أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - يونيسكو العمّ سام














المزيد.....

يونيسكو العمّ سام


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1818 - 2007 / 2 / 6 - 12:53
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


مباذل الولايات المتحدة الأمريكية لا تقتصر، في المستوى الكوني، على غزو الشعوب عسكرياً، وخرق المواثيق الدولية في غوانتانامو، وابتداع السجون الطائرة والمعتقلات السرّية غير الشرعية، وممارسة العربدة في حروب التبادل، وتخريب النظام الاقتصادي العالمي، وتلويث البيئة عن سابق عمد وتصميم وتعنّت... ثمة، كذلك، مباذل لا تقلّ أذى وتخريباً وصلفاً، تدور في ميادين التربية والعلوم والثقافة، وتحديداً في قلب المنظمة الأممية الأولى التي تتولى الإشراف على هذه القطاعات: منظمة الـ "يونسكو".
وفي عددها لشهر كانون الثاني (يناير) الماضي، نشرت المجلة المالية الفرنسية Capital تقريراً مثيراً عن عجائب بيتر سميث، المندوب الأمريكي لدى المنظمة ونائب المدير العام والمسؤول عن قطاع التعليم، كتبه باتريس بيكار واستند فيه إلى ما يتردد في كواليس المندوبين من أحاديث ـ تدور همساً تارة، وعلانية طوراً ـ حول وقائع المخالفات القانونية والمالية الصارخة التي ارتكبها ويواصل ارتكابها المستر سميث. وهي أحاديث لا تهبط من عدم بل تتكيء على حيثيات قضائية ملموسة، في طليعتها أنّ محكمة الحسابات الفرنسية (التي يترأسها فيليب سيغان، السياسي البارز المتقاعد والزعيم الأسبق لحزب الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك) تحقق هذه الأيام، وبناء على طلب من المجلس التنفيذي للمنظمة، في عدد من العقود التي تمّ إبرامها مع شركة أمريكية، بقيمة 2,14 مليون دولار أمريكي.
غرابة هذه العقود لا تتوقف عند استئناف الشركة الأمريكية لمقترحات سبق أن تقدّمت بها شركات سابقة في عقود سابقة، أو عند هذا أو ذاك من التفاصيل الإشكالية القابلة للاعتراض أو حتى الرفض المبدئي، بل تكمن كذلك في حقيقة أنّ الشركة ليست لها أيّ مكاتب على الأراضي الفرنسية ـ كما يقتضي العرف السائد ـ ممّا يضخّم كثيراً الميزانية المخصصة للأسفار والتنقلات، ويؤثّر سلباً على حسن إنفاق الميزانية في البنود ذات الجدوى، وفي سلامة التنفيذ عموماً. هذا إذا وضعنا جانباً الاعتراضات الجدّية التي تثيرها الفلسفة الثقافية للشركة الأمريكية، في ما يخصّ سياسات التعليم والتربية في البلدان النامية إجمالاً، وبصدد الثقافات الأخرى التي لا تتماثل بالضرورة، أو لا تتقارب حكماً، مع المفاهيم التربوية والتعليمية الأمريكية ـ الأوروبية.
وخذوا هذا المثال الفاضح: في خريف العام الماضي اقتطع سميث مبلغ 200.000 دولار من ميزانية محو الأمية في فلسطين والعراق وموريتانيا (لاحظوا دلالة هذه البلدان، تحديداً!) لا لكي ينفقها على محو الأمية في اليمن أو السودان أو الصومال، بل لكي يموّل مؤتمراً في نيويورك افتتحته السيدة الأمريكية الأولى، لورا بوش، واستغرق... نصف نهار! وليست هذه الواقعة خالية من السياسة المباشرة، وتقصد السياسة الداخلية في أمريكا أساساً، لأنّ سميث هو أحد أتباع الرئيس الأمريكي جورج بوش (الذي عيّنه في المنصب)، كما كان عضواً في الكونغرس عن الحزب الجمهوري قبل أن يفشل في تجديد ولايته.
