أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مرح البقاعي - أل التعريف والأندلس المفقود















المزيد.....

أل التعريف والأندلس المفقود


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 13:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لفتني نبأ تناقلته وكالات الإعلام اليوم مفاده (أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر قد تراجعت عن المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور المصري الخاصة بالشريعة الإسلامية). وقد جاء هذا التصريح في أعقاب دعوات أطلقها الأنبا مرقص المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الشهر الماضي بإدخال تعديلات على هذه المادة التي تنص على أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع"، مطالبا بحذف "الألف واللام" من كلمتي "المصدر الرئيس"، لتصبح "الشريعة الإسلامية هي مصدررئيس للتشريع" وذلك لضمان وجود "مصادر أخرى".

أعادني هذا النبأ إلى ذاكرتي "البولي لنغويستيك"، أي الذاكرة السياسية ـ اللغوية، وتحديدا إلى الدور الذي لعبته "أل" التعريف ذات الجينات العربية، في صياغة القرار الأممي رقم 242، حين تمّ تفخيخ النص الذي يدعو إلى انسحاب القوات الاسرائيلية من "الأراضي العربية المحتلة" من خلال حذف " أل" التعريف من كلمة الأراضي في النص الإنكليزي، ما خلق التباسا في تحديد خارطة الانسحاب، وشكّل ـ تالياـ ذريعة لعدم تنفيذ القرار، دخلت عملية السلام في حينها في غيبوبو طويلة، ولم يعلن العرب عن موتها إلآ بعد مرور نيف وثلاثة عقود على القرارالأممي، وذلك فيي مؤتمر وزراء العرب الأخير الذي رافق انعقاده عدوان تموز الاسرائيلي على لبنان.

وفي كلا الحالتين، وعلى اختلاف إسقاطاتهما الظرفية والزمانية، لا أجد تقصيرا في اللغة العربية التي هي بحر من المصطلحات والاشتقاقات التي يمكن أن تساعد على "تمكين الفكرة"، متفوقة بذلك على العديد من اللغات في العالم. بل المعضلة هنا تكمن في توظيف اللغة للتهرب من مستحقات القرن الحادي والعشرين، والتي غدت حاجة ملحة لعلاج الأمراض المزمنة التي يعاني منها العالم العربي الغارق في طمي تجاذباته الفئوية، وغيبياته الدينية، التي تقوم أصلا على أسس من الفصل العنصري.

وفي الأمسية الدينية، التي نظمها نادي روتاري إسكندرية سبورتنج مساء السبت 17-2-2007 تحت عنوان "فلسفة السلام بين الأديان أكد البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية رفضه تدخل الأقباط في مسألة التعديلات الدستورية، "باعتبارها من صلاحيات أولي الأمر" وأردف قائلا" إن ما نريده كأقباط في مصر يجب أن نحصل عليه بالتفاهم، وليس بالكتابة في الصحف، أو بالصوت العالي" !.

ومناظرةَ لتصريحات قداسة البابا أحب أن أشير غلى أنه، في دولة "الديموقراطية" التي ننشدها جميعا لحاضرنا ولأجيال المستقبل، يفترض بالمثقف والكاتب السياسي ـ قبطيا كان أو غير قبطي ـ أن يكون صاحب "الصوت العالي" والمقوّم لمسيرة "أولي الأمر"!. فمفتاح نهضة الشعوب تكمن في قدرتها على تحرير الفرد والفكر في آن، وإطلاق الحريات في الاختيار والتعبير التي تتجلى أعلى صورهما في المشاركة السياسة، وكذا الاعتراف بالنسيج المجتمعي الذي يقوم على التعددية الثقافية والعرقية والدينية، مع الحرص على تدبير هذه التعددية وفق أسس ديمقراطية، وحتمية إقرار حقوق الإثنيات في العيش والتعايش، واحترام خصوصيتها الدينية والحضارية، وفتح باب الاجتهاد الفقهي في النص. والدستور ليس بمنزّه عن فعل الاجتهاد والتحديث لبناء دولة مظلتها "المواطنة" بعيدا عن مصطلح "الأقلية"، بإسقاطاته العرقية والدينية، والذي لا أرى فيه إلا فرزا عنصريا ومذهبيا بغيضا استشرى في ظل تغييب منهجي لمبدأ المواطنة التي يستوي فيها أبناء الوطن الواحد في الحق والواجب في ظل دولة القانون مهما تغايرت انتماءاتهم. فكيف نطالب بالعدالة والمساواة والوحدة الوطنية في مجتمع لا يتساوى أفراده في الحقوق في حين يطلب من الجميع أداء واجباتهم كاملة؟

