أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - حرب الأفيون الأمريكية















المزيد.....

حرب الأفيون الأمريكية


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



منذ الإحتلال الأمريكي لأفغانستان 2001، وتشتت حركة طالبان، إزدهرت زراعة الأفيون بدرجة غير مسبوقة هناك. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة فقد زرعت أفغانستان العام الماضي من الأفيون ما يكفي لعمل 450 طنا من الهيروين وهو ما يعادل 90% من واردات العالم. وفي ضوء وطأة الفقر الغالب على أكثر من 87% من أبناء الشعب الأفغاني، يتجه المزيد والمزيد من الفلاحين الفقراء لزراعة أراضيهم بالأفيون، ليقعوا بين مطرقة الإحتلال الغاشم من ناحية، وبين سندان الفساد الواسع الإنتشار في أفغانستان من ناحية أخرى. وبينما استطاعت حركة طالبان الأصولية الإسلامية الحد بدرجة كبيرة من زراعة الأفيون في أفغانستان، عادت هذه الزراعة لتزدهر مرة أخرى بدرجة غير مسبوقة، بحيث أصبحت افغانستان أكبر مُورد للهيروين الخام البالغ النقاوة في العالم، وذلك تحت مظلة الوجود الأمريكي، وقوات حلف الناتو.

ويرى أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لشئون مكافحة المخدرات والجريمة، أن العام 2006 قد سجل رقماً قياسيا في إنتاج الأفيون في أفغانستان بلغ 6100 طن من الأفيون، ومن المتوقع أن تتجاوز عائداته غير المشروعة الثلاثة آلاف مليون دولار أميركي، وهو ما يعادل تقريباً نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان. ويؤكد كوستا على أن أموال الأفيون يُعاد إستخدامها مرة أخرى في تمويل معامل تخليق الهيروين العالي النقاوة، والذي يجد طريقه مرة أخرى إما إلى المدمنين الأفغان الذين يزداد أعدادهم يوماً بعد آخر، وإما إلى دول الإتحاد السوفيتي السابقة مثل طاجيكستان، وأوزباكستان، وتركمنستان، إضافة إلى روسيا، حيث ينطلق مرةً أخرى إلى الدول الأوروبية المختلفة.

لقد أسهمت زراعة الأفيون الهائلة في أفعانستان إلى خلق تفاوت طبقي حاد، بين نسبة قليلة جداً تستفيد من تجارة الهيروين، وبين الأغلبية التي تعيش في فقر مدقع، رهينة الخضوع لهيمنة العصابات الإجرامية، ومافيا المخدرات المحليين والعالميين. ويرتبط بزراعة الأفيون حالة إفساد ضخمة لكبار المسئولين، حتى إن كوستا، في تقريره السابق، يشير إلى أن زراعة المخدرات تتم بعلم الأجهزة الأمنية المختلفة، وتشارك بعض سيارات الشرطة والجيش في نقل الهيروين عبر أفغانستان إلى مناطق ترويجه وتهريبه. وهو ما يكشف عن الدور الكبير الذي تلعبه السلطات الرسمية في تجاهل هذا النوع من الزراعات الواسعة النطاق، والتي تزداد يوماً بعد يوم.

ولا تتوقف خطورة هذا التوسع الضخم في زراعة الأفيون على خلق حالة من الدمار الهائل لدولة تدعي الولايات المتحدة وحلف الناتو أنهما أخرجتاها من ظلام العصور الوسطى، وانتهاك حقوق الإنسان بما فيها انتهاك حقوق المرأة إلى نور الحضارة والرقي والتمدن، لكنه يتعدي ذلك إلى خلق مستويات عالية من الإدمان بين المواطنين الأفغان الفقراء، وبين الكثير من الدول المجاورة الأخرى. فمنذ سقوط طالبان، ومع الإنتشار الهائل للهيروين في أفغانستان ورخص سعره، زاد عدد المدنين، وزادت نسبة الأفغان الذين يقبلون على تعاطي الهيروين. كما أنه في ظل إنعدام الخدمات الصحية في حدودها الدنيا، تزداد نسب الإصابة بالإيدز جراء ازدياد نسبة تعاطي الهيروين بين الأفغان في ظل توافره بأشكال غير مسبوقة.

وفي ظل الوجود الكثيف للقوات الأمريكية والبريطانية وقوات حلف الناتو في أفغانستان، رغم الدعوات المتواصلة بضرورة زيادة أعداد هذه القوات، فإن هذه القوات تتحمل المسئولية الكاملة حول انتشار زراعة الافيون، وازدياد كميات الهيروين المُخلق في أفغانستان. فالمُحتل يتحمل كل ما يحدث في دائرة المناطق التي تقع ضمن سلطاته، وضمن هيمنته. وهنا يبقى السؤال الخاص عن دور الولايات المتحدة الأمريكية، على وجه الخصوص، في انتشار زراعة الأفيون مشروعاً بدرجة كبيرة، إلى الحد الذي يمكن معه أن نتصور بأنها تستفيد من هذه الزراعة، وهذا الإنتشار في تمويل حملتها غير الواضحة المعالم السياسية للقضاء على الإرهاب.

ويحقق انتشار زراعة الأفيون في أفغانستان فوائد ومصالح عديدة للولايات المتحدة الأمريكية، منها الإنتقام من الأفغانيين أنفسهم، الذين رضخوا لحكم طالبان فترة من الوقت، وساهموا في تدعيمها، وتقديم التسهيلات لها، والتعويض عن خسائر الأمريكيين في سبتمبر 2001، التي لم يستطيعوا أن يعوضوها من خلال حملتهم العسكرية المباشرة على أفغانستان. كما أنه من غير المستبعد، أن تكون الولايات المتحدة شريكاً مباشراً في أرباح هذه الزراعة، وذلك عبر المكاسب التي يحققها التجار المستفيدين من هذه الوضعية، بما يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالوجود في المنطقة، بزعم الحاجة إليها في أفغانستان، وبتمويل حملتها على الإرهاب. فالولايات المتحدة الأمريكية لن تدفع سنتاً واحداً من أجل عيون الديمقراطية وحقوق الإنسان، في مناطق تعلم مدى الكراهية الدفينة لها فيها. من ناحية أخرى، يتدفق الكثير من الهيروين المنتج أفغانياً إلى العراق، حيث العديد من المنافذ التي تنقله إلى العالم العربي، ومن بينها دول الخليج العربي، بما يؤثر على وضعية هذه الدول، والتأثير عليها، وعلى الأجيال القادمة.

ولا يتعلق هذا السيناريو بأية نظريات تآمرية، فلا يخفي عن الأنظار هنا، الدور الكبير الذي يلعبه الهيروين الأفغاني المتدفق على روسيا من انتشار واسع المدي للإدمان بين الروس، مع ما لذلك من تأثيرات بالغة الخطورة على ضعف روسيا، واستمرار تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية. كما أن أوروبا نفسها قد عانت من هذا التدفق، وهو الأمر الذي يفسر بدرجة كبيرة سر اهتمام الإتحاد الأوروبي بوضعية المخدرات في أفغانستان، ويفسر سر زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية لأفغانستان، وتأكيدها على ضرورة اجتثاث زراعة الأفيون فيها.

على ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد يكفيها تلك الحرب العسكرية المباشرة ضد المنطقة، لكنها تستخدم أية آلية تستطيع من خلالها أن تحقق أية نجاحات تقنع بها المواطن الأمريكي، حتى ولو كانت استخدام سلاح المخدرات، ونشره بين شعوب المنطقة. وهو ما يؤكد على ضرورة اليقظة والحرص تجاه هذه الحرب الجديدة غير المعلنة. فما يحدث في أفغانستان، وفي العرق، وربما لبنان، لا يرتبط فقط بخلق مناطق توتر وفوضي جديدة، لكنه أيضاً يرتبط بخلق مجالات جديدة لعمل العصابات وتفشي الإجرام والفساد المحلي، المدعوم بالقوى الدولية الرسمية والعصابات الإرهابية. وهو الأمر الذي يسهل من انتشار المخدرات في أشد أشكالها تدميراً وهلاكاً مثل الهيروين، وهو ما يسهل في النهاية السيطرة على شعوب المنطقة، واستعبادها إلى الأبد.

يطرح برنامج الأمم المتحدة لمقاومة المخدرات، ضرورة الجمع بين منهج المقاومة، ومنهج التنمية الحقيقية للفلاحين الفقراء الذين لا يجدون أمامهم أى مصدر للعيش سوى الإنخراط ضمن زراعة الأفيون، والحصول على النذر اليسير لعيشهم. وهنا تؤكد الأمم المتحدة من خلال مسئووليها الذين زاروا أفغانستان على تحمل القوات الأمريكية وحلف الناتو دوراً كبيراً في المساعدة على التخلص من مزارع الأفيون، والمساعدة على إيجاد زراعات أخرى بديلة لهم. كما أنه من الضروري هنا التخلص من حجم الفساد الهائل الذي تستفيد منه النخب الحاكمة المرتبطة بمصالح مشتركة مع القوات الأمريكية الغازية. فهل يمكن تحقيق ذلك في المدى المنظور، وهل تُوقف الولايات المتحدة الأمريكة آليات الإنتقام التي توجهها لأفغانستان ولشعوب المنطقة؟

كل الشواهد الأفغانية تشكك في مثل إمكانية حدوث ذلك، على الأقل في المدى القريب، وهو ما يؤكد مرة أخرى على ضرورة أن تضع الدول المحيطة بأفغانستان نصب أعينها حرب الأفيون الأمريكية القادئة ضد أبنائها ومستقبلها ووجودها.

كاتب مصري
[email protected]



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إثنان وثلاثون عاماً على رحيل أم كلثوم
- قصص قصيرة جداً
- مواجهة خطاب التنميط والعنف الغربي بين التناول العلمي والإلتز ...
- !!محافظون وثوريون
- أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي
- !!أستاذ الجامعة بين استحكامات البنية واستحقاقات المهنة
- ذووا الدم البارد والعقلانية الخبيثة
- !!مذكرات سمير أمين وعصر الرأسمالية الشائخة
- نهوض المرأة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع
- !!لا تعايرني ولا أعايرك
- البنية النفسية لذوي الجنسيات المزدوجة
- الأستاذ شعارات
- الصحافة العربية والإنفلات الإلكتروني
- بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء
- !كفاية، إحنا وصلنا للنهاية
- الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
- جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية
- نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي
- أشكال العنف ضد المرأة
- تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - حرب الأفيون الأمريكية