أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!















المزيد.....

أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1810 - 2007 / 1 / 29 - 11:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الولايات المتحدة حاضرة بكثافة في الشرق الأوسط. وحضورها متعدد الصور: عسكري وسياسي ودبلوماسي وامني، وكذلك اقتصادي وتكنولوجي وثقافي (سمعي بصري بخاصة)، وأخيرا معرفي (دراسات وأبحاث ومجلات.. تشكل بمجموعها ما قد يسمى الميدلإيستولوجية، علم الشرق الأوسط الذي يستوجب تقصيا منهجيا لفرز إشكاليته وكشف مسلماته الخفية وتمييز أطواره ورصد تبدلاته والتعرف على المؤسسات المنتجة له..).
بيد أنه لا يعادل كثافة الحضور الأميركي في المنطقة إلا افتقاره إلى عنصر النفوذ المعنوي أو القرابة الروحية أو الإقبال والرضا من قبل سكان المنطقة، العرب بأكثريتهم. وهذا أمر يفترض أن يكون غريبا بالنظر إلى إعجاب كثيرين من العرب بالعلم والتكنولوجيا والثقافة الأميركية، وحلم إعداد كبيرة بالهجرة إلى تلك البلاد وحيازة جنسيتها. سنتطرق أدناه إلى أسباب هذه المفارقة التي تترك الحضور الأميركي بلا قواعد معنوية وعاطفية في الشرق الأوسط. ولعل وفرة القواعد العسكرية الأميركية في الإقليم تعكس ندرة القواعد المعنوية وتجتهد للتعويض عنها.
يصح القول إن الولايات المتحدة مهيمنة دون هيمنة في الشرق الأوسط. هذا ممكن بسبب ازدواج معنى مفهوم الهيمنة. فإذا كنا نقصد به احتلال موقع يمكّن الأميركيين من التحكم بالتفاعلات السياسية والجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية بين أطراف النظام الشرق أوسطي وتوجيهها لمصلحتهم، فلا ريب أن الولايات المتحدة تتمتع بهيمنة لا منافس لها. الهيمنة هنا تأخذ معنى قريبا من معناها الحرفي: الإشراف والرقابة والتوجيه من عل.
لكن للهيمنة معنى آخر، بلوره أنطونيو غرامشي، ويفيد عنصر الرضا والاقتناع في السياسة، تمييزا عن عنصر القسر والإكراه. يتعلق الأمر باستجابة طوعية من قبل الجمهور المعني لقوة سياسية ثقافية، يؤمن بأنها متفوقة وقريبة منه في الوقت نفسه، فلا يتردد في منحها ولاءه، ويثق بأن انقياده لها وإقباله عليها يلبي مصالحه وحاجاته المادية والمعنوية. خلافا لذلك، تجنح القوة التي لا تنال الثقة والانقياد الطوعيين إلى التركيز على وسائل القسر والعنف في سياستها، ما يندرج تحت مفهوم السيطرة. فللهيمنة مفعول مقتصد للعنف هو الذي تفتقر إليه الولايات المتحدة في المجال الشرق أوسطي، وهو الذي تحاول التعويض عنه، عبثا، بالقوة والقواعد العسكرية وتخويف الحكومات.
في ذلك تشبه أميركا الشرق أوسطية أكثر النظم الحاكمة في الدول العربية. فهذه أيضا مهيمنة بالمعنى الأول للكلمة، وغير مهيمنة بالمعنى الثاني. وهي كذلك تتوسع في بناء الأجهزة الأمنية وردع مواطنيها، بالضبط لأنها تفتقر إلى رضاهم واقتناعهم الذاتي بها. وكما تهيمن أميركا على الشرق الأوسط ولا تهيمن فيه، كذلك تهيمن نظمنا على مجتمعاتها ولا تهيمن فيها. فعلاقات النظم هذه مع مجتمعاتها المحكومة تشاكل علاقة الولايات المتحدة مع بلدان المنطقة. وهي، من جهة أخرى، تتنافر مع علاقة الدولة الأميركية بمجتمعها، وهذه علاقة هيمنة بالمعنى الثاني.
لكن بم تختلف الهيمنة بالمعنى الأول (إشغال موقع ممتاز ضمن حقل محلي أو إقليمي أو دولي، يتيح التحكم بالتفاعلات المهمة وتوجيهها بما يناسب الطرف المهيمن)، عن السيطرة التي تعتمد التوسع في وسائل القسر؟ نقترح أن الهيمنة تلك تستند إلى تفوق حقيقي على مستوى التنظيم والرقابة والاتصال والربط، وليس على مستوى القسر وحده. وإذا صح ذلك فإنه يفيد أن النظام الشرق أوسطي، ومنه نظم الاستبداد العربية، لا يرتد إلى القسر وحده؛ وأن تمكن القوى القائدة فيه، الأميركيون والنظم المحلية، من وسائل التنظيم والإشراف، أو احتكارها لها، هو ما يؤسس النظام ويضمن دوامه.
لكن ما الذي يجعل الولايات المتحدة، أعظم دول العالم وواحدة من أرسخ الديمقراطيات، قوة غير مهيمنة في الشرق الأوسط؟ ولماذا هي مهيمنة في أوربا الشرقية وغير مهيمنة لدينا؟ ليس السبب خفيا. إنه يتصل ببساطة بسياساتها المتطرفة بنيويا حيال مشكلات المنطقة، المشكلة الإسرائيلية بالخصوص، وجنوحها الراسخ نحو تفضيل الحلول الأمنية والعسكرية على الحلول التفاوضية والسياسية لهذه المشكلات. كلامها على الديمقراطية خلال السنوات المنقضية لم يقترن بمراجعة لسياساتها المتطرفة ولا بإعادة نظر لأسسها الثقافية، وهي لم تجد صعوبة في التخلي عنه حين اصطدم بالوقائع.
بالعكس، في أوربا الشرقية التقى تقارب ثقافي (يتماهي الأوربيون الشرقيون مع "الغرب" بيسر فائق) مع سياسة داعمة لاستقلال دولها عن الاتحاد السوفييتي السابق، لصنع شعور بالقرابة والانجذاب للأميركيين، أي هيمنة أميركية حقيقية. لعل هذا يفسر انضمام دول أوربا الشرقية الحماسي لكل من حلف الأطلسي والاتحاد الأوربي. ولا ريب أن إيثار تلك الدول غربا تهيمن عليه وفيه الولايات المتحدة أكثر من غرب أوربي استقلالي المنزع هو ما استحقت عليه، أيام الغزو الأميركي للعراق، إطراء وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رمسفيلد الذي وصفها بأوربا الجديدة (منتقصا من أوربا قديمة، تصدرتها آنذاك فرنسا وألمانيا).
حيال البلاد العربية وقع التقاء معاكس: التقى التباعد الثقافي مع سياسات متطرفة. وقد نلاحظ مع جلبير اشقر أنه بينما دعمت الولايات المتحدة الليبراليين في أوربا الشرقية ضد المعسكر السوفييتي فإنها ساندت أنظمة وتيارات إسلامية محافظة أو متشددة في الشرق الأوسط. وبذلك أسهمت في زراعة "الإرهاب" الذي سيدفع العلم العربي أكثر من غيره ثمن الحرب الأميركية ضده خلال السنوات الخمس المنقضية. وبينما انتهت الحرب الباردة في كل مكان من العالم أواخر ثمانينات القرن العشرين، استمرت "تنظيماتها" الأمنية والفكرية والسياسية في منطقتنا إلى أيلول 2001، لتحل محلها سياسات شبه استعمارية. وليس بلا دلالة أن تدور سياسات أميركا الشرق أوسطية الجديدة حول محاربة الإرهاب، وما يقتضيه من أولية العسكري والأمني، في حين تشكل العولمة محور تلك السياسات في آسيا وأوربا، وإن كان العنصر الأمني قد نما فيها هي الأخرى.
على أنه مهما يكن أصل الخباثة في العلاقة العربية الأميركية، فإننا لا نتصور اليوم تعديلا لها دون تحويل حقيقي في العلاقة السياسية الأساسية داخل بلداننا، علاقة الحاكمين والمحكومين، باتجاه يؤسس لهيمنة داخلية يرتفع فيها مستوى الثقة والاقتناع على حساب مستوى الإكراه والعنف. فمعالجة ما ندعوها أزمة الهيمنة في بلادنا، والانخراط في عمليات بناء الدول الوطنية، العلمانية والمدنية، هو ما من شأنه أن يفضي في النهاية إلى تعديل طبيعة العلاقة بين العالم العربي والأميركيين (والعالم ككل) باتجاه أكثر توازنا واحتراما.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رُبّ سيرة أنقذت من حيرة! -هويات متعددة وحيرة واحدة- لحسام عي ...
- في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه
- حول الطائفية: ورقة نقاش ومقدمة ملف
- عن حال القانون تحت ظلال الطغيان
- بيروتُ سوريٍ ملتبس!
- إهدار المعنى القرباني لإعدام صدام
- اللهُمَّ أعزَّ الحرية بأحد الدالَيْن: الدين أو الدولة!
- عمقان لإسرائيل وضحالات متعددة لنا
- المعارضة الديمقراطية السورية في أزمة!
- معضلة حزب الله ومحنة لبنان
- حنين إلى الوطنية القبلية في حمى الدكتاتور
- في أصل السخط العربي وفصله
- تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...
- كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أميركا الشرق أوسطية: هيمنة بلا هيمنة!