أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم سلامة - عن الإقتتال الفلسطيني الداخلي: الخبيزة والبوصلة!















المزيد.....

عن الإقتتال الفلسطيني الداخلي: الخبيزة والبوصلة!


سليم سلامة
كاتب، صحفي، مترجم وحقوقي

(Saleem Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


لا جدال في أن الحاصل في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي قطاع غزة بوجه خاص، يدمي القلوب ويمزق نياطها. ولا محاججة في أن الوبال الكارثي على حياة الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه هو العاقبة الأكثر وخامة لهذه التطورات. لكن، مع ذلك وبرغم كل ما يترتب عنه من أبعاد مأوساوية، تبقى الحاجة ملحة إلى عدم إغفال المسافة البعيدة جدا ـ بل إلى تأكيد حدودها ـ بين ما هو طبيعي من مشاعر الحزن والألم والغضب وبين الإنزلاق إلى مهاوي الإحباط واليأس، بل خلط الأوراق وتشويه الصورة وتضييع البوصلة. فمهما اختلفت الدوافع لمثل هذا الإنزلاق، ومن الواجب التمييز بينها، يبقى الحكم عليها مرهونا بالنتيجة التي ستفضي إليها، ولو بالإحتمالية!
هذه هي القاعدة الإنطلاقية التي ينبغي تثبيتها في معرض التوقف عند نماذج عينية ثلاثة من ردات الفعل "الشعبية" على التردي الخطير الذي شهدته الساحة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة، لما فيها من تدليل عمق الأزمة وخطورة الموقف. ولا بد من القول إن التوقف عند ردات الفعل هذه إنما يستدعيه ما حظيت به من ترويج إعلامي، رغم معرفتنا ـ بالحدس! ـ إنها موجودة وتتفاعل في أرض الواقع.
النموذج الأول هو ما نقلته عميرة هس ("هآرتس" ـ الثلاثاء 30/1) عن أن "مواطنين في غزة تمنـّوا، أمس الأول بعد العملية في إيلات، قيام الجيش الإسرائيلي باقتحام القطاع ليجتذب إليه جزءا من المسلحين ويطرد/ يخلي آخرين من الشوارع"!
أما النموذج الثاني فهو ما نقله تقرير ميداني من غزة ("القدس العربي" ـ أمس الأول الأربعاء) عن سيدة وجهت، عبر أثير إحدى الإذاعات المحلية، "نداء" إلى زوجها الأسير القابع في أحد السجون الإسرائيلية تطالبه في بأن: "إبق هناك في زنزانتك، إبق في السجن فإن سجنك هناك أكثر أمنا وأمانا على حياتك من وجودك هنا في غزة"!
وأما النموذج الثالث فهو ما ذهب إليه الزميل زهير إندراوس، محرر جريدة "كل العرب" ("هآرتس" ـ أمس الأول الأربعاء) من تذرع بالإقتتال الجرائمي في غزة لإشهار استقالته من عضوية الشعب الفلسطيني معلنا: "أخجل من كوني فلسطينيا"!!
ثمة، بالطبع، فوارق كبيرة وجوهرية بين النموذجين الأولين وبين الثالث. لكن يجمعها، جميعا، إلتباس حد الخطأ في قراءة الحدث قراءة شاملة وصحيحة مما يقودها بالتالي إلى ملاذات المخارج الخاطئة، على الأقل!
وإذا كان النموذجان الأولان ـ وهكذا نقرأهما ـ يمثلان تعبيرا فوريا وآنيا في لحظة سخط واشمئزاز وحرقة وقلق لدى من يعيش في أتون هذا الإقتتال الداخلي ويكتوي بنيرانه، فإن أثرهما يظل أقل وطأة وخطورة بالنظر إلى ما أعقبهما من استدراك، في النموذج الأول، ومن استهجان واعتراض، في النموذج الثاني.
ففي الأول، أضافت عميرة هس تقول إن "الإشارات الواضحة على أن الجيش الإسرائيلي لا يعتزم فعل ذلك (أي: إقتحام القطاع) تقدم لهم (للمواطنين في غزة) برهانا آخر على إن إسرائيل معنية بهذه الحرب الداخلية"!
بينما في النموذج الثاني، يسجل معدّ التقرير(في "القدس العربي") إن "نداء" تلك المواطن إلى زوجها الأسير، عبر الأثير، "كان غريبا جدا ولفت انبتاه معظم من استمعوا إلى تلك الإذاعة"!
كلا الإستدراك والإستهجان هنا يقدمان لنا الدليل القاطع على إن النموذجين السالفين لا يغادران مساحة ردات الفعل العفوية، الصادرة عن ضيق حقيقي، من دون فرملة للغوص التمحيصي المتأني في الخلفيات، الأسباب والأهداف. وبهذا، فهي مما يمكن تفهمه، مهما اتسعت تلك المساحة!
ولكن، إذا كان من الجائز اعتماد هذه الرؤية في التعاطي مع هذا الصنف من ردات الفعل، بل والذهاب إلى حد تبريرها ربما، فكيف لنا أن نتعاطى مع النموذج الثالث؟
ليست جديدة ظاهرة "الكتابة العربية في الصحف العبرية". لكنها تشهد في الآونة الأخيرة اتساعا لافتا، لأسباب معروفة ليس المجال هنا للخوض فيها، كما لا نقصد، الآن وهنا، تقييم هذه الظاهرة. لكنها ليست المرة الأولى التي ينبري فيها أشخاص من بين ظهرانينا هنا للكتابة في الصحف العبرية، باللغة العبرية، للرأي العام اليهودي، عن قضايا تخص المواطنين العرب (سمـّهم ما شئت!) في إسرائيل والشعب الفلسطيني، وكذلك الأمتين العربية والإسلامية.
