أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار ديوب - قراءة في فن الحب وطبيعته















المزيد.....

قراءة في فن الحب وطبيعته


عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 09:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعكس الشائع عن الحب والمرتبط بالمصلحة أو العائلة أو الشريك أو المثاليات المعلقة على المستقبل أو الحلم المجرد 0وكذلك التوافق الجنسي ، فإن إريك فروم يدرس مفهوم الحب بطريقة عقلانية فلسفية نفسية ليؤكد أن للحب أشكال متعددة وكثيرة إلا أنه يميز مفهوم الحب الناضج عن غيره ليتوصل لفكرة جديرة بالاهتمام والبحث، فالحب لديه ليس علاقة عاطفية ذات انفعالات جياشة ولا يرتبط بعالم الأسرة المسيطر عليه من قبل الذكر وعالم الملكية السائد، بل هو فن يتطلب المسؤولية والاحترام والنظام والتركيز والصبر والاهتمام .وهو موقف عام من الحياة ، يتنافى مع النرجسية ويتضمن الموضوعية والعقلانية والتواضع بالضرورة ...
أي أن الحب يقتضي المعرفة وبذل الجهد وهو ليس إحساساً تابعاً للذة ، بل هو فن ، كالحياة تماماً ، نتعلمه كما نتعلم الفن أو الموسيقى أو التجارة..
ولا بد من أن نتعلمه عبر قسميه الأساسيين :
- القسم النظري.
-القسم العملي.
فنظرية الحب تبدأ بالضرورة ، بنظرية عن الإنسان ، وأهمية دوره في الوجود ، فالجوهري في الإنسان أنه صانع تاريخه ومجتمعه ، وانه متجاوز للطبيعة ولا يستطيع العودة إليها وأن تقدمه متعلق بالصراعات الطبقية وبعقله وبضرورة اكتشاف تناغم إنساني جديد..
ولا بد أن يعلن كل فرد ، أن الإنسان يولد محدوداً ثم يصبح غير محدود وأنه وُلد دون مشيئته وسوف يموت ضد مشيئته وأنه
عبر التاريخ ، شكل وعيه وعقله وتفكيره ووعى انفصاله وانعدام الوحدة أو الوحدة غير الإنسانية . ووعى كذلك عجزه أمام الطبيعة والمجتمع ، وأضاف إلى ملكيته المرأة والأولاد . وبقي يشعر إن استمرار الوحدة الصورية وانفصاله عن الآخرين يدفعه للجنون والقلق واليأس والعار والشعور بالإثم ، فحتى أدم يرمي اللوم على حواء مما يدفعنا للقول أن الإنسان وعى الانفصال ولكنه لم يتعلم الوحدة الحقيقية .
مشكلة الإنسان تاريخياً مع الانفصال في كل العصور والثقافات وضرورة قهره له أخذت أشكال متعددة وذلك عبر عبادة الحيوان أو التضحية الإنسانية أو الغلبة العسكرية وكذلك الانغماس في الترف والانعتاق الصوفي وهناك السكر والعربدة والمخدرات والهزة الجنسية بل إن تاريخ الدين والفلسفة هو تاريخ هذه الحلول وحتى في المجتمع الرأسمالي لا يزال الانفصال هو السائد ولا تزال الأسرة تخضع كليةً لهذا الانفصال..
حتى الحب الجنسي الذي تبنى عليه العائلات في أحيان كثيرة والذي يقتنع به الكثيرون كحل فإنه دون الحب فهو لا يقيم جسوراً على الإطلاق ولا يلغي الهوة بين كائنين إنسانيين إلا لبضع لحظات..
ففي المجتمعات اللاحقة على البدائي كانت الوحدة لتجاوز الانفصال وحدة هشة وصورية ومكرسة للانفصال وانعدام الحب والعلاقات الطبقية الاستغلالية ، مما أبد المرأة بحظيرة الرجل ،أم لأولاده ، وجارية لمتعه ، وراقصة بدون أجر ، وبالنتيجة لا تختلف عن بقية العبيد والكائنات المدجنة.
مع بوادر ظهور مفاهيم المساواة القانونية في المجتمعات البرجوازية الرأسمالية تم تقديم هذا المفهوم على أنه تجاوز للانفصال وتحقيق نوع من التماثل المتساوي أو الوحدة القانونية للمجتمع .الحقيقة أن هذا الأمر يتم تصويره على أنه هوهو الوحدة الحقيقية حيث يسود الوهم بين الناس بالعيش وفق أفكارهم وأهوائهم وأنهم فردانيون بينما هم يمارسون الامتثال القطيعي وهو ليس إلا نزوع نحو استئصال الاختلافات بصورة اغترابية وبشكل جديد لإعادة الاستغلال، وتدمير الممكن بمستقبل فيه حب حقيقي وأسرة متحابة وقابلة للتفكك حين انعدام مبرر الاستمرارية..
فالمساواة القانونية تعني فقدان تحقق الفردية الكلية ، حيث الفردانية البرجوازية تتمثل في المهن نفسها والمتع نفسها وقراءة الصحف والمر أة تشبه الرجل ،إنه مجتمع الذرات العاملة في تجمع هائل بنعومة وخفة ودون انقسام ، ولكنها جميعاً تطيع الأوامر ، أوامر السوق الخفية .
إذن المفارقة أن كل شخص مقتنع بأنه يتبع رغباته وأفكاره وفردانيته ، بينما هو ليس إلا برغياً في آلةٍ لا تتوقف عن الإنتاج السلعي واستهلاك الثروات والبشر والطبيعة وكل العلاقات الجميلة ؟!
وتماماً كما الإنتاج الهائل الحديث يقتضي المقياس المتساوي للسلع فكذلك العملية الإنتاجية تقتضي المقياس المتساوي للناس وهو المساواة ؟
ورغم ذلك لا تتحقق الوحدة فيستمر شعور الإنسان بالانفصال . مما يدفعه كما أشرنا لتعاطي المسكرات، والمخدرات ، الجنسية الاغتصابية والانتحار وغيرها..
ومما يساعد على التماثل روتين العمل وروتين اللذة ، فجميع المواطنين يؤدون مهام رتبها البناء الكلي للتنظيم الصناعي البرجوازي وحتى المشاعر تكون مرتبة كالاحتفاء والتسامح والطموح والفكاهة والكتب والأفلام وكذلك الإبداع ، فالعامل أو المبدع يلتصق بما كتب له ، فهو يكف عن أن يشكل هوَّ خاص به ، أية وحدة إذاً وراء هذا الامتثال وأي حب ؟
هناك كذلك أشكال أخرى للعلاقة بين البشر فهناك العلاقة التكافلية الموجودة بين الأم والابن فالابن يعتمد عليها وهي تتجمل به وتشعر بمعنى وجودها وهناك الشكل السلبي للعلاقة كالعلاقة المازوخية بين الاثنين أو العلاقة السادية ويحتمل أن يكون الشخص نفسه مازوخيا وسادياً ، حتى الأنظمة العربية نجدها سادية اتجاه شعوبها كما الرجل اتجاه زوجته. ومازوخية اتجاه الدول العظمى كما الرجل أيضاً اتجاه رب عمله؟
أما العلاقة ذات القيمة فهي علاقة الحب الناضج حيث يتغلب الإنسان على الشعور بالعزلة والانفصال ويحدث الوحدة مع الآخرين أنثى ، صديق ، مجتمع ، عالم ، بيئة ، وعائلة ، دون استغلال أو هيمنة أو سادية أو مازوخية ،وعلى أساس التشارك لا المساواة الصورية أو القانونية..
هذا الحب يتضمن العطاء والنشاط وليس بهدف التلقي المباشر، ففي العلاقة الجنسية فإن ذروة الوظيفة الجنسية تكمن في فعل العطاء ، فالرجل يعطي نفسه وعضوه الجنسي للمرأة والمرأة تعطي نفسها وتحتوي ذاك العضو ثم تعطي لابنها حليبها ودفأها الجسماني ونفسها للنامي في أحشائها ، وهذا يفترض حكماً تجاوز كل المعيقات المادية والسياسية والاجتماعية بالضرورة .
