أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد زكي عثمان - لماذا لا تتسع دار الأسلام للبهائيين وتعترف بحقهم في أن يؤمنوا بما إستقر في قلوبهم؟















المزيد.....


لماذا لا تتسع دار الأسلام للبهائيين وتعترف بحقهم في أن يؤمنوا بما إستقر في قلوبهم؟


أحمد زكي عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 1831 - 2007 / 2 / 19 - 11:26
المحور: حقوق الانسان
    


في نصه الذي يعد احد النصوص المؤسسة لفكرة الوطنية المصرية ، ذكر جمال حمدان في كتابه شخصية مصر أن الطغيان و البطش من جانب و الاستكانه أو الزلفي من الجانب الآخر هي من أعمق و أسوأ خطوط الحياة المصرية عبر العصور ، و هي في النهاية النغمة الدالة في دراما التاريخ المصري. يقر حمدان بصحة هذه النغمة الدالة، و ينصحنا ألا نخجل من هذه الحقيقة و ألا تأخذنا العزة فنهرب و نكابر في هذه الحقيقة.لكنه من ناحية أخري يرفض فرضية أخري مشابهة و هي أن بلادنا هي أرض المتناقضات، حيث لا يري حمدان في التناقض بين خلود الآثار القديمة و تفاهة المسكن القروي ، وبين تناقض الوادي و الصحراء علي أنه شيء سلبي ، و ينسج بدلا من هذه الفرضية مقولة أن هذا جمع بين متناقضات و هو عبارة عن جمع بين أطراف متعددة وغنية، بصورة تجعل من مصر ملكة الحد الأوسط، و هي سيدة الحلول الوسطي.
يحمل حديث جمال حمدان مجازفة فكرية كبري، تتمثل في المزج بين الجغرافيا و بين مسيرة أمة،خصوصا إذا كانت مسيرة الأمة تتعرض منذ مدة طويلة من الزمان لحالة تعثر و لا تستطيع هذه الأمة أن تطلب أي مدد من الجغرافيا. و تبدو كافة التحديات التي تواجه هذه الأمة مستعصية علي الفهم و الإدراك. فهي بلد فقير و منكوب ليس فقط في النواحي المادية و لكن أيضا في النواحي المعنوية. و هذا الفقر عبارة عن مؤشر مركزي لكل أبعاد جغرافية قضاياها.
تناقض الخطاب المسيطر
مثالي هنا ليس من الماضي البعيد. بل هو مثال يتخذ من قضية معاصرة مدخلا. هذه القضية هي "جغرافيا البهائية" و هي قضية كغيرها من القضايا تستعصي علي الفهم و الإدراك. و لا يوجد فيها إلا القليل من الوديان و السهول التي تصلح للسير، و تمتلئ جغرافية القضية حتي آخرها بعوائق صخرية لا مجال لاجتيازها و لا حتي لبلوغها. و هنا تخالف جغرافية قضية البهائية ما زعمه حمدان ، فبين الأنهار و الوديان "تناقض واضح جلي"، و لا يعبر هذا عن أي جمع بين أطراف غنية متعددة. بل هو بمثابة تواجد لخطاب الطغيان و البطش من ناحية ، و بعض إرهاصات لخطاب التمرد من ناحية أخري. لنأخذ مثلا حالة التناقض في خطاب عام يسيطر علي هذه البلاد-و لا تستطيع منه فكاكا- يتوهم أن الإسلام مستهدف في كل لحظة. يعزز من هذا التوهم تصريح من بابا الفاتيكان حينا أو تصريح من وزير في حين آخر، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المسلمين يمرون بحالة غير مسبوقة من القهر و الضعف و الهوان.
لا يعير هذا الخطاب أي اعتبار إلي منجزات حقيقية و واضحة للمسلمين في العالم ، و أهم هذه المنجزات تكمن في محاولات تحقيق مواطنتهم الكلية في مجتمعات غالبيتها من غير المسلمين. الإسلام ديانه ثانية في فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و غيرها ، وهناك نواب مسلمون في برلمانات العالم الغربي ، بل و قاضية مسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية. القضية تكمن في أن ما حدث للبهائيين في مصر لا يمكن أن يحدث لأي مسلم في العالم (تحت حجة انه مسلم)، حتي في ظل أكبر دولة انتهاكا لحقوق المسلمين في العالم و هي الصين بالطبع.
