أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جرادات - ذاكرة حرية تسيل















المزيد.....



ذاكرة حرية تسيل


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1819 - 2007 / 2 / 7 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


ذاكرةُ حرية تسيل
علي جرادات
ثلاث سنوات أخرى من عمره. مضغها السجن ببطءٍ. كانت تلك مدة آخر اعتقالاته العشرة. اعتقال يتجدد كل ستة أشهر. تدحرجت آخر سِتَّة أشهر على صدره كصخرة "سيزيف". اليوم: قاضي استئناف عسكري يقرر الإفراج. ومخابرات تستأنف لتجديد الاعتقال. عادت ليلة انتظار المجهول الثقيلة. ليلة سؤال: مَنْ يدري؟
-"ربما يكون الإفراج وربما التجديد". قال باسل:
"الاعتقال الإداري يتجدد دون محاكمة. وفيه عليك لعبثية المجهول أن تنتظر. اليقين في مكتبٍ مخابراتي يختبأُ. في الدرج احتمالان: تجديد السجن أو الحرية".

ليلة انتظار مغثية. لا تلد يقيناً بذوبان ساعاتها. بل تسيل شكوكاً بالنفس تعبث. شكوكٌ بين ممكن السجن وممكن الحرية تدور. ربما هذا وربما ذاك. والى أن يأتي اليقين على السجين في الفراغ أن يجلس وينتظر:
- "هل تأتي الحرية؟ أم يدوم السجن"؟
ليلة حزيرانية كانت. نام باسل ساعاتها يحلم... يغفو مهموماً... يفيق متكدراً... يتحدث عفويا.....يناجى خارج السجن بأمل......يلوك زاده روتيناً.....يتمشى في ساحة السجن برتابة..... يرتب أغراضه بغير اهتمام..... يدخِّن مُرَّ سجائره بتتابع... ينظر في ألبوم صورٍ بشوق.... يتلهى بلعبة شطرنج بدون تركيز....يلوك تفاحة بلا تذوق.... يتصفح كتاباً شارد الذهن.... يحاول إخفاء غثيانه... يجلس بين الشك واليقين ينتظر.
ماتت ليلة ووُلِد صباح.... قام من "برشه"... طرح تحية الصباح وردَّها... استحم.... شرب قهوته على عجل... أشعل سيجارة.... ارتدى ملابسه... تناول لقمتين من فطوره.... جلس على "برشه".... تحلق الزملاء حوله.... ناداه زملاؤه من الأقسام الأخرى.... حادثهم من خلف الأسلاك ساهماً ينتظر.
هناك خلف باب السجن. كانت زوجة وطفلان ووالدان وأصدقاء ينتظرون. وبدوره لأُقصوصة الوصول إليهم كان ينتظر.
نوديَ باسمه. سار خلف الشرطي. لمح أقصوصة في يد ضابط الأمن. قال لنفسه: "إنها ورقة الإفراج". ناداه الشرطي يقول:
-"اجلس هناك وانتظر"!!!
جلس إلى حيث أشار الشرطي. عاد يفكر. قال مُتشككاً:
-"ربما تكون ورقة افراجٍ لزميل آخر". استدرك:
-"لم يُحْضِروا غيري...... إذاً الورقة تخصني. سأل النفس مشتبهاً:
-"هل فعلاً رأيت الورقة؟ أم خُيِّلَ لي؟ أجاب يمضغ سأم عدم اليقين:
- "لست متأكداً". عاد يَزن الأمور يسأل ويجيب:
- " ألم يحصل أن جاءوا بقرار الإفراج لغيري ثم عَدَلوا"؟
- "بلى". ابتسم عجباً وقال:
-"ولماذا غيري؟ ألمْ يفرجوا عني مرة ثم أعادوني بعد أن تخطيت باب السجن"؟ يومها قالوا:
-"عفوا. جاءنا بالفاكس ما يقول: إن عليك لستة أشهر أُخرى في السجن أن تنتظر".
سأل شرطياً بسلاحٍ يحرسه:
-"ماذا يفعل ضابط أمن السجن؟ أيقوم بترتيب إجراءات الإفراج؟ أم يهاتف من أبلغه بتجديد اعتقالي"؟ ردَّ الشرطي متبرماً:
-"لست أدري". عاد يسأل نفسه ويجيب:
-"لست أدري"!!!
صار الأمل شبه حقيقة. أبلغه الشرطي بالإفراج. من يدري؟ الأمر غير مضمون. سار خلف الشرطي. وصل إلى مكتبِ إنهاء إجراءات الإفراج. قال لنفسه يطرد مخاوفه:
-"لا تكن متشائماً. لقد رأيت قرار الإفراج"!!! ابتسم وانفرجت أساريره. لكن مرير تجربته عاد يقول:
-"لا تتفاءل كثيراً". "يكون اليقين حين ينفتح باب السجن"!!! استدرك:
-"من يضمن أن لا يعيدوني؟ ألم يحدث ذلك؟" بلى حصل كثيرا...."ولكنني رأيت قرار الإفراج". جاءه صوت خفي من داخله يسأله:
-"هل حقاً رأيت قرار الإفراج"؟
-"بلى رأيته......بل رأيتُ ورقته...... لم أرَ ما كتب فيها.....بل رأيته...... لكنني لم أقرأه.......لكن الشرطي أبلغني بفحواه...... الشرطي لا يُقرر الأمر.......آه لو كان الشرطي ضابط مخابرات فهم المقرِّرون.........حتى لو كان ضابط مخابرات... فربما يكون ممن لا يقررون......وحتى لو كان ممن يقررون........ألا يوجد من هم أعلى منه؟!!........بلى وهؤلاء قد يعترضون......بلى ......إذاً من يملك اليقين؟.......أيُّ يقين؟.......يقين الإفراج.....أأنت من يسأل إن كان لنهاية الاعتقال الإداري يقين؟!!!........كلا.......أنت يجب أن تكون آخر من يسأل هذا السؤال.....بل هناك يقين.......كيف؟...ألم تدخل السجن وتغادره تسع مرات؟.......بلى....... ولكنني في كل مرة كنت أَعود.........بل كانوا يعيدونني......لا فرق.......بل هناك فرق.....كيف؟.....إنه الفرق بين أن تعود وأن تُعاد......أيُّ فرقٍ هذا؟........إنه الفرق بين أن تختار أو أن لا تختار.......هل في السجن اختيار؟.......بل فيه للمجهول انتظار..... أليس كل البشر في لعبة انتظار؟......لست أدري....ألهذا الحد من الشك باليقين بلغت؟.......لست أدري.....اليوم لا أدري.......هذا عبث.......وانتظار المجهول ما هو؟......عبث......لكن هل؟....وهل؟......لست أدري......ومن يدري؟.......لست أدري......اليوم أدري أنني لا أدري!!!
دلف خلف الشرطي إلى المكتب. سأله ضابط أمن السجن يُقلِّبُ أوراقَ ملفٍ ضخمٍ أمامه:
-"ما هو رقمك"؟
-"تقصد اسمي"!!!