غير أن الملاحظة الأساسية التي تسترعي الإنتباه والتدقيق في هذا السياق هي أن جزءا كبيرا من هذه الكتابات "العربية بالعبرية" يتمثل لغة الإعلام العبري، منطلقاته وتوجهاته. وإذا كانت نوايا التملق والممالأة هي التي تحرك هذا النمط من الكتابة في بعض مناحيه، بغية الفوز ببعض من "الشرعية" الصحفية ـ الإعلامية، فهي من الرذائل المذمومة والمدانة. لكنها ليست الأشد خطرا، كما أعتقد. بل إن الأخطر هو ما تشي به هذه الكتابات ـ أو بعضها على الأقل ـ من انجراف، سواء بوعي وتعمد أو بغير وعي وقصد، في تبني منظومة المفاهيم والمقولات (وبالتالي، المصطلحات أيضا) الإستعمارية الإستعلائية، مما يكشف عن إصابة العقول بلوثة الإحتلال واستسلامها أمام مقوماته الإستعمارية الإستعلائية، بل استنساخها وتقمصها. وتشتد ضراوة هذا الخطر حيال حقيقة كون مصدره أشخاصا يتبوأون مراكز/ مناصب في فضائنا الإعلامي ـ الثقافي، على ما في هذا من مجالات نفوذ وقوة تأثير، ولو بالإفتراض والإحتمالية فقط!
فأن يختار الشخص أن يستقيل من "عضوية الشعب الفلسطيني" لأنه توصل (الآن!) إلى استنتاج بأنه "يخجل من كونه فلسطينيا" بجريرة ما هو حاصل فهذا حقه، ولن يرغمه أحد على الإبقاء على عضويته هذه التي لم يعد يطيقها. ولكن، هل من حق هذا الشخص، أو سواه، أن يمتطي خجله (حتى لو كان حقيقا وصادقا) ليصدر صك براءة وغفران من قبيل: " أخوتي الأعزاء، لا تتهموا الإحتلال الإسرائيلي، فأنتم أنتم فقط المذنبون"؟!
ولنا أن نسأل، بعد: ما هي المساهمة الصادقة التي يصبها هذا الغضب وهذا الخجل، هذه الإستقالة وهذه التبرئة، في مهمة توضيح الأسباب الحقيقة لهذا الإقتتال ومساعي معالجتها نحو وقفه وضمان عدم تفجره من جديد، بينما يختار صاحبها اللغة العبرية والرأي العام اليهودي وسيلة ومنصة لإشهارها؟!
نحتاج إلى أكثر من مجرد شعار مغرق في الفجاجة والسطحية، وإلى رؤية واعية، صافية وواثقة في قراءة التاريخ وما كدسه من تراكمات لكي نعيد تأكيد الواضح، رغم كل ما تغري به الأحداث المأساوية من نزعات لجلد الذات وشتمها، بل والبصق عليها: إنه الإحتلال والإستعمار، نعم إنه الإحتلال والإستعمار، مصدر كل الشرور ومنبت كل الويلات! إنه الإحتلال، ليس بالمعنى الآني اللحظي، بل هو الإحتلال بما هو تاريخ، مؤسسات وسياسات.
إنه الإحتلال الذي يقود إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الوطني واستبداله بانتماءات "جديدة"، فئوية أو عشائرية حمائلية أو سواها، بما يفتح الأبواب على مصاريعها أما تشكيلات مافيوية تنقض، في كنف الإحتلال وتحت أجنحته وأحيانا كثيرة بدفع منه وبدعمه، لاغتصاب السياسة والاقتصاد وتجييرهما في خدمة هذه التشكيلات.
نعم، إنه الإحتلال، على الرغم من كل ما يتم ترويجه كونيا عن بدائية العرب ووحشيتهم، من ادعاءات الأنثروبولوجيا الإمبريالية بشأن تقاليد سفك الدماء الشائعة في هذه المنطقة من العالم، ومن تصريحات حفنة من العرب الجدد بشأن عادات الرقص العربية على الدماء والجثث.
إنه الإحتلال. لكن "يدي" الإحتلال غير قادرتين على هذا "التصفيق" وحدهما!!
عميرة هس، في "هآرتس"، لم تغب عنها هذه الحقيقة، فكتبت: "الأجهزة الأمنية التابعة لكل من فتح وحماس دُفعت إلى الإقتتال، إلى القتل وتعريض سلامة الجمهور كله للخطر، من أجل وهم الحكم الذاتي تحت الإحتلال، الذي يتنكر في زيّ جار قلق"!
أذكر أن الراحل جمال موسى، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي وسكرتيرا لمنطقة عكا الحزبية، كان يخطب في اجتماع جماهيري في إحدى قرى الجليل إبان استيلاء حركة "تضامن" وزعيمها ليخ فليسا على السلطة في بولندا. وفي سياق حديثه قال إن "الإمبريالية والإستعمار يقفان وراء هذا التحرك". وحين سأله أحد الحاضرين مستهجنا: "ولو، يا رفيق؟ هل سنرمي كل شر في ظهر الإستعمار والإمبريالية؟"! فردّ جمال موسى بالقول: "حتى لو لم تنبت الخبيزة في حقولنا، فهذا سببه الإستعمار"!!
جواب بليغ فيه من الرؤية الثاقبة ما يهدي إلى البوصلة الصحيحة في حالتنا هذه أيضا، رغم كل ما يمكن قوله الآن عن تجربة "تضامن" وفاليسا وبولندا من باب "الحكمة المتأخرة"!



#سليم_سلامة (هاشتاغ)       Saleem_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم سلامة - عن الإقتتال الفلسطيني الداخلي: الخبيزة والبوصلة!