أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيصل علوش - جابر عصفور: زمن الثقافة العربية وسؤال المستقبل















المزيد.....

جابر عصفور: زمن الثقافة العربية وسؤال المستقبل


فيصل علوش

الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:24
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في أي زمن يعيش العرب؟ سؤال كان طرحه المفكر المصري سيد ياسين في إحدى الندوات الفكرية التي كان موضوعها: « الفكر العربي المعاصر: تقييم وإستشراف آفاق المستقبل».
وبالفعل، فإن السؤال يفرض نفسه: هل الزمن الذي نعيشه يماثل الزمن الغربي؟ وهل نعيش نحن العرب المناخ نفسه الذي يسيطر على الزمن الغربي بمشكلاته ومناهج تفكيره، أم أن الزمن العربي زمن له خصوصية مائزة، ولا علاقة مشابهة تربطه بالزمن الغربي، نتيجة الفجوة التاريخية الكبيرة الفاصلة بيننا وبينهم؟
إلحاح هذا النوع من الأسئلة على وعي المثقف العربي الممزق بين حاضره المهووس بأمسه وأحلامه المتطلعة إلى غده، هو ما دفع المفكر والناقد المصري المعروف جابـر عصفور إلى مقاربة أجوبتها، ومحاججة أفكار متعلقة بها وردت عند هذا المفكر العربي أو ذاك، ضمن إطار أعمّ، اشتمل على مساءلة الثقافة العربية ومناقشة مواقف أبـرز تياراتها تجاه القضايا والمشكلات المطروحة في واقعنا الراهن، في كتابه « حوار الحضارات والثقافات » الصادر مؤخراً ضمن سلسلة « كتاب في جريدة» التي ترعاها منظمة اليونيسكو.
ي سياق رده على تلك الأسئلة والتساؤلات المثارة، يذّكر عصفور بقول للكاتب السوري هاشم صالح، في أحد مقالاته المنشورة، يعترف فيه بأنه لايحس بمعاصرة الفلاسفة المحدثين في أوروبا، من أمثال فوكو ودريدا، بقدر ما «يعاصر» مفكري القرن الثامن عشر وحتى السابع عشر، الذين يحس بـراحة عميقة معهم، بدءاً من ديكارت وكوبـر نيكوس وغاليليو، في مرحلة إندلاع الصراع بين العلم الحديث والكنيسة.
ويعتبـر عصفور بأن شعور هاشم صالح هذا، يشاطره به كثيرون، ويطرحون على أنفسهم أسئلة مشابهة وموازية، من قبيل: هل نركب قطار الحضارة من آخر نقطة وصل إليها أم نعود إلى محطاتها الأولى نقطعها درجة درجة ومرحلة مرحلة؟ هل هناك حقاً جدوى من الإنشغال بمشكلات الحداثة ومابعد الحداثة، ومن عرض آراء وأفكار نجوم الفكر الفلسفي المعاصر لعالم ما بعد الحداثة في الوقت الذي يرسف فيه المجتمع العربي في أغلال عصر ما قبل الحداثة ؟ وهل ثمة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين المشكلات التي يعانيها العربي ويعيشها صباح مساء، ومشكلات التقدم في المجتمع الغربي، الذي نجح نجاحاً مؤزراً في ثورته العلمية والتكنولوجية، وإنتقل من عصر الصناعة إلى عصر ما بعد الصناعة، عصر المعلومات التي إنتهى بها زمن الحداثة وإبتدأ زمن ما بعد الحداثة ؟ خصوصاً أن كل شيء يحيط بهذا العربي تسوده نزعة بطريركية قبلية، ويهيمن عليه الإستبداد السياسي، وتغمره موجات الفكر الخرافي والرجعي والظلامي ؟ ما أوصلنا في نهاية المطاف لأن تكون خلافاتنا الطافية، وإحتراباتنا الدائرة في غير مكان من عالمنا العربي هي حول الهويات المذهبية والطائفية، دفاعاً عنها وبإسمها، وليس حول سبل النهوض من مرارة وبؤس واقعنا الذي نعيش ؟
زمن الثقافة العربية
إن القول بأن مشاكل ما بعد الحداثة ليست مشاكلنا أمر بعيد عن الحقيقة، في رأي سيد ياسين، الذي يلحّ على إنتسابنا إلى عالم ما بعد الحداثة ووجودنا فيه شئنا أم أبينا، لأن مشكلات مجتمع مابعد الحداثة، التي تواجه المجتمع الغربي المتقدم، أساساً، هي مشاكلنا في الوقت نفسه، ذلك أن القضايا الخاصة بسقوط الحتمية التاريخية وإنفتاح التاريخ الإنساني، وتحطم الأبنية الشمولية السياسية أو الفكرية، وإتساع دائرة الإختيار أمام البشر، فضلاً عن إنتهاء طغيان وسيطرة العقائد الإيديولوجية الجامدة، كل هذه، كما يقول ياسين، ليست قضايا الفرد الغربي وحده، ولكنها قضايا الإنسان في كل مكان.
في مجادلته مع نموذج هذه الأفكار، يتساءل عصفور، هل نستطيع أن نبعد عن أذهاننا، ونحن نتحدث عن الزمن الذي نعيشه، أولئك الذين يقتلون الأبـرياء، هنا وهناك بإسم الإسلام ؟ أو الذين فرقوا بين نصر حامد أبو زيد وزوجه بإسم الدفاع عن العقيدة ؟ وهل سقطت الأنساق الشمولية المغلقة، أم أنها تزداد شمولاً وإنغلاقاً وقمعاً وتسلطاً وتخلفاً في أوطاننا العربية؟ وهل نعيش زمن ما بعد الحداثة أم زمن ما قبل قبل قبل قبل الحداثة ؟
ويخلص عصفور إلى القول بأن الأخذ بطرف واحد فحسب من ثنائية « مابعد> و«ماقبل» هو تبسيط معرفي وتاريخي لموقف أكثر تعقيداً من أن يختزل في أسر منطق أحادي البعد على طريقة ! إما هذا أو ذاك.
فالزمن العربي، كما يضيف، هو زمن تتقاطع فيه الأزمنة، وتتجاور، وتتصارع، كما تتجاور الأزياء التي نلبسها، أو تتقاطع الأنظمة التي تحيط بنا، أو تتصارع الأفكار الهادفة إلى التحكم في مجرى حياتنا، هو زمن يجاور مابين أقصى مظاهر التقدم وأقسى درجات التخلف. تتمثل خصوصيته في المتعارضات المتصادمة أفقياً ورأسياً في أبنية الثقافة والمجتمع والإقتصاد والدولة بكل مسمياتها العربية.
وخصوصية هذا الزمن، حسب عصفور، هي خصوصية الثقافة العربية المعاصرة والمثقف العربي في الوقت نفسه، (...) خصوصية الخطاب اليومي الذي تتجاور فيه أصداء دعاة الدولة الدينية، ودعاة الدولة المدنية، أصداء الفكر الليبـرالي القديم والجديد في مواجهة الماركسيات التقليدية والمحدثة، وفي موازاة النزعات الأصولية وغير الأصولية للقوميين والإسلاميين، فضلاً عن الحداثيين وغير الحداثيين... وهكذا فإن الزمن التاريخي للمثقف العربي يفرض عليه التمزق بين الأضداد التي تصنع حركة زمنه المتوترة... وهكذا يعيش منقسماً بين تجليات التقدم الذي يراه، أو يسمع عنه، أو يُنقل إليه، في عالم ما بعد الحداثة، ومظاهر التخلف التي يعيشها بقدر ما تتحداه في عالمه العربي المسيّج بتقاليد الإتباع والنقل عن السلف.
ويلفت عصفور إلى أن بلداننا لا تعرف ضغط الزمن في ثقافتها السائدة، والنجاح فيها ليس مرهوناً بقدرة الإبداع والتجديد والتغيير، وإنما بقدرة الإنتساب إلى الثابت وتزيينه، كما إن تخلفها أكثر إستفحالاً مما قد يتصوره عقل، فالواقع الذي نعيشه في زمننا العربي الراهن، سياسياً وإجتماعياً وثقافياً وعقيدياً، يؤكد تماسك السرديات الكبـرى، وإستمرار الأبنية الشمولية وصعود الأنساق المغلقة، بل تزايد جماهيريتها بعد أن إتخذت من التأويلات الدينية أقنعة لها. وإلا فما معنى نزعات التعصب التي تتزايد حولنا يوماً بعد يوم ؟ (يتساءل عصفور ويضيف) ولماذا توزع كتب أمثال الشيخ الشعراوي، وكتب التنجيم، مئات الألوف هنا او هناك، ولا توزع من كتب أي كاتب علماني أو عقلاني سوى مئات قليلة فحسب ؟ ولماذا ينجح المتطرفون في تجنيد طلاب الجامعات ؟ ومادلالة قمع المثقفين المختلفين بواسطة المجموعات الموازية لسلطة الدولة ؟
ويتنبأ عصفور، بتزايد قوة التيارات التقليدية وتفاقم خطرها لعدم قيامنا بـ «تأسيس ثورة جذرية، حقيقية، بعيدة المدى، في كل أنظمة التعليم والإعلام والثقافة»، ولعدم تحقق « تثوير حداثي وما بعد حداثي شامل لكل آليات التثقيف العامة، وذلك مالم يحدث إلى اليوم في كل أنحاء الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج».
سؤال المستقبل
للقضية المطروحة بعد آخر يتعلق بموقف الثقافة من الماضي والمستقبل فـ«نظرة كل ثقافة إلى الماضي تحدد موقفها من الحاضر، وتشير في الوقت نفسه إلى صورة المستقبل الذي تسعى إلى تشكيله وتحقيقه». وثمة فارق حاسم في رأي سيد ياسين، بين الثقافة التي تسقط لحظة بعينها من ماضيها على مستقبلها، أو تتصور هذا المستقبل بوصفه عوداً على بدء زمن ذهبي تسعى هذه الثقافة إلى إستعادته، وبين الثقافة التي تصنع صورة مستقبلها من ممكنات حاضرها، فلا تقيس مستقبلها على ماضيها، وإنما على مثال زمن مفتوح على كل إحتمال، نموذجه يقع أمامه وليس وراءه. أما عصفور فيميز بين نمطين من الوعي الثقافي العام، الأول، وعي ماضوي تقليدي، والثاني، وعي مستقبلي إستشرافي، وعي أصولي، نقلي، إسترجاعي، يلغي العقل وينفر من توتر المساءلة، تغلب عليه مفردات الماضي وملفوظاته، ووعي مستقبلي، يقيس على الحاضر في حركته إلى المستقبل الواعد، هو محدث بالضرورة، لايعرف الحلول الجاهزة أو الإجابات المسبقة، ولا يؤمن بالمطلقات الإنسانية أو الدوائر المغلقة للفكر. أداته في المعرفة هي العقل والأخذ بالعلم، وإشاعة رغبة الكشف والإبداع. والفارق بين الثقافة المنفتحة والثقافة المنغلقة، كما يراها عصفور، هو فارق بين ممكنات الوعي الأول والثاني في علاقتهما بمعاني التقدم والتخلف في الثقافة.
فالتاريخ يعلمنا، كما يقول عصفور، أن الثقافة المنشغلة بسؤال المستقبل والمشتغلة به هي الثقافة المتطلعة إلى التحول، المنفتحة على المغايرة، المتقبلة للإختلاف، المتفاعلة مع الآخر، وبالقدر الذي تعي به الثقافة المنفتحة سؤال المستقبل، تتحدد قابليتها للتطور وقدرتها على التقدم، ورغبتها في الإبداع الذاتي، وبقدر غياب سؤال المستقبل عن الثقافة، وإنشغالها عنه بنقائضه، تتصاعد درجة الإتباع فيها، وتتقوقع في مدار مغلق، يحول بينها والتطلع إلى ممكنات الغد الآتي، ولذلك فإن تخلف الثقافة هو الوجه الآخر لإنغلاق وعيها الذي يستبدل بحق الإختلاف صرامة الإجماع، وبالمغايرة حتمية المشابهة، وبالتسامح التعصب، وبسؤال المستقبل أسئلة الماضي الذي يتطلع إلى صورته في كل غد ممكن. وعليه، فإن تأمل سؤال المستقبل في الثقافة هو أول ما ينبغي البدء به قبل أي تأمل فعلي لمستقبل الثقافة، كما يقول عصفور. ذلك لأن ما يمكن أن تصل إليه الثقافة في المستقبل يتوقف بالضرورة على وعيها بقضية المستقبل ذاتها من حيث هي وعي بإمكانات الحضور الفاعل. ويعني ذلك أن حضور سؤال المستقبل نفسه، أو عدم حضوره، علامة تكشف في ذاتها عن مكونات الثقافة في أبعادها العلائقية، وعن المطامح والهواجس التي تشدّ هذه الثقافة إلى المستقبل الواعد أو تبعدها عنه. وهكذا نتحدث عن الصفة التي تميز هذه الثقافة عن تلك، ثقافة تمتاز بالتغيير مقترناً مع حيوية التحول وثراء التنوع ورغبة الإبتداع، إلى جانب مرونة التقبل وتسامح الحوار وتوتر السؤال، أو ثقافة تنعت بالثبات وعدم التبدل، المقترن بالضحالة والركود وهيمنة الصوت الواحد وقمع المغايرة والتعصب وخنوع الإتِّباع.



#فيصل_علوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى عودة أورتيغا إلى الرئاسة ثانية
- في مراجعة التجربة الناصرية
- الحبر الأعظم والإمبراطور البيزنطي... الدور والعكاز
- في الذكرى الخامسة لزلزال أيلول : أي سبيل لمحاربة الإرهاب وال ...
- الفقراء يقتلهم الإهمال.. والاستئثار بالسلطة
- السقف الواطئ وسياسة فن الممكن
- مقاربة لتفاصيل القرار الدولي 1701
- كلفة ليست باهظة
- الشرق الأوسط الجديد» الآلام الموجعة لمخاض الحمل الكاذب
- وجاهة المنطق في منطق المواجهة وضده
- تصاعد العمليات الإرهابية في المملكة السعودية خلفية التطرف وج ...
- أحزاب مغربية تندمج في -الاشتراكي الموحد-... سباحة ضد التيار ...
- الثقافة لا تكون معزولة عن السياسة أبداً


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيصل علوش - جابر عصفور: زمن الثقافة العربية وسؤال المستقبل