أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما














المزيد.....

المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


إلي الفرسان الثلاثة
كمال العيادي
وحيد نور الدين
الحبيب الدائم ربي
محبة في أرواحهم الشفيفة
امرأتان وحيدتان وحزينتان .. وخيط هواء رفيع ينسرب من الشباك الموارب علي ذاكرة تبدو حية الآن ... الآن وفي تلك اللحظة يتراقص مع ذكرياتهما لهيب السبرتاية الأزرق .. تفور القهوة ، فتسرع المرأة التي يمكن أن نطلق عليها الحزينة ، فتخطف الكنكة ، وتبتسم ابتسامة واهنة ... رائحة البن المحروق تملأ المكان .. تعيد لذاكرتها ذكري رجلها ، وهو يخبطها علي مؤخرتها كلما فوّرت القهوة وسكبتها علي السبرتاية ... يضحك عليها حين تنشغل عن قهوته كل مرة .. يقول لها نفس الجملة التي لم تنقطع إلا بموته :
ـ يا وليه نفسي اشرب كوباية قهوة بوش مرة ...........
فارقها ، بجسده ، ولكن صوته يتردد في أذنيها ، ورائحته تملأ المكان ، لم تُغيِّبه السنوات الخمس التي مضت علي وفاته ........عرف كيف يسقيها الحنان قطرة قطرة ، صارت أما لخمسة أبناء ... وأحفاد يملأون الدار .. تسترجع تفاصيل حلم غابت صورته إلا عن ذاكرتها البكر ، غائبة هي في مساحة من الذكريات تكاد صديقتها أن تراها ، خبطت صديقتها التي يمكن أن نسميها الحالمة دوما رغم التجاعيد التي تملأ وجهها ، خبطتها علي فخذها وقالت لها :
ـ إيه رحتي فين ؟
ـ معاكي .
ـ ولا معاي ولا حاجة ، هو وحشك قوي ؟
ابتسمت الحزينة ابتسامة كادت أن تجعل الملاك الذي يحرسهما يبكي ، وقالت :
ـ نفسي أشوفه ، ولو في الحلم ، حتي الحلم بعيد عن عيني .
وراحت تتذكر الأيام القديمة .
بغمزة من يدهها علي فخذ الحزينة ، وبنظرة تلصص علي الباب الموارب وبصوت هامس سألتها.
ـ أخباره إيه؟
ضربتها بعشم وود و عُمْرٍ اقترب علي الرحيل ، وابتسامة العارف بخبايا القلوب.
ـ أنت لسه فاكرة ؟
ـ هو أنا أنسي فرحة عمري كله برضو ؟
ـ تصدقي إنه مرة سألني عليكي.
برغبة من حرم من الماء طوال أيام ، وبعيون العاشقة طيلة الحياة ، وبرعشة ابنة أربعة عشر عاماً قالت :
ـ أمتي يا بت ؟ بجد ؟ وسأل عليّ ؟ أنتي بتضحكي عليّ.
أنهت جملتها وفي عيونها أمل تكذيب صديقتها للجملة الأخيرة فقط .
ـ بالراحة .لأ ما بضحكشي عليك ولا حاجة .
ـ طيب إمته ؟ وسأل بجد ولا سؤال كده في السكة . ؟
ـ بعد موت المرحوم بزمن . وسأل بجد وكان متأثر .
وكأن يداً جبارة سقطت عليها وسحبت منها الحياة ، فبدت المرأة الحالمة لصديقتها امرأةً مسنةً و ضعيفةً ، حتي أنها مدت يديها وسحبت رأسها ووضعتها علي فخذها ، ثم راحت تمر بها علي جسدها ، وهي تدعو في سرها لدقائق طويلة ، هي غائبة عن الوعي أو ما يشبه ذلك . رفعت وجهها لتظهر عيونها المليئة بالماء السائب وقالت بصوت المؤنب لذاته:
ـ تصدقي إني يا ما دعيت عليكي.
ـ عارفة وعذراكي ياختي.
ـ مكنش في إيدي.