هنا لا تعني المتنافضات المصرية ما بين صخور الرافضين و بعض سهول المؤيدين، وجود وتعايش بين أطراف متعددة و غنية، بل هو صراع علي الأحادية و نبذ الاختلاف. صراع ما بين قوي (محدودة العدد والتأثير) تري في الحياة و العالم مجالا و مساحة لرؤية ألوان قوس قزح ، وبين قوي لا تري في الأمة سوي انها النسيج الواحد وقطعة قماش مثل "البفتة البيضاء". يصارع هؤلاء من أجل منع أي "وسخ" من أن يلحق بهذه "البفتة البيضاء"، او من أجل غسل هذه القماشة تماما في حالة ما إذا لحق بها أي أدران. البفتة البيضاء و أحاديتها و رفضها الجنوني للاختلاف في الألوان يخلق منهج الأحادية ، و هو منهج تعتمد جغرافيته علي تصميم جبال متوهمة بحيث يصعب بل و يحرم اجتيازها أو بلوغها. جغرافية مجلس الشعب هذا المنهج هو الذي يفسر لنا مثلا بعض السلوكيات الخاصة بالقوي السياسية و المجتمعية في بلادنا. خذ مثلا الطبيعه الجغرافية لمجلس الشعب، و الذي قام قومة رجل واحد ضد حكما قضائيا من محكمة القضاء الإداري و الذي صدر في أبريل 2006 .
جغرافية مجلس الشعب بسيطة للغاية فهناك عدد من نواب الحزب الوطني و الإخوان و بعض المستقلين و هناك بعض النساء و بعض العمال و الفلاحين و رجال الأعمال. حملت الهيئة الناخبة بعض هؤلاء النواب إلي مقره في وسط القاهرة، و حملت هيئة"البلطجة" بعضهم أيضا، و حملت خطابات دغدغة المشاعر العديد من هؤلاء النواب إلي المجلس.
المهم انه منذ حوالي 8 شهور، و بالتحديد في الثالث من مايو 2006 و من خلال الجلسة رقم 69 لمجلس الشعب لدورة انعقاده العادي الأول من الفصل التشريعي التاسع، قرر رئيس مجلس الشعب فتح باب المناقشة في موضوع لم يكن مدرجا في جدول الأعمال، و هذا الموضوع لم يكن سوي بعض ملاحظات السادة نواب الشعب علي حكم قضائي صادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ الرابع من أبريل سنه 2006 و الذي قضي بضرورة أن تقوم مصلحة السجل المدني (التابعة لوزارة الداخلية) بكتابة كلمة بهائي أمام خانة الديانة في الأوراق الرسمية.
جاءت جلسة مجلس الشعب حول البهائية بعد حوالي شهر من صدور حكم محكمة القضاء الإداري. و تضمنت الجلسة 7 طلبات إحاطة لوزير الأوقاف عن الحكم القضائي الذي يسمح للبهائيين بذكر كلمة بهائي في خانة الديانة في الأوراق الرسمية (مثل شهادة الميلاد و البطاقة الشخصية). جاء تاريخ الجلسة بعد حوالي شهر من حكم محكمة القضاء الإداري (بتاريخ 4 أبريل 2006)أي أن المجلس انتظر شهرا كاملا حتي يناقش مغزي الحكم (تمت في هذا الشهر حوالي 14 جلسة لمجلس الشعب). المهم أن المجلس تناول الموضوع في حوالي ثلث الجلسة. و كنت أتمني أن يظل التقليد الصحفي الذي ساد في فترة ما قبل الثورة بنشر مضابط البرلمان كاملة حتي يري الناس ما الذي يقوله نواب الشعب.قدم 7 أعضاء 7 طلبات إحاطة ، و الأعضاء هم أحمد شوبير، صبحي صالح، أكرم الشاعر،علي لبن، السيد عسكر ، زكريا يونس، محمد عامر حلمي. و طلبات الإحاطة قدمت لوزير الأوقاف، أي لوزير ليس له علاقه بالقضية (القضية تتعلق بالسجل المدني و الذي هو تحت السلطة الإدارية لوزير الداخلية). لا تكمن المشكلة فقط في اختيار خاطئ لشخص الوزير المسئول و لكن مكمن الخطورة في أن نص كلام مقدمي الإحاطة اعتمد علي درجة غريبة من هشاشة المعلومات وضبابيتها. واكتفي بعضهم بتأليب الحكومة علي "البهائيين" ، فقال أحمد عبد العزيز شوبير "ان البهائيين يحجون إلي إسرائيل"، و مضي يقول " وهم اليوم (اي البهائيون) بعد أن كانوا مختبئين ....وعددهم لا يتجاوز الثلاثة آلاف في مصر يخرجون علي القنوات الفضائية و يعلنون بملء الفم أنهم بهائيون و أنهم يدينون بالديانه البهائية"( ص 6 من المضبطة). ما معني هذا؟ إذا كان الإنسان يعتقد في شيء فالبديهي أن يبادر بالإعلان عنه. هل سبق أن تم منع احمد شوبير أو غيره من أن يقول أنا مسلم؟ هل سبق و أن تم منع أي مسيحي من أن يقول أنا مسيحي؟ هل توقفت المشكلة عند الإقرار بقول إن هذا الشخص أو ذاك يظهر في التليفزيون و يقول أنا بهائي!!
