أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام بن الشاوي - !أسعدت حزنا.. أيها القلب














المزيد.....

!أسعدت حزنا.. أيها القلب


هشام بن الشاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


مساء خريفي يرتعش تحت برد ديسمبر، أغادر المكتبة حاملا صحيفة لندنية تستريح بين طياتها مجلة ثقافية لبنانية (هل تعمدت إخفاءها؟ ولماذا؟ !) نلتقي عند المدخل، يرى إلي –ابن الجيران- شبه مصدوم.. لم يكن يتوقع أن يكون البناء مهتما بقراءة الصحف والمجلات.. أرنو إليه في ازدراء، وأتمنى في قرارة نفسي أن أبصق في وجهه، وهو.. يحدق في اسم الجريدة المهجرية..
أدس بركاني الخامد تحت ثيابي مثل مهرب، وجيش أنوثة فوارة تسيح على الإسفلت.. جيش يهوى استعراض مفاتنه الخلفية في كل الفصول. حتى غدت مؤخرات فتيات هذه المدينة –البغي... أجمل من وجوههن !!!
***
يرن جرس المنبه في إصرار عنيد يسلبني من لذة النوم. أقفز من فوق فراشي كالملذوغ، العقارب تشير إلى الساعة الأولى بتوقيت شقائي اليومي المغبر.. الساعة السابعة صباحا.. أقفز من فوق فراشي، وكل فقرات عمودي الفقري مفككة.. وككل صباح ألعن هاته المهنة التي لم أخترها.. وقد اعتاد رفاقي أن آتي إلى الورش بوجه متجهم، ولا ألقي عليهم تحية الصباح. يقولون أني "ابن أبي" ! لكني أكره "تكشيرة" هذا الوجه العابس دوما.. الذي حرم على تقاسيمه أن تعلن فرحها في عيني..
وأفضل أن يوقظني رنين جرس المنبه على نشيد أبي الصباحي القاسي.. بصوته الجهوري.
أسعدت حزنا أيها القلب. فلا أحد يولد "مشوها" نفسيا.. !!
***
ليتني مت قبل أن تصلني رسالتك، يا قاسم.
بكيت في حرقة، وبلا دموع.. غب قراءتي رسالتك التي أطفأت لهفتي وشوقي إلى بضعة دولارات مجلتكم النفطية لأرمم بعض أطلالي الجوانية... آه، لو تعرف أن الأستاذ المحترم بناء !!؟؟
لم يكن بكائي الجاف من أجل المال المفقود، وإنما من أجل هذه الصفة الكريهة التي التصقت بي كالجرب..
إهانة أن تكون بناء، وكل الأحلام المزهرة تنبت في حديقة قلبك !!
***
مساء مغربي.. لا طعم ولا لون له.
بعد ساعات عمل شاق طويلة كرحلة إلى الجحيم. تحت شمس غبية لاهبة.. مثل حمار الساقية، الذي لا يملك غير الرضوخ لسيده ، حمار يضيق بشهيقه وزفيره !!! على الأقل، هذا الحيوان المغبون يتخلص من إرهاقه غب تمرغه في التراب.. وأحسد أولئك الذين يتمرغون بين أحضان امرأة رخيصة.. يدفنون أحزانهم بين فخذيها .. بعد رحلة جحيمية.
أجرجر قدمي في خطوات متكاسلة. أفكر في كل شئ ولا شئ.. والحزن معسكر أمام بوابة الحديقة الغناء.. وعلى مقربة من النادي أسمع ارتطام الأثقال اليدوية.. أفتح الباب، ويلفحني هواء رطب ساخن.
***
لا أحد غيري يخرق قواعد البرنامج التدريبي.. لأني غير مستعد نفسيا بسبب الإرهاق المزمن، كما يوضح مدربي للرفاق. يقول لي: عضلات جسمك منحوتة، ولكنها ( وما أقسى هذه الـ(لكن) !!) تحتاج إلى زيادة الكتلة العضلية، وهذا لن يتأت بدون زيادة الوزن التدريبي.. تبا لهذه الجسد العاق. لحم بدون شحم. العمل اليومي يستنزف طاقتي، ويجهد حتى عضلات وجهي الثلاث عشر، فأغدو غير قادر على الابتسام.. أقف قبالة إحدى المرايا المثبتة على الجدار المواجه للباب.. أفكر في تكثيف تمارين الذراعين.. البـايـسـبـس، التريـسـابـس وعضلات الساعد.. لابد أن أتمرن حتى ينشب ذلك الحريق في العضلة، فأستشعر هذا الألم البناء في الليلة التالية في العضلة التي ستستفيد من التمرين، فبدون هذا الألم لن تتكاثر الخلايا.. أما باقي عضلات الجزء "الطوباوي" من جسمي فأدعها لحصص أخرى.. والساقان والفخذان فنادرا ما أكترث لهما، وأعلل ذلك في سري أني لست من مرتادي الشواطئ .. !!