قالتها ، وهي تعطي الإذن لجسدها أن يتحد مع الماء ليكونا رقصة الندم والحزن والعشق والرغبة والحلم وكل عمرها الفائت ينتقص سنوات الطفولة والتي كانت علي وجه الدقة ثمانية عشر عاما وبضعة شهور وبالتأكيد بضعة أيام وعصر يوم كانت عائدة مع أمها من عند خالتها شاهدت فيه الرجل الذي ظلت تتمناه سنين عمرها الفائت يقف تحت شجرة الصفصاف ، يرفع قلة ماء تطرطش علي رقبته ، لتتساقط علي صديري تظهر فيه خيوط الفضة لامعة من أثر خيوط أشعة الضوء التي تغافل أوراق الصفصاف ، وتنزل لتظهر لمعان خيوط الفضة ، علي سروال أبيض تسقط أقدامه ، حتي منتصف الساق الأبيض الجميل .كانت لوحة عمرها التي رفضت منذ رأتها تتجسد أمامها بيد خالق باهرـ منح بعض آثار ما يتساقط من فعل يديه لرجل يدعي دافنشي فرسم الموناليزا ـ أن تتنازل عن عشقها حتي النخاع ، لكن ذاك الخالق الباهر لرجلها في تلك اللحظة كانت له قدرة أشد في تسيير القلوب والمصائر ، لقد أحبت رجلا يحب صديقتها التي سميناها الحالمة ، وصديقتها تحب ابن خالتها ، وتزوجت به ، ليرفض رجلها ذاته أن يلمح ظل امرأة بعدها ، وتسوق الفتاة ـ التي لم تكن حزينة علي الإطلاق ـ طوب الأرض عليه ، لكن لا فائدة ، فهو لا يري امرأة غير ابنة خالته التي اختارت غيره .
تخاطب منا في الوجوه عيوننا . ترانا سكوتا والهوي يتكلم.
كان يحب ويعشق ابنة خالته ، وهي تعرف عشق صاحبتها له ، ذلك العشق الذي ألزمها أن تقطع ألسنة الناس التي عرفت بعشقها ، وبدأت تلوك سيرتها ، ألزمها ذلك العشق أن تتزوج من أول واحد يتقدم لخطبتها ، وكان محمود الذي أنجبت منه ولدا يشبه رجلا أحبته ذات ظهيرة ، صار لها نعم الزوج والحبيب ، ولكنه يوما لم يستطع أن ينسيها لوحتها التي رأتها في لحظة فارقة بين الحياة والموت .
ـ أهدي ياختي وفوزي بالصبر .
مدت يدها وأمسكت بطرف الطرحة التي كانت تحت وركها وتحركت قليلا في الهواء حتي تستطيع سحبها ، ومسحت بها عيونها وهي تتلصص وتصيخ السمع علي أصوات الأقدام التي تمر بالقرب من قاعة الحالمة.
ـ هو ربك عارف ومستنية نصيبي يا حاجة وعاملة حسابي ورحمة المرحوم .
ثم رفعت يديها في اتجاه السماء وأضافت بصوت الواثق .
ـ ويشهد علي أبو خيمة زرقا. من يوم ما دخلت بيته وعمري ما عملت حاجة تغضبه وصاينة شرفه .ثم أنزلت يدها ونظرت مليًا إلي وجه صاحبتها القديمة وأضافت بصوت الطالب للمغفرة.
ـ أما اللي هنا ده بتاع ربنا .
ووضعت يدها علي نقطة وحيدة ظلت توجعها وتؤلمها وتعذبها في صحوها ونومها .وهي أمام الفرن ، أو تحت ضرع جاموسة. في حضن زوجها أو في ركعتي الشفع والوتر.في دموعها وزوجها يخرج محمولا علي الأكتاف وفي طلة صغيرة علي رجلها الذي جري ليحمل النعش ، وهي تودع زوجها للمرة الأخيرة .
خبطت علي قلبها خبطات خفيفة ، وقالت :
ـ القلوب مسيرها رب القلوب ، هعمل إيه عمري ما شفت راجل غيره .
ثم وضعت الفنجان جانبا ، وقالت بصوت واهن ، يشبه صوت فتاة كانت بعد صغيرة ، وكانت تسأل بذات اللهفة :
ـ لو سأل علي تاني ، سلمي عليه بجد .



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ أحمد
- كوي صغيرة نبص من خلالها علي أعماق الأنثي المنسية
- أفضية الذات / عندما يصبح النقد موازياً
- رجل وحيد وشجرة عارية
- سبع مقاطع من يوميات شجرة عارية
- من يوميات شجرة عارية
- تزييف الوعي
- الواقف في مفرق التيه
- جل أسطوري
- نجيب محفوظ بين الرمز الفني والواقعي
- انعتاق
- نهاية الأضداد وبداية الإعلام غير المحايد
- الأستاذ منصور
- الموسيقي الكلاسيكية / عصر الباروك
- هو يحب الموسيقي ، لكنه ليس حالما تماما
- المرأة الحزينة
- عادل السيوي يمارس لعبة المرايا المتقابلة
- ريهام


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما