أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - 4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان















المزيد.....


4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1823 - 2007 / 2 / 11 - 12:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ذكرت الدكتورة وفاء سلطان أنها في إحدى زياراتها لوطنها الأم رأت أناساً نائمين بالمسجد الأموي ورائحتهم تزكم الأنوف، وعلمت أنهم يفترشون أرض المسجد لكي يوفروا أجور الفنادق. فرد عليها الدكتور محمد الحسيني بقوله (وهكذا أعفت ـ وفاء سلطان ـ الأفراد البؤساء وسلوكهم من مسئولية المنظر الذي ازدرته عينيها والذين ظهروا عليه .. وألقت باللائمة على الدين الإسلامي نفسه .. على الرغم من علمها ـ بحكم إسلامها السابق كما تدّعي ـ بأن من المعلوم من الدين بالضرورة أن النظافة هي جزء أساسي من الإيمان بالدين الإسلامي ..!!! وليس هذا فحسب .. بل تقع الدكتورة في تناقضات واضحة ، بدون أن تتنبه لذلك ، حين تقول بأن الأزمة ليست أزمة مال .. على الرغم من سؤالها عن قصة هؤلاء القوم النيام داخل الجامع فيخبروها : [ .. .. أنّهم زوّار من بلاد اسلاميّة ، ولكي يوفروا أجور الفنادق يضطرون للنوم داخل الجامع .. ] .. إذن فالأزمة ـ كما نرى ـ هي أزمة مال ..!!! ولكن ـ وفاء سلطان ـ لا تريد أن ترى سوى أنها أزمة الدين الإسلامي نفسه ..!!!) انتهى.
والدكتور هنا يحاول تبرئة الدين الإسلامي من هذا التصرف ويلقي باللائمة على حجاج مقام الحسين الفقراء. ولكن في الحقيقة فإن السبب في مثل هذا التصرف يرجع إلى الإسلام والثقافة الإسلامية الإتكالية. فالإسلام علّم أتباعه الاتكال على الله في كل شيء من الرزق إلى السفر إلى مكان الإقامة. فالمؤمن يرتدي ثوبه ويحمل عصاه ويتوكل على الله دون أي تخطيط أو إيجاد التمويل اللازم لرحلته. الثقافة الغربية تعلّم الإنسان الاتكال على نفسه والتخطيط لما يريد أن يفعل. الشخص الغربي الفقير الذي لا يملك أجر الفندق لا يسافر إلى أي مكان. أما المسلم فرزقه على الله (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها). ثم أن ثقافة الإسلام الأسطورية علّمت هؤلاء الفقراء الحج السنوي إلى ضرائح الأولياء (إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). فلولا هذه الثقافة الأسطورية لما احتاج هؤلاء الفقراء للسفر إلى دمشق لزيارة مقام الحسين ومن ثم النوم بالمسجد الأموي.
ويزعم الدكتور أن المعلوم من الدين بالضرورة هو أن النظافة هي جزء أساسي من الإيمان بالإسلام. ويجب أن نتذكر أن هؤلاء الناس الذين تحدثت عنهم الدكتورة هم حجاج مقام الحسين، ويفعلون ما يفعله حجاج بيت الله بمكة. لا يحلقون شعورهم ولا يقلمون أظافرهم ولا يقتلون القمل الذي يعشعش برؤوسهم، وحتماً في أيام نبي الإسلام ما كانوا يتحممون طوال أيام الحج لعدم توفر المياه. أهذه هي النظافة المعلومة من الدين بالضرورة؟ ثم ماذا عن السماح للمسلمين، حسب السنة المحمدية، بمسح مؤاخراتهم بالحجارة أو التراب بعد قضاء الحاجة، بل بأي شيء ماعدا العظام لأنها طعام الجن. فقد قال رسول الله لأبي هريرة (ابغني أحجارا أستنفض بها، ولا تأتيني بعظم ولا بروثة). فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: (هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما) (صحيح البخاري، ج2، كتاب فضائل الصحابة، 66). وكذلك يسمح الإسلام لأتباعة بالتيمم بالتراب وبالبصاق في المسجد على شرط ألا يبصق المسلم عن يمينه. لأن الله والملائكة عن يمينه. يالها من نظافةٍ أوصى بها الإسلام.
ويستمر الدكتور في هجومه على الدكتورة وفاء سلطان وأمثالها، فيقول (وفي الحقيقة ؛ تمثل وفاء سلطان النموذج النمطي للغرب ـ وكل من يحذوا حذوها ـ في الهجوم على الدين الإسلامي .. حيث يجري هذا الأسلوب على النحو التالي ..
• أولا : ينسبون ـ دائما ـ كل أخطاء المسلمين العصاة ، والجهلة منهم ، وكذا كل أخطاء الطواغيت من حكام المسلمين ، إلى الدين الإسلامي نفسه .. وليس إلى المسلمين العصاة ، والجهلة ، والحكام الطغاة ..!!! وفي جميع الأحوال الإسلام منهم بريء ..) انتهى.
أولاً: كل الحكام الطواغيت هم من نتاج الدين الإسلامي لأن الله يقول (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء). وبما أنه لا شيء يحدث بدون إرادة الله فإن الطواغيت أتوا للحكم بإرادته. وكان معاوية دائماً يستشهد بهذه الآية ويقول لو أن الله لم يرد لي أن أكون خليفة المؤمنين لنزع عني الملك. أما كون الإسلام أتى بالديمقراطية فقول ينضح كذباً أو جهلاً. الإسلام حتى اليوم يرفض الديمقراطية ويقول فقهاؤه إن الديمقراطية بدعة وكفر. فلو كان الإسلام قد جاء بالديمقراطية، لماذا لم يطبق ولا قطر إسلامي واحد الديمقراطية منذ أن جاء الإسلام من قبل أربعة عشر قرناً؟ أما الآية التي تقول (وأمرهم شورى بينهم) فلا تعني الديمقراطية بأي حال من الأحوال لأن المعنيين بالشورى هم الذين بيدهم الحل والعقد، وليس كافة المواطنين. وقد برهن عمر بن الخطاب على ديمقراطية الإسلام عندما اختار ستة من أصحابه وأمرهم أن يختاروا الخليفة الجديد من بينهم، وكانت الدولة الإسلامية وقتها قد امتدت إلى العراق والشام ومصر. ستة رجال يمثلون كل هذه الأمة.
ويستمر الدكتور فيقول (ثانيا : يقومون بتصدير مشاكل الكتاب المقدس إلى القرآن العظيم ..!!! تحت دعوى أن كل دين هو دين يماثل الديانة المسيحية ( وهي الديانة التي تمثل " الفضيحة العقلية " .. على النحو الذي رأيناه في الجزئين السابقين ) .. وكل كتاب دين هو كتاب يماثل الكتاب المقدس ( وهو الكتاب الذي تشكل الخرافة والأسطورة الفكر الأساسي فيه .. على النحو الذي رأيناه في الجزئين السابقين ) .. وذلك بدون دراسة محايدة تؤكد صدق ما يفترون به على الإسلام .) انتهى.
فإذا كان الكتاب المسيحي ملئ بالخرافة، فماذا يقول الدكتور محمد الحسيني إسماعيل عن الجن الذين كانوا يبنون لسليمان القصور، وماذا يقول عن الجبال التي كانت تؤب أو تسبّح مع داود، وماذا عن الهدهد الذي أتى سليمان بخبر مملكة سبأ. وماذا عن عصاة موسى التي انقلبت مرة ثعباناً ومرة تتلوى كأنها جان. والنملة الحكيمة التي نصحت النمل أن يدخلوا جحورهم ليلا يطأهم سليمان وجنوده كأنما جحر النمل سوف يحمي النمل من أرجل جنود سليمان. وماذا عن يونس الذي ظل ببطن الحوت ثلاثة أيام يحميه تسبيحه لله من الأحماض الهاضمة بمعدة الحوت؟
ويستمر فيقول ( ثالثا : يعتمد الغرب ـ في كل ما يكتبه عن الإسلام ـ على " كتب التراث " وعلى أفكار الفرق الإسلامية المنشقة على الإسلام ، بل ويعتبر فكر هذه الفرق أنها الإسلام الحق ..!!! والمعروف أن الفرق المنشقة على الإسلام هي فرق ليست إسلامية ، كما وإن " كتب التراث " من المعروف أن بها الكثير من الغث والقبيح ، بسبب الإسرائيليات والموضوعات المدسوسة فيها .. بهدف ضرب الإسلام العظيم من داخله .. مثلما سبق وتم تحريف الكتاب المقدس من قبل ..!!! ) انتهى.
وهنا يثبت لنا الدكتور مفهوم ديمقراطية ورقي الإسلام وتحمله للآخر. فكل الفرق المنشقة عن الإسلام، أي التي لاتوافق ما يقول به أهل السنة، فهي فرق خارجة على الإسلام. فالشيعة والإسماعيلية والأباضية والبهائية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم كثير، رغم أنهم يقولون لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فهم ليسوا مسلمين، مع أن الأحاديث العديدة تقول من مات على التوحيد دخل الجنة. فمن هو المؤهل هنا للقول بماهية هذه الجماعات؟ هل نصدق النبي الذي وعدهم بالجنة لتوحيدهم الله أم الدكتور العالم الذي طردهم من حظيرة الإسلام؟ وهل نلوم الغرب لاعتماده على كتب التراث في فهم الإسلام، أم يريد منا الدكتور أن نطلب من اساتذة الجامعات الغربية أن يعتمدوا على الرواية الشفهية التي اعتمدها فقهاء الإسلام، ونأمرهم أن يسمعوا من الدكتور العالم الذي سوف يخبرهم أنه سمع شيخ الأزهر يقول كذا وكذا، وكان شيخ الأزهر قد سمع من خليفة المؤمنين التركي، الذي سمع نفس القصة من الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي كان بدوره قد سمعها من جده العباس بن عبد المطلب؟
والدكتور لا يمل من الاستشهاد بآيات قرآنية تعتمد على افتراضات لا براهين عليها، فمثلاً يقول الدكتور (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) انتهى
ما هو البرهان أن الفُلك تجري في البحر بريح طيب من عند الله. الفلك تجري في البحر الآن بمشتقات النفط وبالطاقة الذرية ولا يهمها إذا هبت الريح أو لم تهب. وإذا ارتفعت الأمواج من كل مكان فإن أسلحة البحرية الحديثة قادرة على نجاة المسافرين ورفعهم بالطائرات العمودية من فوق السفينة المهددة بالغرق. فاستشهاد الدكتور بما لا يمكن اثباته لا يختلف عن الركض وراء سراب يبتعد عنا بقدر المسافة التي نركضها نحوه.
وفي هجومه الكاسح على الدكتورة وفاء سلطان لا يتنبه الدكتور إلى أنه يُظهر إلهه في صورة الطواغيت الذين هاجمهم، فهو مثلاً يقول (فهل تنبهت الدكتورة إلى هذه المعاني الخالدة .. وإلى قوله تعالى ..نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ..؟!!! ..!!! فهل اختلت الدكتورة إلى نفسها لمراجعة كل ما كتبت لترى إلى أي مدى تجنت على الإسلام العظيم .. وحملته أخطاء الطواغيت .. والعصاة والجهلة من المسلمين .. كما وأنها كانت ضحية لجهلها بهذا الدين العظيم ..!!! وأتمنى أن تعي دكتورة علم النفس ـ قبل فوات الآوان ـ قوله تعالى ..
(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) انتهى.
فإذا كان هذا الدين عظيماً، كما يقول، فكيف يكون إلهه منتقماً وشرساً لهذه الدرجة؟ جماعة من خلقه نسوا ما ذُكروا به ففتح عليهم أبواب الرزق حتى فرحوا به، فأخذهم فجأة بعذاب أو موت أليم. هل يختلف هذا الإله عن الانتحاريين في العراق الذين يوزعون الحلوى حتى يجتمع إليهم أكبر عدد من الأطفال والنساء ثم يفجرون سياراتهم المفخخة لتحصدهم جميعاً؟ لماذا مد لهم في الرزق، لماذا لم يقتلهم عندما نسوا؟ وحتى يُثبت لنا إله الإسلام شراسته، يكرر على مسامعنا (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس بما كانوا يفسقون) (ص 26).
ويبدو أن الدكتور يقول شيئاً ويعني شيئاً آخراً، فهو يقول (من أهم أهداف هذا الرد ( أو البحث ) هو التركيز على فضل العلم والعلماء من منظور الدين الإسلامي .. ( مع مقارنة سريعة بما ورد في الديانتين اليهودية والمسيحية عن العلم ) حتى نخرص المرهصون في اتهام الدين الإسلامي بالبعد عن العقل والمنهاج العلمي .. وهو المنهاج الذي يعتبر الأساس الأول في فكر " التحول في النموذج الديني " .. أي الانتقال بالقضية الدينية من " حيز الوهم " ( أي الإنسان هو الذي خلق الإله ، وليس الإله هو الذي خلق الإنسان ) ، أو من " حيز الاعتقاد " ( أي الإيمان بدون برهان ) .. إلى حيز " القضايا العلمية " ذات البراهين الرياضية والفيزيائية الراسخة . بل وسوف يجـد المهتمين بالفلسفة ـ أيضا ـ أن كل أفكار وأسس الفلسفات الحديثة والمعاصرة مثل : " الفلسفة الوضعية المنطقية " [1] و " الفلسفة التحليلية " .. أنها قد تم احتوائها جميعا في الفكر الشامل الذي يقدمه القرآن المجيد .. وهو الفكر الإلهي القاضي بتشكيل الفكر الإنساني على النحو الذي أراده للإنسان .. تحقيقا لقوله تعالى :الله ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8) ) انتهى.
فما علاقة الآيات التي أتى بها بنقل الدين من حيز الاعتقاد إلى حيز القضايا العلمية ذات البراهين الرياضية؟ أنا لم أر أي برهان رياضي في الآيات الافتراضية التي تقول إن الإله خلق الإنسان فسواه فعدله. بل بالعكس فالآيات نقلت الموضوع من مجال العلم إلى مجال الإيمان، أي القبول والتصديق بالشيء بدون أي دليل علمي يدعم ذلك الزعم. وليس في القرآن أي فلسفة تحليلية أو وضعية منطقية. أهل القرآن اضطهدوا الفلسفة والفلاسفة وكفروهم وقتلوهم لدرجة أن حجة الإسلام الغزالي ألف كتاباً وسماه (إلجام العوام عن علم الكلام).
ثم ينتقل الدكتور المهندس بعد ذلك إلى علاقة الإسلام بالعلم، فيقول (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ  وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الحج 54) [ فتخبت له قلوبهم : أى تخضع قلوبهم للقرآن وتذعن بالتصديق به ]) انتهى
ولعلم الدكتور فإن الكلمة (يخبت) لا تعني يخضع وإنما تعني يخفي أو يطمئن، وفي سياق الآية فهي تعني تطمئن له قلوبهم. فإذاً العلم الحق لا بد أن يكون في القلوب وليس في الدماغ لأن الدكتور المهندس قد أثبت أن القلوب تساعد الدماغ على حفظ الذكريات. وقد ساعده القرآن في ذلك، فالقرآن يقول عندما يقرأ الذين أوتوا العلم هذا القرآن تخبت له قلوبهم بدل أن تستوعبه عقولهم. وحتى يبرهن الدكتور على أن الإسلام مبني على العلم، يقول ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنكبوت 43) أى أن كل ما يجىء به القرآن المجيد من أمثال وفكر ، لا يعقلها إلا العلماء . وبديهى وحال الدين هو العلم ؛ أن يقوم علماء المسلمين عقب تنزيل القرآن المجيد مباشرة في القرن السابع الميلادي ( أي وأوربا تموج بالجهل والأساطير والخرافات .. ولا وجود للعلم فيها ) إلى تقسيم النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة ( أي كل ما ورد عن الرسول من أحاديث وأفعال وتقرير ) عن العلم إلى مواضيع وأبواب كثيرة.) انتهى
فإذا كان كل ما ينزل في القرآن من أمثال وحكم لا يفهمها إلا العلماء، يكون الدين الإسلامي دين القلة المميزة ولم يقصد به منزله العوام من الناس. وعليه يكون قول القرآن انه نزل (بلسان عربي مبين) قول مغلوط. فالمبين هو الواضح. فإذا كان القرآن قد نزل بلسان عربي واضح، لا بد أن يفهمه العامة الذين يتكلمون العربية. ثم أن الدكتور قد أخطأ في التاريخ إذ أن علماء الإسلام لم يقسموا القرآن والسنة إلى أبواب عديدة في القرن السابع عندما نزل القرآن، بل بعد ذلك بعدة مئات من السنين عندما جاء البخاري وغيره وجمعوا الأحاديث وأذهلهم الكم الهائل من الأحاديث الملفقة وحاولوا فرز القليل الذي اعتقدوا بصحته من الكثير الزائف، فوضعوا الأبواب والشروط العديدة لما سموه علم الرجال وعلم الحديث وعلم القرآن وما إلى ذلك. وعندما نزل القرآن في القرن السابع كانت اليونان وروما قد عرفتا الفلسفة والرياضيات قبل الميلاد بقرون، وأتى فيثاغورس بنظريته المشهورة واستطاعوا حساب المسافة بين روما والإسكندرية، مستعملين الزوايا والظل فقط، حساباً دقيقاً أثبت العلم الحديث صحته. كل هذا حدث عندما لم تكن اللغة العربية التي نزل بها القرآن قد ولدت من رحم اللغة السريانية بعد. أما الأمثال التي ضربها القرآن وقال عنها (لا يفهمها إلا ألذين اوتوا العلم) فما هي إلا أمثال عامية بسيطة. فمثلاً نجد ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) وهذا المثل نابع من مشاهدة عرب الصحراء القاحلة لكلابهم التي تلهث دوماً لأن حرارة الصحراء قاتلة، ولأن الكلب ليست لديه غدد في جلده تفرز العرق الذي يتبخر فيبرّد الجسم. يعتمد الكلب على تبريد جسمه بإخراج لسانه واللهث حتى يتبخر الماء من على اللسان فيبرد الدم الذي باللسان قبل أن يدور على بقية الجسم، وبالتدريج يبرد جسم الكلب. أما لو ضربت هذا المثل لشخص في أوربا فسوف يضحك عليك لأن الكلب في أوربا، عكس كلب الصحراء، يحاول الحفاظ على حرارة جسمه، فلا يلهث إلا عندما يركض كثيراً ويولد حرارة زائدة بجسمه. أما إذا كان مرتاحاً فهو يبحث عن مكان الدفء ويحفظ لسانه بفمه حتى لا يفقد حرارته.
ويستمر الدكتور المهندس في تخبطه، فيقول (بل أن العلم وطلبه هو المدخل إلى نيل الخلاص ، فطلب العلم هو الطريق إلى الجنة ، كما جاء في قول رسول الله ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ ( الأسماك ) فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) انتهى.
ومن الغريب أن يأتي الدكتور بهذا الحديث الملئ بالخرافة والأخطاء العلمية بعد أن استهزأ بالكتاب المسيحي الملئ بالخرافة. فكيف تعرف حيتان البحر أن اكس من الناس في طريقه إلى طلب العلم فتستغفر له؟ بعض الحيتان تستعمل السونار لقياس المسافات ولكن لا أظن أن السونار قادرٌ على قراءة أفكار الناس ومعرفة نواياهم. فقد يسافر الرجل من السعودية ويقول لأهله إنه ذاهب لطلب العلم في باكستان ويعرّج على بانكوك من أجل الاستجمام قبل أن يصل إلى منبع العلم، فهل سوف تستغفر له الحيتان في هذه الحالة؟ ثم نسأل الدكتور العالم بالكهرباء والإلكترونيات: ما هو فضل القمر على بقية الكواكب؟ فلو صعد الإنسان إلى القمر أو إلى المريخ فسوف يرى الأرض مضيئة كالقمر عندما تتوسط الأرض بينه وبين الشمس. فلماذا الفضل للقمر على يقية الكواكب؟
ثم أن العلم الذي يتحدث عنه الرسول هو علم الشريعة والقرآن وليس العلم النافع الذي قدّم أوربا، لأن هذا العلم النافع لم يكن معروفاً في أيام النبي. وبما أن العلماء وحدهم هم القادرون على فهم العلم القرآني، كما قال الدكتور، فدعونا نقرأ ما يقول هؤلاء العلماء في تعريف العلم: قال محمد بن الفضل البلخي (العلوم ثلاثة: علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي والأحكام والعلم مع الله هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق. وقال ثمرة الشكر الحب لله والخوف من الله) (شذرات الذهب للدكشقي، ج2، ص 282). وقال أبو إدريس الخولاني، عن يزيد بن خمير قال: قلنا لمعاذ: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام.) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 172). فهل نرى نيوتن أو أنشتاين بين هؤلاء الأربعة الذين نستقي منهم العلم؟ العلم في الإسلام هو الحديث والقرآن والسيرة النبوية. فإذا كان العلم الذي أوصى به النبي علماً نافعاً، لماذا ظلت بلاد المسلمين تخوض في بحار الجهل والظلمة منذ أن أتى الإسلام وإلى اليوم؟
وإذا كان العلم مهماً لهذه الدرجة في الإسلام لماذا أختار الله رجلاً أمياً ليرسله لعرب أميين، ثم يبدأ القرآن بآية (اقرأ باسم ربك الذي حلق)؟ فكيف يقرأ الأمي؟ وإذا كان العلم مهماً لماذا يمنع القرآن الناس من السؤال الذي يزيد في علمهم فيقول لهم (لاتسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسؤكم)؟ وعندما سأل الناس نبيهم ليتعلموا منه، لماذا أتاه القرآن بأجوبة تهرّب بها من إعلامهم عما سألوا عنه؟ فمثلاً سألوه عن الآتي:
• ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن
• ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً. فيذرها قاعاً صفصفاً. لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا
• ويسأونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
• ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا
• ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
فهل أجاب القرآن على أي سؤال سألوه عنه؟ هل العلم أن يخبر الناس أن الأهلة مواقيت للناس وهم قد عرفوا ذلك منذ آلاف السنين؟ وهل العلم هو أن يخبرهم أن الله ينسف الجبال عندما سألوه عن كيفية تكوين الجبال؟ وهل المحيض هو أذي؟ لماذا لم يشرح لهم كيفية تكوين الدم في الرحم ثم نزوله كل شهر؟
ولا يستحي الدكتور المهندس أن ينقل لنا قصة خرافية رواها أحد الهنود، عناية الله مشرقي، عن شخص يدعى سير جيمس جينز الذي بكى عندما قرأ له العالم الهندي الآية التي تقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وبما أن القرآن عندما جُمع لم تكن هناك علامات ترقيم وإعراب، ربما كانت الآية الصحيحة (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ) أي أن الله يخاف من العلماء لأن العلماء الشرعيين هم الذين استغلوا الدين لإرضاء السلاطين وتاجروا به وجمعوا ملايين الدولارات من دول الخليج فأودعوها بأمريكا التي جمدتها، ولذلك يخشى اللهُ العلماء. وهنيئاً للسير جيمس دموعه التي ذرفها من مخافة الله فسوف يدخله الله جنات النعيم. أما العلماء الحقيقيون فلا يؤمنون بإله في السماء. فالعالم الإنكليزي واتسن الذي فك لغز ال DNA قال عندما سألوه إن كان يعرف أي علماء يؤمنون بالله، قال (لا أحد) None. وزميله كريك الذي اشترك معه في الاكتشاف، استغال من عضوية جامعة كمبردج لأن إدارة الجامعة كانت قد قررت بناء كنيسة صغيرة داخل الحرم الجامعي. ويقول العالم الإنكليزي رياشارد دوكنز عندما أجرى بحثاً عن العلماء الحائزين على جائزة نوبل للعلوم، وجد ستة فقط يؤمنون بإله في السماء من بين مئات العلماء (The God Delusion. Richard Dawkins, p 100 ). فالعلم والدين نقيضان لا يجتمعان يا دكتور محمد الحسيني إسماعيل.
وأخيراً أقول للدكتور المهندس: إذا أردت أن تحاور طبيبة عالمة مثل الدكتورة وفاء سلطان فأرجو أن يكون نقاشك علمياً مدعماً بالحجج العلمية والمصادر، بدل أن تحشوه بآيات القرآن



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 3/4
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 2
- محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 1
- الإسلام وجراب الحاوي
- وثنية الإسلام
- نهرو طنطاوي ولغة القرآن
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ 3-3
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ 2-3
- هل الإيمان بالإسلام يؤدي إلى التخلف؟ - 1
- زغلول النجار والسموم الإسلامية
- الأديان ليست سماوية
- تغيير مهمة الإله
- الإسلام والشبكة العنكبوتية
- هل يحق لرئيس جامعة الأزهر أن يفاخر
- الإسلام هو القاسم المشترك
- أنثى موزعة الحقيقة بين الجاهلية والإسلام 2-2 تعقيباً على عبد ...
- أنثى موزعة الحقيقة بين الجاهلية والإسلام 1 -2
- مفردات الجنس عند العرب
- أسطورة العدل الإلهي
- الإسلام يذل المرأة


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - 4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان