أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عناصر منفصمة...9















المزيد.....

عناصر منفصمة...9


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1809 - 2007 / 1 / 28 - 07:34
المحور: الادب والفن
    


رواية
9
اختفاء الأدهم للمرة الثانية


في القرنة تلقاه شخص ملفوف في جلابيتين من صوف. كان جهوري الصوت. ويبدو أن الرجل قد اكتسب ثقة الجميع.
تجمهر البدو حوله: "نعم، إنه أدهم ... ذوكية على ظهره، قديمة العهد". تلك كانت تعليقاتهم المتبادلة، والمتناقلة. فحصوا أسنانه، عينيه، حوافره، واحداً، واحداًً. نادي الدلال:
- "على باب الله !"
تضارب تجار البهائم في شأنه، وشاع أمره في السوق...
وطال به العهد حتى تبرم من الانتظار. وفجأة، اخترق الصفوف، رجل متهجم الوجه، لم يستطع الولد تمييزه جيداً إلا عندما اقترب منه: لحية كثة، عينان تميلان إلى الاحمرار، جاحظتان، وصهل الأدهم صهيلاً غير منقطع، فتنبه الجميع. لم يهدأ إلا عندما ربت عليه الرجل، ثم تساءل:
- لمن هذا الجواد؟
تقدم الدلال يهمس إليه:
- هو لفتى عليه هيئة شطار المدينة، يا كبير الدلالين.
نادى الرجل بأعلى صوته؛ وكان ممن يجيدون المهنة. وجد نفسه أمام شخص، لم يكن غريباً عنه، ماذا تجدي مراقبته له؛ وهو يهين الوالدة؟ خاصة أنه كان ينظر إلى ما يجري خلف شقوق الباب؟
بالنسبة لغلام مثله، صعلوك،وابن صعلوك، لم يتمالك نفسه أن أجهش بالبكاء يومذاك، أبرقت السماء، ثم أرعدت، نزل مطر متى لا تطاق الحياة ! إن السحائب لا تحجب الشمس.
يومذاك، لمس عرفه بيده، عقد قبضتيه في الهواء، أعلن: " لابد للقوة الضعيفة أن تفرض نفسها، ضروري، لابد من الانفجار"
التصقت عيناه من جديد بشقوق الباب؛ لم يكن يصدق: الوالدة مسجاة، فعلت فيها السياط فعلتها. وفي لحظة أخرى من لحظات الانجذاب نحو ما يعتقد الناس أنه سافل، جرى إليها الوالد...اختبرها، أحسن أنفاسها تلهث من العذاب، ثم صفعها، استغرق في ذهول، يتأمل ذراعاً لم يخف لونها البني، آثار السياط، ثم تلمس تلك الجراح والتورمات التي انحبس فيها الدم. أخيراً، بصق على الأرض، من بقايا ريقه.
اكفهرت السماء من جديد بغيوم سود، تحول الإسطبل إلى مغارة: الكلمة فيه لأكثر الحيوانات الكاسرة وحشية. لا شيء بعد ذلك في الكون !
قطع شوطاً كبيراً بين أكوام المزابل في درب عمر، حيث الشمس، وجيوش وافرة من الذباب، والشوك، وقطع الزجاج المنكسر، وأكاليل من قلائد العقيق؛ بمختلف الألوان، مرمية هناك، بعد انقضاء فترة الحداد على المأسوف عليهم من موتى الأوروبيين في الأحياء المجاورة... وقد يلوح موكب جنازة في عربة "كارو"، يسبّح وراءه المواطنون في خشوع.
ومن أهل الدرب من يعتقد أن صدر الوالد ينطوي على أسرار دفينة وإن فات بعضهم، مع الأسف، أن يستلهموا المغزى من سلوكه.
كان وجه أبيه في القرنة ينضح عرقاً، سارت يده إلى ظهر الأدهم المعروض في السوق تتلمس الكية القديمة، فلما وضع يده عليها، عرفها كما يعرف ولده، لم يلبث أن رفع بصره شزراً إلى كبور، ثم وسع لنفسه ممراً بين المتحلقين، أسرع الخطى دون التفات، ثم غاب عن الأنظار...
أعلن الدلال أمام الجميع:
- أراهن أنه لن يعود.
ثم التفت إلى كبور:
- إليك بهيمتك، عاود الكرة، لكن ليس هنا.
وتسلم جياداً جدداً، ثم طاف على الحاضرين:" على باب الله..."
عاد بالأدهم إلى الإسطبل. ارتسمت أمامه، شخوص عالم مندثر، وتمتمت شفتاه:"فشل الأدهم في جمعنا "
عاش بجانب والدته، كئيباً، إلى أن جاء يوم فوجئا فيه باختفاء الأدهم للمرة الثانية والأخيرة، ولم يعودا يريانه أبدا. شاهد إذن والده الغائب شهادة عين اليقين، أو هو قد تجلى له شبحاً يتبع حوافر الأدهم، أنى حل وارتحل.ومن الصعب عليه التصديق بالخرافة التي روجها الدرب إبان غيابه:"ما كان أي شاغل ليثنيه عن استعمال العربة لولا غولة شمطاء جاءته نهاراً بصفة امرأة آدمية تعرفه ويعرفها، فخطفته إلى الثريت الخالي. وإلا، فلماذا لم يتكلم أمامها، وأين قواه العضلية التي يذلل بها الحديد، والجياد النافرة؟
أما في الضابطة السرية؛ فإنهم أجبروه على العري، جلدوه بالكرافاج، سقوه محلول الملح حتى تقيأ.
ويستغلهم، فيلمس إليتيه؛ فإذا هما منتفختان في حجم إليتي تيس، ثم يواصلون التعذيب، فيواصل هو، البصق عليهم، واحداً واحداً، والنداء بالشعارات الوطنية. وإذا أعيتهم معه الشدة، اتخذوا أسلوباً آخر: "أين هو؟"؛ ويدخل رئيس الشرطة السرية، فيومئون إلى كبور: "هو ذا" يفكون عنه القيد، ثم يخاطبه رئيس الشرطة: " إذا أطلقنا سراحك، ما هو أول عمل تقوم به؟"؛ ويلح عليه السي حميد، والترجمان الجزائري: "فك رأسك يا كبور، قل أي شيء !". يشتد عليه الخناق؛ فيتكلم:
- لو سمح لنا بالعراك، لن يفلت منى ابن (...) خائن منكم...
وخرج من السجن ليعيش ثلاث تجربات زوجية فاشلة، آخر زوجاته، كانت جذابة، طرية العود. وكان آخر عهده بزهيرو، يوم سمعها تعنف طامو لا تضغطي بشدة على حلمة نهدي، أنا امرأة مثلك !" غادرته إلى الأبد. وكانت طامو تؤكد أمام الجارات أن الزوجة البارة عليها أن تنال أولا رضى حماتها، وبعد ذلك، رضى الزوج، فكانت تصر أن تنام مع كل الزوجات السابقات في سرير واحد ! وفي كل ليلة، تنشب الخصومات.
انسابت طوابير الموظفين والموظفات يسرعون، ساعته تشير إلى الثانية عشرة صباحاً، عليه أن يضبطها، ثم شرع يلتهم، كعادته، من سمك ممزوج بهريسة الطماطم، والليمون المصبر، وهي إحدى وصفات مدام بيزارد و التي علمتها لطامو.
أقبل بعض هواة مطالعة الصحف يتصفحون الجرائد والمجلات، يشترون وقد لا يشترون، يقرأون العناوين، أو يترددون حتى في قراءتها.
- جريدة النهار من فضلك
حيا كبور الأستاذ بهيج، ثم ناوله الجريدة، تصفحها هذا الأخير، ثم توقف أمام الصورة في (ص 3). وبفضول، استفسره كبور. أما هو، فقد تابع قراءة الإعلان: "البحث عن متغيب... الأستاذ عبد الواحد مطاعي السملالي: خرج من منزله يوم 2 أكتوبر 1973، ولم يعد... المرجو ممن عثر عليه أو عرف مكانه، أن يخبر به الشرطة أو يتصل بالعنوان التالي 1150، شارع الموحدين، آنزي.
معلومات إضافية: ازداد برسموكة 1950، أعزب، فلاح بدون أرض، خريج معهد تارودانت، قليل الكلام، (داخل سوق رأسه). أضاف بهيج بعد أن أتم القراءة "أعلم أنه سيكون من عداد المفقودين. والواقع أن الإخوان، كانوا قد أجمعوا أن عبد الواحد كان أمام تجربة الاستشفاف. ما أرخص أن يتردى الإنسان إلى شيء، والوطن إلى لا شيء !
طوى الصحيفة، ثم مد إلى كبور، أربعين سنتيماً، وانصرف لحاله



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناصر منفصمة...8
- عناصر منفصمة...7
- عناصر منفصمة...5
- عناصر منفصمة...4
- عناصر منفصمة...3
- عناصر منفصمة...2
- عناصر منفصمة
- مفاكه
- إحساس
- الأرامل
- كل واحد وخرافته
- شارل بودلير...العامّة
- فينوس والمجنون
- إشراقات بعد الطوفان... آرتور رامبو
- ثقافة الحوار والاحتلاف
- فلوبير عشية محاكمته
- إعادة الاعتبار لشارل بودلير
- البنيوية التكوينية وإشكالية تخارج الإبداع- 1
- القارورة...لشارل بودلير
- المغتربون...مجتمع مدني من خلال بيئة قروية


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عناصر منفصمة...9