ويكفي هنا أن ننظر سريعا إلى الفرق بين توظيف كلمة أقليات في العالم العربي عنها في الغرب المتمدن لنعرف أين نقف اليوم من المسيرة الحضارية الإنسانية. فمصطلح " الأقلية" Minority يستعمل في الولايات المتحدة للتأكيد على دور "الشريك" لهذه المجوعات في الحراك المجتمعي العام، ولتقديم دعم استثنائي لها سواء رسميا أم عاما، وكذا تمكينها اجتماعيا لتلتحق بركب المواطنة والاندماج في البنية الاجتماعية Integration، وذلك بعيدا عن سياسات الاستعلاء والاقصاء والعزل والتطهير. وفي مثال من مئات الأمثلة في هذا الشان أستطيع أن أسوق هنا ما يفرضه القانون الأميركي على المؤسسات وأصحاب العمل في أن تذيل طلبات التوظيف بعبارة ملزمة قانونيا مفادها: "الأولوية في التوظيف تكون للأقليات والنساء من الذين تقدموا للفرصة الوظيفية عينها".
*
أما لجهة التشريع الإسلامي ودوره في الحياة السياسة فلنا في نهج الشيخ مصطفى السباعي قدوة، وهو المرشد العام الأول لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا وصاحب الخطاب الليبرالي الإسلامي الأول، والذي أقر بالآلية الديمقراطية وصادق على دستور لم ينص على أن دين الدولة هوالإسلام. ومن أقواله المشهودة في إحدى جلسات الجماعة ما مفاده:" إننا نريد لوطننا نظاما شعبيا ديمقراطيا يقوم على إرادة الشعب، وتتمثل فيه إرادة الشعب".

وليس الشيخ السباعي بمنأى، في رؤيته التنويرية، عن نهج الإسلام المدني المستنير في العصر الذهبي للحضارةالإسلامية ـ إسلام الأندلس المفقود ـ ، حيث شكلت الدولة العربية في حينها مظلة تعايشت في وارفها الديانات والمذاهب والطوائف كافة، بل وازدهرت في ظل حس جمعي موحِّد بعيدا عن ممارسات التهميش العرقي والاضطهاد الديني؛ عصرلإسلام استشرف الحالة المدنية في شريعته وأطلقها في ممارساته السياسية بعيدا عن الغيبيات والمكابرات الفقهية.

أما عمر بن الخطاب، فحين قام بتدوين الدواويين في عهده، وهو ما يعرف في الاصطلاح المعاصر بإنشاء الوزارات، فقد أبقى عليها في إيران فارسية، وفي مصر قبطية، وفي الشام رومية، تماما كما كانت عليه الأمر قبيل الفتح الإسلامي، وذلك ضمن وحدة جغرافية يسوسها مبدأي العدل والتسامح الديني.

هكذا مضى التجديد وروح الاجتهاد متساوقين، حيث شكّل الفعل الاجتهادي تقليدا إسلاميا راسخا في التعليل، والوصول الى أحكام مستقلة، إلى جانب كونه أداة تحديث متّصل في النص الديني.

إن استعادة روح الاجتهاد النقدي، وفعل المشاركة السياسية، قد تكون ترياق المرحلة للنهوض من كبوتنا التاريخية، وذلك في ضوء منهجية لـ "دولنة الإسلام" أي ممارسته ـ والهاء تعود على الإسلام ـ ضمن فضائه الحيوي الذي مساحته ضمير الفرد والإدراك الجمعي الوجداني، والنأي ـ نتيجةَ ـ عن سياسات "أسلمة الدولة" وما تفرزه من غيبيات وإفتاءات جماعية قسرية وملزِمة.
*
هذا وتأتي تصريحات البابا شنودة في الأمسية الدينية المذكورة منتقدا من يتحدثون عن الأقباط في المهجر، موضحا "أن عددهم لا يتجاوز خمسة أفراد فقط، وأن ما يُسمى الاتحاد العالمي للأقباط لا يضم سوى جمعية تتشكل من هؤلاء الخمسة" ، تأتي التصريحات متزامنة مع الإعلان عن المؤتمر الذي دعت إليه منظمة" الأقباط متحدون" والذي سيعقد في مدينة زييوريخ في الشهر القادم للتأسي لـ "مجموعة عمل أقليات الشرق الأوسط " التي ستعمل على تدارس أوضاع الأقليات في الشرق الأوسط وسبل التعاون والتنسق بينها لدعم حقوقها والدفاع عن قضاياها؛ المؤتمر الذي دعيتُ إليه وسأحضره كشاهد على وضع الحجر الأساس لمشروع أحب أمن اطلق عليه شعار "مواطنية لا فئوية".

وفي عود إلى بدء، هل سنكتفي أن نركن كل هذا العبء السياسي التاريخي، بتجلياته ومتستحقاته كافة، إلى حرفي الألف واللام، مستسلمين للقضاء والقدراللغوي في استعمال "أل التعريف" في صيغنا السياسية، أم من المطلوب في هذه المرحلة ـ المخاض التي نمر بها، شعوبا وحكومات، وقفة متأنية وناقدة في مواجهة الذات أولا، والعالم تاليا؟!.



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحور الثالث يطلق مشروعه الجديد: الحوار العربي الأميركي
- الشبكة.. والغربان
- -حروب -المؤمنون الجدد
- مرح البقاعي: الشاعرالفرد في مواجهة العالم
- عين سوريا السينمائية
- ليس للمساجلة
- إعلان سوريا
- الشعر بين القبض على الماء أو الانسحاب في نجمة
- هي
- انقلاب رجالّي لإنقاذ سوريا
- إلى سجين
- سينما الهويات
- الاثر والبخور واليمن السعيد
- شعر العالم: الشاعرة سو كووك كيم
- عاطفة الضوء
- شعر العالم
- بين الأرضين
- مجزرة الاعلام السوري
- كونشرتو البصر: أوب آرت
- ما وراء سياسيات الكره وشوفينية الانغلاق


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مرح البقاعي - أل التعريف والأندلس المفقود