذي راح ضحيته كل ما أعيد بناؤه مما خربه العدوان الثلاثيني وأصلحه العراقيون بإمكانياتهم المحدودة. ناهيك عن الهجوم الكبير على الشعب العراقي عبر الحصار الجائر الذي دام 13 عاما وراح ضحيته أكثر من مليون مواطن أغلبهم من الأطفال.

وبديهة الشعوب لا يمكن خداعها، وبالنتيجة فبديهة ثلاثة أجيال من الشعب العراقي تربت وشبت على حقيقة أن أمريكا تريد إبادة الشعب العراقي إبادة تامة لتزيله من الخارطة فتأخذ هي خيراته وتهدي أرضه إلى الكيان الصهيوني. وقد عبر بوش عن هذه النية حين أهدى إلى شارون قبل أسبوع خريطة بإسم (الطريق) مرسوم عليها بابل والعزير ضمن دولة إسرائيل الكبرى.

وأمريكا وخلال هذه الأجيال الثلاثة، لم تغفل مسلمة ((أن هز العصا خير من إستعمالها )) وحسب، بل لم تنتبه أيضا إلى أن حصارها وحروبها ضد الشعب العراقي دبّغت جلده أولا فجعلته لا يخافها، وثانثا وحيث الحاجة أم الإختراع، جعلته مثلا يخيّط إطارات السيارات عشرين مرة قبل أن يرميها.

وشعب يعتمل فيه حقد ثلاثة أجيال دفين كهذا الذي عند الشعب العراقي على أمريكا، إضافة إلى مراس عركته ثلاثون عاما من الحروب والقهر الدكتاتوري، هكذا شعب من الخطورة كل الخطورة أن تهز العصا بوجهه وأن تستعملها. بدليل ما يحدث الآن للقوات المحتلة على أيد المقاومين الأبطال من ضربات موجعة تنبعث من ذلك الحقد، إلى تكتيك عملياتي غريب، إستبطه هؤلاء المقاومون يجمع ما بين حرب المدن وحرب السهوب المفتوحة وحرب الأشباح وحرب الإستشهاد والقتل بإطلاقة مسدس في الرأس والمقابلة على طريقة الرامبو حيث يواجه إثنان أو ثلاثة مقاومين رتلا كاملا، فيصيبوه ويختفون بثوان، تاركين للناطق الأمريكي حرية التخيل في تصاريحه. هذا التكتيك المخلوط هو حقيقة إختراع عراقي شرقأوسطي فريد. وها هو عدد خسائر العدو في عتاده وأرواحه يزداد بإضطراد حتى بلغ الآن معدلا يوميا يتعدى ما خسرته ألمانيا بحرب الأنصار في الإتحاد السوفييتي. طبعا رغم فارق شساعة مساحة القتال في روسيا عنها في العراق ورغم فارق كثافة الجيوش المتواجدة.

وهنا فالجرة الأمريكية، إذا ما لطفنا الحديث، إنشرخت في العراق ولازالت لم تنكسر بالكامل بعد. وهو وإن كان شرخا وليس كسرا، لكن تأثيراته بدأت تلوح في الأفق عبر الأحداث التالية:

 

1 – عائلة حكام الكويت.

والتي سنذكرها مستقبلا بالمثل: ((على نفسها جنت عائلة الصباح )). فسواءً طردت امريكا من العراق أو تمكنت من إخماد ثورته وإستعمرته، فعائلة الصباح هي الخاسرة في كلا النتيجتين. ففي النتيجة الأولى وحين تطرد أمريكا من العراق فلن يعود يخافها أحد وستتردد الف مرة قبل أن تتورط بتدخل. وعندها لن يعود من شيء يقف بوجه أحرار العراق يحول دون إعادة ضم الكويت. وفي حالة تمكن أمريكا من المقاومة وإحتلال العراق، فدور إمارة الكويت كان أصلا قد إنتهى ولابد من ضمها إلى العراق تسهيلا لإدارة المنطقة، شراءً أو قسرا. والقسر هنا لا يعني أكثر من بيان من الحاكم الأمريكي للعراق، ليهرب حكام الكويت إلى جزيرة الواق واق. ولن توجد أمريكا مضادة لأمريكا الحالية فتتدخل!