فرقة كافرة
إذا نظرنا إلي كلام النائب صبحي موسي وهو من نواب الإخوان فسيتضاءل امامه كلام أحمد شوبير ، لقد طلب صبحي موسي من "الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف و الازهر و الوزارات المختصة و المعنية أن تتقدم بطعن و تتدخل في الدعوي وتقدم ما يثبت أن الفرقة البهائية، فرقة كافرة مرتدة بإجماع الأمة، و يجب أن تجرم أو يصدر تشريع يجرم هذا الفكر و يجرم هذه الجماعة حتي لا يفتح باب فساد في عقائد و أفكار و معتقدات و أخلاق الناس خاصة أن هذه الفرقة الضالة تقوم علي مبادئ مخلة بالآداب وبالأخلاق و بالعقائد و الأفكار و من شأنها تدمير النظام العام و الآداب العامة في المجتمع".
جمل لا تعبر إلا عن عقلية مسكونة بحجم هواجس لا نهاية لها، عقلية تختزل وظائف مؤسسات الدولة في أن تكون محددة لكفر هذا القطاع من الناس و لإيمان البعض الآخر. و الغريب أنه يمكن بتحوير بسيط للغاية لكلام السيد النائب أن يصبح موجها لأي ديانه سماوية أو غير سماوية.
نواب الشعب محكومون بالنصوص الدستورية التي توضح طبيعة و حجم دورهم في رقابة السلطة التنفيذية، لكن ما حدث هو ان نواب الشعب امتدت تفاصيل رقابتهم علي أعمال السلطة القضائية من ناحية و علي الشعب من ناحية أخري. لقد خرج لنا هؤلاء الأعضاء ليحاكموا البهائية في مشهد نموذجي لاستلهام تجربة العصور الوسطي الأوربية في التفتيش في الضمائر، و تأويل الأمور و السخرية منها، و لم يكد ينقص المشهد إلا أن ترتفع بعض الصيحات بحرقهم. عبرت تلك اللحظة عن رافد أصيل في "أحادية" هذه البلاد ، لم يفكر أعضاء مجلس الشعب في رؤية واضحة لحدود دورهم في النظام السياسي. و كان من الطبيعي بعد ذلك أن تكون الأجواء المسيطرة علي مناقشات المجلس علي مدار ثلث جلسة من جلساته قضية البهائية مناقشة تخلي فيها المجلس عن التقاليد السياسية الرفيعة لصالح تقاليد الشعوذة والخرافة و ترديد الأخطاء وراء الأخطاء. وسط هذا المناخ لم تفلح محاولات رئيس المجلس و هو القانوني المخضرم أن يمنع هذا المونولوج السخيف. فقد حاول مرارا (و الحق يقال) أن يوضح أن هذا الحكم عبارة عن حكم قضائي و المجلس لا يراقب السلطة القضائية، و قال أيضا إن المجلس يناقش موقف الحكومه من الحكم و لا يناقش البهائية ذاتها. جدير بالذكر أيضا أن د.زينب رضوان، و هي الأكاديمية الوقور و أصالتها الفكرية لم تستطع أن تمنع هي نفسها من ترديد التهم ذاتها من أن البهائية عبارة عن "فكر منحرف".
الهزيمة النفسية للأمة
جاء يوم السبت الموافق 16 ديسمبر حاملا إلينا حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية بقبول طعن وزارة الداخلية ضد حكم محكمة القضاء الإداري (الذي صدر في أبريل الماضي)،و هو الحكم الذي قوبل بدرجة كبيرة من الارتياح و سط الراي العام و ما صاحب هذا الارتياح من إطلاق صيحات «الله أكبر» في قاعة المحكمة التي شهدت الحكم لتخرج إلي الفضاء العام.
المسافة ما بين حكم محكمة القضاء الإداري في أبريل و حكم المحكمة الإدارية العليا حولي 8 شهور ، و هي مسافة زمنية قصيرة ليس في عمر الشعوب فقط و إنما في عمر القطاع الأعم من الناس في بلادنا. لكن شهدت هذه الشهور متوالية من الأزمات، فهناك كانت تصريحات بابا الفاتيكان، و بعدها بقليل تصريحات لوزير الثقافة. و علي الرغم من عدم و جود منطق رابط بينهما إلا أن البعض اعتبر أن كلا التصريحين بمثابه سهام ضد الإسلام من الداخل و من الخارج. و لدي البعض فهذه التصريحات علامة خير علي إفلاس أعداء الإسلام في الخارج و الداخل. في هذا الفضاء تحديدا تلوح لنا جغرافيا المتناقضات، لقد إنتشر خبر تصريحات وزير الثقافة في كافة أرجاء البلاد ،لكن لم ينتشر قبل هذه التصريحات بأسابيع معدودة خبر الجريمة الجماعية(حالات التحرش الجنسي الجماعي) في مثلث الرعب في "وسط البلد" ، علي الرغم من أن الموضوع في كل من القضيتين هو النساء. هذا تناقض في تناول القضايا(و المفترض أن الموضوع واحد هو النساء ففي تصريحات فاروق حسني هجمة علي حجاب النساء ، و في أحداث التحرش هجمة علي أجساد النساء). هذه المدة الزمنية أفرزت أيضا تناقضا علي صعيد صيحات «الله أكبر» والتي تم إطلاقها في قاعة المحكمة. التصريحات كانت بمثابة إعلان ما عن حجم الهزيمة النفسية للأمة، و بالتأكيد كان علي الناس الانتصار لهذه الأمة. و تبدت أفضل وسيلة للانتصار في "دحر" البهائية و خطرها و ذلك عن طريق قبول طعن وزارة الداخلية علي حكم محكمة القضاء الإداري. لقد كان الحكم بمثابه حلقة في الحرب من أجل نصرة رؤانا الأحادية للذات وللتاريخ و للوطن.
الجنسية و المواطن و المعتقد
ليس ذنب البهائيين أن مصر أرض المتناقضات ، و ليس ذنبهم أيضا أن هذه المتناقضات قد أفرزت نتائجها الخاصة بالتأكيد علي الإحادية و نبذ المختلف. إنني أدعوكم للحظة في التفكير معي في هذه القصة الخيالية القابلة للحدوث في أي و قت، و التي لا يوجد أي مانع من حدوثها. تخيلوا أن ارتحل إلي مصر في وقت من الأوقات نفر من الناس رجالا و نساء (لتحسبهم سياحا او عمالا أو أي شئ المهم أن هؤلاء الناس جاءوا إلي بلادنا)، وتصادف أن كانوا ينتمون إلي بلدين ، فمنهم من كان من الهند و منهم من كان من الصين.و بدون سابق إنذار قرر هؤلاء الضيوف بناء علي ما لمسوه من كرم الضيافة في مصر و طيبة شعبها و أخلاقه الدمثة و حضارته التي تمتد إلي 7000سنه و ربما 9000، أن يجعلوا من أرض مصر الطيبة التي تفيض بالخيرات مقرا لإقامتهم. و تمكن كل فرد من هؤلاء من الحصول علي مسكن لائق و عمل مناسب و مفيد لشعب مصر.و بعد فترة أضحي ما مكثوه في مصر من زمن كفيل بان يضعهم تحت حكم المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنه 1975 بشان الجنسية المصرية.أي أنه يحق لهم التجنس بالجنسية المصرية و يصبحوا مواطنين مصريين كاملي الأهلية.
الجنسية المصرية محكومة منذ العشرينيات من القرن العشرين (المادة 11 من المرسوم بقانون 25 لسنه 1926، و المادة 8 من المرسوم بقانون 19 لسنه 1929 بشأن الجنسية المصرية) بمساحة شبه مدنية. في شروط التجنس بالجنسية المصرية لم ترد الأديان السماوية كشرط من شروط اكتساب الجنسية. أنا أتحدث هنا عن قانون الدولة ، قانون له استمراريته. و في حالة القصة السابقة سيأخذ هؤلاء الضيوف الجنسية ، دستوريا و قانونيا و لائحيا لا توجد أي مشاكل ، لكن و كمثال البهائية (أنا لا أقصد هنا أن البهائيين غرباء عن ديارنا) هناك مشكلة صغيرة أن بعض هؤلاء كانوا من الهندوس (يوجد في العالم حوالي 900 مليون هندوسي) ، و منهم من يتبع الأديان الصينية التقليدية (عددهم في العالم 350 مليون)، و منهم البوذي (عددهم في العالم 376 مليون)، و منهم السيخ (يوجد حوالي 25 مليون من السيخ )، إن جميعهم من غير أتباع الديانات السماوية الثلاث. و السؤال هنا ماذا يفعل السجل المدني في هذه اللحظة؟ هل سيفتي السجل المدني أنهم مرتدون عن الإسلام؟ و من ثم يمتنع عن استخراج شهادة ميلاد لأطفالهم مكتوب عليها معتقداتهم؟ و إذا تم رفع قضية هل سيتناول القضاء في حيثياته السخرية بأن هذا المعتقد يسجد لبقرة و ذاك يسجد لصنم؟
في البيان الصحفي الذي صدر عقب حكم المحكمة شهدنا مناظرة حول البهائية و تعاليمها،و أصارحكم القول أنني كمسلم أؤمن بكل حرف ورد في هذه المناظرة، لكن مشكلتي الوحيدة أن هذه المناظرة ليس مكانها المحكمة و التي تكمن وظيفتها في الفصل الحيادي في المنازعات و ليس محاكمة معتقدات الناس.
من يتحدث إلي من ؟
تتبدي في هذه اللحظة صخرة عالية شاهقة وهي فهم الناس للإسلام -و هنا لا أقدم نفسي فقيها- و لكنني أذكر أنني قرأت أن الإمام محمد عبده قد قال كلاما مختلفا عن البهائية، و قد كان من السهل أن أذهب إلي الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده (التي حققها و قدمها د. محمد عمارة، طبعة دار الشروق 1993) في الجزء الثالث المعنون بـ "الإصلاح الفكري، و التربوي، و الإلهيات"، في 557 - 562 لأعيد قراءة حوار حول البابية و البهائية و الذي دار بين الأستاذ الإمام و الشيخ رشيد رضا.
يسأل الشيخ رضا عن رأي الأستاذ الإمام قائلا: و ماذا عن عباس أفندي؟ اسمع أنه بارع في العلم و السياسة ، وأنه عاقل يرضي كل مجالس!! فيجيب الأستاذ الإمام قائلا "نعم .. إن عباس أفندي فوق هذا إنه رجل كبير، هو الرجل الذي يصح إطلاق هذا اللقب-(كبير)- عليه. و يذهب الشيخ رضا في السؤال مذهبا آخر قائلا "إني اجتمعت بميرزا فضل الله مرارا، وناظرته، فألفيته يستدل علي صحة تعاليمه بثباتها هذه المدة، و انتشارها و نموها، و يحتج بآيات من القرآن علي أنه لا يدوم و لا يثبت إلا الحق". ماذا كان رد الأستاذ الإمام ، رد يقول "و أنا أقول إنه لا يثبت ويدوم إلا الحق و الخير...ولكن دعوة القوم (أي البهائية) لم يطل عليها الأمد بحيث يصح الإحتجاج بهذا...و أما من له حياة كالدعوة إلي دين أو مذهب فلا يثبت و يدوم إلا أذا كانت الدعوة حقا في نفسها، و إن احتف بها في بعض أطوارها شئ من الباطل فهو عرض لا يمنع دوامها وبقاءها، بخلاف الدعوة الباطلة من أساسها، و لهذا لم تثبت دعوي أحد من الذين ادعوا النبوة بعد نبينا(ص) لأنه خاتم النبيين....."