-"بل رقمك"!!!
-"لست رقماً"!!!
-"أنت في السجن"!!!
-"إنسان"!!!
-"ولك رقم"!!!
-"بل كيان"!!!
-"حسناً ما اسمك"؟
-"أنت تعرفني"!!!
-"أجل......لكن بطاقة الهوية التي أمامي قديمة......والصورة فيها لا تطابق ملامحك"!!!
-"وما ذنبي؟.......غَيَّرَ السجن ملامحي....... وحرمني تقارب تكرار سجني من تجديد بطاقة هويتي".
-"وليس ذنبي"!!!
-"بل ذنبك"!!!
-"هذا تَجنِّي"!!!
-"كيف ألست سجان"؟!!
-"وأنت سجين مُدان"!!!
-"بل معتقل اداري غير مُدان"!!!
-"أريد التأكد أنك مَن تقرر الإفراج عنه"!!!
-"أنا هو"!!!
-"كيف لي أن أعرف"؟
-"لديك رقم بطاقة الهوية"!!!
-"حسناً ما رقم بطاقة هويتك"؟
-"كنت أحفظه......لكن سنوات السجن أنستني....فعدتُ لا أدري"!!!
-"إذن كيف لي أن أدري"؟
-"لست أدري"!!!
-"إذاً عليك أن تعود إلى خيمتك".
-"تقصد أن أنتظر"!!!
-"نعم".
-"حسنا سأنتظر"!!!
عاد إلى خيمته. تحلق زملاؤه حوله. راحوا يمطرونه بالأسئلة. كان يجيبهم شارد الذهن ويسأل:
-"هل قصة الصورة ذريعة"؟.... "هل هي لعبةٌ أمنية بالأعصاب"؟......هل....
غطس في بحر تساؤلاته:
- "لماذا لم أستبدل بطاقة هويتي"؟........وهل أتاح توالي السجن لي فرصة؟.......وهل صدَّقت قصة الصورة؟......ربما!!!...كلا!!!...بلى!!!...لست أدري!!!...ولماذا أُنْهِكُ نفسي بكل هذه الأسئلة؟........لأنك صاحب الموضوع.......مَن قال أنني صاحب الموضوع؟!!!.....صاحب الموضوع مَن يُقرِّر!!!.......وأنت؟......أنا سجين برقمٍ للمجهول أنتظر!!!........هذا عجز........كلا!!!.....بلى!!!.......وماذا بمقدوري أن أفعل؟.......بل بمقدوري أن أصرخ على الشرطي!!!......حسناً سأفعل........وماذا يفيد؟......لن يفيد.
هدأت أعصابه. أشعل سيجارة. عاد يفكر في سؤال ما العمل؟ غزته فكرة إعلان الإضراب المفتوح عن الطعام. راح يزن الفكرة. قال يحدث نفسه:
- " مرض القلب مشكلة.....لماذا هو مشكلة؟!!.....قد تتعرض حياتي للخطر......ربما لكن لا خيار..... هل أفعل ما فعله عبد القادر أبو الفحم؟!!!.........وهل تقبل مصيره؟.......أليس أفضل من أن أبقى للمجهول أنتظر؟.......بلى.........أحسَّ بكامن طاقةٍ يتفجر بداخله..... ابتسم لصورة عبد القادر أبو الفحم تغطي مخيلته..... وراح يستعيد قصته:
كان ذاك قبل خمسة وثلاثين عاماً. إنه يوم 4/7/1970. يوم قبل الشروع بالإضراب المفتوح عن الطعام في سجن عسقلان. جلس عبد القادر أبو الفحم على "برشه". كانت صحته تتأرجح بين الحياة والموت. لم تبرأ جروحه مِن خردقة الرصاص بعد. تقدم منه صديقه يوسف. جلسا وجها لوجه. ابتسم عبد القادر. حَزر هدف الحديث. إنه الرجاء باستثنائه من خوض الإضراب عن الطعام. فمشاركته قد تودي بحياته. قال يوسف:
-"نرجوك ونتوسل إليك قبول قرارنا بإعفائك من الإضراب. حياتك في خطر"!!! رد عبد القادر يسأل وابتسامة تعلو محياه:
-"ماذا يعني الإعفاء؟ هل يعني عدم مشاركتي في الإضراب؟ هل يعني مشاهدة الآخرين يخوضون المعركة والارتماء جانبا؟ هل منكم من يقبل لي أن أقبع في ركن الغرفة أنظر من بعيد للعطاء والتضحية ؟ ألست ابن قضيةٍ تدافعون عنها؟ ألست في هذا المعتقل؟ ألست معكم أتعرض للتعذيب يوميا؟ ماذا يعني الإعفاء؟ إنها كلمة زُيَّنَت لتأخذ شكلا مغايرا لحقيقتها. لكنها ظلت تحمل نفس المعنى. إنها تعني التخلف عن العطاء. في أجمل معانيها التقاعس عن أداء الواجب الوطني والإنساني. واجب رفض مخاطبة السجان ب"حاضر يا سيدي". أنا لم أبلغ سن العجز. لم أجبن. ما زلت محبا للعطاء. أنا منكم ومعكم حتى ننتصر". ردَّ يوسف يلحظ إصرار عبد القادر:
- " نعم. لكن أنت مصاب و....."!!! قاطعه عبد القادر:
-"أنا منكم لا تظلموني. لستم أفضل مني. لي حق النضال كما هو لكم؟ والنضال ليس مهمة ينفذها المرء ويجلس القرفصاء يتحدث عنها. النضال معناه أن نحيا نقدم ونعطي. معناه أن نضيء شموعا تضيء الطريق لأبنائي وأبنائكم. لن أقبل حرماني من العطاء. لا أُريدكم أنانيين. لا تأخذوا كل الشرف. أعطوني نصيبي منه. أنا مصرِّ عليه". ردَّ يوسف كمحاولة أخيرة:
-" نعم ولكن حياتك ....."!!! قاطعه عبد القادر بحسم:
-"اسمعوا. أنا لا أُحب الموت. أنا أُحب أَبنائي. أتمنى أن أعيش ويطلق سراحي. أتوق لعيش مع زوجتي وتربية أطفالي. سأخوض كل معركة تفرض علي وليأت الموت. أنا لا أُحبه. لكني لا أخافه. لن أجبن. اليوم تتجلى الحياة في رفض العبودية. هذه معركة فرضوها علينا جميعا. سأخوضها معكم حتى آخر لحظة في حياتي. سأخوضها حتى آخر نقطة من دمي".
أشرقت شمس اليوم التالي (5-7-1970). اخترق نورها شقوق "صاجٍ" يغطي نوافذ غرف السجن. إنها صبيحة يوم الشروع بالإضراب عن الطعام. حان موعد تقديم الأسرى لكيلو غرامات من دمهم ولحمهم. إنه ثاني إضراب للأسرى الفلسطينيين بعد الأول في سجن الرملة لمدة أحد عشر يوما عام 1969.
قرر أسرى "عسقلان" رفض مخاطبة السجان ب"سيدي". قرروا رفض السير مكبلي الأيدي مطأطئي الرؤوس. قرروا رفض الانصياع لأوامر حظر استخدام "البرش" نهاراً. قرروا وَقْفَ سياسة "العزل". قرروا رفض مخاطبتهم بالكلمات النابية. قرروا رفض جز شعر رؤوسهم كما الماعز. قرروا خلع "الصاج" يغطي نوافذ السجن. قرروا رفض سوء التغذية. قرروا رفض سوء المعاملة الصحية والعلاج. قرروا رفض الحجر الثقافي ومنع دخول الكتب والدفاتر والأقلام.
إما تلبية هذه المطالب. وإما رفضٌ مفتوحٌ لتناول هزيل طعام السجان. قرروا سلوك أصعب وأنجع ووحيد طرق كسر صلف السجان. قرروا طريق الإضراب المفتوح عن الطعام.
الساعة السادسة والنصف صباحا. تقدم ضابط "العَدَدْ" (المصري الأصل) "موشي". ناوله أحد الأسرى مطالب الأسرى كتبوها على ورقة علبة سجائر. قرأ "موشي" قائمة المطالب. سأل بلكنة مصرية:
-"مش عايزين تاكلوا"؟
-"لا...لنا مطالب".
-"حتَأْكُلوا بالقوة"!!!
انقضى اليوم الأول والثاني دون أن تحرك إدارة السجن ساكنا. ظل الإهمال سيد الموقف. هدوء تام يخيم على غرف السجن. تخرقه "خرخشة" مفاتيح حراس السجن بين حين وآخر.
حلَّ اليوم الثالث على بدء الإضراب (7-7-1970). تقدم ممرض السجن "يودا الجزار" كما سماه الأسرى. طاف غرف السجن يفحص ضغط دم المُضْربين ونبضه. نصح كل أسير بالقول:
-"هذا ليس في مصلحتك....ويضر بصحتك". ورد الأسرى:
-"لنا مطالب.....لن نتناول الطعام قبل تلبيتها.....لبُّوا هذه المطالب إذا كنتم تشفقون علينا".
جاء دور عبد القادر. كرر "يودا" ذات المعزوفة على مسامعه. ورد هو بذات رَدِّ زملائه. كانت حياة عبد القادر في خطر حقيقي. أمر "يودا" بإخراج عبد القادر إلى عيادة السجن. اصطحبه مع عدد آخر من المرضى إلى العيادة وخرج.
تمدد عبد القادر بعد فك قيده على سرير العيادة. طلب إليه الممرض فك إضرابه. قدموا له كأس الحليب الممزوج بالملح. فاحت رائحة الحليب. تسللت لفتحات أنفه. كان يعي أن أقدام الموت تدنو من عتبة حياته. وأن في تناول هذا الكأس سر بقاءها. رفض بشموخ وأحجم عن تناول الكأس. أعادوا القيد لمعصميه. ألقى "يودا" بطول قامته على نحيل جسد عبد القادر. لوَّح له "ببربيش" التغذية القسرية. هدَّدَ عبد القادر وتوعَّده مع ابتسامة مفتعلة:
-"خُذ الكأس بمفردك. هذا أفضل لك من تناوله عبر هذا "البربيش". رفض عبد القادر وأصر على موقفه.
راح "يودا" يُدخل "البربيش" في فم عبد القادر تارة. وفي فتحة أنفه تارة أخرى. أدخل "البربيش" وأخرجه مرات عدة. اختلط لون "البربيش" بحمرة دم سال من مكان ما. بدأ الحليب يتدفق نحو الفم وخارجه. ظل "يودا" يكرر إدخال "البربيش" وإخراجه. ويمسح حمرته بقطعة قماش.
حَلَّ يوم (8-7-1970). اليوم الرابع على بدء الإضراب. حضر "موشي". دخل أُولى غرف السجن. وسأل:
-"هل من طلبات"؟
-" لقد تقدمنا بها لكم".
-"أين كلمة حاضر يا سيدي"؟
-"انتهى زمانها ولن تعود".
-"أنتم مصرون على عدم النطق بها"؟
-"إلى الأبد".
-"إذاً ما فيش طلبات".
-"أنت حر".
نادى "موشي" اثنين من الأسرى. أشار للأول برسالة في يده وقال: "هذه لك". ورفع صورةٍ عائلية في وجه الثاني وقال: "وهذه لك". رد الأسيران:
- "أعطني إياها". قال "موشي:
-"أين كلمة حاضر يا سيدي"؟ ردَّ الأسيران:
-"ألم نقل لك أنها ذهبت بلا رجعة"؟ قال "موشي":
-"ولكن هذه الكلمة جزء من حقوقي"!!!
-"كلا. هذا خارج أي قانون سماوي أو بشري"!!!
-"هذا حقي ضمن قوانين السجن. لن أعطيكما الرسالة والصورة دون حصولي عليه".
-"ما هو"؟
-"حاضر يا سيدي"!!!
-"إلى الجحيم الصورة والرسالة.
-"حسناً نستبدلها بكلمة (يا سيد)"!!!
-"كلا".
بصورة مفاجئة وغير متوقعة. حضر مدير السجن "حابوت" "الإمبراطور" كما سماه الأسرى. طاف غرف السجن. اتسم حديثه بلينٍ غير معهود. لم يقوَ تقطيب جبينه على إخفاء لينَ حديثه. لم يخطر للأسرى أنه كان لتلبية مطالبهم ثمنا باهظا. كانت حياة عبد القادر هي الثمن. لقد رحل كأول شهيد فلسطيني في معارك الإضراب المفتوح عن الطعام.
رحل عبد القادر ورحلت "حاضر يا سيدي". ربما لا يدري كثيرون أن نبض حياة عبد القادر، سال على "بربيش التغذية القسرية، كان بصمة بين زمنين. زمن الحرية وزمن العبودية. إنها بصمة عبد القادر أبو الفحم.
تنهد باسل. توقفت ذاكرته عن الدوران. خرج من خيمته إلى الساحة. راح يتمشى. انضم إليه أحد زملائه. أفصح له عن قراره بإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام. رجاه بالتريث. قال له:
- "هذا أجدى من أن أبقى للمجهول أنتظر"!!!
- "لكن مرض القلب لا يسمح لك بذلك"!!!
- "لست أغلى من عبد القادر"!!!
- "من هو عبد القادر"؟ راح باسل يقص قصة عبد القادر لزميله. قطع حديثه صوت الشرطي ينادي. التفت للشرطي. دعاه للخروج. هز باسل رأسه وقال:
-"إذاً هي لعبة ضابط الأمن المعهودة بالأعصاب"!!!......"حسنا لنرى فربما عليَّ أن أتريَّث"......"إذا غادرت السجن سأنجو مِن إضرابٍ آخر عن الطعام......وإلا سأخوضه......فوضعي الصحي ليس أسوأ من ما كان لعبد القادر..... ويشرفني مصيره".