وعائلة الصباح ولشعورها بالخطر الداهم بدأت تعيد ترتيب أوراقها. وأول ما إتخذته هو العمل بنصيحة الفضل بن الربيع للأمين التي قال فيها: (( لا خير في أمة يحكمها رأسان )) ما بالك والنسب لا يدعم أحد الجانبين كثيرا. المهم وبناءً على هذه النصيحة أزيح الرأس الثاني، بينما حاز الأول على الإمارة والحكومة. فتجرد ولي العهد من مخالبه ولم يعد سوى خيال مآتة سيحرك من مكانه بسهولة، أو يترك ليهترئ في العراء. لكن هذا الزيح لن يفيد. لأنه أصلا تم ليس بدافع الحزم والمصلحة، وإنما تحت ضرورة أن البحبوحة ولت والموارد شحت إلى الحد الذي لا يسمح بإقتسامه بين عائلتين.

 

2 - الحركة الكردية

وقيادة الحركة الكردية لعبت كما يعلم الجميع الدور القرين لدور عائلة الصباح في التأمر على العراق. ولسنا بصدد العودة إلى الماضي ولا التفصيل الذي صار نافلا من شدة واقعيته. هذه القيادة الكردية – الحليف الأول لأمريكا وبريطانيا، وحين رأت مصداقية مقولة ماوتسي تونج (( أن الإمبريالية نمر من ورق )) كشرت هي عن أنيابها بوجهه.

لم لا! فإذا كان المقاومون العراقيون وهم في السهوب والسهول المكشوفة قد أبكوا الأمريكان على زمانهم، فكيف بالمقاومين الأكراد وهم في جبال تعصمهم القصف والتتبع؟! لذا، وبناءً على القراءة الجديدة للمعطيات التي فرضتها المقاومة العراقية وأظهرت مدى ضعف أمريكا وصورية جبروت جيشها وأنها تبحث الأن عن منقذ من ورطتها، بناءً على هذه القراءة، تنمردت القيادة الكردية على حليفها الأمريكي، فصارت تعلن جهارا ومن بغداد عن طموحها بكركوك وتجعله قرارا خاصا ببرلمانها وليس بالحاكم الأمريكي للعراق.

وأمريكا ما فعلت حتى اللحظة سوى أن سرّبت خبرا عن عمالة بعض القيادات الكردية لصالح النظام. لكنه فعل مثله مثل تسريب خبر عن إتفاق مع تركيا لتدخل كردستان أو ترسل جيشها إلى العراق، هذان الأمران هما زوبعة في منخل. فلا القيادة الكردية تخجل من العمالة، ولا هي تخطت مرحلة الميكافيلية التي تبيح فيها لنفسها حتى قتل بعضها البعض. فقوات الطلباني مثلا أسرت 600 شخصا من قوات البرزاني فأعدمتهم جميعا. ومن هنا فالتهديد بكشف عمالة، مضحوك عليه. والجيش التركي أضعف جيش في المنطقة بشهادة حرب قبرص. حيث غزى قبرص بما لا يقل عن 200 الف جندي، فواجهه مواطنون بأسلحة خفيفة ومع ذلك إستمر القتال ثلاثة شهور، لينتهي بإحتلال النصف التركي لقبرص. النصف الذي يفترض أنه وحده يدافع عن ذاته. والجيش التركي، كجيش إسرائيل، ليس قويا، إلا حين يستفرد، أو في الضربات الخاطفة.

والضربات الخاطفة ولى زمانها، بفعل ما رسمه الشعب الفلسطيني والشعب الأفغاني والشعب العراقي، من معادلة مفادها: (( الحرب كر وفر طويل الأمد ))

المهم إن القيادة الكردية تنمردت على حليفها الأمريكي حين رأت ما فعله المقاومون الوطنيون العراقيون بجيش الإحتلال وكيف أذلوه.

