أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة عشرة















المزيد.....

محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة عشرة


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 1810 - 2007 / 1 / 29 - 11:59
المحور: سيرة ذاتية
    


كان هناك في الجبل ما ينتظرنا ، ففي زيارة أخرى إليه بعد أن استطعنا تثبيت بعض الأمور المهمة في مخبأ حتارة وكما أوضحت ذلك في المحطة السابقة عدنا إليه ( الجبل ) وأبلغنا الرفاق إنه خلال أيام قصيرة سيكون الممر آمنا للعبور إلى سوريا ونحن ننتظر عودة الرفيق من سنجار حتى نتأكد من الأمر لذا لابد من تكملة بقية الأمور التي نحتاجها للإقدام على تنفيذ التجربة الأولى ، فتوجب أن نكون في الجبل لترتيب الأشياء والخطط وإعدادها وفي المخبأ لتنفيذ هذه الأشياء والخطط واختراق كل هيبة السلطة والدخول إلى قلب المدينة ومنها ننطلق إلى الحدود مع سوريا ، أجل بعد أن جرى توضيح الأمور للرفاق في الجبل كان علينا أن نعود لمتابعة تنفيذ بعض المهام الأخرى ففي هذه المرة تحركت معنا النصيرتان أم أمجد وكنار وأخذنا عدد من الرزم المغلفة والتي كانت عبارة عن أموال تعود للحزب .. وكان علينا أن نشتري المزيد من الملابس المدنية بمختلف أحجامها .

وفي نفس هذه الفترة كان هناك رفاق آخرين يتحركون في اتجاهات أخرى لإعداد بعض الأمور التي كانت تتعلق بنفس وجهتنا فمنهم من كان يعمل في (كه ند )"1" دوغات هناك في هذا المكان يوجد العديد من المخابئ التي استخدمناها طيلة سنوات البيشمه ركايه تى ، وهي عبارة عن كهوف شقتها مياه الأمطار في اعماق الأرض يصل عمق بعضها إلى أكثر من عشرة أمتار ويمتد أحيانا إلى مسافات بعيدة قد تزيد على مائة متر، وها اليوم نحتاجها مرة أخرى لكي يختبئ فيها الرفاق انتظارا لأدوارهم والذهاب إلى المدينة ومن هناك إلى سنجار .. وكانت مجموعة أخرى قد ذهبت إلى القرى المحيطة بمدينة الشيخان لإيجاد اتصال برفاق عادوا إليها عندما وصلنا إلى مه رانى حيث كانت رسالة من قيادة المحلية تنتظرهم فيها أمرا يحثهم على العودة إلى هناك ثانية دون أي انتظار، لغرض معرفة إمكانياتهم وزجهم في هذه المهمة التي كانت تتطلب جهودا استثنائية حتى تحقق هدفها في إنقاذ الأنصار.

مرة أخرى في مخبأ حتارة أعددنا مستلزمات سفر الرفيقة أم أمجد إلى المدينة وثم التقينا بالرفيق القادم من سنجار والذي أبلغنا بدوره مؤكدا إن كل شئ على ما يرام وقال يمكننا استقبال المجاميع في أي وقت وصلت إلينا في محطة سرية خصصت لهذا الغرض، وعاد آخذا معه بعضا من هذه الرزم لإيصالها إلى سوريا ولينتظرنا في المحطة السرية في أقرب وقت . نشاطنا كان مكثفا وحركتنا كانت سريعة ، فعملنا كل ما كان في وسعنا كي تسير الأمور على أفضل وجه فكثرت الملابس المدنية في مخبأنا بمختلف أحجامها وألوانها ، كنا نحتاج إلى كل جهد مخلص ونحتاج إلىأشياء كثيرة ونحتاج إلى سيارات وأصحابها ، ونحتاج إلى وثائق ونماذج للهويات والمستمسكات الشخصية وأجازات الجنود ونايلون لكبس ألهويات وتغليفها وغيرها من الأشياء التي تساعدنا في النجاح .

إذن كان أمامنا الكثير من العمل لكي ننجح في غايتنا وإنقاذ أنفسنا من هذا الطوق الذي كان لا يزال يشكل تهديدا جديا لنا ، فالجبال التي تركناها وراءنا كانت لا تزال مليئة بالقوات العسكرية للنظام وأمامنا أن نخوض تجربة المدن التي كنا نخشاها كثيرا لأننا إضطرارا سندخلها ولم نكن نحن الذين قمنا باختيار الوقت ولا كذلك شكل الدخول إليها فكان ذلك تحت وطأة الإنسحاب وتجنب الدخول في معركة غير متكافئة مع قوات النظام علاوة على الكثير من المحاولات والخطط التي وضعتها أجهزة الأمن والمخابرات الحكومية من اجل الإيقاع بنا في كماشتها عندما عرفت بتواجدنا في هذه المناطق ... وإلى جانب هذا كان للفترات الطويلة التي قضاها كل واحد منا في الجبال والتي جعلت حتى من أشكالنا جبلية وطريقة سيرنا كانت تشبه وكأننا نسير في الجبل وليس في المدينة وطبيعة تصرفاتنا في المأكل والملبس تحولت إلى طبائع أهل الجبل . فلم يكن الواحد منا يستسيغ الأمر وهو يعود إلى المدينة ويلبس بنطالا بعد سنوات طويلة من فراقه له فكان يعتبره سجنا حقيقيا لسيقانه ويشعر بنفسه مقيدا لا يجيد الحركة بواسطته ، وقميص صيفي رداءه لا يغطي غير نصف ذراعه الذي تعوًد أن يكون رفيقا دائما مصاحبا وملامسا للبندقية في سيره ونومه وفي كل لحظات حياته وحذاء جلد لا يساعد المرء أن يجري به عشر خطوات لو تعرض لخطر ما ، إذن كيف سنتصرف في المدينة بعد أن نتخلى عن أسلحتنا التي هي سبب بقاءنا أحياء في المعارك رغم إنها أداة قتل .. وكيف سنواجه شرطيا أو عسكريا وأيادينا فارغة ..؟؟؟ كنت أتوقع إن رجال الأمن والشرطة سيتعرفون علينا لو شاهدونا أو لمجرد دخولنا إلى المدينة ، فكل شيء في دواخلنا هو ذاته الشيء الظاهر قبل أن نلقي ببنادقنا في المخابئ ويعتقد المرء من إنه لازال شكلا ومضمونا ذلك الرجل البيشمه ركه ويسير في مدينة لا صخرة فيها يتكأ خلفها وثم سيشعر بعد أن يحاول المقاومة إن لا بندقية معه ولذا لا سبيل أمامه غير أن يطيع ذلك العسكري الذي يتقدم لاعتقاله كي يبدأ برسم لوحته مع الموت تحت يد جلاديه تعلموا الجريمة من مدرسة البعث . هكذا كانت اللوحة تبدو لي ونحن نستعد لبدء نقل أول مجموعة عبر المدينة .. يا ترى هل سننجح ..؟ بلا شك كان قلقي غير اعتيادي في أغلب الأوقات ولكنه لم يكن قادرا على تثبيط همتي وانتزاع الشجاعة الكافية للمواصلة إلى النهاية حتى لو اشتدت هذه المخاطر أكثر ، فكانت قناعات كل واحد منا تشدنا وتزيدنا عزما على أن نخوض هذه التجربة بعد أن كنا نعد لها بدقة.

الأيام التي كانت تفصل بين وجودنا في ملاجئنا الجبلية وتلك الموجودة في الده شت وبين المدينة أصبحت قليلة بعددها ولكنها كانت طويلة بحكم الانتظار والمخاطر التي كانت تتخلله ، أجل الدقيقة تعد ساعة والساعة لم تكن تنتهي ، فكيف لليوم بليله ونهاره .

في القرية اتصلت بذات الرفيق الذي خاض تجربة في إيصال رفيق إلى أطراف الموصل أن يتهيأ لإيصال مجموعة إلى داخل مدينة الموصل نفسها ، أكد استعداده وقال إنه سيكون في الموعد في تمام الساعة المحددة من قبلي ، كان من الضروري أن لا يتخلف عنه ولو لدقيقة واحدة أو ثانية واحدة ، فإن ذلك لو حصل ربما شكل خطورة فادحة على الجميع ، فالدقة في حضور المواعيد كان سببا مهما لنجاحنا ليس في هذه المهمة فقط بل كان يشكل دائما محور نجاح مهامنا الأخرى وخصوصا بالنسبة إلى المجموعات العاملة في التنظيمات الحزبية ، وهكذا تربى رفاقنا في التنظيم والأنصارأيضا وهكذا تطلب الأمر لتجنب المخاطر ، فالدقيقة لها معناها في العمل السري ، بل الثانية الواحدة تحدد مسار قضية معينة ، وأنا شخصيا حاولت تجربة أن أصل إلى مكان الملتقى مع وصول السيارة في نفس اللحظة ، لمعرفة المدة التي سيستغرقها السائق من مكان استدارته من على الشارع العام أي من نقطة (كه ركاميش )"2" وكم سنحتاج نحن من هذه المدة للوصول إلى السيارة ، هكذا أعددت موعدا معه على أن يكون وصولنا في وقت واحد لكي لا يضطر الانتظار في مكان مثل هذا، كونه إضطرارا يسلك طريقا مريبة بالنسبة إلى الأهالي وهكذا بالنسبة إلى عيون السلطة ، ولكن كان للصدفة أدوارا في تحديد مدى الخطورة .

أجل عدت إلى الجبل وكان هناك في الده شت موعد ينتظرني وكان علي ً أن أتهيأ للسفر إلى المدينة و كان ذلك يتطلب أن يكون لي مستمسكا أو وثيقة تؤهلني أن أعبر نقاط تفتيش (سيطرات) الحكومة ، ولما كنت لا أملك أية وثيقة غير واحدة فقدتها في أيام البيشمه ركايه تي ، فكان علي أن أخضع لأمر النصير كفاح كنجي الذي أوجد لي كنية في مكتبه الواقع في كهف يقع في قمة جبل مشرفة على قرية كرسافا قلما يعرفه أناس تلك المنطقة نفسها ، كانت كنيتي الجديدة تتطابق وعن طريق الصدفة مع كنية أحد سكان قريتي الحبيبة حتارة ، دون أن أعرفه حتى في الشكل والنسب ، ُسجلت في هذه الهوية تحت اسم خيري و...... وعليها صورتي بعد أن أعددتها منذ البداية ، عندما فكرت فيها مليا لتجاوز مشكلتها فتوصلت مع المعارف إن لي صورة واحدة وكبيرة يحتفظ بها صديق لي من قرية دوغات وهو الصديق عبدال محمود وهي معلقة في غرفة من بيتهم ، و تقارب شكلي في الفترة الحالية كان علينا إرسالها إلى المدينة لمعالجتها و هكذا سار الأمر رغم الصعوبات حتى وجدت أمامي صورا تصلح أن تكون ملتصقة بهوية شخصية ... فختمها العزيز كفاح بعد ذهابي وعودتي إلى الجبل ، في نموذج لهوية لها حضورها في المعهد الزراعي في مدينة الموصل ، وهكذا حملت هويتي المختومة قبل كبسها أو تغليفها فكان علي أن أرسلها مرة أخرى إلى المدينة لغرض كبسها لكي تكون جاهزة ، ولما كان في مثل هذا الأمر خطورة كان علينا أن نبحث عن وسيلة أخرى لكبس الهويات والوثائق إذ لم يكن من السهل إرسال كل مستمسك يصدر من مكتب النصير كفاح إلى المدينة لغرض التغليف فكُلف الرفيق من سنجار الذي ذهب من اجل ترتيب أمر عبورنا قد أخبر الطرف من سوريا بحاجتنا إلى نايلون بارد لكبس الهويات ، ولابد من التأكيد إن مثل هذه الحاجيات كانت ممنوعة التداول في السوق العراقية ، وخصوصا الصناعات السورية وكانت عقوبتها شديدة ربما كانت تصل إلى الإعدام .

كنت مستعدا بعد كبس الهوية و تغليفها لركوب أية سيارة تتوجه نحو المدينة ، بعد أن تأكدت إن اللذين سيكونون بمعييتي هما كل من (الدكتور حجي)"3" و(ماموستا كوران)"4" .. بعد أن كان من المقرر أن يكون أول من يسافر معي هو أبو سالار ولكن اعتراض عدد من أعضاء المحلية حال دون ذلك .. وهذا ما تأكدت منه فيما بعد ، فلم يكن من المعقول أن يترك رفاقه وهو على رأس هيأتهم القيادية ، فقد كان الأنصار أمانة في أعناق قيادتهم .

إذن بين يدي هوية تنسبني إلى المعهد الزراعي في مدينة الموصل عليها صورة لي ألتقطتها قبل سنوات طويلة من هذه الفترة ولكنها كانت لازالت تحتفظ بشبهها القريب لوضعي الحالي أي في الواقع كنت لازلت محافظا على شبابي رغم مصاعب حياة البيشمه ركايه تي ، وكانت هذه الهوية تحمل اسما يتطابق مع اسم أحد أبناء قريتي وكانت مغلفة بشكل جيد علاوة على الختم الذي وضعه عليها كفاح والذي لم يكن من السهل على شرطة نقاط التفتيش اكتشاف أمر تزويرها .

قبل الساعة الرابعة عصرا استعد كل من الدكتور حجي وماموستا كوران ينتظران إشارة مني للحركة ، ولما حسبت إن الوقت يسير بشكل اعتيادي بعد مراقبة دقيقة لما حول المخبأ أخبرت الاثنين في الوقت المناسب أن يتبعاني ، فكان ذلك وأنحدرنا حتى كان وصولنا إلى الملتقى وإذا بالسائق يجيء في نفس اللحظة دون أي تأخير ، مرحبا بنا ... أركبوا بسرعة ... إن المكان هنا غير اعتيادي ويجلب الشكوك ... قالها السائق شمو حجي جندي من قرية حتارة الذي كان يقود سيارة من نوع بيكب تويوتا لاأتذكر موديلها .. لم يتوقف سوى ثواني قليلة وتحرك سريعا نحو القرية من جهة (الكه ند) فما كانت السيارات تسلك هذه الطريق بحكم وعورتها ووجود بدائل لها توصل القرية بالشوارع المبلطة والتي تؤدي إلى المدينة ، ولكنها (الساحبات الزراعية) كانت تستخدمها لحراثة الأراضي الزراعية القليلة الموجودة في هذه المنطقة ونقل الحجارة من المواقع المحيطة بمخابئنا للبناء ومن الجدير قوله هنا إن هذه المنطقة من (الكه ند) تحتوي على كميات كبيرة من الرخام ( حجر الجبصين ) على شكل طبقات من الصخور ، أستخدمه سكان القرية قديما لصناعة الجص منه، فكانوا ينقلونه بواسطة حيوانات الحمل (حمير) وثم حرقه ( قليه) في أكوار يتم إنشاءها من قبل السكان حول القرية وغالبا ما كان العمل يجري فيها بالسخرة وبعد ذلك كانوا يطحنونه بواسطة مطاحن بدائية ويستخدمون الجص الناتج منه بعد تجبله (جبلة) في تبيض المراقد والمزارات والأماكن الدينية الخاصة بأبناء الديانة الأيزيدية علاوة على إن بعض العوائل كانت تستخدمها في عملية بناء القصور مع الحجر وهذا لم يكن متيسرا عدا للعوائل الميسورة وأعتقد إنه لازال أي حجر (الجبصين) يشكل نسبة كبيرة جدا من هذه المنطقة قد تكون بمثابة ثروة يستفيد منها سكان قريتا حتارة ودوغات .

كان كل واحد منا يحمل في أحدى يديه كيسا يحتوي على ملابس مدنية ومبلغا من المال في جيبه يسهل لنا الحركة بعد الوصول إلى مدينة الموصل في الحالات الطارئة ، فقد كان علينا أن نتصرف وكأننا لا نعرف بعضنا الآخر وإننا مجرد مسافرين اعتياديين جمعتنا الصدفة في سيارة واحدة . مرت السيارة سريعة في طرف من أطراف القرية وبالقرب من مجموعة من البيوت كان أطفالها يتابعون قدوم هذه السيارة من جهة (الكه ند) فكان ذلك بالنسبة لهم أمرا غريبا ، وبالنسبة لي كانت هذه الدقائق السريعة وأنا أمر نهارا في طرف من أطراف قريتي أمرا اختلط فيه الشعور بالقلق والنشوة في آن واحد ، فقد كانت خشيتي أن يشاهدنا أحدا من أهالي القرية ويستطيع التعرف عليً فإن ذلك كان سيشكل خطرا على السائق حتى وإن لم يستطع التكهن بوجهتنا ، لأنه ليس كل أبناء القرية كانوا يريدون التعاون ، فكان فيها من تستفيد منه السلطات والأجهزة الأمنية وفيها العديد من الكوادر الحزبية لحزب البعث ، وأما النشوة فكانت ناتجة عن كوني سأغادر القرية ولكنني استطعت أن أمر فيها نهارا و ألحظ ما تبقى منها والتي ستبقى في ذاكرتي طالما بقيت بعيدا عنها ، ليس فقط بسبب ملاحقة سلطة البعث لعائلتنا بل لأسباب سياسية أخرى ، مارس فيها البعض جبروتهم على منظمات الحزب ، فتشردت عائلتنا بسببها إلى قرية دوغات وعانت من شظف العيش ما يكفيها .

سرعان ما استدارت السيارة نحو الطريق المؤدية إلى قرية دوغات وفي بدايتها كانت تتفرع إلى فرعين أحدهما يتواصل إلى دوغات بعد أن يقطع شارعا مبلطا والثاني ينحرف يمينا لكي يلتقي بطريق تللسقف القديمة قلما تسيرعليها المركبات وكان اختيارنا أن نسير عليها لكي نصل تللسقف وثم نستخدم الشارع المبلط ، وكان لابد أن نتوقف في منتصف الطريق لكي نقوم بتغيير ملابسنا ، فجمعنا العسكرية منها في كيس نايلون وأخفيناها في حفرة كي يعود السائق إليها إن أراد وأرتدينا بناطيلا وقمصانا وأحذية جلد ، استعدادا للدخول إلى المدينة .

سار بنا السائق منطلقا على شارع مبلط باتجاه تلكيف ، لا أتذكر جيدا فيما إذا كان أحدنا قد صعد في مؤخرة السيارة أم إننا الثلاثة كنا في المقعد الأمامي عند السائق. لم يكن الأمر سهلا ونحن نتوجه إلى المدينة ، فكان ذلك في غاية الخطورة ولذا اتفقنا أن نسلك شارع (بعويزة)"5" لأنه خالي من السيطرات إلا في الحالات الطارئة حيث يجري نصب نقاط تفتيش مؤقتة فيه قبل الدخول إلى المدينة . وصلنا إلى مدينة الموصل دون ان تكون هناك أية سيطرة من تلك المؤقتة وتصرف السائق أثناء كل هذه العملية بشجاعة رجل يعرف مسؤليته ، فقد كان يدرك تماما إن ثمن إكتشاف أمره هو الموت لامحال ، ولكن رغم ذلك أصرعلى تأدية مهمته وأنا شخصيا مدين لهذا الرجل وأعتبره من بين أبطال معركة الخلاص من قبضة أجهزة السلطة التي عملت كل ما لديها من إمكانيات لإيقاعنا في أكثر من فخ لها ولعدة مرات في تلك الفترة ، ولكن همة رفاقنا وحرصهم الشديد وشجاعتهم اللامحدودة فوتت على هذه الأجهزة القمعية كل الفرص وأفشلت كل خططها التي أعدت لها ، كانت فطنة رفاقنا واستخدامنا لأسلوب مخادعة هذه الأجهزة كفيلان لإظهار غباءها ، فبعد أن كانت تنتظر بفارغ الصبر من أجل تنفيذ مخططاتها ، وصل العديد منا إلى سوريا والآخرين عادوا إلى كارة لكي يتحركوا منه نحو الحدود مع تركيا .

وصلنا إلى مكان قريب من كراج الشيخان وأودعنا السائق على عجل وكان علينا عدم التقرب أو الدخول إلى الكراج لأنه قد يكون هناك من يعرفنا لذا كان لابد أن نأخذ سيارة تاكسي لإيصالنا إلى كراج سنجار .

والقصة لم تنتهي بعد .............

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- (كه ند ) منطقة متموجة عبارة عن هضاب تمتد من الشارع العام بين شيخان والموصل وإلى الشارع العام الدولي بين دهوك والموصل وعلى خط محدد لا يشمل جميع القرى الواقعة بين الشارعين ، فمثلا تبدأ أو تنتهي هذه الهضبة غربا من قرية بدرية مرورا بقرى حتارة ودوغات وسريشكة و خوشابا ونفيرية وإلى منطقة قريبة من شيف شيرين . ويكثر حجر الرخام ( الجبصين) في (كند) حتارة ودوغاتا دون غيرها . ومن الجدير بالذكر إن القرى الواقعة بمحاذات هذه الهضبة جنوبا تسمى بقرى (بن كند) أي القرى الجنوبية للهضبة .

2- (كه ركاميش ) كلمة كوردية تعني بركة الجاموس وهي تقع في منتصف الطريق بين تللسقف جنوبا وألقوش شمالا وعلى تقاطع بين حتارة غربا ودوغات شرقا وبالقرب منها خاض أنصارنا ذات مرة معركة بطولية وفريد من نوعها في ظروف صعبة جدا قتل فيها اثنان من المسؤولين المحليين لما يسمى بالجيش الشعبي ، واستشهد فيها النصير البطل سركون وهو من أهالي ألقوش بعد إصابته بجروح بليغة ، توجد في هذه المنطقة بعض المياه المالحة وهي غير صالحة للشرب ولكنها صالحة للزراعة ، كالطماطة والبطيخ وغيرها من المزروعات الصيفية .

3- (الدكتور حجي) التحق بصفوف الأنصار مبكرا ومارس مهنته كطبيب في مقر الفوج الأول والوحدات التابعة له ، ومن الجدير بالذكر إن عائلته تعرض قسم منها إلى الإعتقال حيث استمر حجزهم أكثر من 18 شهرا في أحد سجون مدينة الموصل ، أم القسم الآخر فقد تم تهجيرهم إلى كوردستان وسكنوا في المناطق المحررة ، وتعرضوا خلال فترة تواجدهم إلى معانات شملت العديد من العوائل.

4- (ماموستا كوران) من الأنصار الأوائل الذين ألتحقوا في صفوف قوات الحزب في 1978 وكان عضوا في اللجنة المحلية ، والآن يشغل موقع المسؤول الأول في مكتب العلاقات الوطنية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد أن تخلى عن مسؤولية مشابهة في الإتحاد الوطني الكوردستاني .

5- (بعويزة) قرية يسكنها الشبك والتركمان تقع على طرف من أطراف الموصل وفي القوس الشمالي منه ، ولا يفصلها عن الموصل إلا القليل .



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات من انفال به هدينان - المحطة الخامسة عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة
- محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة
- ماذا عن الميليشيات ..! أليست إرهابية ..؟
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الحادية عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة العاشرة
- أبا فؤاد يوارى الثرى
- المحطة التاسعة - محطات من أنفال به هدينان
- الممنوع الجديد في العراق الجديد ..!!
- !..حربكم قذرة .. الوطن يحترق بنيرانها .. أنتم تتحملون مسؤولي ...
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثامنة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السابعة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الخامسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثانية
- محطات من أنفال به هدينان
- محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة عشرة