استقبله ضابط أمن السجن. سأله باسل:
-"ماذا عن الصورة"؟
-"بذلت جهوداً لإقناع الآخرين بأنك صاحب الصورة".
-"تبدو حنوناً أكثر من اللازم"!!!
-"أتهزأ"؟!!
-"نعم".
-"مَن أعطاك الحق"؟!!
-"أكاذيبك"!!!
-"هذا تطاول"!!!
-"بل حقيقة"!!!
-"أنت تعلم أن بمقدوري تعطيل إفراجك".
-"لقد فعلت ذلك".
-"كيف"؟
-"بأكذوبة الصورة".
-"هذا لم يكُ كذباً".
-"يعني انتقاماً"؟
-"على ماذا"؟
-"أنت أدري".
-"تقصد على نشاطك بالسجن"؟
-"بل على ممارسة حقي كأسير".
-"أنت تعلم أن بمقدورنا أن نعيدك حتى لو تخطيت باب السجن".
-"لم تأت بجديد"!!!
-"كيف"؟
-"إنها سطوة الأمن على القضاء".
-"لسنا كذلك".
-"قل هذا لغيري فقد يصدقك".
-"وأنت"؟
-"ما الذي غير ملامح وجهي"؟
-"الحياة وتقدم السن".
-"بل السجن وتجديد الاعتقال الإداري".
-"لأنك لا تقر بالتهم".
-"حققتم معي خمس مرات في حياتي".
-"لكنك لم تقر بالتهم".
-"لأنها باطلة".
-"كيف والدلائل لا تنتهي"؟
-"أعيدوا التحقيق".
-"سيكون جهداً ضائعاً".
-"والحل"؟
-"الاعتقال الإداري".
-"هذا انتقام".
-"لا خيار وستعود".
-"تهديد"؟!!!
-"دعنا لا وقت لي".
-"حسناً".
عاد باسل لخيمته. ودَّع زملائه. تخطى بوابة السجن يلَوِّحُ لهم بيده. طار إلى حضن المنتظرين معانقاً. انهالت عليه قُبلاتهم وأسئلتهم. روتينية كانت ردوده. التجربة مُكَرَّرة بلا جديد. سَكَنَهُ إحساس العودة إلى السجن. تهديد ضابط الأمن كان واضحاً. فكر في اللجوء "للمطاردة". خاضها كتجربة لسنوات سابقاً. تَقَدُّمُ السن والمرض لا تسمح بتكرارها. حاول طرد شبح السجن يسكنه. داعب طفله يحتضنه ويسأله:
- "كَم تبقى لك من امتحانات نهاية العام الدراسي"؟
- "ثلاثة".
توقفت السيارة فجأة خلف طابور طويل من السيارات. صمت هنيهة. سأل زوجته:
-"ما الأمر"؟
-"حاجز للتفتيش".
-"آه حاجز. طبعاً علينا أن ننتظر". وأضاف متنهداً:
-"هذا الحاجز لم يكن قبل اعتقالي". ضحكت وقالت:
-"كثيرة هي الحواجز التي لم تكُ قبل اعتقالك"!!!
قال وابتسامة شاحبة تعلو وجهه:
-"إذاً أنتم أيضاً تقضون ساعات من نهاركم تنتظرون"!!!
ردت الزوجة بشيء من الألم:
-"نعم. من يريد الانتقال من مدينة لأخرى عليه أن ينتظر".
رد بحسم وغضب فاجأ زوجته:
-"من ناحيتي لن أتنقل حتى لا أنتظر"!!!
تقدمت السيارات ببطء واحدة تلو الأُخرى. جاء دور سيارته. ساوره شك أنَّ الحاجز يستهدفه. قال لنفسه يفكر في عاقبة ذلك على نفسية الطفلين:
-"حديث ضابط الأمن لم يكُ مزاحاً"!!!
نهره ضابط للهبوط. راح يتأمل وجه الضابط يدقق في بطاقة هويته. خالهُ هندي المولد. شرد ذهنه إلى قصته مع ذاك الشرطي في يوم ما. كان أيضا شرطياً من أصل هندي. عادت ذاكرته ربع قرن للوراء. راحت تستعيد تفاصيل واحدة من تجاربه القاسية. يومها كان في الرابعة والعشرين من عمره. كان يقضي فترة التحقيق الثانية في حياته. كانت ليلة من حزيران 1979:
سكون مطبق. ظلمة حالكة. حيز ضيق. كان ثالث ثلاثة في زنزانة معتمة تفوح بروائح كريهة. تحلقوا حول زاد العشاء: كسرات خبز. ثلاث بيضات مسلوقة بَرَدَتْ. ثلاث ملاعق من المربى. حبات زيتون معدودة. غمس باسل لقمته الثالثة. لم تسعفه الظلمة. أخطأ تقدير موقع الصحن. انغمست لقمته في أرضية الزنزانة. رماها. اهتزَّ كيانه قهراً. كَفَّ عن تناول الطعام. انتحى جانبا. أسند ظهره للحائط. إنبزلت قشرة تغطي بركان غضب بداخله. حاول كتم غيظه يفور. لاذ بالصمت. واصل زميلاه تناول زادهم. تهامسا حول سبب تلف لمبة الإنارة. لم يشاطرهم الرأي. كان يشك أن الأمر مقصود. خبرته تقول:
-"في التحقيق تندُر الصدفة".
فكر في حلِّ للمشكلة. اتخذ قراره. لم يبح به لزميليه. كانا حديثي التجربة. لم يشأ كسرهما في مواجهة تَهَيَّأَ لها. فَضَّلَ التصدي للمهمة بمفرده. حاولا جره للنقاش. تملص بأدب. لم يحزرا ما كان يدور في خلده.
اندس في "بطانيته". حاول النوم يهجره. تقلب على شوك غيظٍ يعتريه. غفا زميلاه. ظلَّ في بحر قهره يسبح. عَنَّت بباله رغبة التدخين يستحيل تحقيقها. لم يجد ما يتسلى به. راح يسترجع أحداث رواية قرأها يوماً. فتنته قدرة دوستوفسكي على تصوير تعقيدات النفس البشرية. تلهى بأحداث "الجريمة والعقاب". غالبه النعاس. غفا ومشاعر سخط تدفعه لمغامرة.
وُلد نهار آخر. حاول عبثا حَلَّ مشكلة اللمبة مع الشرطي. لم يستهجن النتيجة. تيقن أن الأمر مخطط مع رجال التحقيق. غطست الشمس في بحر غيابها اليومي. سحبت معها حزمة ضوء زنزانته. عادت ظلمتها تحكم قبضتها. قضى ليلته بنكد سابقتها. لم يعد أمامه سوى تنفيذ قراره.
حلَّ الغد. استقبلته البشرية نشاطا منتجاً. لاكه باسل استعداداً ل"معركة". كان يعي أن ميزان القوى فيها لغير صالحه. لكن لا مناص. المسُّ بالكرامة لا يحتمل. إحساسٌ أخرجه عن طوره واستنفر كامن طاقته.
بلغت الساعة الرابعة بعد الظهر. دنت خرخشة مفاتيح تسبق خطوات الشرطي. كان قصير القامة. هندي الأصل. في العشرين من عمره. ردوده تشي بمتوسط الذكاء.
انفتح باب الزنزانة رقم 7. قال الشرطي بنبرة آمرة:
-"إلى المرحاض".
تباطأ باسل عمدا. ظلَّ جالسا. نهض زميلاه. تبرم الشرطي. تبادل وباسل نظرات استفزاز. لم يَتحدَّثا. سار الشرطي خلف ثلاثتهم في ممر ضيق قصير يقود إلى مرحاض. كان أحد مرحاضين يقضي فيهما "حبيسو" اثني عشر زنزانة حاجة التبرز مرتين في اليوم. مرة في الصباح. وأُخرى بعد الظهر. أنهوا قضاء حاجتهم. كان الشرطي بانتظارهم. تبعهم إلى زنزانتهم عائدين. كانت تسيل من أيديهم قطرات ماءٍ لم يجدوا ما يجففونها به. توقفوا عند باب الزنزانة. حاذاهم الشرطي بِحَذَرِ مَن يسوق دابةٍ يخشاها. ربما لظنه ب "توحشها". وربما لخشيته من رَدِّ فعْلِها على أذاه. أمرهم بإدارة الوجه للحائط. فتح باب الزنزانة. أمرهم بالدخول. دخل الاثنان الآخران. ظلَّ باسل واقفاً. علت وجه الشرطي موجةُ دهشةٍ واستغراب. تأنى برهة عسى باسل يدخل. لم يفعل. صاح الشرطي:
-"أُدخل"!! ردَّ باسل بصرامة:
-" لن أدخل حتى تنار الزنزانة". أعاد الشرطي أمره. كرر باسل رفضه. حاول الشرطي إرغامه. صده باسل ووضع يديه على طرفي باب الزنزانة. تيقن الشرطي من إصرار باسل. تراجع عن إكراهه. سحب نفساً عميقاً من غيظه. فكر في لطم باسل. خشي من رد فعله. كان باسل ينتظر أن يفعلها كي لا يكون المبادر. أحجم الشرطي. خسر باسل أولى رهاناته. تبادلا نظرات السخط. أغلق الشرطي باب الزنزانة. نادى باسل بلطف مفتعل. سار بمحاذاته في ممر يقسم وحدة الزنازين لسربين. وصلا إلى مكتب الشرطي. سأل الشرطي:
-"هل تريد الدخول للزنزانة"؟
-" بشرط إنارتها". هز الشرطي رأسه. هاتف الشرطي إدارة السجن. حضر شرطيان آخران. أدرك باسل السر. الشرطي لا يريد مواجهته بمفرده. تناول الشرطي يحيط به زميلاه قيد اليدين. أوثقوا يدي باسل للخلف. غطوا رأسه بكيس شادري. سحبوه صوب باب يقود لوحدة التحقيق. ربطوا قيده بقيد آخر للباب. غادروه وعادوا إليه بعد أن أنهى الشرطي المناوب عمله. رفعوا الكيس عن رأسه. فكوا وثاقه. سأله الشرطي المناوب يمد له سيجارة:
-"هل تريد التدخين"؟ حزر باسل محاولة رشوته وقال:
-"كلا". كرر الشرطي عرضه. أكد باسل رفضه. أعادوا تقييد يدي باسل للخلف. جروه للزنزانة. فتح الشرطي المناوب بابها. دفعوه لداخلها مكتوفاً. أغلقوا الباب وانصرفوا. تلقفه زميلاه بلهفة. لاحظ توترهم وقلقهم. حاول تهدئة روعهم. توسلوا إليه أن يكف عن التحدي. فقال:
-"المسألة مسألة كرامة"!!
جلس مسنداً ظهره للحائط. مضت نصف ساعة. تناهى لمسامعه صوت ضابط معروف بقسوته يسأل الشرطي:
-"في أي زنزانة هو"؟
-"في زنزانة رقم 7".
-"أحضرهُ".
حزر باسل ما ينتظره. راح يعد نفسه للمواجهة مكتوف اليدين. انفتح باب الزنزانة. ناداه الشرطي. خرج. سار موثوقاً بمحاذاة الشرطي. لاحظ الضابط القاسي وضابطاً آخر يقفان في نهاية الممر. قال الضابط "القاسي" للآخر:
-" هؤلاء تضربهم ينصاعون". رنت الكلمات في رأس باسل. تمنى لو أن يداه طليقتان. تقدم صوب مصيره بثبات وهدوء. رماه الضابط بنظرة تقطر حقداً. ردَّ باسل النظرة بمثلها. وقف امامهم مكتوفاً للخلف وظهره للحائط. بادره الضابط "القاسي" بالقول:
-"سمعت أنك "قبضاي"، وتعصي أوامر الشرطي، وترفض دخول الزنزانة". ردَّ باسل بهدوء وتحدٍ:
-"لم أرفض دخول الزنزانة بل اشترطت إنارتها".
-"تظن أنك في فندق"؟!!
-"بل في التحقيق"!!
-"إذاً أُدخل الزنزانة"!!
-"ليس قبل إنارتها. هذا حقي كإنسان"!!
-"أنت لست إنسان"!!
-"بل إنسان. وربما أكثر منك"!!
-"بل حيوان"!!
-"بل أنت الحيوان. ألستَ السجانً"؟!!
نطق باسل بهذه الكلمات. انهال الضابطان عليه بضرب وحشي. لم ينجُ منه عضو في جسده. بدأه الضابط "القاسي" بلكمة على الوجه. ارتدَّ رأس باسل بالحائط. واصلوا ضربهم. تلقاه باسل بصمت. لم يصرخ. خشي أن يُرعبَ الصراخ زملائه في الزنازين. لم يشأ إضعاف معنوياتهم. هم أحوج ما يكونوا لحفز الهمم. بلغ الضرب حد الهستيرية. سقط باسل على الأرض. فقد وعيه. فكوا وثاقه. رشوا وجهه بالماء. جروه عبر الممر. رموه في زنزانته. أغلقوا الباب وانصرفوا. تحلق زميلاه حوله. حاولا مساعدته. راح يصحو ببطء. أفاق يتحسس عينه اليسرى. ساوره الشك بفقدان نورها. فقد تهدل جفناها وانتفخا. لم يأبه لأوجاع الضرب تسري في جسده. كان قلقاً على مصير عينه.....
.....رفَعَها فوجد نفسه أمام ضابط "الحاجز". كان يعيد له بطاقة الهوية. تناولها ومحور ذاكرته يتوقف عن الدوران. ارتسمت على وجهه علامة ابتسامة خفيفة وقال:
-"يومها كدت أفقد نور عيني لإنارة عتمة الزنزانة. إنها جسارة سن الشباب لا تدقق حساباتها".