بقي أمر ربما لم تعه القيادة الكردية حتى الآن. وهو أن الثوري الوطني الحق هو ليس المتهز الفرص للإنقلاب على حليفه أية لحظة. وقد جرب هذا الخلق مع القوى الوطنية العراقية التي تحالفت مع الكرد، ولم يأت بغير الضغائن.

الثوري هو الصادق في قضيته العادل في تعامله الأمين على ما إئتمن عليه. ومن هنا، وحيث فشلت القيادة الكردية في الخلق الثوري، فتنمردها على حليفها الأمريكي الآن مشكوك بنتائجه. فمصلحة الشعب الكردي من مصلحة عموم الشعب العراقي، وأن المنطقة الكردية، فسيفساء عرقية وأثنية يشكل الأكراد أنفسهم فيها أقلية. ومن هنا فلا داعي لبلقنة بلد هو أصلا غير مؤهل حتى للبلقنة. المطلوب من القيادة الكردية التكفير عن مظالمها وترفع السلاح لا لأجل جيوبها وكراسيها، وإنما ضمن مصلحة العراق الأعم، وإلا فحكمها تاريخيا سيكون كحكم عائلة الصباح.

 

3 – إيران

التي سمحت لأمريكا بأن تجر إذن وكيلها وربيبها الحكيم فجردت فيلقه من سلاحه، وإيران التي أظهرت (( العين الحمرا )) لقوات الكلبي، لتجعلها تسلم سلاحها خلال دقائق. هذه الإيران التي خافت على نفسها أيام الغزو، تنمردت هي الأخرى على الأمريكان بدلالة تمنعها العلني تقريبا عن أن تزور وكالة الطاقة الدولية منشآتها النووية. وهي ربما، قتلت الصحفية الكندية عمدا، كتحذير أولي، عما ينتظر المتطفلين. قتلتها وهي على بينة بأن الدبلوماسية أو تعويض بسيط سينهي المشكلة فعليا لتبقى دلالاتها ماثلة أمام صاحب القرار الأمريكي. وهي: (( إياك أياك أن تبنل بالماء الإيراني!))

 

4 - وكالة الغوث

وسبحان من قلب الصورة، والغوث هنا ليس للاجئي فلسطين ولا فيتنام ولا العراق. وإنما للجيش الأمريكي. والوكالة هي الأمم المتحدة.

نعم! هذه الهيئة التي ضربت أمريكا بقراراتها عرض الحائط وشلت فعاليتها في الحرب على العراق ولبنان وأفغانستان وغيرها، هذه الوكالة التي صار سكرتيرها أداة بيد الأمريكان فينفذ بلا تردد ما يريدون، هذه الوكالة تتبدل بين ليلة وضحاها لتصبح مستغاثا يستنجدها الجيش الأمريكي في ورطته.

الغريب أن بعض الأصوات العراقية تؤيد نجدة الأمم المتحدة للجيش الأمريكي بما يسمى بالقوات لدولية لحفظ السلام في العراق. كما تسربت إلى الشارع دعاية أن خرابا سيحدث لو غادرت أمريكا العراق.

والدعاية هذه أمريكية أصلا وسبقتها دعاية إسرائيلية في لبنان قبل طردها من جنوب لبنان كانت تتردد على لسان صحفيين قديرين في لبنان ذاته. والدعاية مقصدها أن يستجير الشعب اللبناني بمحتليه فتطول فترة الإحتلال. لكن إسرائيل طردت ولم تمر سوى ثلاثة أيام على طردها من جنوب لبنان حتى نعم هذا الجنوب بسلام إفتقده خلال عشرين عاما.

