أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - ضحكة النمر















المزيد.....

ضحكة النمر


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 545 - 2003 / 7 / 27 - 05:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دعوة لتصعيد حملة محاكمة قتلة مليون ونصف مليون ضحية بحجة الحصار

يبدو أننا أمام مشهد موسم قطاف الرؤوس بعد أن "أينعت" حسب منطق التاريخ، التاريخ العراقي على وجه الخصوص، ومحظوظ هذه الأيام من يستيقظ ويجد رأسه منتصبا على عنقه مهما بعدت المسافة بين الرأس وساحات الوغى، فكل الأماكن مهيأة لموسم حصاد أحمر، خاصة وأن الدولة التي كانت مرهوبة الجانب تحولت إلى أنقاض، وصار قادتها يزاحمون فئران الجحور على سعادة العيش وشعور الطمأنينة لأن الرأس غير مطلوب.

على الشاشة صورة  لقاتلين اثنين من كل القتلة وهم كثر، لكن هذه الشاشة تقول الكثير، بل تقول ابعد وأدق وأعمق مما تقوله الصورة الحية والمباشرة، فليس هذا العري مناسبة للأيروتيك، إنما عرض عن الجريمة.

مشهد عري لقاتلين في خيمة في المطار في لحظة عري. لو كانا يعرفان يوما أن هذا المكان سيكون صالة عرض لهما وهما تحت الكاميرات لأمرا بإزالة المطار والرياح والتاريخ والضباب وكل شباك الصيد والمرافئ واجراس الكنائس وقناديل الأضرحة وخوابي الزيت.

لكنه الزمن العراقي الذي تتدحرج فيه الرؤوس بنفس الطريقة التي تتدحرج فيه رؤوس الخراف والبصل والأحلام والأوطان والحكومات.

نبدو اليوم وقد أعادونا( ألح على المفردة الأخيرة) إلى نقطة اللاذاكرة، أو منطقة العدم الشعوري، وأدخلونا، عن وعي دقيق، وصارم، في منطقة الفراغ العقلي، وصار همنا الآن هو تطابق الصورة مع الأصل، والإجابة على سؤال لم يعد يشغلنا كثيرا: هل هذه الصور لهما، للمجرمين، أم أنها بديلة؟

 والحجة الغريبة المخجلة تتكرر هذه الأيام: إن العراقيين خائفون من عودة الطاغية المخلوع وولديه، ولا يصدق الشعب العراقي حكاية موتهما إلا بعد عرض صورهما في حالة عري.

إذن أن سلامتنا العقلية هي المستهدفة من هذا العري، وهذه السلامة لا تستقيم بدون رؤية هذه الوجوه المجرمة التي ربما أعطاها الموت لأول مرة ملامح البشر، لأن الموت  مطهر، كالنار، كالتاريخ.
 
كنا، قبل الصور، شعبا من المذعورين، واليوم، بعد الصور، صرنا شعبا في غاية البهجة، حتى لم نعد بحاجة إلى الديمقراطية والخبز والهاتف والأمان والمؤسسات والشرطة والسفر والراتب والضوء والأحذية والحرية والأمل.

كنا، قبل الصور، لا ننام، بل نرفض العيش، خوفا من عودة وحوش ما قبل التاريخ، ما قبل الغابة، وحوش الدم وسلالات الرعب، واليوم صرنا، بفعل هذا العري الجسدي، أكثر أمانا ورغدا ونورا وشبعا وراحة بال.

نحن، إذا، في الوعي الأمريكي، شعب من الخائفين من سلطة لم تكن في أي يوم تمتلك شرعية الخوف منها ومن لا يصدق عليه أن يزور المقابر الجماعية والسجون وبيوت الأرامل والمغتصبات والمنافي .. الخ. الخ.

هل حقيقة نحن على هذه الدرجة من بساطة الوعي، أو من سذاجة الوعي، أو من الجبن، بحيث نخاف إلى هذا الحد من عودة هذه المسوخ التي باعها المقربون قبل غيرهم وتفاوضوا مثل أي تاجر محترف على بيع السلاح والمواقع مقابل جواز سفر أو رصيد بنك؟

هل حقيقة سوف نشعر في الداخل والخارج بالطمأنينة ونحن نرى قتلة الأمس عراة لأول مرة، لكي نذهب من جديد لإنقاذ الأخضر من حريق اليابس؟

لماذا يراد عرضنا مع القتلة في حفل الزور هذا أمام الشاشات وتقسيمنا إلى فريقين كي يتم زرع صورة غير حقيقة في ذاكرة العالم كما فعلوا في مشاهد اللصوص وهي تهاجم دولة؟ 

هل حقا يمكن، أو يصح اختصارنا بهذا المشهد أو العنوان أو النوعين: فريق خائف، وفريق مقتول؟ كما تم تصويرنا من قبل على أساس هذا التقسيم: لصوص وغير لصوص؟

لو ثبت، مثلا، أن السلك المعدني الموجود في رجل الكسيح( لا أريد أن اسميه) هو نفسه فهل هذا يعني أن القضية حلت برمتها؟ وكيف يمكن اختصار عذابات شعب بهذه المفردات التي تتردد يوميا مئات المرات:
ـ الحواجب له.
ـ لكن اللحية كثة.
ـ الصدر نفسه.
ـ لكن الجسد أنحف من ذي قبل.
ـ الطول له، لكن الخصر نحيل.

 وهكذا سوف ندخل وعلى مدى أشهر قادمة في هذه المتاهات لأن رؤوسا كثيرة تنتظر القطاف، ولحى كثيرة قادمة تستعد لموسم حلق آخر وفي ثلاجات موت أخرى، وقاموس الإلهاء لا نهاية له.