ولكي يكتمل المزيد من العناصر التي تضيء خلفيته الثقافية والأكاديمية ثمة هذه الواقعة: قبل تعيينه مندوباً دائماً في الـ "يونيسكو" عمل سميث رئيساً لجامعة مونتيري باي، كاليفورنيا، والتي ذهبت إلى القضاء جرّاء دعوى رفعها ثلاثة من العاملين في الجامعة، اتهموا الإدارة بنقلهم من مناصبهم لأسباب عنصرية. وانتهت القضية إلى تسوية قانونية، سدّدت الجامعة بموجبها تعويضات لرافعي الدعوى، بقيمة 2,5 مليون دولار .
لكنّ الأمريكي سميث ليس أوّل أحزان المنظمة الدولية، ولن يكون آخرها، على صعيد هذا التصادم الثقافي الدائم حول الأولويات والمقاربات والفلسفات. ونتذكّر أنّ فكرة الـ "يونيسكو"، منذ التأسيس في العقود الأولى من القرن الماضي، انطلقت من مفهوم غربي صرف للتربية وللثقافة، قبل أن يُصاغ الميثاق التأسيسي سنة 1945 وتنضمّ إلى المؤتمر التأسيسي دول أخرى غير غربية، بينها الهند والسعودية ومصر والعراق. وعلى نحو ما، ظلّت المنظمة تخضع لضغط المفاهيم الغربية ذاتها حتى عام 1946 حين أصرّ عالم الأحياء البريطاني وأوّل مدير عام للمنظمة، جوليان هكسلي، على صياغة «إيديولوجيا كونية موحّدة» تكون بمثابة الفلسفة العليا للمنظمة، وتُلزم بالتالي جميع الدول الأعضاء. ولكنّ السؤال الذي أثير يومها ما يزال يُثار اليوم أيضاً، بالمشروعية ذاتها، وأشدّ ربما: هل نجحت المنظمة في تجاوز ضغوطات الفكر الواحد، الفكر الغربي تحديداً، وهل من مكان فسيح عادل للقِيَم الأخرى؟
واستطراداً، هل يدور «صراع ثقافات» في الـ "يونسكو" هو الوجهة الأخرى التطبيقية، التربوية والتعليمية والعلمية، لمفهوم "صدام الحضارات" الأشهر؟ تاريخياً، بات من المعروف أنّ ولاية الإسباني فدريكو مايور (1987 ـ 1999) شهدت سلسلة «إصلاحات»، كانت في الواقع سلسلة «مراجعات»، للسياسة التي كان انتهجها السنغالي أحمد مختار أمبو (1974 ـ 1987)، وجلبت على الـ "يونسكو" اتهامات «التسيّس» وشيوع مناخات وُصفت بأنها «عالمثالثية» و«معادية للغرب»، الأمر الذي تسبّب في انسحاب أمريكا ثم بريطانيا وسنغافورة.
ما يفعله المندوب الأمريكي اليوم ليس استئنافاً لأعراف المنظمة الدولية في حقبة ما قبل عثمان أمبو فحسب، بل هو عَوْد إلى طور خاص من الحرب الباردة أشاع فيه العمّ سام أنّ الثقافة الأمريكية هي الثقافة الكونية الأرقى والأكمل، واستطراداً: الأنفع والأجدى، للإنسانية جمعاء. شاءت الإنسانية أم أبت!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا الراهنة: إمبراطورية ردّ الصاع، أم الجمهورية الإمبريال ...
- فيلم أمريكي سوري... قصير
- عباس بين قبلة أولمرت وتقطيبة الأسد: العبرة في طهران
- أمازون ضدّ جيمي كارتر
- المشاورات السورية الإسرائيلية: السرّ في الاقتصاد السياسي... ...
- ممدوح عدوان... الناقد
- ستراتيجية بوش الجديدة: الحَجْر على العراقيين واستيفاء دَين ا ...
- حين قاتل الشعراء
- المشهد العراقي بعد إعدام صدّام: الفارق بين الرجل والسلحفاة
- سورية في العام 2006: المسألة اللبنانية في جذر الاستبداد
- غرفة أورهان باموك
- سورية في توصيات بيكر هاملتون: فاقد الشيء كيف يعطيه؟
- مَن يتذكّر ال -برافدا-؟
- لقاء بوش المالكي: البون شاسع بين النوايا والجثث
- قراصنة الكاريبي وذئاب المتوسط
- النظام السوري واغتيال الجميّل: شارع نقمة، وآخر نعمة
- العفونة والأيقونة
- التخصص في السلام السوري الإسرائيلي: كوميديا السلوك أم الأخط ...
- أصيص ديريك ولكوت
- بيت حانون في -الشرق الأوسط الجديد-: كاشف البربرية المعاصرة


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - يونيسكو العمّ سام