في هذا الحوار ملمحان، سجال عقلي يطعن في البهائية، و الملمح الثاني إحترام للآخر و لمعتقده، بل و للإجتماع معه (قال الشيخ رشيد إنه إجتمع بميرزا فضل الله مرارا).في السابق كان المتحدث هو الأستاذ الإمام و المستمع هو الشيخ رشيد رضا و شتان ما بين حوار فيه مثل هذا المتحدث و هذا المستمع ، و بين حوار أحادي الجانب سواء كان في مجلس الشعب أو في قاعة المحكمة أو حتي علي المقاهي . في حوار الأستاذ الإمام حديث لا يذكر فيه لا التخوين و لا الكفر و لا السخرية من معتقدات الناس، إنه تأكيد علي التنوع البشري ، و القفز للامام مائة خطوة في التفكير من خلال البحث في مزايا و نقاط قوة العقائد الأخري، و في استماع الشيخ رشيد رضا استماع شريك في الحوار ، استماع المتسائل بحكمة و عمق و معرفة و الأهم في هذا كله أنه درس عملي حول فضيلة التواضع. وهي كلها أمور يندر أن نجدها في زماننا هذا.
مساحة الأوهام و مساحة الحقائق
هذه ببساطة جغرافية القضية البهائية حيث مساحة الأوهام أكبر من مساحة الحقائق ، و حيث إن كل سطر يكتب و كل جملة تدافع عن حق البهائيين في ذكر الديانه في أوراقهم الرسمية بمثابة محاولة لتسلق الجبال.و حيث الصراع علي دولة أحادية التفكير و المنظر علي أشده ، و حيث إننا لا نفكر سوي في نمط موحد من الرؤية، و حيث إننا لا نعترف بثقافة قبول الإختلاف، من هنا يصبح من السهل ألا نتحدث عن أي واقع ملموس و إنما نفرط في تصويب الرماح علي الأوهام التي نسجناها نحن بعقولنا. لقد قيل في البيان الصحفي مثلا إن البهائية خطر علي النظام العام، و حيث لا يوجد لدينا تحديد لجغرافية النظام العام، فيمكن القول أن هناك مناحي تقريبية لهذا النظام العام. فمثلا حدث منذ شهرين بالتحديد، في منطقة جغرافية تسمي "وسط المدينة" أن تهددت بلادنا بواحد من أكبر الأخطار الأخلاقية في تاريخها الحديث وهي أن النساء في الشوارع تم امتهان كرامتهن بشكل جماعي . لقد تم تهديد النظام العام، و لكن هل كان هناك دور للبهائيين في هذا التهديد للنظام العام؟ في هذا الشهر(ديسمبر) عرض مجموعة من الطلاب عرضا لفنون الكونغ فو ليلقوا الرعب (في قلوب الأمن أم في قلوب الطلاب؟)، وقد مثل هذا العرض تهديدا للنظام العام، و بالتالي يثور تساؤل هل كان للبهائيين دور في هذا أيضا؟.
حالة من الكبر هي التي تميز حالة التعامل مع البهائيين. و لا يوجد مبرر منطقي لها .لماذا كل هذا الكبر، لماذا لا نعترف بحق الناس في أن يؤمنوا بما استقر في قلوبهم ، لماذا لا تتسع دار الإسلام و التي هي بمثابة "دار السلم" لجميع الناس. في حكم قضائي للمحكمة الإدارية العليا في قضية اخري حول البهائية، قالت المحكمة (وذلك في عام 1983) "إن دار الإسلام قد وسعت غير المسلمين علي اختلاف ما يدينون يحيون فيها كسائر الناس بغير أن يكره أحد منهم علي أن يغير شيئا مما يؤمن به". هذا قول محكمة أخري و السؤال هو لماذا نفضل هنا خلق حالة غربيه و غير مبررة علي الإطلاق من الخوف والإنكفائية و ذلك تحت وهم أنهم يستهدفون البلاد والعباد؟. و في النهاية تبقي كلمة صغيرة و هي أن أعلب الأحلام تتميز بتفاصيل عن الأماكن و عن الأفراد (أي عن الجغرافيا)، لكن هناك حلما سيقفز فوق حدود الجغرافيا، سيجتاز جبل الأحادية و سيحطمه، سينهي بلد المتناقضات، و سيظهر بعدها سهل خصيب،يحيا فيه المصريون و هم يتمتعون فيه (نساء ورجال، من الشمال و من الجنوب مسلمون و غير مسلمين، فقراء وأغنياء، ضعفاء وأقوياء) بالكرامة والحقوق والحريات.



#أحمد_زكي_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجن أبو غريب فى ذكراه الثانية


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد زكي عثمان - لماذا لا تتسع دار الأسلام للبهائيين وتعترف بحقهم في أن يؤمنوا بما إستقر في قلوبهم؟