 أما الماء الملوث والهواء الملوث والطعام الملوث وكل الأشياء الملوثة الأخرى، فهي مؤجلة إلى موسم موت جماعي قادم بلا شك، لكنه موت هادئ، وسري، وغامض( وطبيعي كالضحك!) مثل الموت الجماعي في حقبة الحصار الذي أخذ أكثر من مليون ونصف مليون بذريعة أسلحة الدمار الشامل.

واليوم لا أحد منا، لا في الداخل ولا في الخارج، من يطرح هذا السؤال الصارخ الذي يجب أن يطرح كل لحظة: إذا كانت المؤسسات الأمريكية والبريطانية غير عابئة بالنصر العسكري، وتطرح على المسؤولين في البلدين المذكورين سؤال( أين هي أسلحة الدمار الشامل؟) فلماذا لا نطرح نحن أيضا هذا السؤال، بل المحاكمة، احتراما لموتى الحصار الأبرياء، والذين ثبت أن موتهم كان قتلا لأن الذريعة صارت مكشوفة وملفقة؟
 
لماذا لا نحاكمهم نحن كما تحاكمهم شعوبهم وهم في حالة "نصر" ونحن في حالة هزيمة تاريخية ودينية وسياسية واخلاقية وقومية وحربية الخ. الخ؟

لماذا قتل هؤلاء بالجوع والتلوث والمرض إذا كانت الحرب ستقع يوما كما خططوا لها منذ سنوات؟ لماذا تحاسبهم شعوبهم على نصر عسكري لأنهم كذبوا، ولا نطرح، مجرد طرح، سؤال القتل العمد لأكثر من مليون ونصف مليون  قتلوا قتلا أبيض دونما دماء وفي صمت، ولأنهم كذبوا أيضا؟

وكيف، بدون ذلك، أن نطالب الآخرين  باحترامنا، إذا كنا نحن لا نحترم لا حياتنا ولا موتنا؟

سأروي هذه الحكاية التي وقعت أمس مساءً: طرقت فتاة نرويجية عليّ الباب وحين خرجت وجدتها تحمل قطا ميتا وهي في حالة اضطراب واضح وتسألني:  هل هذا القط لكم؟
قلت: لا، لكنه لجاري فأنا أعرفه.
قالت: قفز على السيارة فجأة ولم يكن عندي وقت.

 أخذتها إلى صاحب المنزل فلم يكن موجودا. أجرت هي عدة اتصالات فلم تفلح. طلبت مني حلا فقلت لها: الحل الوحيد هو أن تعطيني اسمك وعنوانك كي ابلغ صاحبه واتركي القط في زاوية بعيدة تحت الأشجار.

وتركته تحت الأشجار وعدت أنا إلى مشاهد الموت العراقي المتكرر والعادي. عدت إلى حكاية الموت المنسي لمليون ونصف مليون ضحية بريئة قتلوا في حصار هو ابادة بشرية بكل المقاييس والأعراف بدون سؤال أو طرقة باب أو مكالمة هاتفية واحدة في الأقل.

عري القتلة على الشاشة قد يغطي عري القتلة في مكان آخر. وسوف يغطي على أسئلة كثيرة ومصيرية يراد لنا( كل يوم) أن ننساها حتى لو تطلب الأمر حلق لحى جديدة، وهي لا شك ستطول في فترة الاختباء، وعرض أجساد جديدة لكي لا يخاف الجمهور بعد اليوم من القتلة القدامى، فهذا الجمهور، يقولون، خائف وطفولي، وقد أعادته الفوضى إلى عصور الظلام واللاوعي وأرجعت مخيلته إلى صور الوحوش والضباع والديناصورات المنقرضة.

لم أشعر لا بالخوف على نفسي ولا على غيري من الأهل والأصدقاء في الوطن، ولا بالطمأنينة بعد عرض الصور، بل شعرت بالخجل على نحو غير مسبوق في أن أكون ضحية مرتين :

أولا، حين جلبوا لنا هؤلاء الوحوش بالانقلابات، وثانيا، حين يراد خداعنا بهم وهم عراة اليوم لكي ننسى الأسئلة الكبرى.

فهل تكفي جثث متفحمة عارية أن تكون وجبة عشاء لفقير أو شحاذ في شوارع بغداد وفي غيرها؟ وهل يضئ هذا العري بيوت الطين على فرات ينوح الناس في ضفتيه من الضيم كنوق ضائعة؟

لو تركت لي هذه الجثث، لتركتها للجوارح وبزاة الطير والسواطير لكي نخرج وإلى الأبد من معلقات الجاهلية الجديدة التي تكتب هذه المرة ببراز الدول العظمى.

 الإهانة الضخمة هي أن يخرج علينا الرئيس الأمريكي القاتل ضاحكا لكي يبشرنا بديمقراطية أقذر من رعب الفاشية.

هل هو يضحك؟
أم أنها نيوب الكلب؟

أم ضحكة النمر؟
 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة
- أبطال أو ضحايا
- نايم يا شليف الصوف، نايم والبعورة تحوف
- الشاعر المنسي إبراهيم عوبديا ، أو اليهودي الجميل
- شاهد على قلعة الموتى من خلال فيلم وثائقي
- تاريخ الغوغاء
- العفالقة الجدد
- مرايا الدكتاتور
- من دفع أجرة العازف؟
- موتى ديمقراطية الزجاج المكسور
- البرلمان وديمقراطية الزجاج المكسور خطاب زعيم الكتلة البرلمان ...
- حقوق ديمقراطية الزجاج المكسور
- المرادي وديمقراطية الزجاج المكسور
- لكي لا يحدث هذا مرة أخرى
- الروائي محسن الرملي وبورخيس وأنا
- حديقة رزكار
- رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله
- الروائي اليوناني كازنتزاكي/ المنشق2


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - ضحكة النمر