***
أختار مكانا قصيا عن الرفاق. وأنا صائم عن الكلام.. أجلس إلى جهاز شاغر. آخذ جرعة ماء، أضع القارورة البلاستيكية والحزام الجلدي العريض جانبا.. يشرد لبي. يتناهى إلى مسامعي صوت المدرب يحدث متدربين جددا عن القواعد الثلاث للنجاح في رياضة كمال الأجسام:
* التدريب الجيد.
* الراحة.. راحة البال والبدن.
* "العلف" !!
أمام المرآة يقف أحدهم، وقد تجرد من ثيابه المبللة عرقا.. يستعرض عضلات صدره وكتفـيه، ثم يستدير ويلقي نظرة جانبية على فخذه وظهره.. وتسري همسات حاقدة تتهمه بتعاطي المسحوق البروتيني (الغبرة) والحقن..
وحتى لا أتهم بالإسقاط – وبحكم معاشرتي لأمثاله !- أفكر، وبخفة ظل أن يستبدل شعار: "العقل السليم في الجسم السليم" المخطوط على أحد جدران (الدوش) بعبارة: "أجسام بغال وأحلام عصافير "وليكتب تحتها، وبلون آخر: ممنوع استعمال الصابون والشامبو..!!
وتناهى إلي صوت هذا البغل يحدث المدرب عن القيلولة التي أضحى لا يستغنى عنها، علق المدرب أن العضلات تنمو في أوقات النوم.. وقمت بعملية حسابية ذهنية سريعة : معدل ساعات النوم ثماني ساعات، ونومي المشاكس لا يتعدى الساعة التي يرن فيها جرس المنبه، وأقفز من فوق فراشي كالملذوغ.. فمن أين أسدد باقي الدين، وخبراء هذه الرياضة ينصحون بأن تفوق ساعات نوم المتدرب عدد أصابع اليدين..!!؟
أحس الدمع يطفر من قلبي، وأقول في سري لهذا "الأنا" الذي كرهته كما لم أكرهه من قبل:
-وحده البغل يحمل الأثقال!!
***
تثاءبت، فكرت في المنوم الذي أستعمله للإيقاع بنومي الهارب في حبائل جفني، وتأثيره الملعون في الصباحات الموالية: طنين خلية نحل في الرأس، وجسد متلكئ يتداعى تحت أي جدار ظليل.. فكرت في آية الكرسي الكريمة.. في السنة والنوم..
نقضي ثلث حياتنا نصف أموات، أفلا يحتاج هذا الموت المتجدد أن نكتب عنه في زمن العولمة؟!
ما أضيق العيش لولا خدر تلك الإغفاءة اللذيذة التي تهدهدنا، وتسري في أوصالنا.. تلك الراحة الفردوسية المخضبة بالأحلام المزهرة !!
وألفيتني أغادر النادي مبتلعا مرارتي، غير قادر على مقاومة بكائي الباطني.. أحكم لفة الفوطة حول رأسي اتقاء شر برد ديسمبر المرتعش. أتثاءب وأعد الجسد المنهك بنوم طويل فور وصولي إلى البيت. وأعدكم بجمع شتات هذه الأفكار الوليدة في الليلة التالية، مضحيا ببعض نصيب جسدي من لذة النوم..
طابت ليلتكم..!!

الجديدة - خريف 2003



#هشام_بن_الشاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روتانا سينما... وهلوسات أخرى !
- عاشق من زمن الحب
- الضحايا ..جديد هشام بن الشاوي - مع كل الحب
- الخطيئة الأولى
- هذيان رجل وحيد
- الكتابة بدون مساحيق قراءة في مجموعة محمد شكري القصصية - *الخ ...
- شهوات ضوئية
- هذا السبت أكرهه
- عطر نفاذ
- امرأة فوق كل الشبهات
- البكاء الآخر (تمرين قصصي)
- أنين الظلام
- أخاف ان أحبك...!!!
- لوحات ساخرة جدا
- مدخل إلى : “متاهات الشنق” للقاص المغربي شكيب عبد الحميد
- رواية ” الوشم” للربيعي - حين يدخل المثقفون في التجربة (…) ال ...
- فرح
- الطيور تهاجر لكي لاتموت....
- الطيور تهاجر لكي لاتموت...
- حوار غير عادي مع الكاتب العربي المتألق سمير الفيل


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام بن الشاوي - !أسعدت حزنا.. أيها القلب