أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عناصر منفصمة...8















المزيد.....

عناصر منفصمة...8


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1807 - 2007 / 1 / 26 - 11:52
المحور: الادب والفن
    


رواية
8
...ونبذ عباس الضعف والتخاذل ، لعن نفسه والفروسية
ألقى إليها تحية الصباح، وسلمها واجباً شهرياً، كان يؤديه على حراسة العربة والجواد، هتفت به:
- هاهو ذا جواد عباس يعود !
التفت دجوفاني نحو الحظيرة:
- أحقا ما تقولين؟
- "بربي مولانا !"
رآه، فعرفه من أول نظرة.
كان الأدهم بارزاً في مكانه المخصص له بلونه وهيئته، حتى لكأنه لم تفك عنه أربطة العربة إلا بعد ساعة. غمغم؛ وهو يرنو إلى الأدهم:
- من يدري ... لعل صديقي عباساً، على مقربة منا.
وأضاف:
- هذه أول بادرة تدل على أن صديقي موجود في مكان محدود.
انتشت طامو بعباراته. فقالت في نفسها:"الجواد رائع... لكن قلبي يحدثني أنه نذير شؤم." ثم تساءلت: "كيف أجمع بينه وبين أحلام السعادة الأخرى في دار بيزاردو؟"
- ترى هل يسوغ لوالدك أن أعمل في بيت أجنبي؟ مخاطبة كبوراً، بحضور دجوفاني، ثم أضافت:
- أنت تعلم كل شيء.
شعر كبور بالإهانة، انفجر في وجهها:
- تقولين والدي؟... أين هو هذا الرجل؟ لقد تركنا لرياح عاتية، وصروف دهر قاس.
واستطرد:
- بعت مراراً حلي حداد موتى النصارى. ومع ذلك؛ فنحن دون شط النجاة.
هدأته:
- حسبنا أننا فعلنا كل شيء.
- أجل، وهاهو ذا الحيوان البهيم قد عاد: ما العمل؟
ثم تساءل على مضض:
- أين يقبع ذلك الإنسان الذي يخيفك: أفي حان، أم في مزبلة، أم يسير على غير هدى يجوب الأرض متنكرا؟
وكان يبحث دائما في مزبلة ما، عله يعثر على أثره.
أما كان عباس إلا بدراً قل نظيره؟ هي لم تكن تعوزها حاجة قط، رغم ما لقيت على يده من عذاب؛ بل كان يغدق عليها من أنواع النعيم، رجاء أن يقتنص منها عثرة وقت الحاجة.
ما أكثر العثرات !
ألم تخرج مراراً عن حدود الأوامر والنواهي، على غير وعي منها، ثم يأتيها عقاب جديد، وكأنما هي تتوقعه؟
إن في ذلك للذة لا يعاد لها شيء في الدنيا !
كان يشفي منها غليلاً دفيناً. وفي الحضرة تتم المكاشفة، ينتحر السر...
إذا مات سر، توالي في الصدر الكبير سر آخر. ما كان أحرى بها أن تتحمل آلام الحب؛ وإن كانت مبرحة !
وأثناء ممارسات اغتيال الأسرار تبلغ الآلام ذروتها، فيتجرعان في التذاذ أكؤسا مترعة. وقد انطاعت في سنواتها الأولى معه، وخير لها، بعد إذ راضها، فدخلت وإياه، في حالة خاصة، شعرت أثناءها بالنفور من الملاذ، إلا ما كان ناتجاً عن عقاب، ثم تستفيق على دنيا جديدة، لتلقى نفسها في أوج السعادة. غير أن علاقة خفية، ظلت تشدها إليه، فكانت تنادي في أعماقها:" لا لانت عزيمته ولا نادت بالتخاذل ! فارس، وأي فارس !
فحل يقرع الخصوم بغليظ القول، فما أكبر همة الرجال؛ وهم يباشرون الحياة فوق صهوات الجياد ! فهل بقي هناك من سر لم يغتل" ؟
وكم كان يندف الأدهم نديفاً، حتى يتوقف الجواد المسكين من الإجهاد، أو يصدم حاجزاً فتنقلب العربة !
وكانت قد انتابها القرف، إذ لم يعد سوى غول في أفواه العجائز، أحاجي يخوفن بها الأطفال، حتى يأتي عليهم النوم، ليس إلا... فقط أدرك كل من رآه قبل غيابه أنه ذو طبع عاهر، وأنه كان يدور في فراغ، وأن مزاجه يزداد حدة، في غسق المساء إذا ألم بخاطره هاجس نحو ارض الآباء، أو توقدت في الأعماق، غريزة الأخوة فيما آل إليه مصير أخته عبوش، وهي يومذاك في العروبية، تنتظر وتنتظر من يحررها من أسر القايد، فتراه يهمهم: "يا عباس؛ وأنت تمسي وتصبح، كيف غدت عبوش من رعاة غنم القائد؟ وفي لمحات البصر، مسخوها، حلقوا شعرها."
حقاً، كيف تعود الأمجاد الغابرة؟ عبوش تظل تحت إمرة أحقر الخدم في دار القائد، ومحصنات أخريات وقعن في فخه: خصومات الجيران، التباري في الارتشاء، والغالب هو الذي يؤدي أكثر ... فالتحاكم؛ والنتيجة، حجز في مأخور قسري للأنثى المغلوبة، إذا لم تؤد أكثر.
وينتابه هاجس البادية، يصهل داخله: "يا عباس كيف تستسيغ الحياة؟"
الحاكم النصراني، لا يفعل شيئاً، وإنما يؤيد أحكام القائد، أوامره ونواهيه.
لم ينصرف كلية إلى الملاذ؛ وإن غمس أصابعه في هاتيك الرذائل البشعة، فكل تلك النزوات تكتنفها جملة من مواقف متباينة يراها المتأمل من أهل الدرب تناقضات تطغى على نزعة الفجور في نفسه: مثلاً حرم عليها الخروج بمفردها، أو أن تتخطى عتبة البيت- الإسطبل، وقال أهل الدرب في ذلك، ووراءهم عبد الحميد قبل أن يسقط تحت أقدام المراقب: "ما قيمة المواقف أخلاقياً، إذا لم تكتمل في جوهرها كمبادىء؟".
يكفي أن أهل الحي تجنبوا مواجهته بالآثام نهاراً، كذلك غض ذوو الرأي أبصارهم عن عهارته؛ إذ لم يتفق أن تعرضت أي أنثى من قاطنات الدرب لأي اعتداء على يده، فالدرب إذن، شبه غيتو، وإن كانت صومعة البلدية تطل عليه من كثب !
ثم إن الرأي السائد أن الدرب يرجو صلاح حاله، فيندمج في يوم من الأيام في زمرة الأتقياء الأطهار.
- "هيو تشومبا"
تعالى صراخ نسوي، ثم تلاشى في عمق المساء بابتعاد العربة.
- "هيو تشومبا !"
... ونبذ الضعف والتخادل، لعن نفسه والأسرة والفروسية والأعراب.
تقترب العربة من الدور الآهلة.
الحوذي في حلم مرتعش: خيام، وجياد تبوريدة وذكرى العروبية.
استدار؛ وقد تعمد ذلك أمام جمهرة من أهل الدرب، ثم صرخ مخموراً:
- " هيو تشومبا ! "
كثيراً ما امتد به جنون الليل، إلى إذكاء سلطة مطلقة تعتمل في نفسه، فيغير على العابرين والعابرات من غير أهل الدرب، يستل لسانه شتائم حتى على أهل الدرب، وعلى العالم.
الكائنات في الدرب تحت رحمة حوافر سراع، والليل كابوس ينشر جناحه الثقيل على بؤساء تائهين، ليس في آذان الكون سوى توسلات متعددة: "يا أهل الله !" منسوبة لله"... "الله كريم ! "
وبين آونة وأخرى تحمل أمواج الهواء جلجلة جرس العربة، يتخللها صوته:
- " هيو تشومبا !"
لا يبرح يسير بالأدهم في مسالك الدرب حتى تخور قواه، فيقف به الأدهم على باب الإسطبل.
ينفتح الباب لتوه دون أن يرى الناس من فتحه ساعة معينة من الليل المتأخر، تدخل العربة بعنف، فتتوقف حيث تجثو عربة دجوفاني، ثم تصفق الأبواب.
- " هيو تشومبا !"
وتتئد العربة حيث توشك على الوقوف بحذاء العمارة العصرية الوحيدة في الدرب.
- ماذا أفعل بها يا جاكوب !
رفع بصر يمسح به النوافذ.
العمارة المنفردة تحتضن موظفين فرنسيين وأسرة جاكوب اليهودية التي انزاحت من الملاح.
تنغلق العمارة على نفسها عن عالم التبوريدة والمروءة والفانطازيا، وسذاجة الأعراب.
رائحة" شير آسوسيس" والشواء تتلصص إلى الأنوف، وتسرق الأمتار العالية إليها. تبادل الأنخاب وقعقعة الصحون وقهقهات النساء وأحاديثهن تخترق جدران العمارة.
قريباً تطفأ الأنوار، قريباً تختزن الأجساد في جوف الزمن الغافي.
- ماذا أفعل بها يا جاكوب؟
لمح أهل الدرب ولمح معهم جاكوب شعراً انسدل إلى الوراء حتى لامس عجلة العربة الأمامية: ملامح وجه أنثوي أسرفت صاحبته في احتساء الخمرة، لم يمنع ما به من خدوش، وتشويهات، من تمييز قسماته.
- "إيو تشومبا !"
وكان قد أصر على أن تتناول صاحبته مزيداً من النبيذ الأحمر. أنى لها ذلك؛ وهي غائبة عن الوعي؟
صاح بها صيحة المعربدين المستهتَرين:
- هل لها أخ يفتديها؟
ثم قهقه بسخرية:
- " العاهرات، الله يحرق أمهم ! "
لم يفعل أهل الدرب من أجلها شيئاً، فهي ليست من بنات الدرب.اكتفوا بأن توسلوا إليه ذلك أضعف الإيمان !
عاد يملي شروطه؛ وكانت من الفانطاسمات بمكان:
- تقدموا ! .. إلمسوا إليتي الأدهم
ثم دمدم في حنق:
- شعر عبوش طار، أخشى أن يفقد الجواد فحولته.

أقسم ألا يتحرك إلا إذا نفذوا شرطه بالحرف.
وتسلل البهجة العجوز من غرفة النوبة في الطابق الأرضي من العمارة مغمض العينين من تأثير الكيف: " السكارى يرتكبون حماقات بجساراتهم، يشغلوننا عن الهدوء، وقص العشبة"
وكان العجوز آخر من سمع التساؤل المخمور.
جال في خاطره: "سواك، آبا البهجة، من يفصل في المعضلة ... الرجال للنساء، وهذه من الأناسى، في ارتقاب العون !"
اشتد به السكر، تفاقمت عليه صنوف الأهواء، وبالتالي، نزا قلبه إلى الشر، فنازع إلى ميول الشهوات. اتجه في تحد إلى العجوز، أحس بالمخاطر المحدقة به. وهذا ما غاب عن البهجة، حذر أهل الدرب في حزم:
- إياكم والاقتراب...
وجموا، وجبنوا: من يغامر، فيعارض إرادة شخص في وضع غير طبيعي؟ لا أحد.
غير أن البهجة، استجمع جرأته وراء جاكوب، حاول عبثاً أن يباشر عملية إنقاذ المرأة من بين ذراعه:
- أطلقها يا عباس !
كثرت التعاليق:" الذنب، ذنبها"، "ليفعل بها ما يشاء !"؛
كاد الحوذي يجن. لقد تذكر عبوش، والقائد، والبلد، وصرخ فيهم، صرخة مجلجلة:
- أيها الجبناء، مالكم لا تتقدمون؟
ثياب ممزقة، شعر أنثوي مشعث، سكر، تأوه، ترنح... آلام في ضمير الكون...
ظن أهل الدرب، أن ذلك عذاب مفتعل، وأنهما شخصان فاحشان.
حاولوا ملاطفة العجوز؛ وقد أحس هذا الأخير بفشله: "لا تشغل بالك آبا البهجة بمثل هذه الأمور ! "
أحس العجوز في الصوت الجمعي ببعض العزاء، ولكنه صوت كاذب، يتضمن عزاء كاذباً، يعبر عن العجز الجمعي.
وبكل سهولة صفق عباس سوطاً في الهواء:
- "هيو تشومبا !"
الحارة كلها طريق للعربة. والحزن يكهرب أعصابه مسلكاً إلى القلب.
نعيق متواصل يصدر عن طيور خرافية، وشماتة الشامتين من الأعراب تنصب في أذنيه، لا سراج يكشف معالم الطريق إلا ما يتراءى من خلال بيوتات واطئة توشك على التداعي، يظل مصباح كهربائي باهت، أصفر من بعيد، أو سراج بترولي، يمتص لسانه زيت الفتيلة.
الدرب في الليل وجه مريض يُحتضَر.
في الصدر سر مزعج يتحرك، لم ينتحر بعد، مثَل أسرار سابقة، أو خطرات: عبوش، محلوقة الرأس، ترعى غنم القائد في ثياب مهلهلة. "يا عباس، هل تستطيع أن تتحمل كل ذلك؟"
يجيبه صوت خفي من الأعماق: "فليكن ذلك سراً..."
- "هيو تشومبا !"
ويعيد عليه الصوت الخفي إملاءاته: "لا تستسلم لجبروت الطغاة !"
وطفق الجواد يجري طبقاً لأوامر جاءته فوقُ:
- "هيو تشومبا !"
وما انفكت عن استفزازه فرقعات السوط.وتلفه أمواج الظلام الخُرس...
في لحظة من الانتشاء، جمح الأدهم، حتى استعصى عليه هو، التحكم في قيادة العربة التي اصطدمت ببرميل قديم، فهوى راكباها الاثنان !




#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناصر منفصمة...7
- عناصر منفصمة...5
- عناصر منفصمة...4
- عناصر منفصمة...3
- عناصر منفصمة...2
- عناصر منفصمة
- مفاكه
- إحساس
- الأرامل
- كل واحد وخرافته
- شارل بودلير...العامّة
- فينوس والمجنون
- إشراقات بعد الطوفان... آرتور رامبو
- ثقافة الحوار والاحتلاف
- فلوبير عشية محاكمته
- إعادة الاعتبار لشارل بودلير
- البنيوية التكوينية وإشكالية تخارج الإبداع- 1
- القارورة...لشارل بودلير
- المغتربون...مجتمع مدني من خلال بيئة قروية
- القط


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - عناصر منفصمة...8