إن أمريكا ليست أحرص على العراق من العراقيين أنفسهم، ولسيت هي المنتخى للسلام بين بشر. ثم ماذا يتوقع من أمريكا أن تقول؟! هل نتوقعها تعترف بأن مغادرها العراق لصالح شعبه؟! ونحن وطن عريق ونستطيع حكم أنفسنا. لتخرج أمريكا أولا، فإن حدث ما تخوفنا منه، فلكل حادث حديث. لتخرج أمريكا وكفى!

ومن جانب آخر، فالحديث عن قوات دولية، فات زمانه. لأن أمريكا إستحوذت على كل عقود العراق بما فيها بيع نفطه وبمعزل ليس عن الشركات العالمية وإنما عن الشعب العراقي أيضا. ومن هنا فأي جنود، عرب أو غيرهم، يأتون إلى العراق، فدورهم سيكون حماية مصالح الشركات الأمريكية وحسب.

ومن يريد أن يموت دفاعا عن مصالح أمريكا، فليقدم!

لا يجب أن يغيث الأمريكان أحد! وإلا فحادث اليوم مع البولندين تحذير جيد ليسمعه قادة البلدان المخلصون إلى مصالح شعوبهم وليس لأمريكا.

بقيت القوات البريطانية، المتذاكية بحسن الخلق المتشمتة بالأمريكيين، المنابزة لهم بدرايتها بالتعامل مع الشعب العراقي. وهي دراية بلهاء كما ينطبق على شماتتها بيت الشعر: (( وقل للشامتين بنا أفيقوا   سيلقى الشامتون كما ليقنا )) ذلك لأن البريطانيين محتلون، وهم راحلون حتما. أما أن الجبهة الآن معهم تبدو هادئة، فهذه مكرمة. ممّن لا يهم! فهي تسهل للمقاومين الأبطال الإستفراد بالعدو الأشرس، الأمريكان. كما إن هدوء هذه الجبهة، هو حقيقة هدوء ما قبل عاصفة مقتدى.

 

4 – إحتضار العملاء

ودلالته تلك الأصوات المتهسترة الآن بالهجوم العدواني على علماء السنة وعلى مقتدى الصدر وعلى الفضائيات العربية التي تنقل الأحداث من العراق وعلى جريدة القدس العربي ومحررها الأستاذ عطوان وعلى عروبة العراق وإسلامه وكل القوى الوطنية المصطفة مع المقاومة والمعارضة لمجلس الإمعات.

الجميل أن أشد الأصوات هسترة وعداءً لمقتدى الصدر، هي تلك التي كانت تنابز العالمين بمؤلفات الصدر الأول وبمواقف الصدر الثاني والد مقتدى. ووالله لو أن الإمام جعفر الصادق (ع) ذاته عاد إلى الحياة ووقف مع الصدر، وهو حتما سيقف معه، لشتموه أيضا وتبرّأوا منه. فمن باع وطنه كرمة لحضوة من محتل غاز، لا محرم عنده ولا عرف.

المهم أن هسترة هذه العناصر ليس سوى دلالة على الإحتضار حيث مات مشروعها وتبخرت أحلامها وإنتهت تلك الأزاهير التي قبعت مخيلاتها عن تمثيلها للشعب العراقي وحكمها العاجل له. هذا من جانب. ومن جانب آخر فهذه الأصوات هي تلقين مبحوح من أستاذ محتضر هو الآخر – جيش الإحتلال. وحبذا لو يدرك المتهسترون أن الدور الموكل إليهم الآن هو مشاغلة المقاومة والأصوات التي تنقل أخبارها، مثلما كان دورهم سابقا مشاغلة النظام. وحبذا لو يعلمون أن عدوانيتهم لن تنفع في غير أن يموتوا منبوذين بأعين شعبهم العراقي. الشعب الذي قتل يوم أمس رجل منه إبنه لشكه بأنه يتعاون مع الأمريكان. الشعب الذي سيكون الحديث الطيب عنه عبرة للأجيال القادمة. عبرة، مضمونها أن أمريكا سادت العالم وتفردت بسبب حربها الأولى عليه (العدوان الثلاثيني عام 1991) وأنها فقدت قوتها وجبروتها وأصبحت كالثور المنهار الذي تلاقفته السكاكين، بسبب إحتلالها هذا الأخير له.

 

ملخصا، فالرقم الصعب الذي تمثله المقاومة العراقية في المعادلة العالمية، جعل أمريكا على شفى حفرة، سقوط جبروتها فيها أصبح قاب قوسين أو أدنى.

ومن هنا، وحيث يتعلق الغريق بقشة، فأحسن القش هو المجرب سابقا. خصوصا إذا كان

هذا القش من شاكلة بعض أقطاب الحكم في السعودية الذين كانوا الشريك الفاعل في العدوان الثلاثيني وغزو أفغانستان وغزو العراق. وحيث دارت الأيام، وإنقلب الغزو على الغازي، فقد جاء دور بعض أقطاب الحكم في السعودية لإنقاذ ماء وجه شريكهم الأعلى. وها هي الآن تلعب معه مسرحية مكافحة الإرهاب ذاتها على الساحة السعودية اليوم، وغدا على الساحة العراقية، كما ستشاركه همه فيدول الأمر لتجد الأمم المتحدة نفسها عاجلا أم آجلا تبحث موضوع العراق وكأنه شأن عالمي.

وحيث لم تسلم جرة الغزو، فجرّة المسرحيات المرتبطة به لن تسلم هي الأخرى أيضا. والنهر لا يمر في نقطة واحدة مرتين أبدا. والتاريخ إن أعاد نفسه ففي شكلين فقط: مرّة بملهاة، والثانية حتما بمأساة. خصوصا إذا كانت كل أسس المرة التي لهت، مبنية على تقييم خطأ وفهم خطأ وإدعاء باطل ولاشرعية دولية! ناهيك عن أن لكل فعل رد فعل يعاكسه ولكنه أحيانا أقوى منه وأمضى بالنتائج.

 

الآفاق

وأختصرها بتحوير بسيط للمسلمة الماركسية عن ولادة الإمبريالية لحفار قبرها. أحورها أو أضيف إليها بأن: (( العدوانية الأمريكية ولدت حفار قبرها )) وحفار قبر أمريكا هو الأصولية، التي أججتها أمريكا في العالم الحديث ومنه الإسلامي حصرا.

وغالبا ما كانت الأصولية الدينية وبشكلها الخفيف جدا، ممهدا لدخول أمريكا، أو عاملا أوليا، هي أصلا تدفع له. ولنعد إلى مصر ايام بدأت أمريكا تتغلغل فيها ونتذكر مقولات الرئيس المؤمن حفظه الله. وهكذا فعلت أمريكا في باكستان وفي السودان، وفي الجزائر أواخر أيام بن جديد. تدفع للأصولية لتكون بمثابة معادل لعدوها اللدود - اليسار. وقد أججت أمريكا مشاعر الأصولية الإسلامية فكانت حربتها على الحكم والقوات السوفييتية في أفغانستان. والأصولية ذاتها كانت حربة أمريكا في إعادة شاه إيران إلى منصبه. ولا يخفي علينا من علاقة بين بعض الأجنحة العراقية كالمجلس الأعلى والإخوان المسلمون بالمشروع الأمريكي لغزو العراق.

إذن فتأجيج الأصولية واحدة من سمات السياسة الخارجية الأمريكية، لتساعدها في حروبها ودفاعها عن مصالحها.

وتأجج الأصولية، هو ويا للغرابة أحد أهم سماة ردة الفعل على السياسة الخارجية الأمريكية. ولنأخذ مثالا، الشيخ المجاهد أسامة بن لادن!

هذا الشيخ، هو والمجاهدين الدكتور عزام وعمر عبدالرحمن والكثير من أتباعهم ممن أطلق عليهم إسم (الأفغان العرب) وقبله الصحفي نصر الدين النشاشيبي الذي كان أكبر داعية لأمريكا في الخمسينات، بن لادن وبحكم مثله الدينية في محاربة الإلحاد، إلتقت مصالحه كليا مع أمريكا فكان حربتها الأشكم في أفغانستان. لكن ما أن تكشفت لهؤلاء أن ما رسمته أمريكا لهم لا يعدو أن يكونوا كبش فداء حين ينتهي دوره فمغضوب عليه مطلوب لحمه أينما حل. وعندها يبدأ الإنقلاب على أمريكا وأي إنقلاب. إنقلاب كان لابد له وأن يترافق مع تشدد ديني محتوم، نابع من شرعية الجهاد وعدم قيمة حياة كلها مطاردة وسجون. وخلال الأزمات، فكل بحث عن الخلاص لابد ويترافق بإشتداد العرفان الشخصي والجمعي عن علة الوجود وخالقه وما وعد به الأحرار المقاتلين من قيم أخلاقية على الأرض وفي السماء. وإشتداد العرفان، لابد ويصاحب بإشتداد الطقوس والإلتزام بالشعائر خصوصا والمرء سيجاهد بنفسه والله سبحانه خير حام وخير مقرر لمصير هذه النفس. ولذلك، أو ربما لها السبب، نرى الفلسطيني اليساري يقرأ القرآن أو الإنجيل ويتشهد قبل إقدامه على عملية إستشهادية.

والعرفان خير معين للنفس على تجاوز الصعاب خصوصا حين لا تكون هناك خيارت أخرى. كما هي الحال في العراق حيث لم يبق الأمريكان للعراقي، كأخيه الفلسطيني وأخيهما الأفغاني، شيئا غير نفسه، التي إسترخصها الأمريكان ذاتهم فجعلوا الفداء بها في سبيل الجهاد مكرمة عند الله سبحانه وعند البشر.

وسواء صدق منطق الربط بين العرفان والأزمات، أم لا، فالتجارب المعلومة تقول أن أشد المنقلبين على أمريكا هم الأصوليون الذين كانت امريكا قد إستعانت بهم.

ومن هنا، فالأصولية (اللاوطنية كما يحلو لي القول) المتمثلة بالمجلس الأعلى والإخوان، في العراق قد أججتها أمريكا، أو أستغلتها، لمشاغلة النظام العراقي. والأصولية الوطنية الصاعدة السنية المتمثلة بمجلس علماء الإسلام وإمارة الجماعة الإسلامية الكردية، والشيعية المتمثلة بمقتدى الصدر والخالصي والسستاني، هذه الأصولية الوطنية المجاهدة أججتها ردة الفعل على العدوانية الأمركية. مع فارق بسيط جدا، وهو أن الأصولية اللاوطنية بدأت تنحسر كليا، إو تذابلت تحت ضغط الأصولية الوطنية المجاهدة الصادقة في دينها، التي حتما ستكون واحد من أقوى سيوف المقاومة الوطنية العراقية في طرد الإحتلال.

 

 



#نوري_المرادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى متابع،، عن - عدي وقصي
- الأخ الفاضل الإمام مقتدى الصدر
- إقضها، يا مقتدى، فمثلك حاتِم!
- مجلس الإمعات الذي سجد، أغريقيا، لبريمر!
- مع الأحداث!! (4)
- يمرق عباب الدار يجبر خاطِري،، وعل القليل يقول كلمة مرحبا
- فتوى حكيم صهيون الجديدة!
- اللبراليون العراقيون،، الجناح المنبوذ حتى من شهود يهوى!!
- أيها السياسيون،، راجعوا النفس قبل الفوات!
- بدأوا يتفاضحون،، لماذا؟!
- مرافعة أمام قاضي الحدود!!
- أرشيف المقاومة الوطنية العراقية
- رسالة وردودها
- نكبة البرامكة الستة
- ثأر السبي البابلي والمكارثية القادمة!
- مع الطُخا !!
- التذابل
- يا عمال العالم،،، صلّوا على النبي!
- أيها الحوزويون،، حاط العباس أبوفاضل ويّاكم!
- عبدالخالق حسين، يدعوكم!


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - مع الأحداث!! - 7