أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي















المزيد.....

حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 08:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد لا يستسيغ الكثير منا حكم القوة على حساب القليل من الحريات والديمقراطية , بحيث يتصور العديد من أفراد المجتمع بأن مفهوم العدالة والمساواة والحرية هو مفهوم شامل لا حدود له , - أي - أن الحرية والديمقراطية هي انفتاح كامل لا نهاية له ولا حدود , ولا يتأتى إلا حين يحصل فيه الشخص منا على مطلق الحرية في التعامل والتصرف والتحكم في مختلف أرجاء حياته , وذلك دون قيود أو شروط أو قوانين مسبقة تحد من جموح مشاعره أو تصرفاته أو أفعاله , وفي الوجه الآخر لهذا المفهوم يأتي مصطلح الديكتاتورية حيث تعتبر هذه الأخيرة في المصطلح العام حكم المطرقة والعصا , وبمعنى آخر هي الأحكام الشمولية القاسية التي يكون فيها حكم الفرد هو القوة الوحيدة والمسيطرة على كل شيء , بحيث يكون فيها الشعب طاقة مسيرة ومقهورة وتابعة لقوة الفرد المطلق , وعليه فإن ذلك ومن خلال هذا المفهوم القمعي تكون الحريات فيها شبه معدومة أو مسيرة بشكل مسبق.
وفي حقيقة الأمر أن هناك خلطا مستمرا ما بين مفهوم الحرية والتحررية والدكتاتورية القمعية الاستبدادية الشمولية والدكتاتورية المستنيرة الناضجة , ونحن نتعامل هنا مع هذه المفاهيم من باب اللغة السياسية العامة , وليس من باب استساغة هذه المصطلحات كمفاهيم تربينا عليها من ضمن منظومتنا الإسلامية العربية , وسوف نفهم هذا الفرق في المعنى من خلال سياق الحديث , ففي مفهوم الديكتاتورية القمعية وكما سبق واشرنا يكون فيها حكم الفرد حكما شاملا وقمعيا وذلك على حساب العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع , بحيث يسود الظلم والاستبداد وكبح الحقوق المشروعة , وتعطل فيها الطاقات الكامنة بين أفراد المجتمع والأفكار والآراء والإبداعات وغيرها من مظاهر العدالة الاجتماعية والسياسية ـ أو بمفهوم آخر ـ الحقوق العامة لإفراد الشعب , فعلى سبيل مثال الديكتاتوريات القمعية الشمولية يذكرنا التاريخ المعاصر والقديم بالكثيرين منهم , وعلى سبيل المثال استطاع جوزيف ستالين أن يحكم روسيا حكما فرديا مطلقا , أزاح فيه رفاقه إما بالقتل او الاغتيال او النفي او بخلع كل سلطاتهم , حيث كان ( يعلم انه واحد من أقسى الحكام وأشدهم استبدادا في تاريخ البشرية , على أن ذلك لم يقلقه قط , وذلك لاقتناعه انه ينفذ حكم التاريخ , ولم يكن يزعج ضميره شيء رغم أن الملايين قد أهلكت باسمه وبالأوامر التي أصدرها ) وهذا هو المعنى الحقيقي للديكتاتورية الشمولية المطلقة , الديكتاتورية التي لابد أن ترفض وتنبذ ويندد بها الجميع , الديكتاتورية التي لا تحقق ابسط تطلعات الشعوب وحقوقها المشروعة والشرعية.
وليست الديكتاتورية هي الحكم القائم على ضبط الأفعال والأفكار والآراء ضبط يضمن لها الصلاح والإصلاح , ولو كان ذلك على حساب الحرية الفردية المطلقة , فحرية الفرد وكما هو معروف لدى علماء الاجتماع والسياسة تتوقف من حيث تبدأ حرية المجتمع او الآخرين , ولذلك وضعت القوانين والضوابط الشرعية والوضعية لذلك , بحيث لا نستطيع أن نطلق الحريات بشكل كامل وغير محدود , او نترك الحبل على الغارب لأفراد المجتمع , وإلا تحولت تلك الحرية المزعومة إلى تحررية فاسدة ومنحلة , بحيث يسود بين أفراد المجتمع الفوضى وترعى خصب أفكارها المفاسد والترهات المنحلة والباطلة , ـ أي ـ لابد أن يكون بين مفهوم الديكتاتورية والتحررية فاصل آخر وهو الاستنارة , أي الحكم القائم على العدالة والمساواة في حدود الشريعة والقانون والأعراف , بحيث لا إفراط ولا تفريط , بل ضبط وإصلاح وتهذيب ولو كان ذلك ببعض القوة والشدة وعلى حساب بعض حريات الفرد والمجتمع , وقد اتهم الإسلام في كثير من المواطن بمثل هذه الفري والشبهات , وليس ذلك سوى لأنه ضبط الأفعال وتهذيب الأفكار وأصلاح الآراء , قلم يترك للفرد مطلق الحرية لتتعدها إلى درجة التحررية , أو أباح لأفراده التسلق على حقوق الآخرين وحرماتهم , ولذلك فهم من ذلك بأنه دين رجعي يؤمن بكبت الحريات والطاقات بل اتهم بأنه طائفي وإقطاعي ورأسمالي , وغيرها من التهم الجزاف التي انطلقت من أفواه من لم يدركوا الحقائق سوى متأخرة كثيرا.
وقد تنبهت الكثير من الدول إلى ذلك الفرق ما بين مفهوم التحررية والحرية ومفهومي الديموقراطية والديكتاتورية , ولذلك وضعت القوانين والأحكام الضابطة , كقوانين الأحوال الشخصية والمدنية والقوانين الجنائية وقوانين العقوبات وغيرها من القوانين الوضعية , مع الفرق بالطبع في أصل الضوابط التي تتبعها تلك القوانين من حيث اعتبار الشرائع السماوية كالإسلام في الدول العربية والإسلامية منبع تلك القوانين والمسيحية في الغرب مع بعض التحفظات على القوانين الغربية النابعة من المسيحية في بعض الدول الغربية , في حين فصلت الكثير منها في وضع قوانينها وأحكامها ما بين الدين عن الدولة إلا في بعض الأمور التي تحكمت بها المصالح الفردية والأهواء الشخصية , وهذا ما جعل في حياة تلك المجتمعات هوة شاسعة في ضوابطها الاجتماعية و الإصلاحية , مما نتج عن ذلك انزلاق نحو الانحلال والفساد والجموح إلى التحررية و الفوضوية , والغرق في الرذائل والجريمة الاجتماعية والفساد الأخلاقي , وعليه فقد أعادت العديد من تلك الدول الغربية إلى قاعدة الإصلاح والتغيير بعض القوانين العقابية الصارمة والتي نبذتها في يوم من الأيام بحجة كبح الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان.
وحتى القوانين الوضعية الراهنة وفي مختلف أنحاء العالم ودون استثناء لدولة نتصور أنها أعطت لشعوبها مطلق الحرية وأخرى حجمت من تلك الحريات , قد وضعت وضبطت تلك الحقوق والحريات , وبمعنى آخر لا توجد في مختلف أرجاء الأرض دولة ما فتحت لشعوبها الحرية المطلقة وإلا تحولت تلك الحرية إلى تحررية وعمت بعد ذلك الفوضى والغوغائية , ولذلك فان الديموقراطية كلمة مبهمة وغير واضحة للكثيرين , بحيث لا نستطيع أن نحملها المعاني التي تتناسب وأهواءنا وأفكارنا , دون مراعاة لاختلاف تلك الأفكار والعادات بين شعوب وأخرى , وهذا القانون الدولي لحقوق الإنسان يوضح تلك القضية التي أصبحت هذه الأيام الشغل الشاغل لمختلف شعوب الأرض , وقد وضعت لأجل تحقيق ذلك العديد من المنظمات الدولية والوكالات الحقوقية المتابعة لفرض تلك القوانين وتسهيل تلك الحقوق , وقد ( مثل ميثاق الأمم المتحدة نقطة انطلاق جديدة في مجال الاعتراف بالفرد في نطاق القانون الاقتصادي والاجتماعي الدولي , فقد صاغ الميثاق حقوق الإنسان بشكل أكثر تحديدا من ذي قبل , وبما يجعل للفرد أهمية كبرى في مجال العلاقات الدولية والقانون الدولي ) وقد نصت العديد من مواد ميثاق الأمم المتحدة كالمادة ( 13 , 55 , 56 , ) على سبيل المثال على تشجيع العالم على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والإعانة على تحقيقها , وكذلك إمكانية تدخل تلك المنظمة الدولية في الشئون الداخلية للدول للمحافظة على تلك الحقوق والحريات الملزمة لجميع الدول والأنظمة في مختلف دول العالم.
ولكن ذلك الميثاق العالمي لم يترك المجال للمتشبثين بمفهوم الإغراق في التحررية والتدخل في شئون الآخرين تحت مفهوم ومصطلح تصدير الديموقراطية بدون مراعاة لحقوق وسيادة تلك الدول , فعلى سبيل المثال وفي حين تنص المبادئ التي تحكم حرية التعبير في القانون الدولي على الحق في حرية الرأي والتعبير عنه بأي وسيلة إعلامية بحسب المادة ( 19 ) من هذا القانون , حظر في نفس الوقت كل دعاية من اجل الحرب او التحريض على الكراهية او العنف او التمييز او القومية او العنصرية , مع ( مراعاة الحق للدعاية في حال الدفاع عن النفس او لإخراج العدو من الوطن , فهي جائزة بحكم ميثاق الأمم المتحدة الذي حظر الحرب , ولكنه أجاز الحرب الدفاعية ) , ولذلك يجب على كل الدول التي ترغب في تصدير الديموقراطية بمفهومها الخاص , والى دولنا العربية على وجه الخصوص ( أن يبقوا منسجمين مع أنفسهم على صعيد تطبيق المعايير الديموقراطية بعيدا عن المعايير المزدوجة , كما عليهم أن يبقوا حريصين على عدم قبول أي شي على انه ديمقراطي إلا إذا ارتقى إلى المستوى الديموقراطية الذي يقبلون بها لأنفسهم , وهم يحسنون صنعا , إذا قاموا بمعاينة مجتمعاتهم ليتأكدوا من أن ترتيباتهم الداخلية هي ترتيبات ديمقراطية دونما شوائب مثلها مثل الديموقراطية التي يرغبون في تصديرها).
ففاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه للآخرين او يوفره لهم , وهذا هو حال اغلب الدول الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال , والتي طالما نادت بتلك المثل والقيم الزائفة , ولمعتها للكثير من شعوب المنطقة , بل سعت إلى تطبيقها بالقوة والتغييرالعسكري والسياسي, والتزوير في الانتخابات والانقلابات المتكررة , وغيرها الكثير من الوسائل الغير شرعية لتطبيق ما يطلقون عليه الديموقراطية الاميركية في الشرق الأوسط والعالم , والتاريخ والواقع الراهن يثبت ذلك , منتهكتا بذلك ابسط الحقوق والديمقراطيات التي تنادي بها وهي سيادة الدول على شعوبها وممتلكاتها وثرواتها , والدليل واضح في ما وصلت إليه المجتمعات الاميركية من الفساد والانحلال الأخلاقي الذي يحاولون تغطيته عنا , بحيث لم نشاهد حال المنطقة بوجود تلك الديمقراطيات إلى الأفضل , بل على العكس والنقيض من ذلك , ولذلك فنحن مطالبون شعوبا وحكومات عربية وإسلامية إلى التنبه إلى خطر الغزو الفكري الخارجي الإعلامي علينا في هذا السياق , والنظر في حال العديد من الدول في مختلف أرجاء العالم والتي تحولت حياتها وحال أبناءها إلى كارثة بشرية وإنسانية , انتهكت فيها الحقوق وعمت فيها الفوضى والقتل والإرهاب والدمار, بحيث لم تجد في مضمون تلك الديمقراطيات الغربية بعيدا عن الإسلام سوى الفشل والفساد , وهي بذلك كالمستعين على الرمضاء بالنار.
وختاما لابد أن نشير وننبه مجتمعاتنا العربية , بمختلف فئاتها , من زعامات ومفكرين ومثقفين وعامة , إلى أن اغلب النزاعات الحاصلة في العالم مصدرها النزعة إلى التحرر, والذي هو الآخر نتاج طبيعي لكراهية تلك الشعوب إلى الظلم والاستبداد والديكتاتورية القمعية , والتي لا تراعي تطلعات شعوبها وحقوقهم الإنسانية , وتخلط ما بين بداية الحق ونهايته , وتنتكس فيها هيبة القانون وتصير شخصية الحاكم عقيمة من جراء الاعتداءات التحررية , وبذلك تساعد المتربصين بها على اختراق أصحاب النفوس الضعيفة لإفسادهم , وتخريب أفكارهم , والحق ما شهدت به الأعداء , وهو على وجه التحديد ما فعلة اليهود بروسيا حين دمروا الحكم القيصري مستغلين مفاسده في إثارة الجماهير , ولذلك لابد أن نحتاط إلى تلك المفاهيم الدخيلة , حتى لا نقع في الفخ الذي يحاول أعداءنا أن ينصبونه ألينا , كما لابد أن نتوحد جميعا ونتكاتف من اجل خير هذه الأمة المسلمة ووطننا العربي العظيم , وان نمد يدنا إلى بعضنا بالحب والتفاهم والتراحم بعيدا عن الطائفية والمصالح الفردية , ولنكن جميعا اليد التي تبني أوطاننا وليس اليد التي تهدم وتدمر , وبذلك فقط سيسود الأمان والسلام والاستقرار في هذا الجزء من العالم.



#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلام الإسرائيلي الدامي في الشرق الأوسط
- السياسة الدولية ومبدأ التدخل الإنساني
- فصول الخوف
- الفوضوية ... استثنائية جديدة في متناقضات السياسة الدولية
- الإرهاب من النظرية السياسية إلى العلاج الأمني


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي