أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية المتزنة والأغنية الفصامية من اتصال















المزيد.....


في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية المتزنة والأغنية الفصامية من اتصال


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1821 - 2007 / 2 / 9 - 08:41
المحور: الادب والفن
    


يعتبر الأستاذ محمد سعيد الريحاني من الأدباء الشباب الغزيري العطاء في العصر الحاضر فهو باحث أكاديمي ومترجم وقاص مغربي من مواليد 23/12/1968، بمدينة القصر الكبير/المغرب، حاصل على شهادة الإجازة (ليسانس) في الأدب الإنجليزي، عضو مجموعة من الإطارات المتميزة والمشهورة دوليا كمنظمة “كتاب بلا حدود” الدولية،و الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، و اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
فاز ب” جائزة ناجي النعمان للإبداع” لسنة 2005 عن مجموعته القصصية “هكذا تكلمت سيدة المقام الأخضر ” .
حائز على “تكريم” من الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب ضمن التكريم السنوي الثالث لفاتح يناير من سنة2007 .
يسهر حاليا على ترجمة خمسين (50) قاصة وقاصا مغربيا إلى اللغة الإنجليزية ضمن مشروعه الغدوي الرائد “الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة” الرامي إلى ثلاث غايات أولها التعريف بالقصة القصيرة المغربية عالميا؛ وثانيها التعبئة بين أوساط المبدعات والمبدعين المغاربة لجعل المغرب يحتل مكانته الأدبية كعاصمة للقصة القصيرة في المغرب العربي إلى جانب الجزائر عاصمة الرواية وتونس عاصمة الشعر؛ وثالثها التأسيس ل”مدرسة” مغربية قادمة للقصة القصيرة الغدوية عبر هدم آخر قلاع العتمة في الإبداع المغربي (الحلم والحب والحرية) واعتماد هده “الحاءات الثلاث” مادة للحكي المغربي الغدوي التي بدونها لا يكون الإبداع إبداعا. “الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة”مشروع ثلاثي الأجزاء على ثلاث سنوات: “أنطولوجيا الحلم المغربي” سنة 2006، “أنطولوجيا الحب المغربي” سنة 2007، و”أنطولوجيا الحرية” سنة 2008 .
صدر له باللغة العربية:

1. “الاسم المغربي وإرادة التفرد” ، دراسة سيميائية للإسم الفردي ، -2001-
2. “في انتظار الصباح” ، مجموعة قصصية ، -2003-
3. “موسم الهجرة إلى أي مكان “، مجموعة قصصية، -2006-

له، باللغة العربية، عدد من الدراسات والمجاميع القصصية قيد الإعداد للطبع:
1. “الأعمال الكاملة”، المجاميع القصصية، المجلد الأول
2. “الأعمال الكاملة”، الدراسات الإسمية
3. “دفاعا عن القراءة”، حول أشكال النهوض بفعل القراءة عربيا
4. “ما وراء الكتابة والقراءة”، شهادات في الإبداع والتلقي
5. “إرادة الإختلاف”، دراسات إسمية في الهوية والمغايرة
6. “رهانات الأغنية العربية”، دراسة في واقع وآفاق الأغنية العربية

7. “ثقافة الحوار”، حوارات صحفية منشورة
8. “وراء كل عظيم أقزام”، مجموعة قصصية
9. “كتاب الأغاني”، مجموعة قصصية
10. “بطاقة هوية”، سيرة ذاتية روائية

وباللغة الإنجليزية:

THE PROMETHEAN PASSION
(ESSAYS ON GEORGE BERNARD SHAW’S DRAMA & PHILOSOPHY)

WAITING FOR THE MORNING
(SHORT STORIES )

KAIS & JULLIETTE
(AN E-LOVE NOVEL )

SELECTED STORIES
(AN ANTHOLOGY )

THE MOROCCAN DREAM
(AN ANTHOLOGY OF MOROCCAN NEW SHORT STORY)

وبما أنه يعد حاليا من أبرز المتخصصين في النقد الغنائي بالمغرب وبالوطن العربي فقد خصنا بهذا الحوار الشيق الذي نناقش فيه راهن وآفاق الأغنية الملتزمة عامة والمغربية خاصة.

سؤال: أطلقت تسميات عديدة من طرف رواد الأغنية الملتزمة على هذا النوع ، فسماها البعض الأغنية السياسية والبعض الملتزمة وآخرون الأغنية الجديدة ….بل رفض البعض هذا التصنيف ، بل و اعتبر مارسيل أن ذلك يذكره بتصنيفات قديمة كشاعر الغزل والمدح ……ماهي التسمية المناسبة في نظرك؟

جواب: الأغنية الملتزمة ظهرت في الوسط الفني بعد شيوع تنظيرات الفيلسوف الفرنسي المعروف جون بول سارتر حول الأدب الملتزم فكانت الأغنية الملتزمة في عز المد الثوري في كل بقاع الأرض في الستينيات وكانت تعني “الأغنية السياسية الثورية” أي أن الأغنية الملتزمة ارتبطت في بداياتها باليسار (فالأغنية غير اليسارية لم تكن تعتبر أغنية ملتزمة ولو كانت أغنية وطنية). وابتداء من السبعينيات امتدت الأغنية الملتزمة لتشمل اليمين أيضا، فصارت الأغنية الملتزمة تعني “الأغنية الدينية” كذلك… ووسط هد التجاذب بين الدين والسياسة، حرمت المجموعات الغنائية المغربية مند السبعينيات من الاعتراف بها كفرق موسيقية تؤدي “أغان ملتزمة”. فمجموعة “ناس الغيوان” التي لم تكن ملحقة لأي حزب يساري اعتبرت مجموعة “شعبوية” بينما اعتبر المطرب سعيد المغربي المنخرط في العمل السياسي اليساري “فنانا ملتزما”…
الفن الملتزم كان ولا زال يقيم على أساس العضوية في الحزب اليساري أو الإسلامي وليس أبدا على أساس مضامين النص الشعري أو الموسيقي أو حتى شكل الأداء الفني… هدا من جهة.
ومن جهة ثانية، الفن الملتزم كان “أحيانا” يضاف عليه مسحة مقدسة لقطع الطريق على النقد الفني والموسيقي كي لا يخلخل بنيانه الهش… وكان دلك سببا في اضمحلال الفن المسمى ملتزما وتلاشي المفهوم. أعتقد انه آن الأوان لتجديد الأغنية العربية وفقا لمنظور جديد رحب غير إقصائي يشمل الجميع ليرتقي الدوق الفني. فأي أغنية قامت على غير أسس جمالية محكوم عليها بالفشل. ولنا في مسار الفيلسوف الألماني الكبير هيغل خير مثال: ففلسفته القائمة على أسس إيديولوجية سياسية تجوزت في نفس الفترة التي ولدت فيها مع فلاسفة المادية الجدلية ولكن نظريته في علم الجمال صمدت لمدة قرنين من الزمن ولا زالت صامدة. أعتقد انه آن الأوان لتفكيك مفهوم “الأغنية الملتزمة” و”الأغنية التجارية” وبناء مفهومين أكثر رحابة وأنا اشتغل أكثر على مفهومي “الأغنية المتزنة” و”الأغنية الفصامية”. إدا كان الولاء في مفهوم “الأغنية الملتزمة” حزبي أو ديني، فإن الولاء في مفهوم “الأغنية المتزنة” إنساني. إن الأغنية لا تكون أغنية دون انسجام داخلي بين مكوناتها، دون مصالحة بين النص الشعري واللحن والتوزيع الموسيقي والأداء الصوتي. “الأغنية المتزنة” أو الأغنية الواعية، أو المتناسقة، أو المتناغمة أو المتصالحة مع ذاتها تقف في تعارض مع “الأغنية الفصامية” الشيزوفرينية المصابة بانفصام الشخصية وازدواجية النص والأداء والطلاق مع الصدق الفني سواء كانت ملتزمة أو تجارية.

سؤال: من يحدد معيار/ مقياس الأغنية الملتزمة؟ هل رقة وانسياب اللحن والنغم أم قوة وعنف الكلمة أم هما معا ؟

جواب: في “الأغنية الملتزمة” المعيار الفني غير وارد لا عند اليسار ولا عند الإسلاميين، المهم هو العضوية للحزب أو الجماعة أو غيرها من تسميات وبعد دلك يأتي النص الشعري. لقد ربطت الأغنية الملتزمة الأداء الغنائي بالموقف السياسي ولدلك كان هدا المفهوم مجحفا فقد كانت أغاني نعيمة سميح ملتزمة بالموقف النسائي وهو شكل آخر من أشكال الالتزام التي لم يتحدث عنه أحد ممن يقدمون أنفسهم نقادا فنيين ونقادا جماليين. ولأن أغاني نعيمة سميح التزمت الموقف النسائي فلم يتقدم ولو رجل واحد في أي برنامج من البرامج التلفزية لا المغربية ولا العربية بإعادة أداء أغاني نعيمة سميح رغم التهافت الواضح للرجال على إعادة أداء أغاني ام كلثوم… فقد كانت أغنية’’ ياك اجرحي ‘’ للمطربة المغربية القديرة نعيمة سميح قد كتبت ولحنت خصيصا لامرأة خارجة “للتو” من المستشفى لتغني ببحة صوتها وعياء مظهرها المعهودين، عن جرح… وهدا ما ساهم في توحد المطربة لاحقا مع أغنيتها حتى صارت أغنية’’ ياك اجرحي ‘’ عند نهاية السبعينات، أغنية جرح كل النساء اللواتي اقبلن عليها حفظا وتقليدا بشكل منقطع النظير. ولا أدل على هذا الصدق الفني النادر في تاريخ الأغنية المغربية من كون هذه الأغنية، بعد مرور أكثر من ربع قرن من الزمن على تسجيلها، لم يجرؤ كما قلت ولو مطرب واحد ذكر على إعادة أدائها. فقط المطربات الإناث ، المبتدئات والمتمرسات على السواء، هن من تقدمن في الماضي ولا زلن يتقدمن لأدائها بكل ثقل الصدق الفني الموروث عن مطربته الأصلية، نعيمة سميح. فإذا كان ضروريا للفن أن يكون ملتزما، فاعتقد انه عليه أن يلتزم بالمصالحة مع دانه ومع مكوناته الداخلية: أن ينظم الشاعر قصيدة يستشعرها، وان يترجم المبدع القصيدة إلى أنغام، وان يقتنع المطرب بما يغنيه ويجسده ما دام هو مجرد مَعْبرا لرحلة الأغنية إلى وجدان الجمهور. إن الغناء نافذة للتعبير عن مكنونات الذات.لذلك فهو لا يمكن أن يكون مُعبِّرا إلا بواسطة ذات مغنية تستحضر التجربة المتغنى بها وتتوحد معها بحثا عن الصدق الفني الذي يرفعنا للأعالي وعن الصدق الوجودي الذي يعلمنا كيف نمارس تنظيراتنا وكيف نكون نحن، كيف نكون أنفسنا. إن مجتمعاتنا التي تعاني من الإرث الثقيل للازدواجية (الأصالة والمعاصرة، النقل والعقل…) لا يمكنها في أي عصر من العصور أن تكون “ملتزمة” بمرجعية من المرجعيات دون أن تكون متصالحة مع ذاتها.

سؤال: هل الانحسار الذي تعانيه الأغنية الملتزمة مرده إلى أزمة إبداع ؟ أم أزمة جمهور ومتلقي ؟ أم أزمة ذاتية وعدم قدرتها على منافسة الأغاني الخفيفة التي وجدت دعايتها كثيرا عبر وسائل الإعلام ؟؟

جواب: التعارض الشائع هو تعارض بين “الأغنية الملتزمة” و”الأغنية التجارية” لكنني أفضل مفهومين مختلفين: “الأغنية المتزنة”، أو الأغنية المتناسقة، أو المتوافقة، أو المتناغمة أو المتصالحة مع ذاتها في تعارض مع”الأغنية الفصامية” أو الأغنية السكييزوفرينية. إن ما يميز الأغاني الجيدة عن الأغاني الفقيرة ليس مضمون النص الشعري أو جودة اللحن أو مهارة التوزيع أو قدرة المطرب على التحرك في السلم الموسيقي صعودا ونزولا. إنما القول الفصل بين الريادية والإسفاف في الأغنية هو درجة الوعي بالنص المتغنى به. فمتى حضر الوعي بالنص كانت الأغنية واعية وكان الأداء منسجما لحنا وتوزيعا وغناء. ومتى غاب الوعي بالنص غاب الانسجام الموسيقي لحنا وتوزيعا وغناء فظهرت الأغنية تقول ما لا تؤديه وهو ما يمكن تسميته بالأغنية السكييزوفرينية، باستعارة معجم علم النفس. فمفهوم “الأغنية المتزنة” أو الواعية عندي أشمل من “الأغنية الملتزمة” لأنه يركز على الفعل والممارسة: أن ينتج الشاعر نصا يستشعره وأن يجسد الملحن النص الشعري لحنا موسيقيا وأن يعيش المغني التجربة أمام المايكروفون… بينما تبقى الأغنية الشيزوفرينية منفصمة الشخصية مفككة المعالم لا يربط بين مكوناتها رابط فقد يكون النص الشعري يتغنى بحبيب دكر في قالب موسيقي حزين بينما المطرب ناشط من عقال… إن الأغنية الشيزوفرينية تعتمد في وجودها ككل على “النمطية” في كل شيء: فالإيقاع جغرافي محلي والغزل الفاشل المرتجل هو النص والوجه المعروف صالح لغناء كل الأنماط الموسيقية… والنتيجة هي ملء الفراغ بالكثير من الدبدبات الصوتية ما دامت الطبيعة كما قال أرسطو تخشى الفراغ!!! …
سؤال: لماذا تعجز الأغنية الملتزمة حاليا عن أداء دورها التاريخي والمتجلي في تعبئة وتحرير الإنسان رغم أن الأوضاع ازدادت مأساوية مقارنة مع فترة السبعينات والثمانينات ؟ جواب: في البدء كان دور الموسيقى المسموعة هو “الإمتاع” عن طريق الطرب والموسيقى، ومع موسيقى الأفلام تحول الهدف إلى “إنجاح الفيلم” عبر بوابة الموسيقى حيث كانت الخلفية الموسيقية للفيلم تعزز الأثر الفني لدى مشاهد الفيلم. أما في زمن الفيديو كليب فقد انقلبت الأدوار وصارت دلالة “إنجاح الأغنية بين جمهور الأغنية” هي “رواجها في السوق”. إنه انقلاب من سلطة الإبداع والرأسمال الرمزي إلى سلطة المال والرأسمال المالي. لقد انقلبت السلطة الفنية في الزمن الراهن منتقلة من “سلطة المطرب” أو “سلطة المبدع/الملحن” في وقت من أوقات الزمن الماضي إلى “سلطة الفيديو كليب” وسلطة دار إنتاج الفيديو كليب. أما الآن، في زمن صعود الصورة وأفول الاهتمام بالبث الإذاعي المسموع، فالسلطة قد انتقلت إلى شركات إنتاج الفيديو كليب وهده الشركات يهيمن عليها خصوم أحزاب اليسار العربي الدي يتبنى مفهوم “الفن الملتزم”.

سؤال: لماذا فشل الفنانون الملتزمون في إيجاد موطئ قدم حقيقي في الساحة الفنية هل هي سلطة المال ؟أم الجهل وغياب الوعي المجتمعي؟ أم قوة الإعلام أم…….؟

جواب: “الأغنية الملتزمة” العربية التزمت المواجهة مند البداية مع الأنظمة الخالدة. ولدلك حكم عليها بالفناء . إدا كانت الأغنية عند كل المجتمعات تتوزع بين الغناء عن الواقع وبين الغناء عن المثال، فإن الأغنية العربية اختطت لنفسها مند أزيد من ثلاثة عقود طريقا ثالثا غريبا وهو: الغناء للتشويش على التفكير ولملء الفراغ وتعكير صفو البال… مند أزيد من ثلاثة عقود والغناء في العالم العربي يخدم قضية النظام العربي الأولى: دعم حالة الاستثناء المعلنة وغير المعلنة… بما في دلك التشويش على التفكير باستخدام خمسة وعشرين في المائة من قنوات القمر نايل سات “للغناء الفصامي” السكيزوفريني والصور غير الدالة والضوضاء غير الخلاقة…

سؤال: كيف تتحدد العلاقة بين الفنان الملتزم والجمهور ؟ هل المبدع هو الذي يفترض فيه النزول للواقع وتجلياته والتقاط تفاعلاته ؟أم الجمهور الذي يتلقى الإبداع…؟

جواب: العلاقة بين “الفن المتزن” والجمهور هي “علاقة تعاقد” لا علاقة تنازل او تجاهل. الإبداع تواصل راق يطلق العنان للمشاعر الإنسانية النبيلة ويحسس الناس بحريتهم ويستدرجهم للاستمتاع بها. الإبداع مطلب وجودي يتمظهر في شكل واجب ينتظر من الجمهور القيام به من خلال الوعي بحريتهم واستثمارها. إن المجهود الكبير الذي يبدله كل مبدع قبل إخراج عمله للوجود لأكبر دليل على هذا الاعتراف بحرية الجمهور الذي قد يلقي الأغنية في وجه أصحابها إن أظهر هؤلاء نفاقا أو تحايلا على حريتهم. إن الامر يتعلق ب”تعاقد” بين طرفين متكاملين لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا سلطة لهذا على ذاك. هذا التعاقد بين الأحرار في الأغنية هو ذاته “التعاقد” الذي ننشده في الحياة السياسية بين الحاكم/المغني والمحكوم/الجمهور وأساسه الثقة المتبادلة والحرية كصفة وجود لكل منهما والعمل على إعلاء راية القيم الإنسانية النبيلة… سؤال: صرح مارسيل خليفة يوما أن الأغنية هي جعل الكلمات تتراقص من دون توقف*، من أوقف و يوقف الكلمة راهنا ولو في منتصف الطريق ؟ جواب: الموسيقى شكل خالص. ولأنها كذلك فإنها صانعة الدلالة ومولدتها. يجب أولا التمييز بين نوعين من النصوص : النص المجرد (كلام، رأي، قيمة…) والنص المجسد ) الشكل الذي يحقق كل نص مجرد وجوده(.إنه تمييز بين العام المطلق وبين الخاص النسبي المحدد في الزمان والمكان. ولعل ما جعل النص المجرد يستحيل نصا مجسدا، نسبيا ومتفردا هو تدخل ” الجسد”. إن وظيفة” الجسد” هي جعل النص الثابت متحولا ومتغيرا ومتفردا.آنذاك فقط يبدأ المعنى ويتأسس. وقد كتب الدكتور عبد الكبير ألخطيبي في كتابه المعروف ” الاسم العربي الجريح”: ‘’ ليس الجسد هو النص، ولكن الجسد هو الصورة الغامضة لنصوص يتيمة لانهائية. إن الجسد ليس شيئا آخر سوى منتج لهذه النصوص لانهائية.’’ فإدا كان الكوميدي قادر على جعل خطابات الساسة بنقطها وحركاتها محط سخرية بمجرد تشغيل إيماءات غير مناسبة ، فإن الغناء والموسيقى عموما يمكنها يمكنها ان تجعل من الكلمات يمامات برية طليقة.
سؤال: كيف تنظر للمسار التاريخي والحالي للأغنية الملتزمة خاصة أن سعيد المغربي صرح مؤخرا للجريدة الأخرى حين سئل عن مارسيل خليفة ماذا يغني الآن؟؟ إنه يعزف موسيقى ويبحث في أمور موسيقية أكثر منها سياسية………” لقد كانت أغنية مارسيل أغنية مهادنة، أما نحن فكنا في إطار صراع سياسي طبقي داخل البلاد” ؟
؟ جواب: لا أعتقد أن الأمر يتعلق بمزايدة فنية أو غير فنية. الأمر لا يعدو كونه اختيار لحجم الجمهور المراد التواصل معه. فبينما اختار مارسيل خليفة الجمهور العربي ما دامت القضية الفلسطينية قضية عربية، ركز سعيد المغربي على الجمهور المغربي.

سؤال: كيف تقيم الواقع الحالي للأغنية الملتزمة عامة والمغربية خاصة؟ هل فعلا أن الأغاني التي تفاعل معها الجمهور خاصة الطلبة والمثقفين في الماضي لم يعد لها مبرر الآن ؟؟ أم أن ظرفيتها منعدمة ..لنلاحظ كيف ملأت الأغنية الملتزمة وسائل الإعلام في حرب الخليج وفي الحرب الأخيرة ضد لبنان واختفت بعد ذلك ؟؟

جواب: الأغنية هي ذاكرة بالنسبة لمن عايش ميلادها ونموها. فالأغنية كائن حي ينمو ويشيخ ويموت ليفسح المجال لميلاد نوع غنائي جديد. لكن الغناء في كل مراحل دورته الوجودية يبقى في النهاية وجدان لكل من قدر له الميلاد والحياة في تربتها وتحت سمائها… الأغنية هي انتماء للأرض. فكما غنى سيد مكاوي: “الأرض بتتكلم عربي”… إن الأرض التي أنتجت هده النباتات المحلية المتفردة حولنا كشجرة الأركانة التي لا يمكنها النبات في أي تربة خارج المغرب هي ذات الأرض التي رعت الحيوانات الأخرى التي لن تجدها في أي غابة من غابات المعمور وهي ذات الأرض التي أنتجت هده البشرة المميزة لسكان المغرب العربي التي يلقبونهم في فرنسا تبعا لها “les Beurs” وهي ذات الأرض التي أنتجت هده الموسيقى وهدا الغناء… إن الأرض تتكلم من خلالنا وكل هدا التعدد الغنائي ما هو إلا لغة الأرض: لغة الوطن.

سؤال: كتب الكثير عن تجربة المجموعات الموسيقية في المغرب ،هل فعلا كانت ظاهرة عاشت لحظتها ،وتراجعت بعد ذلك لتظل مجرد ظلال وأطلال من الماضي تحضر أحيانا لأغراض مختلفة (تجارية ،تعبوية ،….) ؟؟

جواب: أقول دائما أن أي مشروع لتجديد الخطاب العربي العام لابد له من إدراج تجديد الخطاب الغنائي ضمن جدول أعماله. بل من الأجدى إعطاء الأولوية في التجديد للأغنية العربية وجعلها قاطرة للمشروع العربي الغدوي مضمونها “التعددية” ولسانها “الحوار”، الحوار الشامل: حوار المغنين، حوار الآلات، حوار المقامات… لقد قال أحدهم ذات مرة:”إذا أردت التعرف على شعب، فاستمع إلى موسيقاه “، فلماذا لا نكون أسياد أنفسنا ونصنع لذواتنا صورا مشعة تجعلنا جديرين بالوجود وتغري الآخرين بقيمة حضورنا وفعلنا الإنسانيين ؟ المجموعات الغنائية المغربية مند السبعينيات من القرن الماضي، حاولت بعث هده الصورة المشعة لتضيء الطريق نحو أفق مغاير يغري بالتجربة. لكن ما حصل وبكل جرأة هو أن هؤلاء الشباب الموسيقيين اصطدموا بواقع أكثر مرارة من الواقع الذي قصدوا تغييره بالأغنية. لقد اصطدموا بمثقفين أميين في الفن وبمنظمات جماهيرية فغابت فرصة التاطير السياسي والثقافي لتلك المجموعات وضاعت معها فرصة العمر.

سؤال: كلمة أخيرة ؟

جواب: لا يخفى عليك أنني أضع حاليا اللمسات الاخيرة لكتابي “رهانات الأغنية العربية”. وهذا الكتاب، “رهانات الأغنية العربية”، هو انتصار لروح الإيجابية في الإبداع الإنساني عموما والأغنية العربية خصوصا. فهو يرى “الحرية” كقيمة محورية لكن من منظرو مغاير لمفهوم “الحرية” في التقليد الثقافي العربي الذي يقرن “الحرية” باستقلال الوطن ومقارعة المحتل. أو ربما بدت مختلفة عن مفهوم “الحرية” في العرف الشعبي العربي الذي يقارن “الحرية” بنقيضها الثابت “العبودية” أو “الأسر”. إن مفهوم “الحرية” في هدا الكتاب يقدم زاوية ثالثة لمثلث “الحرية”، بالإضافة إلى زاويتي مقارعة المحتل حتى الاستقلال ونقض العبودية والأسر. لمفهوم “الحرية” في هذه الدراسة وظيفة تكميلية لمفهوم “الحرية” في الذهنية العربية. إن مفهوم “الحرية” الشائع في الثقافة العربية هو مفهوم مرتبط بالتحرر من سلطة الخارج ومن هيمنة الآخر. أما مفهوم “الحرية” الذي يمد هذا الكتاب بالقوة المنتظرة منه، فهو مفهوم يقدم حرية مرتبطة بسبر أغوار الداخل: أعماق الذات. إنه تحرير القوى الداخلية عبر مصالحتها والمصالحة معها. ولذلك كان مفهوم “الحرية” الذي يدير كل أعمالنا لا يتحقق إلا عبر بوابة “التوحد”: توحد القول والفعل، توحد الفكر والقول، توحد الفكر والفعل، توحد الصوت والصورة، توحد النص والمغني… الحرية ، بمعناها الكامل إذن، تقتضي التحرر من الخارج/الآخر وتحرير الداخل/الذات. فلا حرية، إذن، دون المصالحة مع الذات وتحريرها: فما جدوى الاستقلال عن الآخر مع البقاء مكبلا من الداخل؟ ولا حرية خارج “التوحد”: لا حرية تحت راية الازدواجية والسكييزوفرينية وانفصام الشخصية… ولذلك يختط هذا الكتاب طريقه نحو القارئ برسالة واضحة تتغيا طرح مطلب الصدق الفني والمصداقية في الإبداع الفني العربي عبر بوابة الحرية والتحرر والتحرير. وكل أملي هو أن أرى مفاهيم هدا الكتاب وكشوفاته حية خارج دفتيه خفاقة في قلوب الملايين من العشاق الأغنية العربية، مبدعين ومطربين وشعراء وجمهور مستمعين ومشاهدين.



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيمة المرض في نص - مأدبة الدم - للفقيدة مليكة مستظرف
- بور تريه الفنان الملتزم سعيد المغربي
- السلام.........السلام
- أحمد فؤاد نجم
- الرحيل
- في الذكرى الخامسة لموقع الحوار المتمدن
- بورتريه حول الفنان المغربي الراحل العربي باطما
- المستنقع
- الشيخ إمام محمد عيسى
- مفهوم الأغنية الملتزمة
- الفنان المغربي بوجميع في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيله
- استغاثة وطن مسلوب
- ضفاف الليل
- وسقطت الأقنعة
- الشباب المغربي والإستيلاب
- من يوميات الدخول المدرسي
- حوار مع القاصة فاطمة بوزيان
- 15/15اغتراب الغربة
- أوراق من زريعة البلاد
- اغتراب الغربة 14/15


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية المتزنة والأغنية الفصامية من اتصال