باسل الآن على مرمى حجر من مسقط رأسه. دقائق معدودة ويكون في وسط قريته. فصلته عنها الدراسة الجامعية، وضرورات الوظيفة، واثني عشر عاما، قضاها على فترات متقطعة في السجون. كان يزور قريته كلما سنحت الفرصة. واليوم حاز فرصة رؤيتها في حزيران. كان في سجنه دائم الرغبة لزيارتها في حزيران وكتب مرة:
"بين قرية المكان وحزيران الزمان قصة عشق أبدية. يرحل أيار. ينساب حزيران بخفة انسياب الأفعى على ناعم الرخام. يدنو من باب القرية. يلتفت حوله بِحذرِ هِرةٍ تدنو من زاد صاحبها. يمسح عرقا يتصبب من حرارة شهره. يدخل مخدع القرية. تشتم رائحة عرقه. تتحرك في فراش مساحتها. تبسط له فراش تربتها. تغمزه بطرف بساتينها. تناديه بشبق أنثوي. يتمنع. ترفع طرف ثمار كرومها تشتهي حرارته. ترتفع حرارة حزيران. تتوتر ثمار بساتين القرية وكرومها. يهم حزيران بالدخول. ترد القرية له صاع التمنع وبساتينها تشتهيه. يلتهب. تقف أمامه. تتجلى مفاتن تضاريسها. فقد كانت استحمت بمطر شتاء مضى. وتزينت بخضرة ربيع انقضى. ولبست حلتها الخضراء. وهيأت نفسها لاستقبال حزيران. ينتصف شهره. تشرع القرية بواحدة من رقصاتها التعبيرية. تتلوى في رقصاتها كحورية ساحرة. يذوب تمنع حزيران في صحن جمالها. يلمسها. تجفل ثمارها من شدة حرارته. يسكنه جمالها كجنية. يلاطفها ويهمس كلمات للحب في أذنها. يتطارحا حباً أبدياً صادقاً منتجاً. فتتوالد في مساحة جسدها صنوف وصنوف من الخضرة. كروم للعنب تورق. بساتين لِلَّوزيات تزهر. أزهار تتفتح. مقاثٍ للبطيخ والشمام والبندورة والخيار تنضج. تتلون سمرة التربة بريشة تلوين طبيعي. تغدو القرية حزيرانية زاهية رائعة كبساط أعجمي جميل.
هكذا نامت قرية باسل ليلتها تنتظر قدومه بعد مضغ غثيان فترة سجن عاشرة. وهكذا خالها يتلهف لتكحيل عَيْنيه بمناظرها. عينان أتعبهما ضيق السجن وعقله. وأدماهما ضرب السجان وتنكيله. ويتوق لترميم علاقات أسرية حز خيوطها فراق قسري. ويفيض رغبة لترطيب نفس أرهقها كبير الهموم. ويتمنى معالجة جسدٍ غدا عليل القلب.
انحدر سيل السيارات صوب القرية. تقدمتها سيارة تُقلُّ باسل ترفع علماً فلسطينيا يرفرف. مرَّ الطابور مِن باب بيتها. إنها سميرة. كانت تلك بنتٌ أحبت باسل وأحبها في مرحلة براءة أول العمر. يومها لم تكن السجون بهذه الكثرة. ولم يكُ باسل على عهدٍ بها. لاحت صورة سميرة الطفلة في مخيلته. عاد طفلا على سجيته يتذكر. يومها كان باسل الطفل قد....
ركنَ زاداً أعدَّته والدته لوالده. ولفتهُ بمنديل مرقَّط. وجلس تحت شجرة صنوبر يتفيأُ ظلها. راح يحرك بعودٍ كومة تراب. نظر صوب والده. كان يخرج من عنق بئر يحفره وصديقه يوسف. كان يوسف يضع يده على حاجبيه. وينظر بعيداً طفلته سميرة تأتيه بزاده. نفض الرجلان غبار ملابسهما. غسلا أيديهما. راحا يستعدان لتناول الطعام. أطلت سميرة من خلف شجيرات متشابكة. اقتربت. دنت. كانت بين الحين والآخر تثني جذعها اليافع. وتخلِّصُ قدميها من شوك طريق ترابية وعرة. وصلت. ركنت زاد والدها. جلست قبالة باسل. كانت تحرص على لَفِّ طرف فستانها تحركه نسمات ريح خفيفة. طفلان في الثانية عشرة من العمر. تآلفا منذ طفولتهما الباكرة بفضل صداقة والديهما وتزاور عائلتيهما.
جلس الرجلان يفترشان الأرض. راحا يلوكان زاداً فقيراً يرطبانه بأكوابٍ من الشاي. غمز باسل سميرة يدعوها للحاق به. وقفا. هَمَّا بالابتعاد. رجاهما والد سميرة بعدم الذهاب بعيداً. هزا رأسيهما بالموافقة. سارا إلى طرف كرم العنب. اختارا شجرة لوز تنتصب شامخة وسط خضرة الكَرْم. جلسا بظلها.
باسل الخجول وسميرة الحيِيَّة. جلسا متقابلين. تناولا زهرتيْ حَنُّون تَحُفُّ صفرتها وريقات بيضاء. شرعا يلعبان. يقطف كل واحد وريقات زهرته. راحا بتتابعٍ يُردِّدا: "تحبني...لا تحبني" يقول باسل. و"يحبني...لا يحبني" تقول سميرة. انتهيا إلى "تحبني" و"يحبني". هكذا أرادا وحزرا حُباً طفولياً يحبو خطواته الأولى. ابتسمت سميرة. انفرج غمازا وجهها. غمازان ورثتهما عن والدتها أجمل بنات القرية. ردَّ باسل ابتسامتها. طأطأا رأسيهما برهةً. عادا لبعضهما ينظران. كانت نظرات صامتة. تبشر بتفتح ميول حبية. ميول يانعة يناعة سنهما. سِنٌ لا يسمح بميلاد حب مكتمل. كانت مجرد قطرات حبٍ طرية كالندى تتهاطل.
تأمل أحدهما الآخر. جفلا كهرتين نهرهما صبي. وفرَّا بمشاعر حب بريء يسيل في داخلهما. طارا كفراشتين صوب والديهما: كانا ينزلان درجات سُلمٍ تربط عنق البئر بقعره. ويعودان للعمل بعد استراحة الغداء.