العطاء المتدفق يتضمن الفرح والسعادة وبالعطاء الحقيقي يتلقى الإنسان ثانية ويعود إليه الحب من جديد فهو يتضمن جعل الشخص الآخر محبوباً والاثنان يشتركان في فرح ما ، و يحملاه إلى الحياة بصورة دائمة ..
فالقدرة على الحب كفعل عطاء تتوقف على طبيعة تطور الشخص ، إنها تفترض اجتياز نزوع منتج ، فالشخص يكون قد قهر التبعية والشمولية والنرجسية والرغبة في استغلال الآخرين أو كنز المال وكل ما يخص مطامح الأفراد الرأسماليين ذكوراً وإناث ، وهو ولا شك حاصل على الإيمان بقواه الإنسانية والشجاعة في الحصول على أهدافه وهذا ينطبق على الأفراد جميعاً وينعكس بدوره على مجتمع الأسرة والمجتمع العام ..
إلى جانب العطاء تتضمن شخصيته الحب والرعاية والمسؤولية والاحترام والمعرفة وكذلك الاهتمام فالحب والعمل لا ينفصلان ، كما الحب والمجتمع.
فالشخص المحب ، شخص دائم الاستجابة ؛ فحياة أخيه مثلاً ليست شغل أخيه وحده. بل هي شغله أيضاً واختياره الواعي، ففي هذا الفعل يتجاوز الإنسان الفكر والكلمات والممارسة النظرية ويطبقها عملياً وفق ما استقاه من معارف .
إريك فروم ، الذي نستند إليه في مقالتنا ، يوجه نقداً للمفكر الشهير سيجوند فرويد فيرى أن خطأه الأساسي أنه نظر للحب كإعلاء وتسامي عن الغريزة الجنسية بدل أن يتبين أن الرغبة هي تجل من تجليات الحاجة إلى الحب والاتحاد.وربما يستند فهمه في نظرته تلك إلى الليبيدو الذي يعتبره ذو طبيعة ذكرية .أو لاعتقاده أن الحب ظاهرة غير عقلانية أو أنه شذوذ أو ظاهرة جنسية محضة وهذا ينطبق على الرخص في العلاقات الإنسانية في المجتمع الرأسمالي بصورة حادة؟
الحقيقة أن المرأة ليست رجلاً مخصياً وأن جنسيتها هي جنسية أنثوية بشكل نوعي وليست جنسية ذكرية وإن للطابع الذكري في الوظيفة الجنسية صفات متعددة كالنفاذ والهداية والنشاط والتنظيم والمخاطرة أما الأنثوي فله صفات كالتلقي المستمر والحماية والواقعية والأمومة . كل هذا دون نسيان أن كلا الخصائص ممتزجة في كل فرد ،ولكن مع تميز لجنسيته "هو" ولجنسيتها "هي" ..
أما الحب فيتجاوز ذلك ، هو علاقة بشخص معين ، وموقف واتجاه للشخصية يحدد للشخص علاقته بالعالم وضمنها علاقته بعائلته .
ويمكن القول أن الحقيقة في عالم البشر الواقعي وبخصوص الحب والكراهية والطموح والغيرة يمكن تفسيرها عبر شمولية الوجود الإنساني والعلاقات الاجتماعية التي تربط البشر ببعضهم..
وبالتالي إذا كنت أحب شخص واحد ، فهذه أنانية محضة حتى لو كانت الزوجة أو الصديقة . لان الحب الحقيقي لشخص ما يجب أن يسمح للفرد بأن يحب الأشخاص جميعاً والعالم والحياة ، فالحب نزوع يشير إلى الكل وليس إلى الواحد ، فهو إذن لا يتجزأ وهو تعبير عن الإنتاجية في إنسانية الإنسان...
أما الأناني ، فلا يهتم إلا بنفسه ، ويريد كل شيء له ، ولا يشعر بأية لذة في العطاء ، بل يشعر بها فقط في الأخذ ، وهو شخص عاجز عن الحب ، وربما أحيانا لا يحب حتى نفسه..
أما عن الحب في المجتمع الغربي المعاصر فهو ككل ظاهرة تتأثر بالحضارة التي توجد بها ، فلو قلنا أن الحب هو مقدرة الشخص الناضجة المنتجة المتأثرة بالحضارة ؛ فإن المراقب الموضوعي للحياة الغربية ونضيف الشرقية ، يشهد تراجعاً للحب الأسري والأخوي والأمومي والجنسي وتقدماً لأشكال الحب الزائف والمؤقت والجنسي وتخلياً عن مفهوم الأسرة أو الصداقة.
إن تفسير ذلك يقوم على أن المجتمع الرأسمالي يرتكز على مبدأ المساواة القانونية المستند إلى حرية السوق وعدم المساس بالملكية كحق مقدس ، وباعتبار هذه الملكية المقدسة هي الناظم للعلاقات الاجتماعية ، فبها تتحول كل الأشياء النافعة والطاقة الإنسانية النافعة والمهارة الإنسانية والحب الناضج إلى سلع يتم مقايضتها كأي سلعة معدة للبيع ودون اعتبار الإنسان – ذكراً وأنثى- قيمة بحد ذاته وبعيداً عن شروط السوق المحددة بالعرض والطلب والاحتكار .
وبإيجاز إن البناء الاقتصادي الرأسمالي ينعكس في بناء هرمي للقيم ، فالرأسمالية تمركز وتركز رأس المال والمشروعات الكبيرة تقضم المشروعات الصغيرة وأصحاب رأس المال ينفصلون عن واقع العمل والبيروقراطية الإدارية التي يُدفع لها تتقدم والعمال يواجهون مصيرهم عبر اتحادات العمال ويتراجع دورهم لصالحها مما يؤدي لافتقادهم الاستقلال والارتهان لمشيئة هؤلاء الممثلين اللذين يهتمون بدورهم لمصالحهم ويصبحون مستغلين جدد ومن النوع البيروقراطي كذلك مما يقلص مساحة الحب والفرح والانطلاق والتشارك ويدمر المعنى ويخلّع الأسر وحياة الأطفال..
فالعامل عبر عمله الروتيني والمنظم تنظيماً دقيقاً أو غير المنظم كما الحال في بلادنا السعيدة لحد القرف يشعر بفقدانه للمعنى ولفرديته ويصبح ترساً مستهلكاً في الآلة ..
أي أن العامل تحول إلى سلعة ، فيحاول عندها أن يستثمر قوى حياته ، طاقاته ، على أنها مشروع استثماري يحقق له أقصى ربح ممكن بشروط السوق القائمة ..
هذا الوضع يدفعنا للقول أن الوحدة القائمة في المجتمعات الغربية هي وحدة القطيع والانصياع للنظام العام ، ومن أبرز خصائصها :
1- الروتين الصارم للعمل الآلي البيروقراطي الذي يكبل الإنسان ويمنعه من التفكير بالتجاوز والاتحاد الفعلي ..
2- روتين التسلية والاستهلاك السلبي للأصوات والأضواء التي تصنعها صناعة التسلية .
3- شراء الأشياء الجديدة بصورة متواصلة ولكن بدون هدف أو كما يقول هكسلي ( العالم الجديد الشجاع ) الإنسان الحديث يتغذى جيداً ويكتسي جيداً ويشبع رغباته الجنسية جيداً ومع هذا هو بلا نفس ..
إذن شخصيتنا في هذا العالم القبيح قد جُهزت للمقايضة والتلقي وللمسامرة والاستهلاك .
هذا العالم الرأسمالي به تنتعش كل أشكال الحب الفاسدة والمشوهة ومنها الحب البد يلي الذي يعيشه الإنسان كمستهلك لصور الشاشة السينمائية والمجلات والصور التي تنشر قصص الحب وأغانيه ، فجميع الرغبات غير المنجزة للحب والاتحاد والقربى تجد إشباعها في استهلاك هذه المنتجات أو تذكر الأيام الخوالي في الماضي أو إمكانية تحقيقه في المستقبل وذلك بسبب افتقاد حياة الحاضر له وقد يبني أسر ويردف البشرية بنسله.
بعد ذلك يمكن القول : لا يكون الحب ممكناً إلا إذا تواصل شخصان معاً من مركز وجودهما فالحب تحد دائم وتحرك ونمو وعمل مستمر ومشترك ، فالشخصان يكونان واحد كل منهما بالنسبة للآخر والدليل هو عمق العلاقة والحيوية والقوة في كل شخص ،وهو ما يسري على العلاقة مع الآخرين والمجتمع ..
هذا الحب الممارس هو كممارسة أي فن من الفنون فهو يتطلب عدة شروط :
- النظام : فلن يفلح أي شخص في أي شيء إذا لم يفعله بطريقة منظمة وممنهجة وهذا يسري على كل حياة الإنسان ..
- التركيز :إنه الشرط الضروري للنجاح في أي عمل أو فن ومشكلة الإنسان المعاصر أنه شخص محاصر بالاستهلاك وهو كثير الأفعال العشوائية ففي نفس اللحظة تراه يقرأ ويتنصت ويتكلم ويدخن ويشرب ويأكل ويعلق إريك بطرافةٍ أن التدخين علامة من علامات هذا النقص في التركيز ،إنه يشغل اليد والفم والعين والأنف .
- الصبر : هذا عامل هام للغاية فإذا أراد أحدهم النجاح فلا بد منه وهو ما يلفظه عصر السرعة البغيض ويحول كل شيء لسلعة ..
- الاهتمام :فإن لم يكن الفن ذو أهمية قصوى فإن الشخص لن يتعلم شيئاً ..
ثم هناك الرؤية الفكرية للحياة والتي تعتمد على النقاط المشار إليها ويعطي مثالاً لتحصيلها طريقة تعلم الطفل للمشي بعد المحاولات اللامتناهية .
وهناك صفات أخرى للحب والتي يجب توافرها عند البشر لنصفهم بأنهم محبين ،ومنها أنه لا بد للشخص من قهر ما لديه من نرجسية وأنانية وأن يتمتع بالموضوعية والفصل بين الصورة الموضوعية وبين الرغبات والمخاوف عن الأشياء.
وإن نقص الموضوعية في الحب ، هو أخطر مسألة في الوجود وملكة التفكير الموضوعي ليست المشاعر وإنما العقل وأما النظرة العاطفية فتأتي أهميتها وراء العقل ومنه يتوصل الإنسان إلى التواضع، فالحب يتطلب بالضرورة غياب النرجسية وتنمية التواضع والموضوعية.
فأنا لا أستطيع أن أكون موضوعياً حقاً بالنسبة لأسرتي إّن لم أكن موضوعياً فيما يتعلق بالغريب والعكس بالعكس ،وهذا يتطلب الإيمان غير المتناقض مع العقل والمرتبط باليقين والصلابة .
ثم يتخذ موقفاً رافضاً للتجريب أو اتخاذ العبر من المواقف الجزئية والمحدودة ليؤكد على ضرورة امتلاك الرؤية الفكرية الفلسفية ،حيث أن عملية التفكير الخلاق في أي موضوع أو حقل من السعي الإنساني تبدأ في الغالب من الرؤية العقلانية..
ولذلك لا بد من الاهتمام بأنفسنا وبذاتيتنا لأنه بدون ذلك سنعتمد على الآخرين ونخضع لهم فالشخص الذي لديه إيمان بنفسه هو وحده القادر على أن يكون لديه الثقة بالآخرين ، فالمهم بعلاقة الحب هو الإيمان بحب الإنسان وبقدرته على إثمار الحب في الآخرين والوثوقية به .
وإن التاريخ البشري برهن على أن القوة هي أكبر انجازات الإنسان تهافتاً وإذلالاً للبشر واستهلاكاً لثرواتهم وإعاقةً للتقدم الإنساني .
فالإيمان العقلي يقتضي الشجاعة والقدرة على المخاطرة والاستعداد حتى لتقبل الألم وخيبة الأمل فلا بد إذاً من ممارسته في كل لحظة .
فالحب الناضج يقتضي الإيمان العقلي والنشاط واليقظة التامة والوعي المستمر وتجنب الكسل الباطني وتضييع الوقت ويتجاوز بالضرورة الحب الأسري أو الجنسي السائد ، فيتوجه للناس جميعاً..
ربما سيسأل البعض كيف سينتصر الحب في العالم الرأسمالي الاغترابي ، نجيب بأن مبدأ المجتمع الرأسمالي ومبدأ الحب متنافران ولكن البشر القادرين على الحب موجودين فيه ، و لو كانوا استثناءات ، وهو ما يؤكد ضرورته ، ولو لم نقتنع به، لن يوجد ، بل ستبقى القيم الاستهلاكية وأشكال الحب الممسوخة هي المتحكمة بحياة البشر ، وبالتالي الحب هو الجواب العقلاني الوحيد على المشكلات الإنسانية.
إذن لا بد أن يوضع الإنسان في مكانه السامي وأن يخدمه الجهاز الاقتصادي وأن يتمكن من المشاركة في التجربة وفي العمل ولا بد من تنظيم المجتمع بطريقة لا تجعل طبيعة الإنسان الاجتماعية المحبة تنفصل عن وجوده الاجتماعي بل تتحد به..
وأخيراً إن الحديث عن الحب ليس وعظاً ولا حلماً بلا عقل بل هو حديث عن الحاجة القصوى والحقيقة المرغوبة في كل مكان وخاصة في الأسر ونحو الجيل الجديد.
إن تركيزنا في هذا المقال عن الحب الناضج بالتحديد ونقدنا لإشكالية الأسرة وبرودة العلاقات بها . تدعو القارئ ليستخلص أن الحب ليس نزعةً جنسيةً ولا علاقة محصورة بين شخصين أو بين زعيم وقطيعه وإنما هو فن كالفنون الكثيرة وهو باعتباره كذلك من الصعب تحقيقه في ظل النظام الاغترابي الرأسمالي الذي يحيا به البشر أو في ظل أي نظام قسري قمعي استبدادي ، وبالتالي لا بد من تملّك هذا الفن بالمعنى المعرفي والعملي وكذلك أشكال المعرفة الحديثة المتعددة الاختصاصات وعلى ضوء المنهجية المادية ، حتى نستطيع صناعة تاريخ جديد فيه حب وأسر بلا مشكلات ولا تشوهات أو انكسارات أو هزائم أو شعور بانعدام الجدوى و عبر وحدة بشرية يتمايز بها الأفراد والأمم ويحققون تطور الشخصية الإنسانية الكاملة والدائمة التقدم ..
اعتمدت في هذه الدراسة على:
1- المفكر وعالم النفس إريك فروم وعنوانه فن الحب وترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد وطباعة دار العودة بيروت عام 2000 وعدد صفحاته مائة وعشرون صفحة ..
2- فريدريك أنجلز : أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ، دار التقدم ، موسكو..
3- الدكتور صادق جلال العظم : في الحب والحب العذري ،دار الغرمق



#عمار_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في التنمية المستدامة
- إستراتيجية الحرب وإستراتيجية التقدم
- ديمقراطية ممكنة ، وديمقراطيات بدون ديمقراطية
- أمريكا وصدام والاقتتال الطائفي
- الشرط الامبريالي وتشكّل الدولة اللبنانية
- بعض مشكلات سوريا في رأس السنة الجديدة
- الأزمة الهيكلية للرأسمالية وبدايات صعود الليبرالية الجديدة
- اليسار الإصلاحي ، المقاومة المعرِقلة ، اليسار الثوري ، هزيمة ...
- الحركات الاجتماعية وعلاقتها بإشكالية الديمقراطية
- دولتين ام دولة ديمقراطية علمانية واحدة
- العولمة والامبريالية
- سياسية التمويل مصالح وأخطار
- أهمية نداء القوى والشخصيات الماركسية في الوطن العربي
- مشكلات وأدوار المنظمات الأهلية
- سقوط التسوية في زمن المقاومة والديمقراطية
- علاقة الهيمنة الأمريكية بأزمة المعارضة العربية
- استبدادية الأنظمة وديمقراطية الشعوب
- الحرب الأمريكية على لبنان
- علاقة الحرب بالطائفية
- المقاومة الوطنية مقابل الاحتلال الإسرائيلي


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار ديوب - قراءة في فن الحب وطبيعته