توقفت ذاكرة باسل على صوت زوجته تخاطبه وصورة سميرة الطفلة لا تزال في مخيلته:
-"وصلنا العين". ردَّ باسل بتلقائية:
-"العين مركز القرية القديمة". وأضاف يشرح لطفليه:
"أنظرا هذه نبعة ماء طبيعية. سماها أهل القرية ب"العين". هي عَينٌ ليست ككل العيون. مركز للقرية وتشطرها شطران. وصارا حارتين بتثقيف الإنسان للمكان. يذوب فيها ما أسبغه أهل القرية على أنفسهم من اختلاف الحارة والعشيرة والجنس. تَردُها نسوة القرية من الحارتين بجرار ظامئة. ويعدنَ بها على الرأس محمولة مروية. أهل القرية في ساحتها لأعراسهم يرقصون. ولنزاعاتهم يسوُّون. ولخطوبهم يتجمهرون. ولحافلاتهم يُوقفون. منها وإلى المدينة يسافرون. في سربين مِن المتاجر على جانبيها يبيعون ويشترون. وفي مطحنتين، واحدة لكل حارة، حبوب قمحهم يطحنون. يأتون به حبَّاً. وطحيناً به يعودون. تتحسسه فتجده دافئا يبشر بما سيكون: رغيفاً ساخناً تنتشله الأمهات من أعناق الطوابين. طوابين تنتشر في أربعة أرجاء القرية. يتلوى دخانها سحابات في فضائها. لو قُدِّر ودخلتها مكفوفاً، أو معصوب العينين كسجين في التحقيق، لحزرت أنك في قرية لمجرد اشتمام رائحة دخان الطوابين.
طلب باسل من السائق التوقف. هبط من السيارة. نظر إلى "العين". جال ببصره في محيطها. افتقد ذاك المقهى رحل برحيلِ صاحبه. تذكر جلسات الصبا أمام المقهى. انتابته مشاعر جميلة. فَرَّت ذاكرته إلى ذاك اليوم قبل عقود. إنه الرابع من حزيران 1969. كان في الرابعة عشر من عمره. كانت ساعات ما بعد الظهر. جلس مع عدد من شباب القرية. جلسوا على كراسي قشِّ قصيرة. تحلقوا أمام المقهى قبالة "العين" من اليسار. كانوا ينتظرون الصبايا يردن "العين" بجرارهن. يغازلونهن بلغة العين غمزاً يتحايل على محظور لغة اللسان بين الجنسين. رفرفت فراشات قلب باسل. طارت تغب صوت أم كلثوم تغني: "أنت عمري". بانت سميرة خفيفة رشيقة. أطلت برأسها من "زُقَّةِ" مدخل المسجد. كانت تسير على مهل تتمايل و"صُرْبَةٌ" من صبايا القرية. كُنَّ يترنحن تحت جرارهن. تَعْجَبُ لعدم سقوطها رغم إفلاتهن لقبضات أيديهن عنها. كَأَنها لكثرة ما حملنها حفرت لها موقعا في جلدة رؤوسهن. أشاحت سميرة بوجهها ترد شالها على عنقها. تلاقت العين بالعين. تغامزا كغيرهم من المتغامزين. غمزٌ بريء يتجاوز بتحايل تقسيم الحارة والعشيرة والجنس. يعود الإنسان فيه على سجيته. غَمْزٌ يمارسه الآباء وهم بنون. ويسهرون على حظره آباء مع من يسهرون.
صعد باسل إلى السيارة وصورة سميرة لا تفارق مخيلته. تقدم طابور السيارات. اخترقت القافلة الشارع المحاذي لبناية مدرسة القرية القديمة. هنا تغفو ذكريات الطفولة. سكنته أحداث ذاك اليوم. يومها "نزحت" سميرة مع "النازحين" وغابت من حياته. فاضت عيني باسل بدمعات تلقائية راحت تسيل مع ذاكرته للخلف تعود....
إلى يوم السادس من حزيران 1967. كان في الثانية عشر من عمره. رنَّ جرس الحصة الثالثة. هبَّ المدرسون كلُّ إلى صفه، سِوى المدرس حمدان. تململ. نهض عن كرسيه بصعوبة. تثاءب. سار في ساحة المدرسة. تخاله لبدانته كتلة سوداء تتدحرج. كان يحب مناداته بالأستاذ. وَحَّدَ التلاميذ على كراهيته. لا يرونه إلا والعصا معه يجلدهم بها. و"الجَلْد" ضَرْبٌ للتلميذ بالعصا على قفاه مشدود اليدين للمقعد.
"تدحدلَ" حمدان لغرفة الصف السادس. فَرَّ التلاميذ واقفين لتحيةِ "من علمني حرفا كنت له عبداً". خاطبهم كالعادة زاجراً:
-"انكبوا". جلسوا. رمى بكتبه ودفاتره وعصاه على الطاولة. تهالك على الكرسي. راح الكرسي يئن تحت وزنه. كان الدرس حصة للمطالعة. أخرج سجل الحضور والغياب. سَمَّى الأسماء. طلب لأحد التلاميذ البدء بالقراءة. راح التلميذ متلعثماً غير واثق يرتعش ويقرأ:
".......بينما كان العرب في أوج ازدهارهم. كان الغرب غارقاً في الظلمة والديجور....". قطعت دقاتُ آذِنِ المدرسة على الباب صوت التلميذ يحشرج. دخل الآذن للصف. همس كلاماً في أذن الأستاذ وخرج. تململ الأستاذ في الكرسي. جال ببصره وجوه التلاميذ كأنه يتفقدهم. غرق الصف في صمت مطبق. مزقه صوت الأستاذ يقول:
-"استعدوا للانصراف. عليكم المغادرة. أخبار الحرب لا تبشر بالخير...". سأل باسل المتأثر بأحاديث جارهم وخريج سجن "الجفر":
-"هل انتصر اليهود"؟ صاح الأستاذ:
-"اخرس....هيا انصرفوا". تفاعط التلاميذ كطيور انفتح باب قفصها فجأة. طار باسل مع من طار يحس بإهانة لا يستحقها.
تجاوز طابور السيارات بناية المدرسة. طرد باسل ذكريات ذاك اليوم المشؤوم. قال في نفسه:
-"منذ ذاك اليوم ونحن ننتظر".
تقدمت السيارات صوب بيت عائلة باسل. نسوة ورجال يتجمهرون لاستقباله. زغاريد وغناء. قبلات وإرهاق. فوج يحضر وفوج يغادر. دور للقهوة ودور للشاي. دفءٌ أنعش باسل المثقل بهموم السياسة والسجون.
ركن الحاج "أبو محمد" ابن السبعين "محجانته" جانباً. اقترب من باسل هبَّ واقفاً. لم يره منذ خمسة وثلاثين عاماً. كان عاد حديثاً ضمن مَن عاد مِن المبعدين. تعانقا طويلاً. تبادلا البكاء. حاولا تمالك نفسيهما. بادر باسل وسأل:
-"كيف صحتك"؟
-"بخير".
غرق الحاج في بكائه. قال باسل يمسح دموعه:
-"يكفي....له الرحمة.....يكفي...... إخوته أصبحوا رجال...محمد كان رجلاً نادراً...عليك أن تفخر به كشهيد...". ردَّ أبو محمد يجفف دموعه:
-"نعم...لكن رحيله خسارة".
تنهد باسل وذكريات صداقة نادرة تتملكه وتتدفق في مخيلته:
جمعته ومحمد صداقة الطفولة. إنه محمد طيب القلب. كان مُبَرِّزأً في مادة الرياضيات. أُعتقل والده وأُبعد للأُردن في العام 1968 بتهمة مد يد العون "للفدائيين". انشطرت حياة والدته إلى شطرين. شطر تقضيه مع ابنائها مقيمة في الوطن. وشطر تقضيه مع زوجها مسافرة للأردن. في إحدى سفراتها دعا محمد صديقه باسل في ليلة ماطرة للمبيت عنده. كانا في الثالثة عشرة من العمر. تحايل باسل على والدته. ذهب ومحمد للمبيت في بيته. تسللا عبر أزقة القرية الموحلة. بللهما المطر يهطل بغزارة. وَلَجا للبيت. تناولا ما تيسر من زاد. شربا الشاي. تسامرا كطفلين بفرح. أرخى الليل سدوله. غطست القرية في عتمة مطبقة. لم تكُ خدمة الكهرباء قد وصلتها بعد. انتصف الليل. شق سكون القرية هدير سيارات عسكرية تقطع شارعها الرئيس. أنارت أنوار كشافاتها تلوح بسرعة وميض البرق عتمة أحياء القرية.

لدهشة باسل بادر محمد لإطفاء إنارة البيت. أبقى المدفأة منارة ونادى باسل قائلا:
" إذا حضر الجنود للبيت فَقُلْ لهم جئت لندرس سويا". سأل باسل وموجة من الخوف تعتريه:
-"ولماذا يحضر الجنود"؟ رد محمد وعلامات الإرباك بادية على وجهه:
" لقد داهموا البيت أكثر من مرة منذ إبعاد والدي". مرَّت عشر دقائق بثقلِ عشر سنوات. إنه أول احتكاك لباسل بالجنود. اقتربت جلبة بساطير الجنود ووشوشة أجهزة اللاسلكي. بدأ الطرق على الباب. همس محمد لباسل بالسكون والتظاهر بالنوم. راح باسل يرتعش كنبتة في مهب الريح. تسللت أنوار الكشافات إلى غرف البيت. تواصل الطرق على الباب. تظاهر محمد بالاستفاقة من النوم. سأَل كما لو كان لا يعرف:
- "من الطارق"؟ جاء صوتهم بعربية ثقيلة:
- "جيش الدفاع افتح". رد محمد بثقة:
- - "لن افتح إلا بحضور المختار". ردَّ احدهم:
-"من أين نأتي لك بالمختار في مثل هذه الأجواء يا ابن ال........". قال محمد:
-"وما يدريني أنكم لستم بلصوص"؟
توقف الطرق على الباب لدقائق. عاد مع صوت جار ينادي محمد بان يفتح الباب. قام محمد وفتح الباب. اندفع الجنود يصوبون بنادقهم صوب الطفلين. ركزوا أضواء كشافاتهم على وجوههم. سأل ضابط بلباس مدني:
"هل زاركم أحد من قرية مجاورة"؟!! أجاب باسل كما محمد بالنفي. تَرَكهما الضابط في إحدى زوايا البيت بحراسة جنديين. عاث الجنود بالبيت تفتيشا. لم يعثروا على شيء. لم يكُ باسل يعرف أنهم كانوا يبحثون عن خال محمد "المطارد". غادروا مع أَمْرٍ للطفلين بعدم مغادرة البيت حتى الصباح. تسمَّر الطفلان في الفراش دون أن يغمض لهما جفن. اعتقد باسل أن الجنود قد كمنوا في إحدى زوايا الحارة. دارت أسئلة يتناسل واحدها من الآخر في ذهنه:
-"لماذا حضروا؟.....من المقصود بسؤالهم إن كان زار البيت أحد؟...... لماذا يبحثون عنه؟...... ما علاقة محمد بالأمر؟.......لماذا تم إبعاد والد محمد؟.... وكان السؤال الأهم ....لماذا كان محمد أشجع وأجرأ مني؟ سؤال لم يستطع الإجابة عليه إلا بعد أن كبر وأدرك أن تكرار الاحتكاك بالجنود يحولهم من صورة أشباح متخيلة مرعبة إلى صورة بشر فيهم القوة كما الضعف كأي بشر. كان هذا حال محمد. لقد اعتاد عليهم برغم صغر سنه لكثرة مداهمتهم لبيته.
اعتقل محمد بعد ست سنوات على مرور الحادثة. وُجهت له تهمة أمضى بسببها سبع سنوات في السجن. كان تزوج في سن مبكرة وأنجب طفلا قبل اعتقاله وتوأماً بعد تحرره. رقد رقدته الأبدية شهيداً بعد عامين على تحرره.
توقفت ذاكرة باسل عن الدوران حول أول احتكاك له بالجنود. راح يحدث نفسه:


"مفارقة سيرة محمد انه كان مبكرا في كل شيء. كان مبكرا في وعيه الوطني بحكم اثر البيت. كان مبكرا في زواجه وإنجابه بتأثير تقليدية المجتمع. ومبكرا في اعتقاله. ولحسرتي كان مبكراً في رحيله عن الحياة".
حرك باسل شيئا من إيقاع حياة غافية في سكون قبرها. سيطرت على مخيلته آخر عبارة قالها له محمد قبل رحيله. يومها زاره بعد تحرره من السجن في جامعته. جلسا سويا في مقصف طلبة الجامعة. قال محمد وكأن دبيب حياة الطلاب والطالبات حَرَّك الساكن في قاع نفسه:
- "لقد حرمني السجن من إتمام تعليمي.هل تذكر تفوقي على طلبة صفنا في الرياضيات؟ لولا السجن لدرست الرياضيات". أكمل عبارته واغرورقت عيناه بالدموع. أدار باسل وجهه خجلا. جفف محمد دموعه. ناوله باسل سيجارة وأشعل أُخرى يقول:
"لا زلت صغيرا ويمكنك الالتحاق بالجامعة". رد محمد:
"لقد فات الأوان". غادر محمد ولم يره باسل بعدها حَياً".
أوقف باسل دوران ذاكرته. أحسَّ بإرهاق شديد. غادر المهنئون. كان أبو محمد آخر المغادرين. أحس باسل بدوارٍ في رأسه. كان منهكاً. تذكر موعد تناول الدواء. كان يوما حافلاً من دوران الذاكرة والانتظار. اندس في فراشه. غفا سريعا. وغطس في حلمٍ طويل. أفاق مذعوراً على صوت والدته تولول وتقول:
-"لقد جاءوا"!!! سأل وطفلاه يتعلقان برقبته:
-"مَن"؟
-"الجيش". تمتم:
-"نفذوا تهديدهم". أزاح الطفلين. قبَّلَهُما يبكيان. عانق زوجته ووالديه وشقيقاته وأشقائه. ارتدى ملابسه و..........عاد إلى خيمته و"برشه" معتقلاً إدارياً للمجهول ينتظر.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الحرية مِن- وإعاقة التحرر الحالة الفلسطينية نموذج


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جرادات - ذاكرة حرية تسيل