أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أحمد السيد طايل - يوسف القعيد ( المواطن مصرى)















المزيد.....



يوسف القعيد ( المواطن مصرى)


أحمد السيد طايل

الحوار المتمدن-العدد: 1807 - 2007 / 1 / 26 - 06:54
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاوره...أحمد طايل
• هجوم السادات على جماعة المثقفين وراء تراجع المشهد الثقافي المصري حتى الأن .
• لم اقصد ان اكون مؤرخ للقرية المصرية ولكنها الواقع الذي اعيه جيدا.
• انا بخلاف كل كتاب مصر بدأت بالرواية والقصة القصيرة مجرد استراحة لي .
• جئت لهذا العالم لاعترض .
• خسارتي مؤقتة ودوام الحال من المحال .
• ليالي بدون حلم هى ليالي قحط وجفاف .
• الكتابة لا تحيا الا بنظرات من يقرأها .

* رحلة طويلة مع الكتابة والإبداع فى مجالات عدة ..حدثنا عن البداية وعن أهم المحطات الهامة فى هذه الرحلة والمحطات التى تود نسيانها تماما والأسباب وظرف البيئة والمناخ الذى أخذ بك الى طريق الإبداع ؟
** أبدأ من الفقرة الأخيرة فى السؤال. الحمد لله. أننى لا توجد فى حياتى محطات أريد نسيانها أبداً. بل أعتقد أنه من أهم صفات عمرى الذاكرة القوية التى أسميها ذاكرة الأفيال. أن ذكريات الطفولة تزداد نصوعاً كلما تقدم بى العمر. وتولستوى هو الذى قال فى مذكراته أنه كلما تقدم الإنسان فى العمر. كلما ازدادت ذكرياته القديمة وضوحاً. أعود إلى البداية. أعتقد أنها جاءت من الحياة فى القرية. طبيعة الحياة فيها وعملية الزراعة نفسها. التى تعد مدرسة متكاملة فى تعليم الصبر. والوقت الذى يفيض عن حاجة الناس فى القرية. ومواجهة ظواهر الحياة بالحكايات والتغلب على صعوبات العمل بالغناء. كل هذا خلق جواً فنياً. وضعنى فى موقف الحكاء. كما أن أمى – أطال الله فى عمرها – بذرت بداخلى بذرة الحكى هذه. لأنها كانت ومازالت حكاءة من النوع النادر. وإن كانت ذاكرتها تخونها فى بعض الأحيان مؤخراً. ولكن لابد وأن أعترف أن نصف رواياتى – إن لم يكن أكثر – سمعت الفكرة الجوهرية أو البدرة الأولى منها. خلال حكاياتها الكثيرة والمتنوعة. كانت حياة القرية وظروفها. وحكايات أمى هى نقطة البدء. هذا ما أستطيع قوله الآن. وعموماً يمكنك العودة إلى مقالات ثلاث نشرت فى مجلة الهلال. تحت مسمى التكوين أرسلتها لك. وهى كلها تجيب على هذا السؤال وعلى غيره من الأسئلة بصورة مباشرة.
* (الضهرية) مكان النشأة .. ماذا تمثل ليوسف القعيد ألا تشعر حيالها بوجع البعاد.. وما تمثل لك قاهرة المعز؟
** هذا سؤال مركب عن الضهرية. وعن القاهرة. عن قرية النشأة والبداية. وعن مدينة مشاهد النهاية. وأقول لك بصدق أننى ما كنت أرغب فى أن أعيش فى القاهرة. لولا أننى اكتشفت أنها مدينة تنوب عن وطن أو تلخصه كله. بجميع ما فيه. فى القاهرة دور النشر والصحف والمسارح وربما دور السينما. هل تعرف أن 50% من المهندسين الزراعيين المصريين يعيشون فى القاهرة التى لا توجد فيها أى زراعة. لقد عشت فى القاهرة مضطراً. واكتشفت بعد أن عشت فيها كل هذه السنوات. التى توشك أن تصل إلى ثلثى سنوات عمر الإنسان. أن الإنسان لا يمكنه استبدال قرية طفولته. بأى مدينة أخرى يمكن أن يعيش فيها. إنها تصبح جزءاً منه. ومن وجدانه.
أما الضهرية. فهى القرية التى تلخص مصر كلها بالنسبة لى. إنها ليست قرية. ليست أرضاً زراعية وبيوتاً. إنها مصر بالنسبة لى. والعمل الذى حصلت على أجازة من عملى لكى أكتبه رواية عن الضهرية. من سنة ميلادى 1944. وحتى سنة 1984 كان عمرى وقتها أربعين عاماً. وفى هذا العام 1984 احترقت الضهرية عن آخرها. وكأنها بذلك تضع كلمة النهاية لروايتى عنها. فإن كان الفيضان هو الحدث الأول الذى أعيه جيداً. فإن الحريق المروع كان ختام الأربعين سنة الأولى من عمرى. إن الفيضان يعنى خطر المياه. لقد أتى فى القرآن الكريم: وجعلنا من الماء كل شئ حى. إن الماء هو الحياة. ولكنه الخطر والفناء أيضاً. والنار من عناصر الطبيعة الإنسانية الأولى أيضاً. من حسن حظى أن الضهرية قرية أم. فيها المدرسة والمستوصف والمركز الاجتماعى. ومركز الشباب ويتبعها عدد من العزب الصغيرة. وإن كانت لم تعرف الإقطاع بمعناه المعروف. كان فيها أغنياء. وملاك أراض. وفيها أيضاً فقراء وأنا واحد من هؤلاء الفقراء. ولكنها لم تعرف المعدمون تماماً من حيث الفقر. أو الذين يقول عنهم علماء الاجتماع. يعيشون تحت خط الفقر. ولم تعرف الإقطاع من حيث الغنى. كانت كما يقولون قرية وسطاً. وهذه الوسطية أخرت كثيراً بالواقع الاجتماعى لقريتى. فلم تعرف الانتقالات الاجتماعية الكبرى. من محاسن صدف الضهرية. أنها يحدها من الشرق بحر النيل. وهم يقولون عنه بحر تعبيراً عن كبره. ومن الغرب ترعة ساحل مرقس. التى تبدأ من التوفيقية. من الرياح الإبراهيمى. وتنتهى عند رشيد.
الضهرية اسم لسبع قرى فى الوطن العربى. بناها الظاهر بيبرس. علاوة على حى باسمه فى القاهرة. وقد اهتديت إلى قريتين فى مصر تحملان اسم الضهرية. واحدة مركز شربين بالدقهلية. والثانية كانت قريبة من الإسكندرية. وأصبحت جزءاً من حى غيط العنب. وفى هذه القرية ولد جمال عبد الناصر. ولم يولد فى بنى مر. التى كان ينتسب إليها والده وأهله. واهتديت إلى قريتين فى الوطن العربى اسمهما الضهرية. واحدة فى فلسطين المحتلة اهتديت إليها خلال متابعة أخبار الانتفاضة الفلسطينية البطلة. والثانية زرتها فى جنوب العراق. والغريب أنها تقع ضمن محافظة اسمها الناصرية. إن الضهرية تشكل جزءاً جوهرياً من حياتى. ومن قصتى. وكل رواياتى تدور أحداثها فى الضهرية. أو القرى المحيطة بها. وقد وردت فى الروايات بأسمائها الموجودة فى أرض الواقع. لقد أعجبتنى فكرة كاتبين أمريكيين هما: جون شتاينبيك ووليم فوكنر. حيث أسس كل منهما جمهورية فاضلة تخصه. قدم أعماله الأدبية من خلال أعمال موجودة فى أرض الواقع كما هى. ولذلك تجد أن رواياتى الأولى تجرى أحداثها ما بين الضهرية. ومركز إيتاى البارود ومدينة التوفيقية. وقرية السوالم بحرى. والسوالم قبلى. ودميسنا. ونكلا العنب. وهى كلها قرى موجودة بهذه الأسماء فى أرض الواقع. تحيط بالضهرية من كل جانب.
* من هم الأدباء والمفكرين الذين تأثرت بهم (عربيا وغربيا) وكيف كان هذا التأثير ومداه وأسبابه؟
** مسألة التأثر بكاتب معين تتغير من عمر لآخر ومن سنة لأخرى. هل من حقى الآن الكلام عن الذين أعجب بهم الشباب الذى كنته فى النصف الأول من ستينيات القرن الماضى؟. أم عن الذين استمروا معى حتى هذه الأيام؟.
الأدباء بالنسبة لى نوعان. نوع قرأت له وأعجبت به ولم أعرفه شخصياً. ونوع عرفته ثم قرأت له بعد ذلك. وأضافت المعرفة بالسلب والإيجاب إلى التعارف الأول القائم على القراءة فقط. مصرياً وعربياً أعجبت فى سنوات البداية الأولى بنجيب محفوظ كروائى. ويوسف إدريس كمبدع قصة قصيرة. وصلاح عبد الصبور كشاعر وسعد الدين وهبة ككاتب مسرحى. ولويس عوض كناقد. من الطبيعى أن تكون هناك إعجابات استمرت حتى الآن. وأيضاً قد يتخلى الإنسان عن بعض من معجبيه. وقد يضيف لهم. وقد يعيد النظر فى هذه الإعجابات.
والحمد لله أن الذين تأثرت بهم من الأدباء. قرأت لهم أولاً. ثم تعرفت عليهم بعد أن أصبحت كاتباً. قد استمر إعجابى بهم بعد التعرف. فشخصيتهم لم تسبب نفوراً لى من إبداعهم الإدبى. لقد أزداد حبى لصلاح عبد الصبور بعد تعرفى عليه. وأيضاً فإن صفات الفنان التى كان يتصرف بها يوسف إدريس فى علاقاته الإنسانية زادت من محبتى له. إن نوازع الفنان فى أعماق يوسف إدريس قد زادت من محبتى له. شطحات لويس عوض كثيرة. ولكنه كان أقرب للناقد الفنان. وكانت هذه الشطحات تقربه من الآخرين. وتزيد من ارتباطه بهم. ونجيب محفوظ تلخصه كلمة واحدة هى التنظيم. ما من صاحب مشروع كبير إلا ولا بد وأن يكون منظماً فى حياته. وفى هذا اكتشفت أن جزءاً جوهرياً من قدرة الأستاذ محمد حسنين هيكل هى قدرته الفائقة على التنظيم. وهو الأمر الذى لم يقدر عليه. عدد كبير من أبناء جيلى. الذى قد يكون أقرب إلى الفوضى. على أن الإعجابات المبكرة تخطت الحدود. يعجبنى فى تولستوى كل هذا التدفق فى الحكى. خاصة فى رائعته "أنا كارنينا" أنا تبدو لى كما لو كنت قد عرفتها فى الحياة اليومية. أعجبنى فى تشيكوف كل هذا الشجن وتحويل نثر الحياة اليومية إلى شعر حقيقى. أما ديستيوفيسكى فقد تأثرت كثيراً بعلاقته بالنفس البشرية. من الداخل أو فى أعمق أعماقها. عندما سافرت إلى الاتحاد السوفيتى – الذى كان طبعاً – إلى موسكو ولينجراد وزرت متاحف تولستوى وتشيكوف وديستيوفيسكى زادت معرفتى بهم. وفهمت الكثير من غوامض رواياتهم. خاصة هذا العذاب الإنسانى الذى يتجلى فى قصص تشكوف. شتاينبيك كاتب أضاف لى الكثير. إنه الوحيد الذى عبر عن فكرة فى رواياته. دون أن يتم ذلك على حساب البعد الجمالى فى أعماله الروائية.
قبل هؤلاء جميعاً. هناك نصوص أدبية. أثرت فى ولولاها ما كتبت. هناك قصص القرآن الكريم. وفيها كل منجزات الحكى الحديث. المونولوج والديالوج والفلاش باك لها وجود فى قصة سيدنا يوسف. وفى قصة مريم. وقصص العهد القديم والعهد الجديد. أيضاً فإن ألف ليلة وليلة. وشخصية شهرزاد. التى تلخص طفولة الحكى الإنسانى كله. إن ألف ليلة وليلة. هى العمل الوحيد الذى أتمنى لو أننى فقدت ذاكرتى حتى أنساه. فأعيش من جديد لذة قراءة هذا النص الجميل والممتع. ثم هل أتكلم عن رواية حافة الليل لأمين ريان. ورواية جسر على نهر درينا لا يفو آندرش. ودون كيشوت فى ترجمة عبد الرحمن بدوى. وهى الترجمة الأكمل بما فى ذلك ما فيها من هجوم المؤلف الأسبانى على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. هل يمكن إغفال الكاتب البرازيلى جورجى أمادوا ورواياته الجميلة والبديعة. التى تقدم واقعاً ربما كان الأجمل من الواقع الذى نعيش فيه. وهل أغفل كاتبى المفضل اليابانى "كاوباتا" الذى سافرت إلى اليابان وذهبت إلى المكان الذى انتحر فيه بعد حصوله على نوبل. لأن ينابيع الإبداع بداخله كانت قد جفت. وعندما عجز عن الكتابة. قرر عدم الاستمرار فى الحياة. وانتحر.
* هل قصدت أن تكون مؤرخا للقرية المصرية ولماذا كل هذا الحزن الشفيف الذى ينبعث من عالمك ؟
** صدقنى لم أفكر فى أن أكون مؤرخاً للقرية المصرية. لقد كتبت عن القرية لأنها تمثل الواقع الذى أعرفه جيداً. ولا تنسى أننى أكتب الرواية. التى هى فن التفاصيل الصغيرة. ولابد من وجود معرفة حقيقية بتفاصيل هذا الواقع. إن العمل الأول الذى يكتبه الكاتب. يشكل بذرة عالمه الروائى. الذى يستمر فيه بعد ذلك.
أما الحزن الذى يجده القارئ فى رواياتى. فتلك مسألة هامة. وهذا الحزن موجود لأننى إنسان حزين. وقد لفت الأستاذ نجيب محفوظ نظرى إلى أننى فى الحياة العامة فكه. وأقول كثيراً من الكلام الذى يمكن أن يكون مضحكاً. ومع هذا. فإن كتاباتى تقطر حزناً. قلت له.. وأنت أيضاً ابن نكتة كما يقولون. وقبل الوصول لسؤالى له قال لى. عندى كثير من الأبطال الذين يلقون الكثير من النكت. قال لى صلاح عبد الصبور مرة. أن الحزن ابن التأمل. ومحاولة التفكير فى ظروف الحياة وأنه رأى الحزن واحد من سمات البشر فى كل زمان ومكان. لا أستطيع أن أصدر تعليمات لنفسى. قبل الجلوس للكتابة. بأن أكون حزيناً أو أن أرفض الحزن. تلك مسألة لا تتم بقرارات. إن جزءاً كبيراً من اللا وعى تتم من خلاله. ومن يقول لك من الأدباء أنه قرر أن يكتب فكاهة ونجح فى ذلك. كاذب فى أصل وجهه. فالعملية الإبداعية يتم جزء كبير منها فى منطقة اللاوعى. أو الوعى الخفيف. أو الإدراك الذى لا يمكن السيطرة التامة عليه.
* ما هو مدى الحلم عند (يوسف القعيد)؟
** الحلم ومكانه فى حياتى. كأنك تقرأ أفكارى. لدى تخطيط. لأن أكتب نصاً روائياً عن الحلم. إن الحياة لا تطاق لو كانت بدون أحلام. وأنا لا أقصد أحلام النوم فقط. ولكن أحلام اليقظة أكثر. التى اعتبرها أكثر أهمية من أحلام النوم. لا أعرف ماذا كنت سأضع كتابى بدون القدرة على الحلم. إن حجم مصر الآن هو فقدان القدرة على الحلم. وإعادة هذه القدرة إلى الناس تسبق غيرها من الأمور الأخرى.
للحلم مكان كبير فى حياتى والليلة التى تمضى بدون أحلام. أعتبرها من ليالى القحط والجفاف. وعندما يأتى الحلم أعيش لحظات نادرة من السعادة الإنسانية.
* هل للحياة اليومية فى مجتمعاتنا النامية أثر فى حياة الكاتب والى أى مدى يكون هذا التأثير؟
** لأى مجتمع أثر فى حياة المواطنين الذين يعيشون فيه والكاتب إنسان قبل أن يكون كاتباً. وللمجتمع الذى يعيش فيه تأثير بالغ وكبير عليه. إنه هو الذى يشكل وجدان الكاتب ووعيه. ومورثه الإنسانى. وبدون المجتمع من الصعب إن لم يكن من المستحيل. أن يعيش الإنسان. أن التأثر والتأثير متبادل. فكما يؤثر المجتمع فى الأفراد. فإن البعض منهم يؤثرون فى هذا المجتمع.
وهذا يجرى فى كافة المجتمعات سواء أكانت نامية أو متقدمة. منذ مجتمع الغابة. وصولاً إلى الحياة فوق سطح القمر. فإن المجتمع لابد وأن يؤثر فى حياة الناس الذين يعيشون فيه. فضلاً عن أن هذا المجتمع يشكل الموضوع الذى يكتب عنه الكاتب. بصرف النظر عن الشكل الفنى الذى يكتب من خلاله. ابتداء من المقالة اليومية. وصولاً إلى الملحمة الشعبية الطويلة. مروراً بالقصة القصيرة والقصيدة الشعرية. والنص المسرحى والرواية القصيرة أو القصة الطويلة. والرواية. ما دام يكتب لا بد أن يكتب عن واقع يسكنه بشر. وتنتج الدراما الإنسانية من خلال العلاقة المعقدة بين البشر والواقع الذى يعيشون فيه.
* ما هى من وجهه نظركم مهمة الأدب فى مجابهة الأخطار والمتغيرات التى تهدد هوية الأدب والثقافة العربية؟
** أفضل الكلام عن أدباء وليس عن الأدب. لأن الأدب منتج. يبدعه أدباء. الأخطار التى تهدد هوية الأدب كثيرة. ومن يدافع عن الأدب هم الأدباء. سواء بإبداعهم أو مواقفهم اليومية. أما من حيث الأخطار فهى كثيرة ومتجددة. منذ الاستعمار القديم وصولاً إلى العولمة. التى تقوم على فكرة رفض كل ما يميز أى شعب من الشعوب. والتركيز على العموميات التى تجمع الشعوب مع بعضها البعض. وعندما ندرك أننا شعب متخم بالتاريخ وبالحضارة. فى مواجهة أمريكا. التى هى عبارة عن شعب من المهاجرين من كل مكان فى الدنيا. أى أننا نعانى من زيادة فى التاريخ والحضارة. وهم يعانون من جوع للتاريخ. وجوع للحضارة. إذاً فنحن الهدف الأول أمام مخططاتهم تجاهنا. وواجب الكتاب يأتى فى المقدمة من كل فئات المجتمع المصرى. لا بد من رفض هذه المخططات وكشفها للناس. وتبصيرهم بمصالحهم ومصالح الوطن الذين يعيشون فيه. هذا واجب كل كاتب وطنى. ولكن ليس معنى هذا أن الكتاب جميعاً يؤمنون بهذا الواجب ويقومون بالمطلوب منه. فهناك من الكتاب من يغلب مصلحته الشخصية على مصالح الوطن. وهناك أيضاً من يعتبر أن مشكلة الوطن مشكلته. حتى وإن لم يعان منها.
* ما هو دور الأدباء والكتاب نحو مجتمعاتهم ؟وهل تشبه علاقة الأديب بمجتمعه فى المجتمعات النامية علاقته فى الدول المتحضرة والمتقدمة؟
** دور الكاتب فى مجتمعه يتحدد وفق فهمه لرسالته ودوره. هناك كتاب يقول لك الواحد منهم أنه يكتب لأن الكتابة تعالجه من هموم. وهناك من يعلن أنه يعيش فى برج عاجى. ولا تطلب منه أى دور فى المجتمع. الكاتب الواقعى مثلى يؤمن أن كل حرف يخطه يكون فى خدمة المجتمع. ومن أجله نهوضه ودفعه إلى الأمام. ولكنى لا ألزم أحداً غيرى بهذا الكلام.
فى الجزء الثانى من السؤال لا أحب وصف أو تعبير الدول المتحضرة. لأن هؤلاء الذين يوصفون بالتحضر يمارسون ضدنا فى العالم النامى. أبشع ألوان القهر. انظر إلى ما يقومون به فى فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وجنوب السودان. وهذه مجرد أمثلة على هول ما يقومون به ضدنا.
واختلاف ظروف المجتمعات يؤدى بدوره لاختلافات فى الأدوار. وأيضاً لابد وأن نضع فى الاعتبار فروق الكتاب الفردية. فهل يتساوى التزام هنرى ميللر تجاه واقعة مع التزام شتاينبيك مثلاً؟ مع أنهما ينتميان لدولة واحدة ومجتمع واحد هو المجتمع الأمريكى. ولزمن واحد هو القرن العشرين.
* هل هناك علاقة بين الأدب والسياسة وكيف تكون هذه العلاقة وما الفرق بينهما عربيا وغربيا؟
** فى كل أدب سياسة. حتى لو كانت قصيدة حب. فإن فيها قدر من السياسة. من الخطأ تصور السياسة على أنها العمل السياسى المباشر. وكلما كان تناول هذه السياسة بعيداً عن المباشرة والظهور المباشر للكاتب. لكان ذلك أفضل. إن الإنسان العادى يتعرض فى يومه للعديد من التأثيرات ومنها السياسة. أيضاً فهو يفكر فى أمور سياسية. ولكى يكتمل تناول الإنسان فى الأعمال الأدبية. لابد وأن تكون هناك سياسة ولكن بدون فجاجة فى التناول.
ومن ناحية الجزء الثانى من السؤال لا أعتقد أن هناك فوارق بين التناول السياسى فى الأدب بين الشرق والغرب. إن كان هناك فارق ربما كان بين الدول الإشتراكية والدول الرأسمالية. كان هناك التزام فى الدول الإشتراكية. وفى المقابل كانت هناك حرية أو حريات فى الدول الرأسمالية. ستقول لى أن الدول الإشتراكية تسكن التاريخ الآن. بعد سقوط الاتحاد السوفيتى المدوى. ولكنى أقول لك إن الرأسمالية وصلت إلى طريق مسدود. انظر إلى هزيمة المشروع الصهيونى. صحيح أنهم يحتلون فلسطين. والغرب كله يقف معهم. ولكن الأهداف الحقيقية التى قامت إسرائيل من أجلها. لم يتحقق منها شئ. يهود الشتات لم يعودوا كلهم. بل إن هناك هجرة عكسية الآن من داخل إسرائيل إلى الخارج. تتزايد كل يوم. كذلك فإن المشروع الأمريكى فى أفغانستان سقط. وفى العراق فى طريقه إلى السقوط. ليس معنى هذا أننا فى أحسن الأحوال. لكن الأمل يلوح فيما يسمى الآن. بالطريق الثالث. الذى لا هو اشتراكية ولا هو رأسمالية. وأنا ألمح كثيراً من الذين يؤمنون بهذا الطريق ويسيرون عليه. ويتزايدون كل يوم.
* هل استطاع الكتاب السابقون واللاحقون تحقيق ولو جزء بسيط مما يناضلون من أجله؟
** هذا ليس سؤالاً. إنه مشروع كتاب. حتى فى الشطر الأول منه. عن الكتاب السابقين. ولكن هل يمكن السؤال عن الكتاب اللاحقين. دون إيضاح محدد عن المقصود بالسابق؟ والمقصود باللاحق؟ أى سابق؟ هل هو السابق علينا؟ واللاحق هل هو المعاصر لنا؟ إن التعميم خطر. من المستحيل الكلام عن كتاب حققوا ما كانوا يناضلون من أجله. لأن ذلك يتطلب معرفة الأهداف التى كان يناضل من أجلها كتاب سبقونا. وكتاب لحقونا. وهو أمر أكثر من صعب.
* كيف ترى المشهد الثقافى الآن؟
** هذا سؤال صعب أيضاً. لأنه يتكلم عن أمر آنى. يتغير من لحظة لأخرى. وأنت كلمتنى عن مشروع كتاب. أى أنه ضد فكرة الآنية فى التناول. لا ثوابت فى مثل هذا الموقف. وبالتالى فإن مشروع الإجابة مسألة غير مضمونة.
* هل يوجد لدينا فى الوقت الحالى نقد حقيقى وفعال لخدمة الأدب؟
** أعترض على الجملة الأخيرة من السؤال. والتى تحدد دور النقد فى خدمة الأدب أى خدمة؟ وأى أدب؟ أقول لك أن لدينا إبداع أدبى جيد. لا يواكبه نقد أدبى. وذلك لأن الإبداع مسألة فردية. يكفى أن يغلق الكاتب باب مكتبه أو بيته عليه ثم يكتب. فى حين أن النقد مرتبط بالواقع الذى يعيش فيه الكاتب. مرتبط بمدى قبول المجتمع لفكرة النقد نفسها. وهى للأسف الشديد. فكرة لا تلقى قبولاً من المجتمع. دعك من الذين يقولون عن أنفسهم أنهم من أهل الديمقراطية. ويقبلون فكرة النقد ويرحبون بها. ولكن هذا كلام نظرى. ما أن نصل إلى أرض الواقع حتى نجد الرفض الكامل لفكرة النقد والانتقاد. لدينا نقد انطباعى صحفى. وهو ليس نقداً. بمعنى أن النقد هو تبيان المحاسن والعيوب. كما أن هناك مدارس من النقد الأدبى تحاول ربط النص الأدبى بصاحبه والنص بغيره من النصوص. والنص بالواقع المكتوب عنه. إلى جانب النقد الذى يعتمد على التحليل النفسى. أو الرؤية الاجتماعية للأدب.
من مشاكل غياب النقد المتخصص أن صحفنا لا تفرد له صفحات. بل أن الصفحة الثقافية تكون مرشحة للحذف. بمجرد وجود إعلانات. لا يجرؤون على حذف صفحة الحوادث. ولا صفحة البخت. ولا الرياضة. التى تعد من المواد المقدسة. لا تنس أن الجريدة سلعة لابد أن تكتب ما يتم الإقبال عليه. وكلما ازداد الإقبال. كلما كان الحرص شديداً على بقاء هذه المادة أو تلك فى الجريدة. ليس معنى كلامى أننى أبرر هذا الوضع. أنا ضده. ولكن ما باليد حيلة. من بيدهم الأمر يعطون الأولوية المطلقة للمادة الإعلانية. يليها من التحرير المادة المقروءة. أيضاً فإن الجامعات المصرية قد انكفأت على نفسها وتوقفت عن مد الحياة الثقافية بنقاد يؤثرون فى الواقع الثقافى. هل تعرف أن فى دمنهور. عاصمة محافظة البحيرة التى أنتمى إليها كلية للأداب. لا تعرف أى شئ عنى؟ أو لا تريد أن تعرف أن شئنا الدقة. وأن فى إيتاى البارود المركز الذى ولدت فيه وأكتب عنه كل رواياتى. كلية لدراسات اللغة العربية. لم تسمع عنى أيضاً. أو لا تريد أن تسمع عنى. إن تخلى الجامعات المصرية عن دورها الثقافى محنة حقيقية. وهى السبب الجوهرى فى غياب النقاد. أو بدقة الأجيال الجديدة من هؤلاء النقاد.
* ما هو مدى ارتباط الأجناس الأدبية ببعضها ؟
** هذا سؤال مهم. وهو سؤال يراهن على الآتى. أعتقد أن التطور الطبيعى للكتابة. سيصل إلى كتابة النص الذى يحتوى بداخله على الشعر والقصة والرواية والمشهد المسرحى وربما الدراسة. هذا التداخل الشديد الذى نشهد مقدماته الآن فى الكتابة سيوصلنا إلى النص المفتوح الذى يحتوى كل الأشكال الأدبية. أو بعضها بداخله. تاهت الفروق القديمة. ولم يعد لها وجود. وقد قام بذلك مبدعون أساساً. ولم يبشر به نقاد أو باحثون. ولا أعتقد أنه أتانا من الغرب. ولكنه موجود فى بعض كتابات تراثنا الأدبى. إن كتابات النفرى فيها كل الأشكال الأدبية التى عرفناها من قبل. أيضاً فإن كتابات الحلاج – على قلتها – فيها أنفاس من الشعر. ومحاولات للحكى والقص. هل لاحظت كمية الشعر الموجودة فى ألف ليلة وليلة. إنها أكثر من مجرد الاستشهاد ببعض الأبيات فى هذا الموقف أو ذاك. وهذا ما طوره العالم. لكى نصل إلى النص المفتوح على كافة الاحتمالات. وهو ما أعتقد أنه قد يصل إلى تداخل لوحة الفن التشكيلى مع النص الروائى أو القصيدة الشعرية. مثلما حدث فى رواية "فى امتداح زوجة الأب" ليوسا. أو الاعتماد على المشهد المسرحى. وهو ما فعله بريخت. إن وحدة الفنون مع الأداب وليس وحدة الأداب وحدها فقط هى الصفحة القادمة من تطور الأدب والفن.
* تمارس الكتابة السياسية والنقد والقصة والرواية ..أى هذه الأجناس أقرب إليك؟
** أصحح السؤال قبل الإجابة عليه. أنا لا أمارس الكتابة النقدية. ما أكتبه عبارة عن انطباعات عامة. لكنه ليس نقداً بالمعنى المتعارف عليه. إن النقد ليس شيئاً يكتبه الإنسان بعض الوقت وينصرف عنه البعض الآخر. أيضاً فإن الكتابة السياسية تحتاج إلى تدقيق. أنا أكتب المقال الصغير الذى يعلق على بعض القضايا الآنية.
أصل إلى جوهر السؤال ولبه. وأقول لك فوراً. وبدون تردد أن الرواية. وليس غيرها هى الفن الأقرب إلى نفسى وروحى. وهو الفن الذى عندما أتوقف عنه. أو أبتعد عنه لفترة من الوقت. أشعر بحالة من الخصام مع النفس. حتى المقال الذى أكتبه تكون له روحاً قصصية. فيه حكى قبل أن تكون به أحكام. إن الحكاء بداخلى هو الأهم.
* ما هو مشروعك الأدبى الذى تدعو اليه من خلال كتاباتك ؟
** مشروعى الأدبى بسيط. يقوم على الإحساس بوجود خلل ما فى الواقع. ومهمتى إشعار القارئ بوجود مثل هذا الخلل. وتحريضه على التوجه نحو الواقع لحل هذه المشكلة. أو لمواجهة ذلك الخلل. أو التقليل من هذا التناقض. أصل المشكلة وجوهرها أن هذا القارئ لم يعد له وجود. الجماهير نفسها ليست جزءاً من الحسبة العامة. وسؤالى لنفسى قبل الآخرين هو: على من أراهن فى كتاباتى؟! ذلك هو السؤال. وتلك هى القضية التى تؤرقنى الآن. لن أنزل من بيتى لكى أبحث عن هذا القارئ فى كل مكان. ولكنى أعتقد أن كتابة بدون قراءة معناها أن الكلمات المطبوعة ما لم تقع عليها عين قارئ تظل ميتة. لا تحييها سوى نظرات من يقرأ هذه الكتابة. موقفى من القارئ لا يتوقف عند حدود القراءة فقط. ولكن ما بعد القراءة نفسها. ليس معنى هذا الكلام أننى قد أعيد النظر الآن فى موقفى. ولكن المسألة قد تكون أقرب إلى التقاط الأنفاس ما بين مرحلة ومرحلة أخرى.
* المصادرة والرقابة والقمع الفكرى ..هل هى السبب فى تراجع المشهد والدور الثقافى فى عالمنا العربى؟
** برحيل عبد الناصر ومجيئ السادات. بدأ تراجع المشهد الثقافى المصرى. ووصل إلى غيابه التام. وهو الحاصل الآن. منذ أن بدأ السادات هجومه على الأفنديات ابتداء من منتصف السبعينات وحتى الآن. وهو يقصد بالأفنديات طبعاً جماعة المثقفين. هناك حالة من تراجع الدور الثقافى. مع أن مصر. دولة دور. ودورها الثقافى مبرر وجودها أساساً فى الحياة. لقد قادت مصر الأمة العربية. بالكتاب والفيلم والأغنية والمسرحية ولوحة الفن التشكيلى. وغياب هذا الدور معناه أن مصر تستقيل من مصر. وليت دور السادات توقف عند هذه الحدود. لكنه مكن الإسلام السياسى من مصر. لتصوره القاصر أن الخطر عليه سيأتى من الناصريين أو اليساريين. مع أن اغتياله قد جاء بيد واحد من الذين فتح لهم أبواب العمل والقتل والاغتيال. وهؤلاء حرموا الفن والأدب والإبداع. لقد انفردوا بالساحة العامة من عام 1975 وحتى الأن أى أكثر من 30 سنة. فى مواجهة جماهيرية تعانى من الأمية. وهم يرفعون شعاراً مطاطاً. يقول أن الإسلام هو الحل. ويواجهون جماهير كفرت بالأرض وما على الأرض من البشر وبدأت تنظر ناحية السماء. باعتبار أن القيمة فيها فقط. مثل هذه التيارات أساءت لصورة المثقف لدى الجماهير. فما بالك بإنتاج المثقف. ومن جاء بعد السادات فعل مثله. مبارك فعل مع الثقافة ما فعله السادات من قبله. وانسى ثقافة المهرجانات وثقافة الصهللة والصهيل. لأن المظاهر لا تصنع ثقافة حقيقية. فى هذا الزمن اغتيل فرج فودة. وجرت محاولة لاغتيال نجيب محفوظ. ومنع سيد القمنى من الكتابة. وهدد كاتب سيناريو شرع فى كتابة سيناريو عن العبارة الغارقة. إن استمر فى الكتابة. وهدد أسامة أنور عكاشة بالقتل لمجرد أنه انتقد حجاب الفنانة حنان ترك. إن شعار هذا الزمن سواء بساداته أو بمباركه. هو نفس شعار جوبلز وزير إعلام هتلر: كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسى.
إن الموقف أكبر من التراجع. إنه العداء للثقافة. وإن كان هناك ترحيب فهو بأشخاص بعض المثقفين من منطق وردة حمراء فى عروة النظام. إنهم يدعوننى كثيراً من أجل الظهور فى تليفزيونهم. ولكن ليس من أجل الكلام عن رواية جديدة لى. أيضاً من المستحيل أن أقول عكس ما اقتنع به من أجل إرضائهم. لأننى أحب أن يكون كلامى مع كتابتى فى خندق واحد. لا أؤمن بالمثل العربى القديم الذى يقول: لكل مقام مقال. إنهم يعادون نتاج المثقف ويرحبون ببعض المثقفين. لا عن اقتناع. ولكن من باب الرغبة فى الاحتواء. إن المصادرة والرقابة تعبير عن حاله وليست سبباً فى حد ذاته. إنها جزء من المشهد الراهن.
* حدثنى عن تجربتك فى اللغة مع (لبن العصفور) ألست ترى معى أنها لغة اختلفت عن اللغة الروائية فى بقية نصوصك؟
** إنها نصى الوحيد بالعامية المصرية. لم يكن هناك ما قبله. ولم يأت ما بعده. إنها نزوة. من حق الكاتب بعد أن يؤسس مشروعه الثقافى. أن يمارس بعض النزوات الفنية فى عمره. وقد فعلت هذا. لإعجابى الشديد بالعامية المصرية. وببعض الأعمال الأدبية المكتوبة بها. مثل قنطرة الذى كفر لمصطفى مشرفة. ومذكرات طالب بعثة للويس عوض. وبيت سرى للمستشار عثمان صبرى. والسيد ومراته فى باريس. لبيرم التونسى. أيضاً فإننى أكتب رواياتى عن الفلاحين. ومن المستحيل ترجمة الحوار على ألسنتهم من العامية إلى الفصحى. إن ذلك سيعد نوعاً من الافتعال الفنى ومجافاة الواقع. قبل لبن العصفور كان هناك توسع فى استخدامات العامية فى رواياتى. وهذا التوسع يزداد من نص لآخر. إن المسألة لها ضرورات مرتبطة بالمنهج الذى أكتب من خلاله. ألا وهو الواقعية. عندما كنت أكتب رواية لبن العصفور بالعامية المصرية لم يكن رضائى عنها كاملاً. لسبب سياسى وهو أننى ابن لحلم القومية العربية. إن العرب لابد وأن يتوحدوا. والعامية ليست من علامات توحد العرب أبداً. ليس لأن الذين نادوا بها كانوا الإنجليز والفرنسيين مثل وول كوكس وغيره. وأن من تحمسوا لها بعضهم من المسيحيين المصريين مثل: سلامة موسى ولويس عوض. ولكن هذه المشكلة قد حلت. وهذا المأزق خرجت منه. عندما كنت فى اليابان. وزرت كلية لدراسة الأدب العربى. وجرى حوار بينى وبين مستشرق يابانى. هل صحيح القول بمستشرق أم يقال مستغرب يابانى؟ باعتبار أننا نقع فى الغرب من اليابان. المهم أن هذا الدارس للأدب العربى. كنت أحدثه عن خطر العامية على الفصحى. قلت له عبارة شوقى الشهيرة: لا أخاف على الفصحى إلا من عامية بيرم. مع أننى أؤمن أن العامية مجرد لهجة من لهجات الفصحى. وليست لغة قائمة بذاتها. كان ما يؤرقنى أن تتحول الفصحى إلى لغة مثل اللاتينية فى أوروبا. وأن العاميات من الممكن أن تصبح مثل لغات أوروبا الراهنة. قال لى المستشرق. أو المستغرب. أن هذا لن يحدث. سألته عن السبب. فقال لأن القرآن الكريم نزل بالعربية. إن اللاتينية لم ينزل بها كتاب مقدس. والقرآن سيظل واسطة العقد بالنسبة للعربية الفصحى. ولهذا سيبقى لغة أساسية ما دام هناك عرق ينبض فى عربى واحد.
ثم أن لبن العصفور من الروايات النادرة لى التى "سمّعت" مع الناس. أن عمال المطابع الذين كانوا يجمعونها. هنأونى عليها. وهم العمال الذين جمعوا كتاباتى الأخرى. إن اللغة ليست مجرد وسيلة للكتابة بقدر ما هى كيان متكامل.

* ما الذى أخذه المواطن مصرى (الفيلم) من الرواية (الحرب فى بر مصر) وما الذى أضافه اليها؟
** لا يجب نسيان أن المواطن مصرى كان الفيلم الأول المأخوذ عن إحدى رواياتى. والفنان نور الشريف يعود له الفضل فى التنبية لرواياتى. بل وحاول الحصول على موافقة الرقابة على تحويل روايتى الحرب فى بر مصر إلى فيلم. ورفضت الرقابة ذلك ومررنا بكل مراحل التقاضى مع الرقابة. وكان الرفض مؤكداً. ولعلمك فإن نور كان يخطط للتحول من التمثيل إلى الإخراج. وهو حلم قديم عنده. كان يريد إخراج الفيلم وإنتاجه وعدم الاكتفاء بالتمثيل فيه فقط. ولو تمت الموافقة لكان قد حدث تحول جوهرى فى سيرة نور الفنية. ولكنه لم يحدث. وصرف نظره عن الرواية. وإن كان قد حاول تقديم نفس الفكرة فى فيلم قام ببطولته هو زمن حاتم زهران.
أما صلاح أبو سيف. فلعلمك عندما اتصل بى كان يريد تحويل يحدث فى مصر الآن إلى فيلم سينمائى. ورفضت الرقابة. ولأنه كان ثانى رفض. فقد اقترحت الرقابة حذف كلمة الآن من عنوان العمل. وإضافة كلمة ريف. فيصبح عنوان الفيلم: يحدث فى ريف مصر. وحذف موكب الرئيسين نيكسون والسادات من الفيلم. وبهذا لا يبقى هناك شئ. كان صلاح أبو سيف نصف متحمس لتنفيذ فكرة الرقابة. وقد رفضت ذلك. فتوقف العمل. ثم عاود صلاح أبو سيف الاتصال بى. وكانت معه نسخة من طبعة بغداد من الحرب فى بر مصر. وقال لى أنه سيحول هذه الرواية إلى فيلم. ولولا شجاعة الرقيب حمدى سرور أمد الله فى عمره. ما تمت الموافقة على المواطن مصرى ثم بعد ذلك على زيارة السيد الرئيس المأخوذ عن يحدث فى مصر الآن. وقد سألت حمدى سرور عندما قابلته بعد ذلك لماذا جازف وتحمل مسئولية الموافقة على تحويل الروايتين المشكلتين إلى فيلمين سينمائيين؟ قال لى أنه لاحظ فى الندوات التى يعقدها. سواء داخل مصر أو فى الوطن العربى أو فى العالم. أن السؤال الأول الذى يوجه له من المستمعين. عن موقفه من هاتين الروايتين. فقرر أن يخلص من الموضوع كله وأن يوافق عليهما. وأنا أشيد بشجاعته رغم أنه كان رئيساً للرقابة فقط. ولم يكن له منصب سياسى يعطيه الحق فى مثل هذا التصرف الكبير. أثناء التنفيذ أصر صلاح أبو سيف على تغيير اسم الفيلم إلى المواطن مصرى. رغم أن جميع العاملين فى الفيلم كانوا ضد تغيير الإسم. ولكنه قال لى أنه فى الإخراج السينمائى لابد من التفرقة بين ديمقراطية المناقشة. وديكتاتورية القرار. والفيلم ينسب لمخرجه. هو ابن مخرجه. مهما كانت العناصر الأخرى المشاركة فى العمل. وهو صاحب القرار الأخير. وهو المسئول عن هذا القرار.
لقد كتب السيناريو والحوار صديقى وابن جيلى ورفيقى محسن زايد. رحمه الله. كان مخلصاً للرواية. ومحسن زايد أفضل سيناريست حول الأعمال الأدبية إلى أعمال فنية. ومازالت أعظم أعمال نجيب محفوظ التى حولت إلى السينما أو مسلسلات التليفزيون كتبها محسن زايد. كان قادراً على وضع يده على جوهر النص الأدبى وتحويله إلى شكل فنى. لم يتفوق عليه أحد ولم يقترب من الذروة التى وصل إليها أحد. وأشهد أن سيناريو محسن زايد كان ممتازاً. ولكن الذى حدث أن الفنان عمر الشريف عندما أحضروه للقيام ببطولة هذا العمل. وكنت ضد مشاركته فيه. لأن له مواقف ضد روح الرواية. عمر الشريف عندما أتى من باريس. طلب القيام بعد المشاهد التى يظهر فيها ومقارنتها بعدد مشاهد عزت العلايلى. ومشاهد عبد الله محمود. وعندما اكتشف أن مشاهده أقل. طلب تعديل السيناريو. ولأننى كنت أثق ثقة مطلقة فى ضمير محسن زايد لم أتابع الأمر. ولكن بعد التعديلات تغير الموقف. روايتى بطلها مصرى. والفيلم بطله العمدة الذى لعب دوره عمر الشريف. وروايتى مشهدها الجوهرى حرب أكتوبر 1973. فى حين أن الفيلم يدور جزء جوهرى منه حول عودة الإقطاع إلى الريف المصرى. كما أنه تمت إضافة خطيبة لمصرى. لعبت دورها الفنانة حنان شوقى وجرى تغيير النهاية بسبب إلحاح عزت العلايلى. حتى يمثل مشهداً يحصل به على الأوسكار. فى روايتى يتعرف والد مصرى عليه بمجرد أن ينظر إلى جثمانه. ولكن التغيير الذى جرى أن والد مصرى لا يعرفه عندما ينظر إليه. من أجل أن يؤدى عزت العلايلى أحد أدوار عمره الكبيرة. ولكن رغم هذه التغييرات فقد أبقى صناع الفيلم عن القضية المحورية فيه. وهى أن حرب أكتوبر 1973 صنعها فقراء المصريين. وحولها الأغنياء إلى مشروع استثمارى. فى كل عمل أدبى نقطة ارتكاز أو قضية جوهرية والباقى تفاصيل. وهذه القضية موجودة فى الفيلم وهذا يكفى.
* إنتاجك الغزير كما وكيفا فى الرواية يؤكد تحيزا منك لهذا الجنس الأدبى على حساب القصة القصيرة .. بماذا تفسر ذلك وماذا تمثل القصة القصيرة ليوسف القعيد؟
** لن أمر عابراً على حكاية إنتاجى الغزير. ولن أطالبك بمقارنة هذا الإنتاج بغيرى من أبناء جيلى. فى الحياة الثقافية عدد من الشائعات الأدبية والثقافية. مجرد تكرارها دون التصدى لها. يجعلها أمراً واقعاً. مع مرور الوقت. وأنا أخطأت لأنى لم أتصد لمثل هذه الشائعات كل فى حينه. كنت أتصور أن مهمتى ودورى فى العالم هما الكتابة فقط. عموماً هذا يكفى الآن لحكاية غزارة الإنتاج. أما حكايتى مع القصة القصيرة فأنا روائى أساساً. بدأت بالرواية. فى حين أن كل نجوم الرواية فى مصر الآن بدأوا بكتابة القصة القصيرة. ثم تحولوا إلى الرواية لأسباب لا يهمنى التوقف أمامها الآن. "خلى الطابق مستور". القصة القصيرة بالنسبة لى استراحة روائى. أكتبها فى تلك المنطقة الرمادية بين رواية وأخرى. فى فترة الاحتشاد لعمل روائى جديد. أكتب القصة القصيرة. وهذه هى الحكاية. طبعاً لم يكن من المناسب أن أقول هذا الكلام الذى يمكن أن يستخدمه الذين يصطادون فى الماء العكر. أو الماء الصافى ضدى. ولكنى مؤمن بمبدأ يقول إن قلت ما تخفشى وإن خفت ما تقولشى.
* لماذا تتوقف معظم أحداثك وشخوصك فى الكثير من اعمالك عند مرحلة الانفتاح فى عصر السادات؟
** هذا أول سؤال يثير لدى حالة من النرفزة. لأنه يطلق من حالة عدم متابعة لما نشر لى. ثم هل ما فعله الانفتاح بمصر توقف حتى تتوقف الكتابة عنه؟! ثم أن الروائى ليست مهمته متابعة الأحداث التى تجرى فى الوطن. تلك مهمة الإعلام. وليست مهمة الكتابة الروائية. ومع هذا يتضح من سؤالك أنك لم تقرأ الروايات الصادرة فى عقد التسعينات. آخر رواية لى صدرت فى 2004 من لندن وبيروت. وكانت متوفرة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. وهى "قسمة الغرماء" إننى لا أحب الكلام عن نفسى ولا أستريح لكلمة أنا. التى تعكس حالة من تضخم الذات عند من يدمنها. ومع هذا أقول فقط بعض العناوين. روايتى قسمة الغرماء تتوقف أمام العلاقة الملتبسة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر الآن. وقبلها رواية قطار الصعيد التى تركز على نفس الهم. مع توقف أمام الصعيد المنسى. ورواية 24 ساعة فقط التى تدور أحداثها فى يوم الزلزال الرهيب الذى ضرب مصر فى 12 أكتوبر 1992. من خلال أم حاولت الاطمئنان على أبنائها السبعة بعد أن عجزت أن تفعل ذلك تليفونياً. إنها تعيش فى قرية. والأبناء إما فى القاهرة. أو هاجروا للدول العربية. وكذلك رواية أطلال النهار. وذلك النهار هو السادس من أكتوبر 1973 بعد عشرين عاماً. وغيرها مثل رواية المجهول التى أعمل فيها الآن. ثم تقول لى. أننى توقفت عند حدود الانفتاح الاقتصادى.
* القرية وقعت تحت متغيرات كثيرة ومتلاحقة .. ماذا فى جعبتك عن القرية القادمة؟
** لدى الكثير فى جعبتى وأنا لا أحب كلمة الجعبة هذه عن القرية المصرية. ولدى مشروع لرواية ضخمة عن قريتى الضهرية. من سنة 1944 سنة ميلادى. وحتى سنة 1984 وهى السنة التى احترقت فيها الضهرية عن آخرها. إن هذه الملحمة ستبدأ بمشهد الفيضان عندما كان نهر النيل يفيض كل عام فى الصيف. وستنتهى بمشهد الحريق. ومن خلال ذلك. أقدم أيضاً قصة حياتى أنا. كما أن لدى فى خططى عمل قد يكون عنوانه: وجوه من ريف مصر. أقدم فيه الوجوه الجديدة التى أطلت فى حياة القرية المصرية. ولم تكن موجودة من قبل. إن المشروعات أكثر من الهم على القلب. والمهم هو وجود العمر والصحة واستمرار القدرة على الكتابة التى أعتبرها مصدر وجودى فى الحياة والسبب الجوهرى فيها.



* النهايات المأساوية ومفردات القرية والغربة والغروب نلمحها بسهولة فى السرد عندك. بماذا تفسر سبب التركيبة المصرية الحزينة؟
** سبقت الإجابة عن هذا السؤال فى الكلام عن الحزن. لا يبقى فى السؤال سوى الكلام عن التركيبة المصرية الحزينة. والمصرى حزين بطبعه إن كنت من الريف ستلاحظ أن الفلاح المصرى عندما يضحك طويلاً. يتوقف ويقول: اللهم اجعله خيراً. أى أن هذا الفلاح يعتبر أن الضحك فى حياته حالة استثنائية. لا بد وأن يتوقف بعدها ويتوقع ما هو سيئ. نحن شعباً أقرب إلى الحزن منه إلى الفرح. وهذا موضوع يطول الكلام فيه. هل تعرف أننا عندما نفكر فى الاحتفال بكاتب مصرى نحتفل بعيد وفاته؟! ونغفل عيد ميلاده. مع أن الموت فناء والميلاد حياة. إن المصرى يحتفل بالعيد بالذهاب إلى المقابر. وقبل أن يفكر فى بناء بيت فهو يبنى قبراً أولاً. يقول أن الدار الباقية أهم من دار الفناء. إن يوم الخامس من يونيو ما زال قائماً فى وجداننا. أكثر من يوم السادس من أكتوبر. لأن الأول يوفر لنا حالة الحزن التى نبحث عنها. إن الأهرامات التى بناها أجدادنا. المصريون القدماء. وأنا أحب هذا التعبير أكثر من الفراعنة. لأن الفراعنة كانوا الحكام. أما المصريون القدماء فهم الشعب. الذى هو أبقى من كل الحكام. إننا نباهى بالأهرامات الدنيا. ونريد أن نعيش من دخلها السياحى. لينطبق علينا المثل الذى يقول إن الخواجة عندما يفلس يبحث فى دفاتره القديمة. ونقول أنها واحدة من عجائب الدنيا السبع. ما هى إلا قبور. لكى يدفن فيها بعض الملوك. إن الشخصية القومية المصرية. شخصية أقرب إلى الحزن والبكاء منها إلى الفرح. صحيح أن المصريين من أخف الشعوب دماً. ولكنه الحزن المصرى الكبير.

* (زمن الفيضان الروائى)..هل يعنى هذا أننا فى زمن الرواية وماذا عن تصورك عن مستقبل الرواية فى مصر؟
** زمن الرواية تعبير أصبحت له حالة من السيادة. لدرجة أن الصراع الآن من الذى أطلقه لأول مرة. هل هو جابر عصفور أم عبده جبير. كما أكد لى عبده بنفسه. وقد وصل الأمر لنسبة هذا التعبير لهيجل الفيلسوف المعروف. وبصرف النظر عن الخلاف والاختلاف حول الأب الشرعى لهذا التعبير. فقد أصبح حقيقة. فالرواية التى يقال أنها ديوان العرب الآن هى أكثر الفنون الأدبية كتابة ونشراً وقراءة. بل أن الكثيرين من كتاب الفنون الأخرى قد تحولوا لكتابة الرواية. وأكثر الذين تحولوا هم الشعراء.
أما عن مستقبل الرواية فى مصر. أى الشباب الذين يجربون الكتابة الآن لأول مرة. فأعتقد أنها ستصبح نصوصاً فيها الكثير من الأجناس الأدبية الأخرى. أيضاً سيتراجع الهم الاجتماعى. والكتابة عن المهمشين. أيضاً فإن وجود الوسائط الجديدة مثل الإنترنت سيكون له وجوده القوى على ساحة النشر باعتباره يشكل جديداً. والجديد دائماً وأبداً. يكون له الكثير من السحر.






* فى تصورى أن الكتابة للطفل هى الأساس الهام فى تنشئة وإيجاد أجيال قادرة على استيعاب ما يمر عليها من أحداث ومتغيرات وتأثيرات وبالتالى تستطيع هذه الأجيال أن تقف على أرض صلبة للتصدى لأى محاولة من محاولات الغزو بشتى أنواعه (ثقافى .. سياسى .. اقتصادى... الخ) هل ترى اننا ننهج هذا النهج بالفعل وهل جرب يوسف القعيد ولو مرة الكتابة للطفل ..ولو كتب للطفل ماذا كان يمكن أن يقدم له ؟
** لم أجرب من قبل فكرة الكتابة للطفل. وإن كنت لا أحبذ فكرة موجودة لدى كل الكتاب. ألا وهى أن يجرب الكاتب نفسه فى الكتابة للطفل كنوع من الوجاهة أو تجريب النفس فى كل شئ. بما فى ذلك الكتابة للطفل. ليس لدى هذا الهاجس وما أفكر فيه كيف يمكن كتابة نص يصلح للقراءة من قبل الطفل والكبير فى نفس الوقت. نموذج رواية الأمير الصغير لأنطوان دى سانت أكزوبرى. وأيضاً كتابات مارك توين. ثم أن بعض ما كتبه كامل كيلانى تصلح للطفل والكبير معاً. مثل محاولات كيلانى تبسيط كتب التراث الإنسانى الكبرى للطفل. لدى محاولة وحيدة فى هذا الميدان. ألا وهى إعداد بعض روايات نجيب محفوظ للأطفال. قمت بذلك لدار الشروق. وإن كان النشر مسألة لا علاقة لها بالكتابة. كنت مقيداً فى هذا المشروع. بمعنى الالتزام التام والدقيق. بأصول النص المحفوظى. والبناء المحفوظى. وذلك قلل من الجهد الذى قمت به. من أجل خلق نص آخر مغاير ومختلف.
* حبك للأستاذ (محمد حسنين هيكل) غير عادى الى الحد يجعلك تتفرغ لحديثة الأسبوعى وتقول بالفم الممتلئ (الأستاذ)..هل لأنه من رائحة الزمن الجميل؟.. أم ماذا؟
** أولاً لا ألتقى بالأستاذ هيكل بصفة دورية "أسبوعية". واللقاء الأسبوعى الثابت مع نجيب محفوظ. وعندما كنت ألتقى به بصفة دائمة ومستمرة كان ذلك فى الوقت الذى كنت أعد فيه كتابى: هيكل يتذكر: عبد الناصر. والمثقفون والثقافة. وقد حكيت من قبل. وكتبت فى مقدمة كتابى معه عن قصة لقائى معه. يمكنك قراءة القصة فى هذا الكتاب وعنوانه: عبد الناصر والمثقفون والثقافة. هيكل يتذكر.
تكملة من الكتاب عبد الناصر والمثقفون
لكنى بعد هذا التعارف الأول. اكتشفت فى الرجل العديد من المزايا تختلف كثيراً جداً عما يعرف الناس عنه. فالرجل لديه اهتمام فريد بالثقافة والأدب يحفظ الكثير من الشعر العربى. لدرجة أنه يمكن أن تصبح له مختارات من الشعر العربى. كما أنه يتابع الأدب الروائى مصرياً وعربياً ودولياً. عندما حدثت أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر. فضل عدم الكتابة والكلام فى الموضوع قبل قراءة الرواية أولاً. وقد حصل على نسختى المهداة لى من حيدر حيدر منذ سنوات. ثم كتب مقاله الشهير عن الأزمة فى مجلة "وجهات نظر". الذى يعد مرجعاً مهماً فى الأزمة.
له العديد من الصداقات مع الأدباء والكتاب والمفكرين على مستوى العالم كله. مرة حدثته عن رواية صينية وزعت 6 مليون نسخة هى رواية بجعات برية. وكانت دهشتى بالغة عندما قال لى ببساطة أن المؤلفة كانت ضيفة على الغذاء عنده بالأمس. وحدثنى عما وراء سطورها فى الرواية التى تؤرخ للصين من خلال ثلاث نساء من أجيال مختلفة وقصصهن. وعندما كلمته عن كتاب بول جونسون المثقفون. قدم لى بانوراما طويلة عن المؤلف. وأزماته النفسية التى دفعته لكتابة مثل هذا الكتاب.
ناشره فى لندن هو نفسه ناشر سلمان رشدى. لذلك كان حريصاً على التعرف عن قرب على ظاهرة سلمان رشدى وما تمثلها. كما أن تجربته فى أهرام الستينات تظل من أهم التجارب الثقافية فى تاريخ الصحافة المصرية. وكل ما أتمناه منك أن تقرأ كتابى معه. هذا ليس ترويجاً للكتاب ولكنه سيكون مفيداً بلا حدود للأحاديث التى تجريها.
* ماذا يشدك الى أديب نوبل (نجيب محفوظ) وعالمة؟
** يشدنى إلى نجيب محفوظ عديد من العوامل. التى لا علاقة لها بحصوله على نوبل من عدمه. فقد تعرفت عليه فى النصف الأول من ستيينيات القرن الماضى. يشدنى إليه إخلاصه للكتابة والقراءة. إنه الوحيد من أبناء جيله الذى عرق كثيراً جداً من أجل الكتابة. نجيب محفوظ على المستوى الإنسانى يمكنك الاختلاف معه. ومع هذا لا يكرهك ولا تكرهه أبداً كما أنه حافظ على استقلاليته وتلك مسألة ليست سهلة أبداً. قد يقولون عنه أنه وفدى الهوى. ولكنه لم يكن عضواً فى الوفد أبداً. يعجبنى فى نجيب محفوظ أنه لم يضع قدمه فى سفارة أجنبية أبداً. منذ بداياته فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى. وحتى الآن. إن ما يمكن قوله عن نجيب محفوظ وتجربته فى الكتابة وأخلاقه الإنسانية وتعامله مع الناس ودماثته وأدبه الجم. قد يحتاج إلى مجلدات كثيرة. وهذه عجالة سريعة جداً لأننى قد أكتب شيئاً كبيراً عن نجيب محفوظ فى يوم من الأيام. خاصة الأمور غير المعلنة لقصته مع جائزة نوبل. فالرجل يحتاج إلى الإنصاف فى هذه القضية. فهو لا يتكلم كثيراً. وعلينا أن نقوم بهذا الدور نيابة عنه.
* متى يكون التاريخ أدبا والأدب تاريخا ؟
** التاريخ هو مجمل ما مر بنا من الأحداث. والوقائع سواء الحسنة أو السيئة. أيضاً سواء أكان ذلك على المستوى الفردى. أو المجتمعات والشعوب والأمم والدول.
أما الأدب فهو نشاط متخيل. كتابه عن وقائع إما جرت فى أرض الواقع أو تخيلها كاتب. أو يكون المكتوب واقعاً مضافاً إليه الكثير من خيال الكاتب.
إن نقطة التقاء الرواية والتاريخ تحاول كتابة التاريخ من خلال الرواية. وهو ما يقولون عنه الرواية التاريخية. التى يكون فيها قدر من التاريخ وقدر من الخيال الأدبى. مع عملية مزج بين هذا وذاك. إن الأدب يكون تاريخاً عندما يحاول كاتبه تدوين أحداث تاريخية. والتاريخ يصبح أدباً عندما يجد من يدونه بروح الأدب والكتابة الأدبية. وأنا أعتبر أن عبد الرحمن الجبرتى. ومحمد بن أحمد بن إياس المصرى روائيان كبيران. كل المشكلة أنهما لم يطلعا على النتاج الروائى. عندما كتب كلاً منهما تاريخه. ولو قرأ الكتابة الروائية والأدبية قبل أن يكتبا تاريخهما لاختصرا العديد من السنوات من عمر الكتابة الأدبية فى مصر. لقد دونا أحداث أيامهما يوماً بيوم. وأحدهما ابن إياس كان يميل إلى السخرية. والأول كان جاداً فى كتابته. وقد حاول الجبرتى معارضة سياسات محمد على عندما انفرد بالحكم. وبدأ يتكلم فى هذه الأمور. فما كان من محمد على إلا أن ربط ابن الجبرتى أثناء عودته من صلاة الفجر. وقد جرى التمثيل بجثمانه. حتى يكون درساً وعبرة لمن يحاول الاقتراب من نفس المحاولة.
دعنى أقول لك أن التاريخ يقع فى منطقة الأدب والأدب يحقق فى نفس المساحة.
* ما هو رأيك فى مسألة تقسيم الأجيال الأدبية؟
** مشكلة واقعنا الأدبى تدور حول الارتباك الشديد فى مسألة المجايلة الأدبية. أى تقسم الأدباء إلى أجيال ربما لأن هذه القضية تقع ضمن نطاق علم اجتماع الأدب. وهو من العلوم التى تتعرض لإهمال شديد فى بلادنا. ولا يوجد متخصصون فيها. ثمة كتاب وهو هنا. وكتب آخر هناك. إن مسألة الجيل نفسها تعانى من الغموض. فما هو الجيل. هل هو العصر الذى شهد متغيرات وسمات هامة. إن السؤال هو: ما هو العصر الأدبى تحديداً؟ هل يجوده تاريخ ميلاد الكاتب؟ أم الزمن الذى كتب فيه. مرة قال لى أبو المعاطى أبو النجا: أن القول بأنكم جيل الستينات فيه خطأ جوهرى. فنحن أيضاً كتبنا وأدبنا فى الستينيات من القرن الماضى. وقد سمعت نفس الجملة من نجيب محفوظ. لأن من يتابع إنتاجه الأدبى يدرك أن أفضل أعماله الأدبية هى ما نشرت فى عقد الستينيات من القرن الماضى. فهل يعتبر هو أيضاً من جيل الستينيات الأولى؟ عن نفسى أعتقد أن الفترة من 1919 إلى 1952 تمثل زمناً واحداً. وطرحت جيلاً واحداً فى ميدان الكتابة. وهى ما تسمى بمرحلة المد الليبرالى فى تاريخ مصر. ثم إن الفترة من 1952 حتى 1967 تمثل مرحلة لها ملامح معينة. ومن 1967 إلى 1973 ثمة مرحلة أخرى. ثم من 1974 وحتى اغتيال السادات مرحلة. وهكذا. إن الغموض يحيط بحكاية الأجيال الأدبية. لأنها قضية تقع فى منتصف المسافة بين النقد الأدبى. وعلم اجتماع الأدب.
* أصحاب النفوذ والسلطة والانتهازيين هل ترى أنهم أثروا فى المشهد الثقافى وكيف؟
** أولاً أصحاب النفوذ هم أصحاب السلطة بلا زيادة أو نقصان. وهذا الثلاثى قادر على إفساد كل ما فى الحياة. فما بالك بالواقع الثقافى. ثم ما هى حاجتهم للثقافة. التى لا يسمعون عنها أصلاً. إنهم قد يحتاجون الصحافة باعتبارها جزء من منظومة الإعلام. ومن يمتلك الأحلام يمكنه أن يحكم البلد التى يصدر فيها هذا الإعلام. شعار هذا الثلاثى هو عدم الاعتراف بالثقافة ورفضها. وليس مجرد إفسادها. إنهم يؤثرون فى المشهد الثقافى وذلك من خلال تجاهله. يبقى احتمال أن يكتب هؤلاء وفى هذه الحالة يكون هدفهم الجوهرى هو الاعتراف بهم. وإعطائهم قيمة أدبية لا يستحقونها. وليس لهم أى دور فيها. إنهم خطر على الإبداع الأدبى فى جميع الأحوال.
* يقول البعض أن الصحافة هى مقبرة الأدب .. تعليقك على هذه المقولة؟
** من قال ذلك؟! إنها مقولة تحولت إلى شائعة. والشائعة أصبحت لها قوة الأمر الواقع. أعترف أننى استفدت كروائى كثيراً من العمل فى الصحافة. على الأقل وفى الحد الأدنى تمكنت من رؤية كل حشد فى مصر. وبفضلها سافرت إلى الكثير من البلدان العربية والأجنبية. والأهم من كل هذا أنها أزالت قداسة ما أكتبه. من قبل كنت أتصور أن كل حرف أكتبه مقدساً. ولا يجوز اختصاره. ولكن فى الصحافة لابد من التركيز. ليس معنى الاستفادة من الصحافة أننى أختصر من أعمالى الأدبية بعد الانتهاء من كتابتها. ولكن العمل الصحفى جعلنى أدرك أنه إن كان بداخل الإنسان مشاعر تساوى ثلاث نقاط لابد من كتابتها وتدوينها فى كلمات تساويها. لا تزيد ولا تنقص. هناك مثال قاله هيمنجواى وردده من ورائه جارثيا ماريكز كثيراً جداً. هذا القول هو: تناسب الصحافة الروائى كثيراً جداً. وذلك بشرط أن يعرف الوقت الذى يغتزلها فيه. لا يقوم ولا يتأخر عنه أبداً. وقد رددت هذا القول كثيراً. ووضعته موضع التنفيذ ابتداء من الثامن من فبراير سنة 2000 أى منذ ست سنوات مضت. حيث أخذت أجازة مفتوحة. – بدون مرتب طبعاً – من العمل الصحفى. تماماً نهائياً. ومع هذا لم يكن هذا هو الوقت المناسب. لقد تأخرت كثيراً فى الوصول إلى هذا القرار. كان من الأفضل أن يتم ذلك القرار قبل ذلك بكثير. المهم أنه حدث لا قيمة لحكاية التأخير هذا. وإن كانت تدمى قلبى كثيراً. أعتقد أن استمرارى أطول مما ينلغى فى العمل الصحفى قد يمثل أحد الفرص الضائعة من العمر.
* ألا تؤيدنى أننا بحاجة ماسة وملحة لمن يكتب (شكاوى المواطن مصرى)؟
** أعود من جديد إلى القراءة. الفريضة الغائبة فى حياتنا الثقافية. فما بالك بحجم غيابها فى الحياة العامة. سؤالك يشكل عنوان رواية لى. ثلاثية. تقع فى أكثر من ألف صفحة. نشرت أكثر من ثلاث طبعات. ما بين القاهرة وبيروت. عنوانها: شكاوى المصرى الفصيح. الجزء الأول عنوانه: نور الأغنياء. والجزء الثانى عنوانه: المزاد. والجزء الثالث والأخير عنوانه: أرق الفقراء. والفكرة الجوهرية التى تقف خلف العمل تقول أن وظيفة الدولة المصرية. هى حماية الأغنياء من أرق الفقراء. أيضاً فإن الحادث الجوهرى فى الرواية يدور حول مواطن مصرى. ضاق به الحال. فعرض أولاده للبيع فى ميدان عام. وهى الحادثة التى تكررت كثيراً جداً فى الحياة المصرية. وخارج مصر بعد ذلك. ولكن من يقرأ ومن يسمع. لا أحد يقرأ. وعدم القراءة تسلل إلى جماعة المثقفين أنفسهم لا يقرأون بعضهم. وكنت أتمنى أن تقشرأ مؤلفاتى قبل إجراء هذا الحوار. لأنه كان سيكون أكثر عمقاً. فى هذه الحالة.
* يقولون الحراك السياسى وأنا أقول الصراخ السياسى ..فى رأيك الى أين نحن ذاهبون والى متى يستمر هذا الصراخ وهل ما يحدث من انتفاضات شعبية فى صالح مصر والمواطن ؟
** أولاً هناك فارق ضخم بين الحراك والصراخ. وأنا أعذرك ربما ترى الأمور هكذا وأنت فى طنطا التى أعتبرها عاصمة الوجه البحرى. مثلما أرى أسيوط عاصمة الوجه القبلى أو الصعيد. وحتى يعتبر الصراع له جانبه الإيجابى. فمن يصرخ فإن هذا الصراخ معناه أن من يصرخ قد وصل إلى حد الصراخ. وأن هناك من الألم ما دفعه إلى هذا الحد. ولأن أسئلة هذا الحوار عنقودية. أى أن كل عنقود من القضايا يتم فى سؤال واحد. فهناك جوانب أخرى لابد من الإجابة عنها من السؤال. إلى أين نحن ذاهبون. كل المؤشرات تقول أننا ذاهبون فى داهية. كما قال بيرم التونسى عن مصر منذ سنوات مضت. وأننا نعيش فى بلد لا صاحب له. وأن أصحاب هذا البلد لا يعينهم مصيره أو مستقبله. طبعاً لا صاحب لمصر سوى المصريين أنفسهم. ولكن المقصود بأصحاب البلد هو من يحكمونه ومن ينهبونه. ومن يسرقونه. ولهذا لابد من استمرار هذا الصراخ الذى أسميه أنا الاحتجاج العظيم والنبيل والجميل. لابد من استمراره طويلاً جداً. حتى تزول الأسباب التى يمكن أن يؤدى إليه. آخر حبة فى عنقود السؤال تقول: وهل ما يحدث من انتفاضات شعبية فى صالح مصر والمواطن. وأقول لك ليتها كانت انتفاضات شعبية فعلاً. أين ما يجرى من الانتفاضة الشعبية. أين ما يجرى مما حدث فى يناير 1977. الذى سماه السادات انتفاضة حرامية. وقد كانت انتفاضة الخبز. وإن كنت تقصد مظاهرات وسط القاهرة. التى يدعى المسئولن أنها عطلت مصالح الناس. إن الرد عليهم يكون بسؤال بسيط: كم تعطل مصالح الناس مواكب المسئولين؟ مؤخراً بسبب موكب الرئيس مبارك فى محافظة من المحافظات فى عدم ذهاب الطلاب إلى امتحانهم. ورسبوا جميعاً. المظاهرات لصالح المواطن. والمواكب تكرس لفكرة الدولة المصرية وقهرها للمواطن. ولهذا أحب أن أصحح صورة المظاهرات لدى الإنسان المصرى الذى يعيش خارج القاهرة. لأن أعلام الدولة المصرية. وهو وسيلة من وسائل الحكم. يشوه الصور. وينقلها بصورة معكوسة إلى الناس.
* كاتب وكاتبة (عربيا وغربيا) يشدانك إليهما .. وما هى الأسباب ؟
** أنا لا أحب صيغة أفعل تفعيل هذه لأنها إن كانت تسيّد كاتباً أو كاتبة. فإنها تقلل كثيراً من حقوق الآخرين. لماذا كاتب؟ ولماذا كاتبة؟ هل صيغة السؤال من أجل التوابل الصحفية؟ من ناحية الأدباء الأشقاء العرب. نحن مقصرون فى مصر فى متابعتهم. لا نقرأهم بالقدر المطلوب. ولا نبادلهم اهتماماً باهتمام. هذا خطأ جوهرى نمارسه باقتدار "للأسف الشديد" تجاه المبدعين العرب المعاصرين لنا. ولذلك أقرأ كثيراً من الأدباء العرب. ليس النجوم الذى حولناهم نحن فى مصر إلى نجوم. ولكن أصحاب الإبداع الحقيقى. وقد أسرد لك كثيراً من الأسماء. ولكن أخشى نسيان إسم هنا أو إسم هناك. ولأننى مؤمن أن مصر تكون قوية ثقافياً بالعرب. وأن العرب يكونون أقوياء بمصر. وأنه لا مفر أمامنا سوى بالثقافة قبل غيرها من الاعتبارات. هل أكلمك عن عبد الرحمن منيف وعن جبرا إبراهيم جبرا. وعن هاديا سعيد. هذه كاتبة عربية أكثر من جميلة. أدبياً حتى لا تغضب وهل أكلمك عن سحر خليفة أو حنان الشيخ. الكاتبة العربية – خاصة فى ميدان الرواية – تقدمت كثيراً. ولابد من إعادة النظر فى مسألة الريادة الثقافية المصرية هذه. لا أقول بنظرية القائد والتابع. ولا أردد حكاية المركز والأطراف. فنحن كيان واحد. وهذه الوحدة هى الحائط الأخير لنا جميعاً.
* رسالة تود توجيهها الى المسئولين والقائمين على شئون الثقافة المصرية؟
** ولماذا أوجه رسالة إلى المسئولين عن الثقافة المصرية؟ أنت تريد هذا. ولكنى لا أريد. إن كنت أرغب فى توجيه رسالة فلتكن إلى أى مثقف مصرى. أقول له أن الكلمة أمانة. وأن التصرف مسئولية. وأن المثقف يكاد أن يكون رسولاً فى زمنه. وأن عليه دوراً كبيراً فى إشعار الناس بمشاكلهم وهمومهم وجعلهم يتحركون لحل مشاكل الواقع الراهن إلى الأفضل وإلى الأحسن وإلى الأجمل. المثقف أهم من فى هذه الأمة. وهو مكمن الخطر. والأمل معقود عليه دون غيره. وبه يكون هناك أقل. وبدونه تبدد لهذا الأمل. أما المسئول عن الثقافة فكل مهمته تقديم خدمة لابد منها لهذا المثقف. وتمكينه من أداء دوره.
* يقولون أن الإغراق فى المحلية هى الطريق الى العالمية .. تعليقكم على هذا؟
** فعلاً. المحلية هى الطريق – ربما الوحيد – للعالمية. وألفت نظرك إلى ماركيز وإلى محفوظ. لقد ارتبط كل واحد منهما بواقعة المجلس. وعبر عنه عرف طريقة للعالمية. وإن كنت أرفض ولا أحب تعبير العالمية هذا. ولا أحب أن يكتب الكاتب وعينه على هذه العالمية. لأن هذه العملية تفقد الكتابة تلقائيتها وبساطتها. وتجعل من العملية الإبداعية. مسألة حسابات للربح. ولتحقيق العالمية. ولذلك أرى أن التركيز على قضايا الجنس. والإغراق مسائل الدين. والكتابة كثيراً عن الأقليات " مثل التموين " هدفها الوصول إلى هذه العالمية من أقصر الطرق. وأى إبداع ينطلق من هذه الأرضية محكوم عليه بالفشل. لا أعتقد أن نجيب محفوظ عندما كتب زقاق المدق كان يفكر فى العالمية. أو أن ماركيز عندما كتب عن قريته كان يفكر فى العالمية. لأن هذه الأمور من الممكن أن تتم بصورة تلقائية. أما عند التخطيط لها. فالأمر يختلف.
* قديما كانت هناك مقولة (القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ).. من وجهه نظرك هل هناك وجود حقيقى حالى لهذه المقولة؟
** هذه مقولة أطلقت فى ستينيات القرن الماضى. من يمكن أن يتذكر تلك الأيام. التى مضت وربما لا تعود لنا مرة أخرى. اليوم من الصعب تكرار مثل هذا الكلام. لا القاهرة هى نفس القاهرة التى كانت فى ستينيات القرن الماضى. ولا بيروت هى نفس بيروت ثم أين هى بغداد التى كانت؟ بغداد محتلة من قبل الأمريكيون. والأمريكان هنا فى مصر. والأمريكان فى بيروت ليست مريضاً بأمريكا. ولكن أمريكا من أجل أن تنفذ لإسرائيل كل ما تريده. لابد من تحجيم الدور المصرى فى الوطن العربى. لابد من تحويل مصر من دولة قائدة. إلى دولة تابعة. أو على الأقل غير مؤثرة. وهذا ما يجرى حتى على المستوى الثقافى. بل أن الثقافة هى الأهم والأخطر من وجهة نظرهم. هل يمكن أن تستمر مقولة منذ أكثر من نصف قرن حتى الآن. الذى بقى منها أن بيروت تسبق القاهرة فى النشر. من حيث المتابعة والملاحقة والمعاصرة. وأيضاً من حيث شكل الكتاب وإخراجه وتحضره. وحتى دور القاهرة فى إصدار الكتاب الرخيص. والشعبى أصبح دوراً داخلياً ومحلياً. وانسحب من بعده العربى.
* المتغير والثابت فى كتابات يوسف القعيد؟
** تريدنى أن أتكلم عن الثوابت والمتغيرات فى أدبى. وهذا كله يندرج تحت بند الكلام عن النفس. فضلاً عن أنه ليس من يهمنى. أعتقد أن الكلام عن ثوابت ومتغيرات كتاباتى دور يمكن أن يقوم الناقد أو الباحث.أو حتى أنت. لأن الإنسان عندما يتكلم عن نفسه يشعر بخجل حقيقى ولا يكون قابلاً للتصديق من قبل من يقرأه. ثم أن نظرتى تمثل هذه الثوابت والمتغيرات قد تختلف كثيراً أو قليلاً عن القراءة التى يمكن أن يقدمها. آخر أى إنسان غيرى. الكاتب يكتب ما لديه وينتهى دوره عند هذا الحد. وأى كلام بعيداً عن المتن يمكن أن يسكن الهوامش. وأنا لم أصل بعد إلى مرحلة الهوامش.
* كيف يمكن لنا من وجهه نظرك أن نعيد الملايين التى انصرفت عن القراءة وجرفها تيار الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الجبارة إلى محراب القراءة مرة أخرى. خاصة وأن الإحصائيات تقول أن ما يقرأه المواطن العربى فى العام الواحد لا يتجاوز الست دقائق؟ وما هى فى رأيك الأيدولوجيا التى يمكن الأخذ بها لتحقيق هذا وجعلها جزءا أساسيا من النشاط البيولوجى للمواطن العربى؟
** أنا لا أصدق أن متوسط قراءة الإنسان العربى فى السنة ست دقائق فقط. فى هذا الكلام مبالغة غريبة عصية على التصديق. أما استعادة القارئ العربى. فتلك مسألة لا بد وأن تبدأ من البيت الذى يخلو من المكتبة. وكذلك الحضانة والمدرسة والمعهد والكلية. حتى تصبح القراءة عادة من عادات الإنسان العربى. وجزءاً من مكونات حياته. وليست فقط من أجل قضاء الوقت. أما استعادة الإنسان من تيار ثورة المعلومات التى سرقت الإنسان من الثقافة. ما المانع من أن يقرأ وفى نفس الوقت يتعامل مع الوسائط الجديدة من إنترنت وخلافه. إن الأمرين لا يتناقضان وكلاً منهما يكمل الآخر. بالعكس إن النت ممكن أن يخدم الثقافة نفسها. المهم كيف نجعل هذا فى خدمة ذاك. لأنك يمكن أن تجد على النت. الصحف التى تصادرها الحكومة. ويمكن أن تقرأ الكتب الممنوعة. وتشاهد الأفلام المطاردة. وبالتالى يمكنك النت من الانتصار على إرادة الدولة الغبية التى تتصور أن المنع ممكن أن يمارس فى هذه الأيام.
* ماهى فى رأيك أسباب الفجوة الثقافية بيننا وبين الغرب ؟
** أنا مندهش من أن كثرة الكلام عن الفجوة الثقافية بيننا وبين الشرق والغرب لا تتم إلا الآن فقط. هذه الفجوة موجودة منذ سنوات بعيدة. بل قرون. منذ أن قال كبلنج أن الشرق شرق والغرب غرب. ولن يلتقيا أبداً. والحال هكذا. سواء عبر استعمار الغرب لنا. وأنا لا أحب كلمة استعمار هذه. لأن فيها قدر كبير من التضليل. ثم الحروب الصليبية والصدامات الكثيرة التى دارت حولها. لقد استغربت كثيراً جداً للثورة الأخيرة ضد الرسومات المسيئة للرسول. والضجة التى صاحبتها. مع أن رواية مثل دون كيشوت فى ترجمة عبد الرحمن بدوى فيها الكثير من الهجوم على الرسول صلى الله عليه وسلم. لدرجة أن البطل كان يشبه حماره برسول المسلمين طوال الرواية. ومع هذا لم نتحرك ولم نثر. وتعاملنا مع هذا الغرب كأننا حلفاء له. بل ونعيش حياتنا كما يعيش الغرب. ونأكل كما يأكل. ومنذ أن قال مفكروا النصف الأول من القرن العشرين. طه حسين ولطفى السيد. أن خلاص مصر لن يأتى إلا بالاتجاه شمالاً. ونحن نحاول أن نكون جزءاً من هذا الغرب. حتى الهجمة الأخيرة. لم تتعد ردود الأفعال. التى تمت بيننا هنا. ولم تمتد إلى الآخر. لتتعامل معه انطلاقاً مما قام به تجاهنا.
* فى ظل صدام الثقافات ..هل ترى أن لنا قدرة ومقومات تساعدنا على التوازن فى هذا الإطار؟
** مصادر قوتنا أن نحافظ على ما يميزنا فى مواجهة الغرب الذى يريد حرماننا من كل هذا التميز. وهذا التميز هو الذى سيحقق التوازن بيننا وبين الغرب. من الناحية العسكرية لا قوة لنا. ومن الناحية السياسية فقدنا كل أشكال هذه القوة. وعلاوة على كل هذا. لقد سلمنا كل مقادير حياتنا للغرب الذى يناصبنا العداء فى كل شئ. علينا التعامل كما لو كنا فى معركة مع هذا الآخر. صحيح أنها معركة مفروضة علينا من الآخر. ولكن ليس أمامنا سوى الهزيمة دون الدخول فى معركة أو الهزيمة بلا معركة. وربما كانت الهزيمة بعد معركة أفضل. أو بدقة أشرف لنا من الهزيمة بدون معركة.
* كتابة السيرة الذاتية نوع سائد من الكتابة حاليا ..ما هى المقومات المطلوبة فى هذا النوع من الكتابة؟
** مشكلة كتابة السيرة الذاتية فى بلادنا. أننا لا نكتبها بالصراحة المطلوبة. بل نخفى كل الأشياء الحقيقية التى مررنا بها. نحن نقول ما يرضى أنفسنا. أو ما يرضى الآخرين عنا. والأهم ما قد يظهرنا باعتبارنا من الأبطال الكبار. قمنا بكل البطولات الممكنة والمستحيلة. لا بد أن تكون للإنسان تجربة. تهم الآخرين وتؤثر فيهم. وأن يكتبها بصدق حقيقى حتى لو تطلب الأمر نشر هذه المذكرات بعد وفاته ورحيله عن عالمنا. كل هذه القيم لا وجود لها فى حياتنا ثم أن كل من هب ودب يكتب سيرته ومذكراته. حتى لو لم يكن عنده ما يستحق الكتابة. أصبحت كتابة السيرة الذاتية. مرادفة للخروج على المعاش. وكأنها وسيلة لشغل وقت الفراغ. أو أن هذا الخارج على المعاش يريد أن يقول ها أنذا. موجود كما كنت من قبل. وهذا لا يخرج أدباً ولا سيرة ولا ذاتية.
* لو أتت لك الفرصة لتصرخ بكل ما بداخلك من صراخ .. الى من توجه هذه الصرخة وما هى أسبابها؟
** أشعر أن كلمة الصراخ لها مدلولات. ربما كانت سلبية لديك. لماذا لا تقول الاحتجاج أو الاعتراض أو الرفض. فى هذه الحالة أقول لك كتبت الكثير جداً حول الرفض. والاحتجاج. بل أننى أشعر فى أعماقى أننى جئت إلى هذا العالم لأعترض. وأن كلمة لا هى المناسبة لما أحب أن أقوله. وقد مارست هذا الرفض. وليس مجرد الصراخ فيما كتبته من قبل. وما سأكتبه لاحقاً. أما ما يمكن أن يقوله الإنسان فى هذا الاحتجاج فهو كثير وبلا حصر أو حدود. ما الذى يمكن أن يرضى الإنسان العادى فى الحياة من حولنا. فما بالك إن كان هذا الإنسان مثقفاً وله موقف من قضايا الواقع.
* هل لاتجاهاتك السياسية تأثير مباشر على عدم التواجد الدائم دراميا مع أن كتاباتك تمس بشكل مباشر كل قضايا الوطن والمواطن ؟
** هذه مسألة مؤكدة. فلو تابعت ما قدم لى فى السينما والتليفزيون. تكتشف أن الفيلمين المواطن مصرى وزيارة السيد الرئيس. قدمهما القطاع الخاص. ومن ناحية المسلسلات. مسلسل واحد أنتجه التليفزيون المصرى. ممثلاً فى شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات. ومن أجل خاطر المخرج إسماعيل عبد الحافظ الذى تحمس لرواية "وجع البعاد". وأخرجها فى مسلسل بديع. ثم تعثرت الروايات فى دهاليز أروقة شركات الإنتاج. وفى هذه الدولة المصرية القديمة والمعمرة. إما أن تمشى أمورك سريعاً. كأنها إكسبريس. أو أن تتعثر وربما تتوقف حسب تعليمات وأوامر لن تصل إليها وإلى من أصدروها أبداً. وعندى شعور قوى أنهم هم الخاسرون من وراء هذا المنع. أما خسارتى أنا فأعتقد أنها مؤقتة. لأن دوام الحال من المحال. ولو دامت لغيرك ما وصلت لك.
* هناك من يقول أن عدم وجود لجان للقراءة تتعامل بضمير ووازع يأخذ فى اعتباره ترسيخ الريادة فى الثقافة ساهم بشكل مباشر فى سوء النتج الثقافى؟
** من الصعب التعميم فى أى قضية من القضايا. لجان القراءة شر لا بد منه. ولو أن أعضاء هذه اللجان يتم اختيارهم على أسس سليمة. وأن هؤلاء الأعضاء يدركون مدى الأمانة الموكولة لهم. وتعاملوا بنزاهة وشفافية. والشفافية أهم ألف مرة من النزاهة. لما عشنا كل المشاكل التى نعيشها فى المجال الثقافى.
* من المؤكد أن بداخلك مشروع تتمنى أن يخرج إلى النور ..نرجو إلقاء الضوء عليه..ومتى يخرج إلى الحيز الخارجى ؟
** سبق أن أجبتك عن هذا السؤال عند الكلام عن الرواية التى أعمل فيها عن قريتى وعن حياتى. من سنة ميلادى 1944 وحتى سنة احتراق القرية فى عام 1984. وكان عمرى أربعين عاماً. فى ذلك الوقت.


* المؤسسات الثقافية .. غياب دورها .. من المسئول ومن المفترض أن يحاسب ويؤاخذ ..وهل نصيب المواطن المصرى من الثقافة متساوى فى كل الأرجاء؟!
** تكلمت كثيراً من قبل عن هذه المؤسسات الثقافية. ولكن الجديد فى السؤال هو الظلم الذى يمكن أن يقع على بعض المواطنين من ناحية نصيبهم من الثقافة. وهذا الظلم موجود فى كافة نواحى الحياة الأخرى. هل يتساوى مصرى يعيش على الحدود مع السودان. مع مواطن يعيش فى القاهرة؟ هل يتساوى ساكن الواحات مع ساكن الإسكندرية؟ إن كان عدم التساوى يحدث فى الطعام والشراب وفرص الحياة. فمن الطبيعى أن يكون فى الثقافة أكثر. التى ربما يتصور البعض أنها من الكماليات. التى لا قيمة لها. إن نصيب المصرى من الثقافة فى القرية المصرية. ربما يصل إلى الصفر. وفى المدينة ربما كان أكثر. ولكن فى الحالين فإن هذا النصيب أقل مما ينبغى إذا ما قورن بالمعدلات العالمية أو حتى ببعض دول العالم الثالث – مثلنا – أو المفترض أنها مثلنا فى أمريكا اللاتينية وآسيا.
* ما رأيك صراحة فى مشروع القراءة للجميع .. ألست تشاركنا الرأى انه لابد من مشاركة الناشرين فى مثل هذا المشروع وأن تدعهم الدولة بدلا من أن يكون قاصرا على هيئة الكتاب بدلا من انصراف الناشرين إلى نشر الكتب التراثية والتقاويم بسبب انخفاض أسعار الكتب المطروحة من خلال مشروع القراءة للجميع.. وهناك من يقول أن اقتناء الكتاب قد تحول من هدف القراءة لهدف التباهى وجود مكتبة لديه؟؟!
** المفروض أن فلسفة مشروع القراءة للجميع. ومكتبة الأسرة قائمة على مشاركة الجميع فيه. أى الناشرين الآخرين الذين لا بد من مشاركتهم. بنسب معينة. صحيح أن هذه المشاركات قد لا تحدث فيها بعض المشاكل. وربما تتراجع. وتلك مسئولية اتحاد الناشرين المصريين. الذى يجب أن يدافع عن حق كل ناشر فى المشاركة فى المشروع. بشرط أن يكون لديه الأعمال المنشورة التى ترقى للمشاركة فيه.
من ناحية الاهتمام بكتب التراث. فإن الإقبال عليها أكثر من أى كتب أخرى. إنها تأتى بعد الكتاب الدينى مباشرة. والسبب فى هذا هى حالة النظر إلى الماضى باعتباره أجمل من الحاضر. وأن المستقبل مرعب. والتراث هو كل ما تركه لنا الماضى. السطر الأخير من السؤال يشير إلى أزمة التعامل مع الكتاب باعتباره من أدوات الوجاهة الاجتماعية. أكثر من كونه وسيلة للتثقيف. وإعداد الإنسان الجيد. وتلك المشكلة جزء من الواقع الاجتماعى الجديد فى مصر. حتى تناول الأطعمة وشراءها وشراء الدواء. كل هذا يمثل حالة من المباهاة الاجتماعية أكثر من تلبية الاحتياجات داخل الإنسان. ثم إن الأسر الجديدة التى تعيش فى شقق ضيقة. لا تجد مكاناً تخصصه للمكتبة. وهى نفسها لم تقرأ. لذلك سيخرج للحياة جيل جديد من المصريين. ربما لم يسمع كلمة قراءة.
* الى أى زمن تحن وما هى أسباب هذا الحنين؟ وهل الكتابة هى نوع من الحنين؟
** وهل هذا سؤال؟ أرى أن ستينيات القرن الماضى هى العصر الذهبى لمصر. وما جرى فى مصر. وأنا أعبر عن هذا الحنين الذى يكوى الفؤاد بالكتابة وليس بغيرها.


* مشروع الكتاب الإليكترونى هل من الممكن أن يكون من بين عناصر الجذب لمعاودة القراءة؟
** من الممكن أن يكون الكتاب الإليكترونى من عناصر الجذب للقراءة. ذلك بشروط: أن يتم اختيار النص الذى يوضع على النت بعناية فائقة وأن تمحى أمية امتلاك هذه الأدوات. والقدرة على التعامل معها. والتركيز على الأجيال الجديدة والطالعة. لأن الأجيال السابقة مثلنا. لا تجيد التعامل مع هذه الأدوات الجديدة والطارئة. الورقة والقلم وسيلتى الوحيدة للكتابة. والكتاب الورقى. أجمل عندى ألف مرة من القراءة على الجهاز الخاص بالقراءة. من المستحيل أن يتشبع الإنسان ساعات طويلة على هذا الجهاز من أجل القراءة. لذلك فالكتاب الورقى أفضل ألف مرة. ومع هذا يبقى الإنترنت ثورة كاملة غيرت وستغير كل ما فى الحياة.

















بلوجرافيا

يوســـف القعـــيد
كاتـب وروائـي
- يوسف القعيد .
- روائى واديب و كاتب صحفى .
- عضو نقابة الصحفيين .
- عضو اتحاد الكتاب .
- عضو نقابة السينمائيين " شعبة كتاب السيناريو " .
- عضو لجنة القصة بالمجلس الاعلى للثقافة .
- عضو لجنة الثقافة بالمجالس القومية المتخصصة .
- ولد فى 2 ابريل 1944 بقرية الضهرية مركز ايتاى البارود محافظة البحيرة
- التحق بكُتّاب القرية ثم مدرسة عسران بعد الكريم الابتدائية ، ثم مدرسة انصارى سمك الاعدادية ، فمعهد المعلمين بدمنهور الذى تخرج فيه عام 1961
- عمل بمهنة التدريس اعتبارا من عام 1961 فى مدرسة الرزيمات الابتدائية المشتركة ، ثم فى مدرسة الوحدة المجمعة بقرية الضهرية .
- جُنِّد بالقوات المسلحة فى ديسمبر 1965 وظل بها حتى ابريل 1974 اشترك فى حروب يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وحرب اكتوبر 1973 .
- عمل محررا أدبيا بمجلة المصور وتدرج بها حتى صار نائب رئيس تحرير مجلة المصور ، وذلك منذ إبريل 1974 حتى 8/2/2000 ، حيث قرر أن يصبح كاتبا مستقلا عن المؤسسات عامة كانت أو خاصة .
- فى رواياته تجارب أساسية كتب عنها فى نصوصه الأدبية رواية كانت أم قصص قصيرة ، أولاً: تَشكّل عالم الرواية عند القعيد عبر مجموعة من الرؤى اختطها لنفسه بوعى وتفهم من خلال معايشته الكاملة للقرية المصرية باعتباره أحد أبنائها المخلصين الذين عاشوا أيامها الصعبة ورضعوا آلامها المُرة ، وأيضا من خلال مواجهته لواقع الهزيمة وإرهاصاتها المُلحّة التى دخلت كل بيت فى مصر والتى تأثرت بها القرية المصرية تأثرا بالغا ، ووضحت آثارها على جيل كامل من أهلها ، وكانت بواكير الرواية عند يوسف القعيد تعبيرا عن مكونات الزمان والمكان خلال فترة من اهم فترات حياته هى فترة تجنيده وخروجه من قرية " الضهرية "وولوجه عالم المدينة مجندا فى صفوف القوات المسلحة عام 1965 ، وكذا تشكيل وعيه الأدبى من المخزون الثقافى التراثى والمعاصر من خلال قراءات ذكية وملحة فى الأدب القصصى المحلى والعالمى، وقد لعبت هذه القراءات دورا مهما فى تشكيل رؤية القعيد وفهمه لطبيعة الفن فكانت رواياته ومجموعاته القصصية:
- الحداد – منشورات كتاب الطليعة 1969 .
- اخبار عزبة المنيسى – هيئة الكتاب 1971 .
- ايام الجفاف – مكتبة مدبولى – 1973 .
- البيات الشتوى – 1974
- فى الاسبوع سبعة ايام – هيئة الكتاب – أكتوبر 1975 .
- طرح البحر – رويات الهلال 1976 .
- يحدث فى مصر الآن – 1977.
- الحرب فى بر مصر – دار بن رشد – بيروت 1978 .
- حكايات الزمن الجريح – وزارة الاعلام والثقافة – بغداد 1980 .
- تجفيف الدموع – هيئة الكتاب 1981 .
- شكاوى المصرى الفصيح (ثلاثية) – الجزء الأول نوم الاغنياء – طبعة أولى – دار الموقف العربى 1981 . الجزء الثانى " المزاد " طبعة أولى – دار المستقبل العربى 1983 . الجزء الثالث " أرق الفقراء " طبعة أولى دار المستقبل العربى 1985.
- قصص من بلاد الفقراء – مجموعة قصصية – طبعة أولى روايات الهلال 1983 .
- من يذكر مصر الأخرى – مختارات قصصية طبعة أولى وزارة الثقافة – سوريا 1984 .
- من يخاف كامب ديفيد – قصة طويلة – طبعة أولى اتحاد الأدباء العرب دمشق 1985 .
- الضحك لم يعد ممكناً – قصص قصيرة – طبعة أولى – مختارات فصول – هيئة الكتاب 1987 .
- القلوب البيضاء – طبعة اولى – دار الشروق 1987 .
- بلد المحبوب – طبعة أولى – دار الشروق عمان الأردن 1987 .
- وجع البعاد – طبعة أولى روايات الهلال 1987 .
- أصوات الصمت – حوارات أدبية – مكتبة مدبولى 1991 .
- مرافعة البلبل فى القفص – مجموعة قصصية – روايات الهلال 1991.
- من أوراق النيل – يوميات – طبعة أولى دار سعاد الصباح 1992 .
- الكتاب الأحمر – رحلاتى فى خريف الحلم السوفيتى – طبعة أولى دار سعاد الصباح 1992 .
- خد الجميل – قصة طويلة – طبعة أولى – دار المدى – دمشق 1994 .
- لبن العصفور – رواية بالعامية المصرية – روايات الهلال مايو 1994 .
- الفلاحون يصعدون الى السماء – مختارات قصصية – مركز الانماء العربى – حلب – سوريا 1996.
- أطلال النهار – رواية - دار شرقيات - القاهرة - 1997 .
- أربع وعشرون ساعة فقط – رواية – رويات الهلال مارس 1999 .
- البكاء المستحيل – مجموعة قصصية – دار سحر – تونس 2001 .
- مفاكهة الخلان فى رحلة اليابان – أدب رحلات – دار الشروق – 2002 .
- محمد حسنين هيكل يتذكر : " عبد الناصر والمثقفون والثقافة " – دار الشروق 2003 .
- قطار الصعيد– دار الشروق– 2004 .
- قسمة الغرماء – دار الساقى – لندن/ بيروت- 2005 .
أعمال ترجمت فى لغات مختلفة:
- أخبار عزبة المنيسى – ترجمة الى الروسية – د/ فاليريا كرباتشنكو – نشرتها فى طبعتين دار الفن والأدب موسكو 1986 .
- أيام الجفاف ترجمت الى الانجليزية عن هيئة الكتاب .
- يحدث فى مصر الآن ترجمت الى الروسية وصدرت فى موسكو .
- الحرب فى بر مصر ترجمت الى – الروسية – الانجليزية – الاوكرانية – الفرنسية – الاسبانية – الالمانية – الهولندية .
- من يخاف كامب ديفيد – ترجمت الى الروسية .
- رباب تغزل الرسم – قصة قصيرة من مجموعة حكايات الزمن الجريح ترجمت الى الانجليزية .
رسائل جامعية عن القعيد:
1. محمد يوسف القعيد حياته وأدبه – رسالة ماجستير مقدمة فى معهد الدراسات العربية تحت اشراف د/ سهير القلماوى .
2. المعونة الامريكية فى رواية " يحدث فى مصر الآن " رسالة ماجستير قدمتها دينا عبد الفتاح فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .
3. البعد الاجتماعى فى رواية " يحدث فى مصر الآن " رسالة ماجستير ى قسم الاجتماع بكلية الآداب – جامعة عين شمس للباحث صالح سليمان عبد العظيم .
4. يوسف القعيد روائيا (1969 – 1999 ) - رسالة ماجستير مقدمة من سمية الشوابكة - كلية الدراسات العليا - الجامعة الأردنية 2000.
5. سوسيولوجيا الكتابة الأدبية – رسالة ماجستير عن رواية يحدث فى مصر الآن – جامعة فاس – المغرب .
6. آليات النص – رسالة ماجستير مقدمة لجامعة الرباط عن رواية " يحدث فى مصر الآن " .
7. السرد وانتاج المعنى فى روايات القعيد – رسالة دكتوراه – قدمتها الطالبة بديعة الطاهرى – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – أغادير – المغرب .
8. دراسة سوسيونصية لرواية " يحدث فى مصر الآن " ليوسف القعيد – بحث لنيل الإجازة فى اللغة العربية وآدابها – للطالب بن شريف الودغيرى رشيد – إشراف : حميد لحمدانى .
9. رواية الرواية " يحدث فى مصر الآن نموذجا " ليوسف القعيد – رسالة ماجستير إعداد الطالب المنجى الأسود – المغرب 1999.
10. الرواية المصرية بين يوسف القعيد و جمال الغيطانى وصنع الله ابراهيم – رسالة دكتوراه قدمت فى جامعة مدريد .
رسائل جامعية عن القعيد وآخرين :
11. التجديد الروائى فى مصر مقارنة بالرواية الفرنسية دراسة حالة " يوسف القعيد و جمال الغيطانى وصنع الله ابراهيم " رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة منوبة بتونس للباحث محمد رجب الباردى ، وقد طبع الجزء الأول منها تحت عنوان " الرواية العربية والحداثة " عن دار الحوار باللازقية .
12. الإبداع الأدبي فى الرواية المصرية – رسالة دكتوراه للباحث مصرى عبد الحميد حنورة ، كان القعيد أحد الحالات المدروسة .
13. مظاهر التجديد فى الرواية العربية المعاصرة " يوسف القعيد نموذجا " – جامعة سيدى محمد بن عبد الله – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – فاس – إعداد الطالب أزيد بيه ولد محمد البشيو – 1995.
14. بحث تمهيدى ماجستير لرواية " بلد المحبوب " دارسة نقدية – قدمت لقسم اللغات الشرقية – كلية الآداب جامعة القاهرة – للطالب أحمد محمد إبراهيم .
15. واقعية القاع فى الرواية المصرية والأمريكية المعاصرة – بحث نقدى مقارن- يوسف القعيد – بول اوستر –ريتشارد فورد –صنع الله ابراهيم نماذج – رسالة دكتوراه للباحثة عفاف عبد المعطى- جامعة القاهرة 2004
16. خطاب التواصل فى الرواية العربية المعاصرة – رسالة دكتوراه للباحثة اسماء ابراهيم المعيكل – جامعة عين شمس – 2004 .
كتب مؤلفة عن القعيد
1. صالح سليمان عبد العظيم - سوسيولوجيا الرواية المصرية " يحدث فى مصر الآن نموذجا " – الهيئة المصرية العامة للكتاب – سلسلة دراسات أدبية 1998 .
2. مصطفى بيومى - الفلاح والسلطة فى أدب يوسف القعيد – دار الهدى – المنيا 2001 .
3. سيد أمام وآخرون – القعيد روائيا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 2001 .
كتب عن القعيد وآخرين :
4. تاريخ كمبردج للادب العربى –ترجمة وتحرير عبد العزيز السبيل وأخرين- النادى الادبى بجدة- ط1-2002.
5. محمد رجب الباردى – الرواية العربية والحداثة – دار الحوار – اللازقية 1999
6. الرواية السياسية – دكتور طه وادى-مكتبة الانجلو.
7. أحمد محمد عطية – حرب أكتوبر فى الأدب العربى الحديث – سلسلة اقرأ - دار المعارف – القاهرة – دط - أكتوبر 1982 .
8. السعيد الورقى – اتجاهات الرواية العربية المعاصرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة - ط1 – 1982.
9. حسين حمودة - الرواية والمدينة " نماذج من كتاب الستينيات " - سلسلة كتابات نقدية - الهيئة العامة لقصور الثقافة - رقم 109 - ط 1 - القاهرة - سبتمبر 2000
10. شوقى بدر يوسف - ببليوجرافيا الرواية فى غرب ووسط الدلتا - وزارة الثقافة - الهيئة العامة لقصور الثقافة – 1994.
11. على الراعى - الرواية فى نهاية قرن-دار المستقبل العربى- القاهرة- ط1 – 2000.
12. على شلش – روايات عربية معاصرة – سلسلة كتابات نقدية رقم 5 – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 15 ديسمبر 1990 .
13. مجموعة مؤلفين – الرواية العربية واقع وآفاق – دار ابن رشد للطباعة والنشر – بيروت – دط – 1979
14. محمد نجيب التلاوى – وجهة النظر فى رواية الأصوات العربية فى مصر – على نفقة المؤلف – دط- 1996.
15. يوسف الصميلى – موازين نقدية فى النص النثرى " يوسف القعيد نموذجاً " المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – ط1 – 1995 .
16. عبد الرحيم العلام – الفوضى الممكنة دراسات فى السرد العربى الحديث – دار الثقافة للنشر والتوزيع – الدار البيضاء المغرب 2001.
17. صلاح صالح - سرديات الرواية العربية – المجلس الأعلى للثقافة – 2003.
18. فدوى مالطى دوجلاس – من التقليد إلى ما بعد الحداثة - المجلس الأعلى للثقافة- رقم 515-2003.
19. ابراهيم فتحى- الخطاب الروائى والخطاب النقدى فى مصر – هيئة الكتاب – 2004.
نصوص تحولت الى أعمال فنية :
حولت بعض نصوصه الى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية . أخرج صلاح أبو سيف فيلم " المواطن مصرى "عن رواية " الحرب فى بر مصر" . وأخرج منير راضى فيلمه زيارة السيد الرئيس عن روايته " يحدث فى مصر الآن " ، كما تحولت الى عرض مسرحى اعده الشاعر ممدوح عدوان وقدم فى دمشق . وأخرج اسماعيل عبد الحافظ مسلسل " وجع البعاد " عن روايته التى حملت العنوان نفسه كما سبق ان تحولت إلى مسلسل فى 30 حلقة قدمته اذاعة القاهرة الكبرى . وأخرج المخرج الفلسطينى بسام سعد مسلسل عزبة المنيسى عن روايته " اخبار عزبة المنيسى " من انتاج تلفزيون دبى فى 18 حلقة ، كما تحولت روايته الحداد الى مسلسل عنوانه " نار ورماد " وتحولت رواية " بلد المحبوب " الى مسلسل حمل الاسم نفسه – شكاوى المصرى الفصيح تحولت الى مونودراما قدمت على مسرح الطليعة – رواية " البيات الشتوى" تحولت الى فيلم تلفزيونى أخرجه الدكتور هشام أبو النصر ، قصة وجه الحب الآخر من مجموعة قصص " تجفيف الدموع " حولت إلى حلقة فى مسلسل " هو فى عينيها وهى فى عينيه " آخر مسلسل أخرجه نور الدمرداش .
فصول فى كتب مشتركة ومقالات فى دوريات
1- شكرى عزيز الماضى - هزيمة حزيران فى الرواية العربية .
2- احمد محمد عطية - حرب اكتوبر فى الادب العربى الحديث .
3- جابر عصفور - أوراق ثقافية .
4- طه وادى - الرواية السياسية .
5- حسين حمودة - الرواية والمدينة .
6- محمود حنفى كساب - كبرياء الرواية .
7- السعيد الورقى – اتجاهات الرواية العربية المعاصرة .
8- على الراعى - الرواية فى الوطن العربى .
9- على الراعى – الرواية فى نهاية القرن .
10- وقائع الرواية العربية فى مكناس – بحث محمود أمين العالم " التاريخ والفن فى ثلاث روايات مصرية " وفريدة النقاش " الرواية ونقاط اولية حول الاغتراب القسرى فى الرواية العربية " .
11- فدوى مالطى دوجلاس – من التقليد إلى ما بعد الحداثة .
12- على شلش - روايات عربية معاصرة .
13- سيد حامد النساج – فى الرواية العربية
14- يوسف الصميلى – موازين نقدية فى النص النثرى .
15- امينة العدوان – مقالات فى الرواية العربية المعاصرة .
16- شمس الدين موسى – أزمة المنتمى فى الرواية المصرية – مجلة الكاتب – عدد 148 – يوليو 1973 .
17- احمد الزعبى – الإيقاع الروائى فى نصوص يوسف القعيد – مجلة علامات .
18- بول ستركى – من المقابر إلى ميدان التحرير – ترجمة : ثائر ديب – مجلة الموقف الادبى – اتحاد الكتاب العرب – تشرين أول 2002 . نشرت باللغة الانجليزية فى Journal of Arabic Literature .
مقدمات كتب
1- د / سهير القلماوى – مقدمة رواية " أخبار عزبة المنيسى " .
2- سمير أحمد ندى – مقدمة رواية " الحداد " .
3- د/ فدوى مالطى دوجلاس – مقدمة ودراسة رواية " الحرب فى بر مصر " الإصدار الإنجليزى .
4- د/ مارى تريز عبد المسيح – مقدمة رواية " اخبار عزبة المنيسى " الإصدار الإنجليزى .
5- د/ ماهر شفيق فريد – مقدمة رواية " ايام الجفاف " الإصدار الإنجليزى .
6-د/ سعيد يقطين – مقدمة رواية " قطار الصعيد " .
7-عبد الرزاق عيد – مقدمة مجموعة الفلاحون يصعدون إلى السماء – مركز الانماء الحضارى – حلب .
8-مقدمة على الراعى للطبعة الخامسة من رواية "يحدث فى مصر الآن" دار المستقبل العربى القاهرة .
9- مقدمة الدكتوره فالريا كربتشينكو للمجلد المترجم للروسية الذى احتوى على اخبار عزبة المنيسى – يحدث فى مصر الآن – الحرب فى بر مصر .


يوسف القعيد
• كاتب صحفى وأديب روائى.
• يكتب مقالاً ثابتاً فى ثلاث صحف. الأول فى جريدة الأسبوع القاهرية. والثانى فى مجلة الأهرام الاقتصادى المصرية. والثالث فى جريدة الراية القطرية.
• يكتب بصورة غير منتظمة فى صحف أخرى. داخل مصر: فى جريدة أخبار الأدب. وجريدة العربى الناصرى التى يصدرها الحزب الناصرى. وخارج مصر فى جريدة الحياة التى تصدر من لندن. ومجلة نزوى التى تصدر من سلطنة عمان.
• له العديد من المؤلفات التى تدور فى نطاق الكتابة الروائية والقصصية وكتابة أدب الرحلات.
• ترجمت رواياته وقصصه إلى أكثر من عشرين لغة من لغات العالم.
• حولت أعماله إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية فى مصر وبعض أقطار الوطن العربى.
من رواياته:
يحدث فى مصر الآن. الحرب فى بر مصر. ثلاثية شكاوى المصرى الفصيح. وجع البعاد. أربع وعشرون ساعة فقط. قطار الصعيد. قسمة الغرماء.
من قصصه الطويلة:
أيام الجفاف. من يخاف كمب ديفيد. أطلال النهار. مرافعة البلبل فى القفص. خد الجميل. عنتر وعبلة.
ومن مجموعاته القصصية:
طرح البحر. قصص من بلاد الفقراء. الضحك لم يعد ممكناً. الفلاحون يصعدون إلى السماء.
ومن أدب الرحلات:
الكتاب الأحمر: رحلاتى فى خريف الحلم السوفييتى. مفاكهة الخلان فى رحلة اليابان.
• قدمت عن أدبه رسائل جامعية فى جامعات مصر. المغرب. الأردن. سوريا. اليمن. العراق. أسبانيا. موسكو. اليابان. الصين. فرنسا.
• صدرت عنه ثلاثة كتب نقدية: القعيد روائياً. بأقلام مجموعة من الباحثين. الفلاح والسلطة فى أدب يوسف القعيد. تأليف مصطفى بيومى. المعونة الأمريكية فى رواية يحدث فى مصر الآن للدكتورة دينا جلال. الرواية السياسية يحدث فى مصر الآن نموذجاً. للدكتور صالح سليمان عبد العظيم. هذا فضلاً عن عشرات ربما مئات الفصول فى كتب صدرت عن الأدب المصرى والعربى فى النصف الثانى من القرن العشرين.
• هذا علاوة على آلاف المقالات عن مشروعه الروائى باللغات العربية والروسية والأسبانية والإنجليزية والفرنسية والصينية واليابانية.
يقوم مشروعه الأدبى على الكتابة الواقعية. التى تشعر الجماهير أن ثمة خطأ فى الواقع وبالتالى تتحرك لتغييره. مع عدم إغفال البعد الفنى والجمالى مشروط.
• حولت رواية الحرب فى بر مصر إلى فيلم سينمائى هو: المواطن مصرى. أخرجه صلاح أبو سيف. ورواية يحدث فى مصر الآن إلى فيلم: زيارة السيد الرئيس. ورواية البيات الشتوى إلى فيلم: البيات الشتوى. كما حولت روايات وجع البعاد. الحداد. أخبار عزبة المنيسى. بلد المحبوب. إلى مسلسلات تليفزيونية














كيـف أمسكت بالقلم
كُتَّــــــاب سَيَّدنـَـــــا
يوسف القعيد
التكوين؟ّ يا له من عنوان خادع. يبدو مثل السراب فى صحراء العمر. من يتصور ولو للحظة واحدة. أنه قد تكوّن. يكون قد انتهى. لأن التكوين عملية مستمرة على مدى العمر كله. تبدأ مع لحظة الخروج من ظلمة الرحم. ولا تتوقف سوى مع لحظة النزول إلى ظلمة القبر. وما بين الظلام الأول. والظلام الأخير. يسعى الإنسان حتى دون أن يدرى لاستكمال تكوينه. أو تكويناته. أكتب عن التكوين باعتباره حالة مستمرة ومتصلة إلى ما شاء الله. وعندما أحاول العودة إلى الكلمة الأولى فى السطر الأول فى الصفحة الأولى من تكوين الوعى.. تخرج من طيات الذاكرة قرية الضهرية مركز إيتاى البارود – محافظة البحيرة. وتتهادى على هذه الأسطر شخصيات لم تعد من أهل الدنيا. ولأن ذكر الإنسان يمكن أن يصبح عمراً ثانياً. سأكتب عنهم. حتى أبتعد – بقدر الإمكان – عن الأنا. وما تجره على الإنسان من علامات الغرور وملامح الخيلاء. فأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا. أؤمن أن الغرور إن دخل من الباب خرجت كل الفضائل الأخرى من الشبابيك. ذهبت إلى كتاب سيدنا الشيخ بخاطره من أجل حفظ القرآن الكريم. وقد أنجزت حفظ جزء عم فى زمن قياسى. وحصلت على جائزة سافرت مع أبى إلى مدينة دمنهور عاصمة المديرية – لم نكن قد عرفنا كلمة محافظة بعد – للحصول على جائزة مالية من المدير. كان قدرها خمسين قرشاً على ما أتذكر. وقد كانت من المبالغ الكبرى التى دخلت بيتنا فى ذلك الوقت.
غير أن الرحلة الأولى خارج الضهرية. والتى تبقى فى وعيى "طشاش". بعض ظلالها الغريبة. بالأبيض والأسود طبعاً. لأن إدراك اللون كان تالياً لهذه الرحلة. كانت إلى قرية اسمها "قسطا" مواجهة لقريتنا ولا يفصلها عنا سوى بحر النيل – هكذا نسمى النهر عندنا - فى صور الذاكرة منظر مرساة المركب الذى عبرنا به إلى الناحية الأخرى. لا أعرف إن كانت قسطا هذه تابعة للغربية أم لكفر الشيخ الآن. لكن الذى أعرفه كما أعرف كف يدى. أننا ذهبنا إلى شيخ سره باتع. لم أكن أشكو من أى مرض. ولكن والدىّ كانا يخافان أن يلحق مصيرى بمصائر أشقائى الذين أتوا إلى الدنيا قبلى وماتوا. أذكـر أن شقيقى الذى جئت إلى الدنيا فوق رأسه كان اسمه إبراهيم. وقد حفظت الإسم من كثرة كلام والدى عنه بعد أن خطفه الموت خطفاً. أتساءل وأنا أكتب هذا الكلام عن الحال. لو أن قريتنا عرفت الصورة. ولو أن كاميرا دخلت إلى حاراتها المتفرعة مثل الخطوط علـى ورقة شجرة التوت. إذن لشاهدت صورة جدى. ذلك الإنسان الأسطورى. الذى أسمع عنه حكايات يشيب لها شعر الرأس قبل الأوان. وكذلك أشقائى الذين ماتوا بعد ميلادهم.
كل ما أذكره من رحلة قسطا هذه أننا فى طريق العودة كان معنا حجاب. ربطه لى الشيخ المبروك تحت أبطى الأيمن. بقطعة من القماش مبرومة على شكل حبل. ووضع يده على رأسى وتمتم بما لم أسمعه بعد أن أغمض عينيه. وتهت لأن كثافة وحضور رائحة البخور التى انطلقت من جو الغرفة. أفقدنى القدرة على التركيز. كانت نصيحته لوالـدى. أنه لابد من الحفاظ على الحجاب وألا تصل إليه المياه. حتى الآن لا أعر سر المياه. وضرورة ابتعادها عن الحجاب. قال الرجل وصوته يهز أركان المكان إن هذا الحجاب إن انكشف سره. أو وصلته المياه سأموت على الفور. ذهبت بعد ذلك إلى نفس الشيخ قبل امتحان مهم. وأعطانى حجاب مماثل علقه بجوار الأول. لأنه لم يكن يحب التعامل مع الناحية الشمال. "شئ لله يا أهل اليمين" قالها وهو يعلق الحجاب الثانى. مازلت أتذكـر أن أمى أمد الله فى عمرها نسيت ذات مرة. وحممتنى فى الطشت النحاسى الكبير. دون رفع الحجابين. لا تتصور مدى الذعر الذى أصابها فى هذا اليوم. وعندما عاد أبى – يرحمه الله رحمة واسعة – من الغيط أبلغته. أخذانى إلى الدكتور. كانت قريتنا قد عرفت أول دكتور فى تاريخها. الذى استمع إلى قصة الخرافة باهتمام بالغ وسأل عن مكان الشيخ المبروك وكيفية السفر إليه. ثم كشف علىّ وبدلاً من رفضه قصة الذهاب إلى الشيخ. رفض أن يكتب لى روشتة تصرف من البندر حتى يوفر ثمن الدواء لأهلى الغلابة. لأن موتى مسألة أيام. ذلك أننى مصاب بروماتيزم يزحف إلى القلب. وما أن يصل إليه. حتى يصعد السر الإلهى. ويسترد الله وديعته منا. عاملونى فى البيت مثل المحكوم عليه بالإعدام. كنا نسمع أنهم يمرون به فى شوارع مصر التى هى القاهرة طبعاً. وما أن يشير المحكوم عليه بالإعدام بعينيه إلى أى شئ. ذلك أن يديه مكبلتان بالحديد. حتى يحضرونه له حتى ولو كان لبن العصفور أو التفاح الأمريكانى. غير أنى عشت. ولكن مازال شبح الروماتيزم الـذى يزحف ببطء شديد إلى القلب. يهددنى فى كل مراحل حياتى. لا أتصور أننى مريض بالوهم. ولكن أى نغزة فى شريان أو عرق يصل إلى القلب. تعيدنى مرة أخرى إلى عيادة الدكتور "أ. ر." التى كانت ملاصقة لمكتب البوستة. وأتذكر مدى البرودة الجميلة التى أحسست بها عندما وضع سماعته على قلبى بعد أن أوصل طرفيها إلى أذنيه.
لا أنسى لحظة العصارى الندية. والهواء الطرى القادم من الغيطان محملاً برائحة الماء والخضرة. عندما صعدت إلى سطح دارنا. وفتحت الحجابين. كانت الورقة مكورة أكثر من مرة. وكان نوع الورق قوياً. وكانت فيها شخبطة مكتوبة باللون الأحمر. مازلت أتذكر اللون الأحمر وكانت الشخبطة قد ساحت على الورق عندما طالته المياه من أمى خطأ. الحمد لله أن أهلى لم يكتشفوا الكارثة الكفرية التى مارستها. لأننى كنت قد أصبحت صبياً. ولابد من وقوفى فى الطشت بمفردى عندما أستحم. ثم أننى تركت قريتى إلى مدينة دمنهور. وتخلصت نهائياً من رقابة عد الأنفاس التى كانوا يمارسونها علىّ.
نعود إلى الشيخ بخاطره الذى لم يكتف بتحفيظ جزء عم لنا. هل أقول أن بذرة القص الأولى. علاوة على حكايات الناس فى قريتى وما كانت ترويه أمى من الحكايات. جاءت من ذلك القص الجميل فى القرآن الكريم. أن كل منجزات الحكى التى جاءتنا من الغرب نجدها فى القرآن الكريم. خاصة فى سور القصص ومريم ويوسف. الفلاش باك. ضمير المتكرم. الجمل الاعتراضية. كلمات الحوار. التسلل إلى خلجات النفس. أكثر من رواية للحدث الواحد. كل هذا نجده فى سور القرآن الكريم. الذى يعتمد القص والحكى من أجل توصيل رسالته للمؤمنين. ولكن الشيخ بخاطره علاوة على تحفيظنا جزء عم. علمنا "فك الخط" هكذا كانوا يسمون تعليم القراءة والكتابة. كان الرجل كفيفاً. مثل كل أصحاب الكتاتيب الذين سمعت عنهم بعد ذلك. ومع ذلك كان يعرفنا جميعاً. أما من نبرة الصوت أو الرائحة أو درجة الخوف – بل الرعب – منه. كان يوزع علينا ألواح الإردواز. بمساعدة عريف. أصبح اسمه "ألفة" بعد ذلك.
سعدت عندما كنت أجلس فى عزاء بقريتى مؤخراً. واقترب منى أحد بلدياتى. وعرفنى بنفسه أنه قريب الشيخ بخاطره. قلت: ألف رحمة ونور تنزل عليه. وتبشبش الطوبة التى تحت رأسه. حكى له أنه كان العريف علينا وأنه مازال يحتفظ بألواح الإردواز عنده. مصدر سعادتى أنه قال لى أن الشيخ بخاطره عندما كان يسمع إسمى فى الراديو. كان يقول إن عمره لم يذهب هدراً. وأنه لولاه ما كان ما كنته. لا علاقة للتوقف أمام هذه التفاصيل بالتطرف الدينى الذى نتنفسه الآن حتى ونحن نيام. عندما توقظنا الميكروفونات التى لا مهرب منها منذ "أحلاها نومة". كان الدين سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. فى ذلك الوقت. أواخر أربعينيات القرن الماضى وأوائل خمسينياته. فى مكانه الطبيعى كعلاقة شديدة الخصوصية والسرية بين الإنسان وربه. ولم يكن قد تحول بعد إلى مرجعية وحيدة. تؤسس للإنسان حياته. بعد أن جرى ذلك الانقلاب غير العادى فى روح مصر وضميرها. لأن من حكموا مصر ابتداء من السبعينات قرروا مواجهة الأمور الطارئة بتغيير ثوابت الوطن. وأدخلونا إلى دائرة جهنمية من الدم والنار والدموع. كان من السهل دخولها ومن المستحيل الخروج منها. لكن تلك حكاية أخرى.
لم أستمر مع الشيخ بخاطره. ذلك أن أول مدرسة ابتدائية افتتحت فى قريتـى. مدرسة عسران عبد الكريم الابتدائية. لم تكن مصر قد عرفت حكاية مدرسة البنيـن ومدرسة البنات. ومع افتتاحها كانت تصل سيارة من البندر لحظة أذان صلاة الظهر فيها وجبة ساخنة للتلاميذ الذين يتعلمون فى المدرسة. قالوا فيما بعد أن الطعام كان منحة من الخارج.. ولكن الذى حدث أننا جميعاً مارسنا خيانة الشيخ بخاطره وكُتابه الذى كان يقع على حدود البلد من الناحية البحرية الشرقية. أمامه كانت الترعة الصغيرة والمزارع مباشرة. لم يكن بعده من معالم البلد سوى ترب النصارى التى كانت بحرى البلد. كـان كُتابه جزء من بيته بالتحديد "المندرة البرانية" من البيت. كان باب وسط الدار يفصل بين بيته والكُتاب. ورغم أننا كنا أطفالاً. لا يستطيع أى واحد منهم الزعم أنه تمكن من التسلل إلى أهل بيته. أو دخل حتى هذا البيت مهما كانت الأسباب. كان الشيخ بخاطره يلبـس جلباباً مقلماً. والطاقية أم رفرف من نفس القماش. ولكن أقلامها بالعرض. فى حيـن أن أقلام الجلابية والصديرى أقلامهما طولية. كانت ملابسة نظيفة دائماً. يشرب من فوقها العصفور لم تكن بيده خيزرانة يضرب بها دون سبب.
أما المدرسة. فقد كانت فى الناحية القبلية. وراء دوار العمدة وسرايته والجنينة الواسعة التى تحيط بها. والطريق الذى يمر أمامها كان يوصل قريتنا بعزبتى العتقا وكنيسة الضهرية. وترب المسلمين. التى لابد وأن تكون قبلى البلد. وهى مسألة مرتبطة – كمـا قيل لى – بعد ذلك بهبوب الريح واتجاهها. وكلام كثير عن عادات الدفن عند النصارى. وعادات دفن المسلمين. ولكن تلك حكاية أخرى.
أيام جديدة هلت على قريتنا مع افتتاح المدرسة. والمستوصف الذى كان أقرب إلى مستشفى ميدانى متنقل. والجديد كان وصول ثلاث نساء من "بنات البندر" مدرسة وحكيمة. وأخصائية اجتماعية. المدرسة فى الحصة الأولى اختبرتنا أغرب اختبار. ما هو الإسـم الذى يجب أن نناديها به. سمعت "ستى" فضحكت، عمتى، خالتى، كانت تحرك إصبعها الأبيض الطويل. والذى ينتهى بظفر أطول والأعجب أن لونه كان أحمراً. تساءلنا وبراءة الأطفال فى أعيننا: هل يفرق الله سبحانه وتعالى بين ألوان أظافر بنات البندر. وأظافـر نساء قريتنا اللاتى أطلق عليهن من لحظة وصول الثلاث نساء: نبوت الغفير. بعد أن غلب حمارنا. ولم نعرف المسمى الذى نناديها به قالت وهى تكتب الإسم على السبورة. وتعطينا ظهرها الجميل. كانت طويلة، بيضاء، ترتدى مريلة زرقاء. وفى يدها اليمنى التى كتبـت بها أساور من ذهب وفضة. وكتبت على السبورة كلمة "أبلة" وقضت الحصة الأولى كلها. التى كنا أقرب إلى التحليق مع الأحلام تعلمنا طريقة نطقها.
معرفتى بالحرف المكتوب جعلنى أستبدل – وللأسف الشديد – الفاس فى يدى بالقلم. وربما كان مصيرى أفضل وحياتى أحسن. لو أننى احتفظت بالفأس. لأننى اكتشفت بعد سنوات طويلة الحكمة المقطرة التى تقول أن القرى خلقها الله. وأن المدن بناها البشر. منذ أن تركت قريتى. وفرضت علىّ الإقامة الجبرية فى القاهرة. وكلما تعرفت إلى إنسان حتى أسأله عن القرية التى جاء منها. إن كانت له قرية قلت أن له أصولاً. وأن نبته خرج من أرض مصرية. وإن كان ابن مدينة. مع الاعتذار لكل أبناء المدن وما أكثرهم الآن. أدركت أن ثمة أمر ناقص فى حياته وحكاية عمره. قد أكون متعصباً للريف. والتعصب مرض من الأمراض التى لا أحب أن أشفى منها.
كان مجئ بنات البندر الثلاث إلى قريتنا: المدرسة والممرضة أو الست الحكيمة. والأخصائية الاجتماعية عملية قلب لصفحات قديمة. وفتح لصفحات جديدة فى تاريخ قريتنا. لن أتوقف أمام هذه العملية طويلاً. لأننى لو فعلات هذا لاعتديت على ما أكتبه الآن عن قريتى.
لكن مثلما بنى عسران عبد الكريم. كُتاباً لتحفيظ القرآن الكريم بجوار مدفنه الخاص المبنى فى مدخل البلد أمام الحمام وصهريج "المياه الحلوة" أى مياه الشرب النقية. فإن أنصارى سمك. بنى مدرسة إعدادية. حملت اسمه. وقد يتصور غريب عن قريتى أننى أمجد الإقطاعيين والأغنياء وأنسى عامة الشعب. الذين هم أهلى وناسى. وأقول له مهلاً. فقريتى لم تعرف الإقطاع بأى معنى من المعانى. هؤلاء "أولاد ناس" حالفهم الحظ. وامتلكوا مئات الأفدنة من أجود الأطيان الزراعية. سواء فى الضهرية أو القرى المحيطة بها.
لكن قصة لقائى مع الكتاب الأول فى حياتى. فيها الكثير من التفاصيل والملابسات. كان والدى قد استأجر قطعة من الأرض فى عزبة المرحوم الحاج عبد القوى سمك. هل لاحظت أن جميع منارات العمر تذكر مسبوقة بكلمة المرحوم. عموماً فى قريتنا مثل شعبى يقول: لا يبقى على المداود غير شر البقر – كنت أذهب مع والدى فى أجازة الصيف الدراسية. كان من عادتهم فى العزبة. وهى العزبة التى نجدها فى روايتى أخبار عزبة المنيسى مع بعض التعديلات طبعاً. أقول كان من عاداتهم. "تعسيلة القيالة" أنه النوم بعد الغذاء. ولا يبقى صاحياً سواى. النوم عندى فى الليل فقط. بدافع الفضول بدأت أنبش فى المكتب. وهو المكان الذى كان من حقنا البقاء فيها. وقادنى النبش إلى سندرة تحت الكنبة التى ينام فوقها أبى. خرجت يدى بكتاب بدأت القراءة فى الصفحة التى فتحت الكتاب عليها. "بلغنى أيها الملك السعيد. ذو الرأى الرشيد أن" لقد كانت شهرزاد. التى اشترت عمرها بالحكايات. وواجهت سيف مسرور السياف "القاتل يسمى مسروراً" بمخلوقاتها البديعة. أنها اللحظة التى بدأت ولم تنته حتى هذه اللحظة. كانت طبعة دار الهلال لألف ليلة وليلة. التى أعدها طاهر الطناحى. وصفحة الكتاب تحولت إلى فتحة سحرية. أخذتنى ولم أعد. أخذتنى ومازلت معها هناك. إنه الكتاب الذى أحلم بفقدان الذاكرة حتى أستعيد متعة قراءته ولذتها من جديد. فيما يخص الليالى. أعتقد أن قوة الذاكرة لعنة. والمشكلة أن الفلاح يتمتع بذاكرة أفيال. ذاكرة بصرية. لا تضعف مع مرور الوقت بل تقوى. أسلمتنى شهرزاد لعادة القراءة. التى أصبحت طبيعة ثانية لى. أشعر بالقلق لو وجدت فى مكان يخلو من الكتب. وفيما بعد أقلق لو أن المكان يخلوا من الأوراق. وفى مرحلة تالية أقلق كثيراً لو قلت الأقلام التى عندى. إنها عدة الشغل التى أطمئن عليها أكثر من الاطمئنان على صحتى.
كان والدى يعرف القراءة والكتابة وكان يكتب. وكان خطه جميلاً. ولا تتصور مدى ندمى لأننى لم أتكلم معه حول تعلمه الكتابة. لابد وأن ذلك تم فى كتاب. لأن عهد بلدنا بالمدارس حديث. كان خطه أكثر من جميل. توشك أن تكون كتابة خطاط. أعود إلى لحظة عثورى على ألف ليلة وليلة. ذلك أنه عندما صحا والدى من تعسيلة القيالة واكتشف نبشى فى كتب الحاج عبد القوى. كنت قد وصلت إلى كتاب ضخم عن حريق القاهرة كتبه أحمد حسين. ويعد أول عمل تسجيلى أقرأه. كان فى الملف كل ما يتصل بالحريق. كنوع من الدفاع عن النفس. لأن البعض حاول اتهام أحمد حسين فى مسألة حريق القاهرة. وأحمد حسين كان بالنسبة للحاج عبد القوى. أكثر من أستاذ وأكبر من معلم. من يومها سمح والدى لأمى دون أن يبلغنى بذلك أن تشترى لى جريدة. من الجرائد اليومية التى تصل إلى قريتنا. فى الأيام التى أبقى فيها فى البيت. وشراء جريدة كان امتيازاً طبقياً. لا يتمتع به سوى بعض أصحاب الطين. أى ملاك الأراضى. أو الأفندية الذين يعملون فى المصالح الحكومية المستحدثة. التى دخلت حياة قريتنا مثل الوحدة المجمعة والمستشفى والوحدة الاجتماعية. وأكثر من مدرسة ابتدائية وإعدادية. أعتبر أن شراء الجريدة لى. مع أن الحدث لم يتكرر كثيراً. بسبب ضيق ذات اليد. كان أول اعتراف بى من قبل والدى. اعتراف بتميزى من وجهة نظره. كان والدى شحيح الكلمات. يميل إلى التعبير بالأفعال. ولم يكن يعانى من الطرطشة العاطفية مثل معظم أقاربى. لم يكن يضع عواطفه على كف يده. يقدمها لأول عابر سبيل مثل طيبة معظم أهل الريف. ولم يكن ماء عينيه حاضراً جاهزاً مثل أمى.
فى حياة قريتى الضهرية. فى تلك السنوات البعيدة. النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى. لم يكن النور قد دخل إلى القرية. لم يكن فى القرية التى كان يزيد عدد سكانها على 30 ألف نسمة سوى جهاز راديو واحد. يملكه نظمى أفندى. الذى كان مسئولاً عن أول صهريج مياه يقام فى البلد. كان الراديو يعمل ببطارية سائلة يتم إعادة شحنها فى كفر الزيات. وكان له إيريال يمتد إلى فوق السطوح. وكنا نذهب من أجل الاستماع إلى تلك الأعجوبة. فالهواء خرج منه الكلام والموسيقى. فى الليلة التى ذهبت فيها. رأيت راديو مصنوع من الخشب. حجمه كبير. ومازالت خروشته تزن فى أذنى حتى الآن. كانت الخروشة أكثر من الأصوات المفهومة. تكلموا عن أن البطارية ربما فرغت أو أن سلك الإيريال لابد من عدله. وصعد من عدله. ولكن الخروشة ظلت كما هى. عدت من رحلتى إلى قبلى البعد ولم أستمع سوى للخروشة الآتية من بعيد.
كان الوقت يفيض عند حاجة الناس. الجلوس على المصاطب. أو البقاء فى الجامع أكبر وقت بعد أداء الفرائض. كانت هناك وسيلتين لمواجهة هذا الفراغ. الحكايات والغناء. وإن كان التنغيم وليس الغناء. كان يستخدم فى المناداة على البضائع التى يمر بها الغرباء على قريتى. كنا نخاف الغرباء. سواء كانوا من الغجر أو الباعة. قالت لى أمى عن الغرباء أنهم يسرقون الكحل من العين. وهم يحضرون من أجل خطف الأطفال لاحتياج امرأة عاقر غنية لطفل. من مخاوف تلك الأيام التى لا تنسى. كان تحذير أبى وأمى لى ألا أذهب إلى الكنيسة. سيخطفنى القسيس ويغطسنى فى البئر لأخرج نصرانياً أى كافراً. من يومها والكنيسة هى أجمل مكان فى القرية بالنسبة لى. أمامها شجرة ذقن الباشا التى تحول المكان إلى جنة. ومن وراء الباب العالى عالم مجهول. ألم يقل أجدادنا أن كل ممنوع مرغوب؟! تخويفى من الغجر دفعنى للذهاب إلى الساحة الواسعة قبلى البلد. حيث ينصبون خيامهم. طوال فترة إقامتهم غير المرغوبة من نساء بلدنا. لفت نظرى شكل نسائهم. العيون واسعة. مفنجلة. "تندب فيها رصاصة". والملابس تخيل إليك أن الغجر كلهم من النساء. أما سبب عداء نساء قريتنا للغجر جميعاً رجالاً ونساء. فقد عرفته فى اليوم التالى. عندما خرجت غجرية بالغة الدلال والجمال. ولفت فى حوارى البلد تنادى: "أوشوش الدكر. أشوف البخت" ولم يكن يجرى إليها سوى الرجال. وكانت تقول كلاماً محفوظاً تردده فى كل مرة. فهل كانت غيرة نساء البلد. من نساء الغجر هى السبب فى هذا الفتور الذى وصل إلى حد العداء. كانت الغجرية إنسانة تخاطب المجهول. الغناء مع ليالى الرى بالطنبور. ولف النورج فى الأجران. والحكايات تبدد ظلام الليالى الطويل.. كل هذه الأمور لفتت نظرى مبكراً إلى الدور السحرى الذى يمكن أن يلعبه الفن فى حياة الإنسان. وإلى جمال وعذوبة هذا الفن. على أن الليلة التى وصل فيها "سييط" إلى بلدنا ليحيى ليلة عرس.. كانت حدثاً مهماً فى حياتى. كان السييط أو المغنواتى الريفى يرتدى الكاكولا. التى هى الجبة والقفطان وعلى الرأس عمامة. نفس زى مرتل القرآن الكريم. وقد قضى الليلة كلها يروى حكاية عزيزة ويونس. والموسيقى كانت عبارة عن ضربات بحبات المسبحة على عمود الميكروفون النحاس. وإن احتاج لكى يسمعنا صوت فتح الباب أو غلقه أو الريح التى تصهل فى الجبل. كان هناك شخص مجهول وراءه يحدث هذه الأصوات. وفى فترة الاستراحة خرج لنا هذا الإنسان على صورة "بلياتشو" هذه الكلمة عرفتها فيما بعد. وقدم فاصلاً فكاهياً. كانت الشخصية التى يقدمها اسمها "زعرب" وهو فى مرة طارد أسرة إقطاعية. وفى ثانية معلم يقع فى غرار تلميذته. وهو يلعب دور المعلم وأخرى دور التلميذة. لقد اكتشفت فيما بعد أن ما قام به زعرب. كان إعادة تمثيل لأدوار ليلى مراد وأنور وجدى ونجيب الريحانى فى فيلم غزل البنات.
عندما انتهت السهرة وبدأ الأولاد من سنى يقولون: "العروسة للعريس والجرى للمتاعيس" وانصرفوا. بقيت أنا. كنت أريد رؤية المغنواتى عن قرب وكذلك العم زعرب. لا أنسى حالة التعب والإرهاق التى بدت على وجه زعرب وهو يمسح المساحيق عن وجهه. كان يوشك أن يتلاشى من الضنى. إنه نفس المشهد الذى سبب لى حالة من الوجع عندما رأيت محمود شكوكو يجلس صباحاً على مقهى بكورنيش الإسكندرية وتعبه يمنعه حتى من الاستمتاع بمنظر البحر وهواء الصباح. أما السييط فقد كان أصغر من شكله الذى ظهر به على المسرح. والمسرح لم يكن مسرحاً. ولكن مساحة وضعت بها عدد من الدكك ابجوار بعضها. وفوقها حصر كثيرة. لم أترجم ما شاهدته وسمعته فى تلك الليلة الترجمة الصحيحة. لم أقل أنه الفن القادر على إسعاد الناس. ولكن الرعشة التى أحسست بها والتنميل فى بعض أطرافى. وتلك الرجفة الجميلة. كانت بداية الاهتمام غير العادى بالفن. خاصة ذلك الفن الذى يقوم على الحكى.
إن القدرة على فك الخط. وحفظ جزء عم. ونظرة عين الغجر. وشجرة دقن الباشا على باب الكنيسة. ثم غناء السييط وترتيل القرآن فى المعازى. وزعرب الذى قلد الجميع. كل هذا شكل بداية الاهتمام بالحكى الذى هو سحر البشرية التى لا يقاوم.
















كيف أمسكت بالقلم2:
وفى دمنهور عرفت فتنة القراءة وقابلت عبد الحليم عبد الله وباكثير
2214يوسف القعيد
كان أداء امتحان شهادة إتمام الدراسة الإعدادية. "نظام قديم" يتطلب السفر إلى إيتاى البارود. المركز الذى تتبعه قريتى إدارياً. رغم أن كفر الزيات هى الأقرب. لا يفصلنا عنها سوى فرع رشيد الذى كانوا ولازالوا يسمونه فى قريتى بحر النيل. أما حكاية فرع. فلم يعرفونها أبداً. ثم أن رشيد الذى يسمى الفرع به. وهو اسم المدينة التى يلتقى عندها نهر النيل بالبحر الأبيض المتوسط. فلم يربطوا بين المدينة وفرع النيل. رغم أنه كان يأتى إلى قريتنا من رشيد. فى موعد ثابت كل عام. من يبيعون أم الخلول والملوحة. لأهالى البلد. ثم يرحلون بعد أن ينتهوا من عملية البيع. كان فرع رشيد هو الذى يفصل محافظتى البحيرة عن الغربية. الغربية تتوسط الدلتا. ومحافظتنا يقال عنها أنها تقع غرب الدلتا. كانوا يقولون عن عبد الحليم عبد الله روائى الدلتا. والتى أطلقت هذه التسيمية عليه. كانت مستشرقة سوفيتية. وقد قابلت عبد الحليم عبد الله فى بيته بمنيل الروضة. قبل الحادث الذى أنهى حياته بأسابيع. وكانت سعادته لا توصف من هذه الزيارة. لأن الرجل كان يعانى. إجحافاً نقدياً. وإدباراً من الحياة العامة عنه. يصل إلى عدم الاعتراف بموهبته الحكائية ومشروعه الروائى. كان فرع رشيد آخر حدود البحيرة. من الناحية الغربية. أما ضفته الغربية فتطل عليها محافظتى الشرقية وكفر الشيخ. أمام قريتنا كانت توجد الغربية. لدرجة أنه عندما كان يقتل قتيل فى قريتنا – حكى لى والدى ألف رحمة ونور عليه – وعندما يصل ضابط المركز. كان أول ما يطلبه من شيخ الغفر. سحب جثة القتيل للضفة الشرقية لبحر النيل. حتى يعتبر حادث القتل. من الناحية الإدارية البحتة. قد أصبح خارج حدود مركزه وولايته. وبالتالى أصبح المسئول عنه. هو مأمور مركز كفر الزيات. أحمد الله أنها لم تكن الضفة الغربية حتى لا يكون فى ذلك نبوءة من أى نوع كان. فتعبير الضفة الغربية يثير حالة من التشاؤم.
أسبوع قضيته فى إيتاى البارود فى منتصف خمسينيات القرن الماضى. طلب والدى من صهرنا الحاج فتحى موسى عبادة – اسم شهرته على موسى عبادة - أن أكون فى رعايته. وأجر لنا غرفة فوق أسطح أحد البيوت القديمة. لأن السفر يومياً من الضهرية إلى إيتاى البارود. غير مضمون. لم تكن السيارات قد كثرت مثلما نراها فى هذه الأيام. والطريق الترابى الذى يصل قريتنا. بقرية التوفيقية. حيث الأسفلت. لم تكن تمر به سيارة الأكل ساعات طويلة. كان مجرد ظهور "الكومبيل" هكذا كنا نسميه. تعلن عنه سحابة من الغبار الأبيض المتطاير. وكانت السيارة الصغيرة. سوداء اللون. ولا تسألنى عن نوعيتها – فتلك المعرفة المتأخرة ستأتى بعد الرحيل إلى المدينة. كانت سيارة الدكتور دبوس. كنا نسميه أبو دبوس. كان يأتى من نكلا العنب. وهى قرية بحرى قريتنا. يفصلنا عنها قرى إشليمة والسوالم بحرى والسوالم قبلى ودميسنا وكفر عوانة. كان الدكتور يمر قبل أذان العصر بقليل. متوجهاً إلى كفر الزيات حيث توجد عيادته. أما عودته ليلاً فلم نشاهدها أبداً. لأن الليل فى تلك الأيام كان يعنى الظلام الدامس. الذى يمكنك أن تمسكه بيديك. ظلام عجوز. يبدو قطعة قطعة. وفى هذا الظلام كنا نحتمى ببيوتنا. المظلمة أيضاً. من أخطار المجهول. وكل ما لم نكن نعرفه كان مجهولاً بالنسبة إلى وعينا.
أعود إلى إيتاى البارود. كانت مدينة صغيرة. أكبر من قرية وأصغر من مدينة. وشوارعها لم تكن مرصوفة. وفى الطريق إليها لفت نظرى أعمدة التليفون. قال لى الأستاذ فتحى أنها أعمدة "التلغراف" وبعد عودتى إلى قريتى اكتشفت أنها تملأ الغيطان. وكنت ألصق أذنى اليمين بها. لعلى أستمع إلى أصوات المتحدثين. لأننى لم أكن قد رأيت تلغرافاً حتى هذا الوقت. بين العمود والعمود. أسلاك مرخية. تمر خلالها أهم أسرار حياة الناس. التى يثرثرون بها فى اتصالاتهم التليفونية. فالتلغراف الذى تسمى الأعمدة به. ويطلق على الأسلاك. لم يكن إلا تكتكات تترجم إلى أحرف والأحرف تصبح كلمات. والكلمات جمل. قد تحمل إلى الإنسان أكبر الفواجع وأجمل الأفراح. إما إخبار بفقد. أو تعزية فى ميت. أو مباركة بنجاح. وكل هذا يختلط داخل هذه الأسلاك الصامتة. فى هذه الرحلة علاوة على الامتحان الذى نجحت فيه. رأيت القطار لأول مرة فى حياتى. قطار لم يعد له وجود الآن. كانت النيران تندفع من قاطرته. وتزداد مع هبوب الريح. أو تلقيم مواد مشتعلة لها. والخرطوم الذى يدفع المياه من أجل التبريد كان أضخم خرطوم شاهدته. محطة سكة حديد إيتاى البارود القديمة. مازالت كما هى الآن. ثمة إضافات. من أرصفة وبوابات. وسور حديد مدبب. وكوبرى علوى يلف فوق المحطة. ويوصل المدينة بالطريق الزراعى السريع. لكن جوهر المحطة مازال كما هو. بل إن اللافتة المكتوبة بأسود بارز. على أرضية رخامية مازالت كما هى.
عدت من أيتاى البارود بعد أن استمعت إلى فصول من حكاية أدهم الشرقاوى. ومواله. زبيدة. القرية التى شهدت فصول حكايته قريبة من إيتاى البارود. وقد أثرت فى هذه المواويل المبكرة. لدرجة أننى بعد رحيلى القاهرة. كنت أحلم برؤيته بعد أن غدر به بدران – كم أكره الغدر من يومها؟! - مقتولاً وسط دمائه. عظامه تبدو شديدة البياض. وفوقه أوراق الصحف القديمة حتى تستر موته. مكان الحلم بطن الجبل القريب. وزمنه هو نفسه زمنى. رغم أن مقتل الأدهم سبق ميلادى بسنوات طويلة. لاحظت أن العامة ينطقون اسم المركز: إيتاى البارود. ولكن العامة يقولون: تيه البارود. وقيل لى أن اسم البلد يعود إلى شاعر كبير هو محمود سامى البارودى. بالتحديد إلى كونها كانت مخزنا للبارود فى زمن ثورة عرابى. كلمة ثورة من عندى. لأنهم كانوا ينطقونها: هوجة. إنها رحلة الانتقال الأولى من القرية إلى المدينة. فالذى عاد لم يكن هو نفسه الذى سافر. وامتحان إيتاى البارود. هو الذى سلمنى لمعهد المعلمين بدمنهور. بعد أن كنت أحلم بالتعليم الثانوى خاصة فى قسمه الأدبى. ولكن والدى كانت له وجهة نظر أخرى. وهو أن مرحلة التعليم الثانوى طويلة. خاصة أنه مثل الكوبرى الذى يوصل من مرحلة إلى مرحلة أخرى. ولا قيمة له بدون التعليم العالى. كانت كلمة العالى تسبب خوفاً لوالدى. لأنها ترتبط فى ذهنه بالعلالى. أى الأغنياء والإقطاعيين. اللذين يشيلون من الأموال والطين. أكثر من قدرتهم على الحمل. أو الإخفاء. وتكاليف التعليم العالى مرهقة. ثم أن معهد المعلمين بدمنهور. وهى قريبة منا بل عاصمة محافظتنا. والتعليم العالى إما القاهرة. أى مصر المحروسة. أو الإسكندرية. التى تقع عند آخر خط السكة الحديد. الذى يبدأ من القاهرة. وبعدها البحر الذى بلا شاطئ آخر. المعهد كانت مدة دراسته ثلاث سنوات. وكان وجوده فى دمنهور حديثاً. كان أبى يرى أن هذا المعهد ربما جرى افتتاحه لكى أدخله وأعود له بعد ثلاث سنوات مدرساً فى البلد. أدرس نهاراً وأساعده فى زراعته وتجارته بعد الظهر. حاولت مناقشة أبى فى الأمر. ولا تستهن بإبن يناقش أباه فى قرية مصرية. فى منتصف خمسينيات القرن الماضى. كان الأمر صعباً. ربما كان مجازفة من النوع الذى لا يعرف الإنسان نتائجه. ولا يستطيع التنبؤ بها. ولأن مناقشتى وصلت إلى طريق مسدود. كلام من جانبى. أقوله بسرعة. وبصوت أقرب إلى سرسعة المراهقين. وأنهيه بوجل. لذلك حاولت الاستعانة بالحاج عبد القوى سمك. وكان والدى يزرع جزءاً صغيراً من أرضه بنظام المشاركة أو المزارعة. وقد تدخل ولكن دون جدوى. خاصة أنه رغم ارتدائه الجلباب الفلاحى. وحياته بيننا. فقد كانت له قصة فى القاهرة أثناء دراسته ومحاولة اشتغاله بعمل سياسى فى حزب معارض. ولذلك كان يدرك أهمية مناقشة والدى فى هذا الأمر. ولكن المشكلة أن والدى كان قد حفظ بيتاً من الشعر:
قم للمعلم وأوفه التبجيـــــلا
كاد المعلم أن يكون رســــــولا
وحكاية الربط بين المعلم والرسالة والرسول. كانت تبهره بصورة تفوق الوصل. ربما لأنه كان يحلم بالدور والرسالة ولكنه لم ينتظم فى سلك التعليم. تاهت مناقشاتى. ولم يستمع لكلامى عن أن المعلم قد تكون له كليات يتخرج منها. قدمت أوراقى فى معهد المعلمين. كان فى مكانه القديم فى شبرا فى مدخل دمنهور الأول. ونقل خلال دراستى به إلى مكانه الحالى إفلاقه. الناحية البحرية الشرقية من دمنهور. لا تتصور مدى فرحتى عندما سقطت فى كشف النظر وجرى تحويلى إلى قسم الموسيقى. وفى القسم قالوا أن آلة الأكرديون لا يوجد لها دارس واحد. لذلك سأدرسها. أورثنى هذا حباُ مبكراً للفن. ومازالت فى وجدانى أصداء لحكاية الأكرديون. وما أن أشاهد حامله وعازفه فى الأفراح الشعبية حتى أتذكر من جديد فكرة دراستى له. مع أننى أحن إلى القانون وأحب العود. أكثر من الأكرديون الذى يبدو أنه آلة قادمة لنا من الغرب. رفض والدى فكرة دراسة الموسيقى. قلت لنفسى سيكون الأمر فرصة نادرة لكى أفك من المعهد. خاصة أن مدرسة دمنهور الثانوية القديمة. كانت تقع فى مواجهة معهد المعلمين. وبالتالى فإن الانتقال من المعهد إلى المدرسة. يكلفنى أكثرة من فركة كعب. لكن والدى كان لديه حلاً سحرياً. أشار عليه به صاحب البيت الذى سكننا فى دورة الأرضى. وكان صاحب استديو فى قلب دمنهور. وكان اسمه "أبو علو". أشار على والدى أن "يفصل" لى نظارة طبية. وأن يطلب من المعهد إعادة الكشف الطبى علىّ "بالنظارة". وهكذا حلت المشكلة وأصبحت النظارة جزءاً من ملامح وجهى. وإن كانت هذه النظارة قد أقامت جفوة بينى وبين الناس فى قريتى. نبتت فجوة نفسية. أحاول دائماً وأبداً اجتيازها.
على أن الرحلة إلى دمنهور كان لها وجهها الأدبى الآخر. المثلث الذهبى تكون من مكتبة البلدية. وقصر الثقافة "من أكثر الكلمات التى أكرهها هى كلمة قصر هذه لأن جمعها قصور الذى قد يعنى التقصير. وقد أصبحت إسماً على مسمى". وقهوة المسيرى.
كان أمين مكتبة البلدية بدمنهور بلدياتى. الأستاذ عبد الملاك. ولذلك بدت معاملته لى فيها لمسة خاصة. ولذهابى إلى مبنى البلدية الذى توجد المكتبة فى الدور الثانى منه قصة. ففى ليلة السفر لدمنهور حذرنى أبى من الذهاب للسينما. وحذرتنى أمى من بنات البندر اللاتى يسرقن الكحل من العين. سمعت نفس التعبير فى وصف بنات الغجر من قبل. من قال أن الممنوع مرغوب يلخص فى الكلمتين جوهر طبيعة البشر. لأننى ما أن أستقر بى المقام حتى بحثت عن السينما. دار وحيدة ليس فى المدينة ولكن المحافظة كلها. هى دار سينما البلدية. التى تعلوها مكتبة البلدية. كان يعرض فى السينما فيلم بالأبيض والأسود. مازلت أذكر أنه كان فيلم الهاربة وأن البطلة كانت شادية. والمعنى الذى بقى فى الذهن أن فتاة تهرب من بيت أهلها. وتختفى بعيداً عنهم. من ذكرياتى عن هذه المرحلة أننى شاهدت فيلم بين الأطلال. أذكرينى لفاتن حمامة. وأعتقد أن سينما البلدية بدمنهور. لم تكن تلتزم فى اختياراتها بحداثة الإنتاج. ربما كانت تعرض بنظام الريبرتوار. ومن الحوادث التى مازلت أذكرها. أن دمنهور كان بها حزبين الأول حزب لعبد الحليم حافظ والثانى حزب لفريد الأطرش. وكانت تجرى بينهما مناظرات. ومناقشات كثيرة. أفراد كل حزب يهاجمون مطرب الحزب الآخر. ويلصقون به كل التهم الممكنة. ومازلت أذكر أنه كان يعرض فيلم لفريد الأطرش. ولم تكن الإيرادات معقولة. فتم رفعه من السينما فى منتصف الأسبوع. وعرض بدلاً منه فيلم لعبد الحليم. وأن هذه الحكاية تحولت إلى مظاهرة واحتفال من مؤيدى حليم. ضد أنصار فريد.
مكتبة البلدية لم تكن مكتبة عتيقة. بها قديم الكتب وبعض المخطوطات المهمة فقط. الجديد من الكتب والصادر حديثاً سواء داخل مصر أو خارجها كان فى المكتبة. نظام تزويدها بالكتب كان معاصراً جداً. والمبنى صمم على أن يكون معقولاً ومقبولأ على مدار العام. تكييف ربانى صيفاً. هواء كأنه آت مباشرة من ريح الجنة. ودفء شتائى نادر. وفر لى أمين المكتبة بلدياتى بعض الاستثناءات. وهكذا عرفت أسماء معظم كتاب الرواية والقصة. مصريا وعربياً وعالمياً. وقرأت فيها بحوثاً ودراسات مهمة. حول فن الرواية والقصة القصيرة والمسرحية. ودور الأدب والفن فى المجتمع. وجدت فى تلك المكتبة من الكتب ما كان وجوده مفاجأة لى.
يبقى الحادثان اللذان وقعا لى فى دمنهور. كان الأول لقائى بعبد الحليم عبد الله والثانى لقائى مع على أحمد باكثير. كل فى ظروف مختلفة عن الآخر. كنت قد ذهبت إلى قصر ثقافة دمنهور للسؤال عن شروط النشر فى مشروع الكتاب الأول. الذى كان يصدر عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأداب. قابلنى مصطفى البسيونى مسئول القصر. وعدنى بالحصول على هذه الشروط من مصر. وقبل انصرافى من مكتبه عرض علىّ المشاركة فى ندوة تقام مساء لمناقشة رواية محمد عبد الحليم عبد الله: شمس الخريف. كنت قد قرأت الرواية منذ فترة. أعطانى نسخة فوراً. كان أمامى حوالى سبع ساعات حتى موعد الندوة. لم يكن لى بيت فى دمنهور. كنت قد تخرجت من معهد المعلمين وعينت مدرساً بمدرسة الرزيمات الابتدائية بمركز حوش عيسى. جلست على مقهى. رآنى طالب بلدياتى من الطلاب الذين يدرسون فى دمنهور. استضافنى فى سكنه القريب من ميدان الساعة. انصرفت عنه إلى الرواية التى كنت أريد الانتهاء من قراءتها قبل المساء. وفى المساء كنت فى القصر وقابلت محمد عبد الحليم عبد الله. كان رقيق الأطراف أنيقا. أقرب لشاعر منه لروائى. شاركت فى المناقشة أديبة شابة من البحيرة. هى سهير الكاتب. وقد اختفت بسرعة مثلما ظهرت بسرعة أيضاً. على أن الجميل فى هذه الليلة كانت دعوة عبد الحليم عبد الله لى لكى ألحق به فى الفندق الذى كان ينزل فيه. وكانت ليلة أكثر من مدهشة. فها هو كاتب من لحم ودم يتكلم أمامى. كان تصورى للكاتب فى هذه الأيام البعيدة. أنه مثل النسر المحلق. قادر وقوى وعملاق. عبد الحليم عبد الله كان يعشش بداخله. ويمسك بحنايا قلبه. ويلون إنكسار عينيه. احساس بالغبن والظلم. بسبب استيلاء الشيوعيين على منابر الثقافة فى مصر. هكذا قال لى بالحرف الواحد. حتى هذا العالم السحرى يعانى أبطاله من الاختلالات والمحن. والكاتب الذى رسمت له صورة فى خيالى أقرب إلى الأساطير يقول أنه مظلوم. هاجم كتاباً لا أعرف سوى أسماءهم. وبدت لى مصر "القاهرة" غابة أو أعماق محيط يأكل الكبير فيه الصغير. تراسلت معه. وزرته فى مجمع اللغة العربية. وفى بيته بعد أن منعه طه حسين من دخول المجمع. كان قد خلا منصب مدير عام المجمع. وعبد الحليم عبد الله. المؤمن بنظرية كرامة الأديب التى تسبق أى كرامة أخرى فى المجتمع. تصور أنه الأحق بالمنصب. ولكن طه حسين عين إبراهيم بيومى مدكور فى المكان. لجأ عبد الحليم عبد الله إلى القضاء الإدارى طاعناً فى قرار العميد. وما أن قبلت القضية وقيدت حتى منعه طه حسين من دخول المجمع لحين الفصل فى القضية. سمعت من عبد الحليم عبد الله كلاماً كثيراً فى وصف الظلم الذى حاق به. وصفات فى حق الظالم. وحكايات شاب لها شعرى قبل أن يشيب عمرى. لن أدون حرفاً واحداً منها لإيمانى أننا فى أمس الحاجة إلى هذه الرموز. وأن النيل منها هو نيل من قدر مصر ومكانها ومكانتها. لكنى رأيت كيف يتصرف المظلوم فى واقع لا يعترف بالكاتب لمجرد أنه كاتب. ولابد من وجود مبرر آخر - غير الكتابة – لهذا الاعتراف به.
على أحمد باكثير. جاء إلى دمنهور فى مناسبة أخرى. كان وجيه أباظة أحد المؤسسين الكبار للبحيرة ودمنهور الجديدة. قد أقام مؤتمراً عالمياً للاحتفال بالشاعر أحمد محرم. يتكلمون الآن كثيراً عن العداء للإسلام. وتهميش الإسلام. واضطهاد المسلمين. فى مصر عبد الناصر. مع أن الاحتفال بأحمد محرم تم فى عز دولة عبد الناصر. وكان جوهر الاحتفال به أنه شاعر إسلامى أساساً. بنى وجيه أباظة دار سينما جديدة ومسرح لكى يقام الاحتفال بهما. وأقام فندقاً خصيصاً من أجل أن ينزل به ضيوف الاحتفال. لم أكن مدعواً من أى جهة. ولكنى كنت موجوداً فى كل مكان جرى الاحتفال به. حماسة الشباب واندفاعه جعلانى لا أراعى الكثير من قواعد الأمور. رأيت كاتباً يجلس دائماً منزوياً بالقرب من أحد الأعمدة لا يتكلم مع أحد. ولا يهتم به أحد. وربما كانت عدم معرفة أحد بى. هى التى دفعتنى إليه. غريبان وسط هذا الزحام. الذى كان بالنسبة لنا معاً: لا أحد. أما الصامت المهجور فقد كان على أحمد باكثير. قليل الكلام. وإن تكلم لا تفهم ماذا يقول إلا بصعوبة بالغة. أعطانى عنوانه. وطلب منى مراسلته وزيارته إن وصلت إلى القاهرة. دونت العنوان صحيحاً على خطابى الوحيد الذى أرسلته له. والذى لم يرد عليه. وأصبح هذا الخطاب بعد سنوات دليل اتهام لى. فى رسالة دكتوراه نال بها محمد بدر حميد درجة الدكتوراه عن باكثير. ووضع رسالتى ضمن وثائق الدكتوراه. وفى سياق حملة الشيوعيين ضد باكثير من أجل تحجيمه وتهميشه. وجد الباحث رسالتى المكتوبة بخط يدى فى بيت باكثير. لدى ورثته. وأخذ أصل الرسالة بخط يدى واعتبره من وثائق رسالته. مع أن الخطاب يقع فى صفحة فولسكاب بخط يدى. كان كله عبارة عن تساؤلات ثقافية وأدبية. فى زمن الصبا والشباب. كان الإنسان يتثاقف. أحاول أن أبدو مثقفاً حتى أمام نفسى. فما بالك أن كانت الراسة لباكثير. عندما جئت إلى القاهرة أخطأت فى نقل عنوان باكثير. الذى كان: شارع الملك عبد العزيز آل سعود بالمنيل. وبدلاً من المنيل دونت المهندسين. ربما لم يكن هناك فارق بين المنيل والمهندسين فى نظرى. عندما كنت أعيش بعيداً عن القاهرة. وكل معلوماتى عنها بالسماع. وذهبت أكثر من مرة وسألت وتهت. وعدت. وأصبح لقائى به فى دمنهور هو الأول والأخير. فى احتفال أحمد محرم بدمنهور رأيت أهل الفن لأول مرة. كان وجيه أباظة قد دعى إسماعيل يسن وفريد شوقى ومحمود المليجى الذين حضروا ليلة الافتتاح فقط وسافروا. لم يكن لى من دور سوى حضور الجلسات التى عقدت عن أحمد محرم والبحلقة فى الذين حولى. فى هذا العالم الأسطورى الجميل. الذى ما كنت أتصور أن أكون جزءاً منه فى يوم من الأيام.
أديب واحد لفت وجودى نظره هو الدكتور سينوت حنا. الذى كتب القصة القصيرة. وإن كان لم ينشر أى مجموعة قصصية. هذا فى حدود علمى. استمعت لقصة واحدة له عنوانها: نظرة. ويبدو أنه كان طبيب أسنان. لأن بطل القصة كان يصف نظرة إلى أسنان مريضته. اقترب منى سنيوت حنا وسألنى من أكون؟ ولماذا أبدو بعيداً عن الجميع هكذا؟ رغم أننى لم أفارقهم لحظة واحدة. حتى فى الزيارات الميدانية التى نظمها وجيه أباظة للأدباء والكتاب زرنا بحيرة البط البكينى. وذهبنا إلى قرية الأبعادية التى احترقت عن آخرها وأعاد المحافظ بناءها فى أربعين يوماً فقط. كان ردى على سؤال صاحل السؤال أن قدمت له بعض نماذج القليل جداً من نتاجى الأدبى الذى كتبته. ولم يكن قد نشر منه أى شئ. لكن السؤال عندما استقر فى روحى. وترسب فى نفسى. جعلنى أفقد الرغبة فى الاستمرار فى اللعبة. وشددت الرحال إلى الرزيمات. لم يكن فى جيبى سوى سبعة قروش ونصف. هى ما تبقى بعد الإقامة أسبوعاً على نفقتى فى دمنهور. وبها ركبت الأتوبيس الذى ينطلق من دمنهور حتى المطامير مروراً بحوش عيسى. لم يكن الأتوبيس يصل إلى الرزيمات. نزلت على الطريق الأسفلت. ومشيت على قدمى حوالى ثلاثة كيلومترات. على مدق وسط الحقول. وأنا أتذوق من جديد دهشة المشاركة فى مؤتمر شاعر الإسلام أحمد محرم. وصورة على أحمد باكثير بصمته الذى يقول الكثير. الآن أسأل نفسى هل كانت صدفة أن يكون أول كاتبين أعرفهما. من مظاليم تلك الأيام؟. ربما.



التكوين: الحلقة الثالثة والأخيرة..
القراءات الأولى.. والكتابات المبكرة
يوسف القعيد
هذه محاولة لتذكر الشاب الذى كنته فى الفترة من يونيو 67. وما قبلها طبعاً. وحتى الخامس عشر من مايو 1969. وهو اليوم الذى صدرت فيه الطبعة الأولى من روايتى الأولى "الحداد" والمشكلة أننى لم أكن أدون يوميات لحظة الميلاد الأول. وعندما أكتبه الآن. "ديسمبر 2005" فإن الكتابة تعتمد على ذاكرة مشهدية بصرية. تحاول استعادة الشاب الذى كان. كنت فى الخامسة والعشرين من العمر وقتها. مضافاً إليه وعيى الآن. لأننا عندما نعود إلى الماضى ونحاول إحياءه وجعله جزءاً من مكونات اللحظة الراهنة. لابد وأن نضيف إليه – بوعى أو بدون وعى - خبرات الوقت الراهن وتصوراته. محاولة إحياء الماضى لا تبقيه ماضياً كما كان أبداً.
كنت مجنداً فى القوات المسلحة "جندت فى ديسمبر 1965 وسرحت فى أكتوبر 1974". تسع سنوات من أخصب مراحل العمر. شهدت خلالها نكسة يونيو ويقظة أكتوبر. وبسبب البقاء فى المعسكرات أطول فترة ممكنة. كانت أكثر فترات القراءة تأثيراً. وأيضاً كان فيها فائض وقت من أجل التفكير والتأمل والاستبطان الداخلى. كنت آتياً من قريتى فى رحلة الانتقال من القرية إلى المدينة. بكل ما يصاحبها عادة. من تغييرات سلوكية. وتبدلات فى النظرة إلى الحياة. إنها مسألة صعبة وربما كانت معقدة. لأن الآتى من الريف يعتبر أن القرية هى مربع تميزه الأول. ولكنه لا يستطيع اعتبار أضواء المدينة كأنها لم تكن. وفى القرية كانت هناك تجربة التدريس. فى أكثر من قرية مصرية. فى مدرسة الرزيمات الابتدائية. وهى قرية على شمال السما. بعدها الصحراء الغربية التى تنتهى عند ليبيا. كانت المدرسة حديثة العهد. وقد سكنت فى المدرسة التى كنت أعمل بها. وذات يوم كنا مدعوين عند أحد شيوخ عرب المنطقة. وكانت معنا صحيفة من تلك التى تصل إلى المناطق النائية بصورة نادرة. كان جيشنا قد وصل إلى اليمن. وبينما كنا نتكلم عن القرار وعن عبد الناصر وحلمه القومى. إذ بصاحب العزومة يصرخ: وأين الملك فاروق؟! أين ذهب؟ كانت إحدى عشرة سنة قد مرت على الثورة. ولو لم أر المشهد بنفسى ما صدقته. وأجواء وأصداء هذه التجربة الفريدة تجدها فى روايتى أيام الجفاف. وإن كان البطل قد أصيب بالجنون. فقد جعلتنى القراءة والكتابة أنجو من نفس المصير. كانت الثورة هى الحدث الأبرز. لو أدخلت وعى لحظة الكتابة على ما مضى. سأكتب أننى تعلمت لأن ثورة قامت فى موعدها. ولكنى آخذ على دولة عبد الناصر غياب الحريات. إنها محاولة للرؤيا. ولكن بأثر رجعى. بل هى بالتحديد انعكاسات أيامنا العصيبة الآن على ما مضى. والذى عشناه بوعى شديد الاختلاف عن رؤى لحظتنا. إن الطبيعة تتعامل مع جبروت الزمن وسيرورته بطريقة أفضل منا نحن البشر. هل لأن الطبيعة لا ذاكرة لها؟. ومن قال أن الطبيعة ليست لها ذاكرة تعمل بطريقة ربما لا نلتفت إليها ولا نوليها اهتماماً. ذاكرة الإنسان هى لعنته التى تصر على مصابحته كظله. يقولون أن الذكرى عمر ثان للإنسان. ولكن بشرط أن تبقى الذكريات فى مربعها الجوهرى. مجرد ذكرى فقط. لا أن نلونها برؤانا الحاضرة. وخبراتنا المكتسبة.
كانت البذرة الأولى قد غرست فى أيام الضهرية ولياليها. مثل كل من يمر بنشوة المراهقة. يلجأ إلى كتابة خطابات حب لحبيبة مفترضة. ربما لا توجد فى الواقع. لم يكن قد وصل لقريتنا كتاب الرسائل العصرية. الملئ بخطابات الحب والهيام والغرام. حسب كل حالة. لذلك كان لابد من الاعتماد على النفس. إنها حالة تصيب كل شباب مصر. أكثرهم يشفى منها. وينسى متاعب العثور على التعبير المناسب. ولكن القلة الشديدة. ربما النادرة من تبقى معه هذه الأعراض. تكبر معه. وتدفعه للقراءة والأهم الاستمرار فيها والبحث عن الكلمة التى يمكن أن توفر له متعة الضنى اللذيذ. كنت – والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه – أجد ما يدفعنى إلى الاستمرار فى هذه الرحلة. مع أن السفر فيها لا يكون أمامه عنوان محدد. يهدف الوصول إليه. يعرف المسافر فقط نقطة البداية. أما محطة الوصول. فهى سراب افتراضى يجرى كلما اقترب منه الإنسان. من يتصور أنه وصل يكون الوصول نهايته. ومن يتذوق كلمة النجاح على لسانه. يكون أكبر الفاشلين. إنه الوصول إلى السراب والنجاح الفاشل. أذكر أنهم أخرجونا من المدرسة فى مظاهرة لفت فى داير الناحية. كانت الهتافات المعدة سلفاً تدين المذابح التى قام بها الشيوعيون فى كركوك بالعراق. وفى هذه المظاهرة قلنا الشعر الجماعى عن قضية لا يعرف أحد منا أبعادها. ولكنها كانت رغبة إدارة المدرسة التى كانت تعنى بالنسبة لنا. إن هناك يوم أجازة. نلف البلد ويعود كل منا إلى منزله. بل بدأنا السرسبة خلال المظاهرة. ما أن يصل أياً منا إلى منزله حتى يدخل من الباب. ثم كان مرض الحيرة الكبرى والبحث عن الكتابة التى تحقق للإنسان ذاته. عندما يبدأ الإنسان طريقه. يكون أمامه هدف من ثلاث. حتى وإن لم يدرك هذا. الثروة، السلطة، المعرفة. والإبداع الأدبى جزء جوهرى من المعرفة. هل أقول أنه لا الهدف الأول أو الثانى شغلانى كثيراً؟. لدى أدلتى وبراهينى التى لن أجرى وراء محاولة إثباتها. فقط أقول أن نشأتى الفقيرة. علمتنى القناعة. وبعد ذلك حولتها إلى الاستغناء. الذى أتمنى الحفاظ عليه. لم يكن والدى من ملاك الأراضى. أنا من عائلة لا تمتلك سوى قبورها. ولذلك لم يصبح التملك غريزة عندى. وأبحث فقط عما يكفينى. أما من ناحية شبق السلطة الذى يعذب بعض الناس. فقد سمعت أبى يدعو الله كل مساء: يارب أبات مغلوب أحسن من أن أبيت وأنا غالب. لم أكن أدرك حكاية الغالب والمغلوب. فى ذلك الوقت البعيد. ولكنى تعلمت من هذه المسألة أن السلطان هو البعيد عن السلطان. وأن من يكون مصدر قدوته بداخله أفضل ألف مرة من ذلك الذى يستمد حضوره وتأثيره من مال زائل أو سلطة متغيرة. كلما طغى العمدة فى قريتى كان الفلاحون يضربون كفاً بكف ويقولون: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
كتبت المقال الذى لم ينشر كان عن اغتيال لومومبا. ونشرت لى مجلة الرسالة فى إصدارها الثانى "وليس الرسالة الجديدة" مقالاً عن الأحياء الرومانسى فى أدبنا المعاصر. كان تعليقاً على مقال للويس عوض. وقد تناوله أنور المعداوى – الذى لم أكن أعرفه ولم يكن يعرفنى - بقسوة ضارية. ونشرت لى مجلة المسرح. فى ظل ولاية رشاد رشدى. مقالاً عن مسرحية يونانية هى: جسر آرثا. وكان مؤلفها هو جورج ثيوتكا. ولا يذهب خيالك إلى أننى شاهدت العرض فوق خشبة المسرح. ولكنى استمعت إليها ممثلة من إذاعة البرنامج الثانى. يسمونه الآن البرنامج الثقافى. وقد شكل مصدراً ثقافياً شديد الأهمية لى. فى سنوات البعد عن القاهرة. على أن أول أشكال الحكى والسرد "كلمة السرد من مفردات قاموس الأيام الأخيرة" كان قصة قصيرة عنوانها رسالة حزينة. مونولوج يصف رحلتى من رصيف القطار فى محطة السكة الحديد. حتى أول بلاطة من شارع اللوكندات الشهير: كلوت بك. وكانت الرسالة موجهة إلى أمى. وهى ليست بكائية على القرية التى فارقتها مضطراً ولا الرهبة والخوف من المدينة التى عشت فيها مكرها. بقدر ما كانت حكياً وسرداً. للكيفية التى عبرت بها هذه المسافة. هذه القصة قرأتها فى برنامج كتابات جديدة بالبرنامج الثانى بعد اختيار ابراهيم الصيرفى لها. حملتنى القصة الأولى من قريتى إلى القاهرة وقضيت ليلة فيها. وكانت مكافأة البرنامج الثانى. خمسة جنيهات. صرفتها أربعة ونصف كانت كفيلة بنفقات الرحلة. والمبيت فى لوكاندة بشارع كلوت بيك وثلاث وجبات الغذاء ثم العشاء ثم الإفطار فى صباح اليوم التالى قبل السفر إلى قريتى مع شرب الشاى بكثرة. وتدخين الجوزة. لم تكن الشيشة قد انتشرت فى المقاهى كما هى الآن. ولم أعد بيدىّ خاليتين. كانت معى بعض الأشياء البندرية. التى لا وجود لها فى قريتى. ربما بقيت معى بعض الفكة من الجنيهات الأربعة والنصف. فكم كان الزمان جميلاً. وكم كان الجنيه له قيمة حقيقية. تعتبر وجوده فى جيبك ثروة. ومازلت أذكر أننى بعد خروجى من الإذاعة – ربما كانت فى مقرها القديم - . كنت أخشى على المبلغ الذى معى من السرقة.
نفس القصة قرأتها بصوتى فى الجمعية الأدبية المصرية. فى مقرها الجديد بشارع عرابى وفى المبنى المقابل لمقهى أم كلثوم فيما بعد. وليس فى المبنى القديم للجمعية بشارع قولة فى عابدين. كنت قد قدمتها لصلاح عبد الصبور. – تعجز كل مفردات لغتنا العربية عن وصف نبله وإنسانيته. وعقد جلسة قرأت القصة فيها. وناقشها الدكتور وليم الميرى الذى اختفى من حياتنا الثقافية. إلى أن قرأت اسمه مؤخراً فى جريدة وطنى يكتب مقالات عن الشأن المصرى من أمريكا. فحمدت الله على أنه مازال على وجه الدنيا. رسالة حزينة قصة لم أنشرها حتى هذه اللحظة. وفى فترة البحث عن القلم والأداة. كتبت برنامجاً خاصاً للبرنامج الثانى. كان عنوانه: شهرزاد على المسرح المعاصر. أخرجه عزت النصيرى. دار حول معالجة توفيق الحكيم وعلى أحمد باكثير وعزيز أباظة لأسطورة شهرزاد. وقد أذيع البرنامج أكثر من مرة من البرنامج الثانى. ومن بعدها بدأ المبدعون يتعاملون معى باعتبارى ناقداً واعداً وأهدونى سيلاً من مؤلفاتهم وكتبهم. مع أننى كنت أعتبر هذا البرنامج مجرد محطة فى رحلة البحث عن القلم والوسيلة. وقد رفضت تحويلة مادته إلى كتاب كما اقترح على مسئول سلسلة كبرى فى دار نشر عريقة. وفى هذه المرحلة كان هناك قاص وروائى. دأب على المشى معى من مقهى ريش فى وسط القاهرة حتى وحدتى العسكرية فى غمرة. لكى نتكلم طول الطريق عن مجموعاته القصصية التى صدرت. وفى كل كلمة إيحاء لى بأننى لو كتبت مقالاً عن قصصه. سيكون ذلك أمراً جميلاً. كانت عروضاً سخية. ولكنها تقال للفلاح الذى تعود على الخوف من أهالى القاهرة وكافة سكان المدن. وقرويتى جعلتنى أتراجع كثيراً. وأفرمل نفسى فى مشوار لو أننى مشيت حتى آخره لتغيرت أشياء كثيرة فى رحلة العمر.
وكتبت نصاً مسرحياً كان عنوانه: جمهورية المعلمة شربات. رآه معى رئيس تحرير مجلة تنشر نصوصاً مسرحية. وعرض علىّ نشره. ولكن سكرتير التحرير حال دون ذلك وحمدته فى سرى. لأن كل هذا دفعنى للاستمرار فى رحلة البحث والدراسة. جمهورية المعلمة شربات كانت النبتة الأولى التى خرجت منها رواية البيات الشتوى بعد ذلك بسنوات. وقد تجمعت لدىّ فى هذه الفترة كتابة أولى عن قريتى الضهرية كان عنوانها: أمسيات قرب قرية الضهرية. كتبتها متأثراً بكتاب جوجول الشهير: أمسيات قرب قرية ديكانكا. وبعد أن نويت نشره فى مشروع الكتاب الأول. وذهبت إلى مقر ثقافة دمنهور للحصول على شروط النشر. تحول مشوارى بفضل فطنة وذكاء مسئول القصر مصطفى حسن البسيونى. إلى مشاركة فى مناقشة رواية لعبد الحليم عبد الله. وقد حدث أن أهدانى عبد الحليم عبد الله بعض مجموعاته القصصية. كتب عليها إهداء بخطه الجميل. ومع القصص. خطاب منه إلى أحمد حجازى. كان مخرجاً فى إذاعة الشرق الأوسط الوليدة فى ذلك الوقت. وقد ذهبت إليه ورحب بى. ولكنى عندما كنت أستعد لكتابة السيناريو والحوار. كانت روايتى الأولى قد بدأت تتخلق فى خيالى. وتداعب وجدانى. قلت لنفسى إن كنت قادراً على أن أبنى دارى الخاصة بى. لماذا أخدم على بناء الآخرين؟ حتى وإن كنت أحبهم مثل حبى الشديد لعبد الحليم عبد الله. وهكذا صرفت النظر عن حكاية الإعداد وكتابة السيناريو والحوار رغم الإغراءات الكامنة فيها.
على أن هذه المرحلة أوصلتنى إلى عمل البداية. وذلك من خلال أكثر من درب. كنت قد قضيت فى القاهرة خمس سنوات مجنداً فى القوات المسلحة. حيث جرى الاختلاط والاحتكاك بمن يكتبون. لم يعد الأمر مجرد قراءة فقط. ولكن تفاعل وتعامل مع أن القراءة وحدها أكثر من مهمة. فى ذلك الوقت البعيد لم يكن وارداً بالنسبة لى العمل بالصحافة أبداً. وبعد صدور رواية الحداد عرضت على أعمال فى الصحافة. وكان تصورى لمستقبلى أننى بعد انتهاء فترة القوات المسلحة. سأعود إلى قريتى الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة. والبس جلباباً بلدياً. وأمسك عصا فى يدى وأعيش بين الفلاحين وأكتب عنهم. كانت هذه الصورة قد انطبعت فى ذهنى منذ أن زرت عبد الحليم عبد الله فى قريته كفر بولين بكوم حمادة. وأنا متأكد أن هذه الزيارة قد تمت فى أجواء ما بعد الخامس من يونيو 67. لأن فى الذاكرة حدثاً مهما وقع خلال رحلتى من قريتى الضهرية إلى قريته كفر بولين. كان من المفروض أن أغير القطار فى إيتاى البارود. قصدتها من التوفيقية. وفى إيتاى البارود انتظرت حتى جاء قطار خط المناشى. وركبته حتى كوم حمادة. ومنها بسيارة أجرة بالنفر حتى كفر بولين. خط المناشى استخدمته بعد ذلك بعامين عندما مات عبد الحليم عبد الله فجأة. وفى حادث مأساوى. وسافرت عبر هذا الخط الذى لا حد لوحشته. المهم أننى فى رحلتى الأولى إلى عبد الحليم عبد الله وأنا فى انتظار قطار خط المناشى فى بوفيه محطة السكة الحديد. بإيتاى البارود جرى نقاش بينى وبين مسئول الاتحاد الاشتراكى بإيتاى البارود. – عرفت فيما بعد أنه كان فى التنظيم الطبيعى الذى كان يسمى طليعة الاشتراكيين – وبمثل قوة اقتناعم فى الكلام السابق عن الاستقرار والاستمرار. أصبحوا يتكلمون بنفس الثقة عن حتمية التغيير. وأن يكون هذا التغيير من القمة إلى القاع. لكن هذه الزيارة أكدت لى أهمية أن يبقى الكاتب فى قريته بين أهله وناسه. وإن كان عبد الحليم عبد الله نفسه بعد عودته إلى القاهرة. كتب لى رسالة يشكو فيها من القاهرة والحياة فيها. وكانت أزمته مع طه حسين قد وصلت إلى ذروتها. فى ذلك الوقت. وإن كنت – من تلقاء نفسى – قد اكتشفت صعوبة البقاء فى قريتى. وأن أصبح. فى نفس الوقت. جزءاً من واقع ثقافى مصرى. هل كانت العودة إلى القاهرة صواباً؟ هل كانت خطأ؟ أميل إلى الإجابة عن السؤال الثانى. بنعم. ولكن الإنسان عند لحظات الاختيارات الكبرى قد لا يوفق إلى الصواب.
أتوقف أمام قراءتى السابقة مباشرة على كتابة الحداد التى كان عنوانها: الحداد يمتد عاماً آخر. وقد رفضت الرقابة بقية العنوان. كان ذلك فى أواخر 68. ومع هذا فقد استمر الحداد حتى الآن. ذلك أن يوم الخامس من يونيو 67 هو اليوم الذى مازال مستمراً بداخلنا وحولنا حتى هذه اللحظة. ربما أكثر من تأثيرات يوم السبت السادس من أكتوبر 73. وعندما غيرت عنوان الرواية إلى عنوان جديد هو: الحداد يليق بأهل مصر. جرى الاعتراض رقابيا عليه أولاً. ثم نبهنى صديق إلى أن هناك ثلاثية للكاتب المسرحى الأمريكى يوجين أونيل عنوانها: الحداد يليق بإلكترا. فصرفت النظر عن هذا العنوان. وبقى الحداد فقط. ولأنها لم يتم تشكيلها على الغلاف. فقد قرأت الحدّاد بشدة مفتوحة على الدال الأولى. خاصة أن الكثيرين يكتفون بقراءة العنوان. وهم يلهثون ويجرون.
كانت هذه القراءات متنوعة. ومن محاسن نكسة 67 – إن كانت لها محاسن - أن المجتمع المصرى اكتشف قواته المسلحة. كنت تمشى فى الشارع فترى أن نصف سيارات النقل السائرة حولك مكتوب عليها المجهود الحربى. وعبارات: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. معلقة فى كل مكان. وهكذا وصلت الكتب إلى وحدتنا من كل مكان فى بر مصر. هدايا لنا. وقد اكتفيت بها. علاوة على ترددى الدائم إسبوعياً على سور الأزبكية فى مكانه القديم. توقفت أمام كتابة شتاينبيك. خاصة قدرته الفريدة على التعبير عن أفكاره بعيداً عن الصراخ والمباشرة. وهيمنجواى القادر على الاختصار والاختزال والحياد فى رصد الواقع الذى يوشك أن يصل إلى حدود الإعجاز وديستوفيسكى فى علاقته بالنفس البشرية. أو بالتحديد علاقته بأعماق النفس البشرية. والتجول الروائى فى غاباتها ودروبها. من خلال كتابة تفرض قوانينها الخاصة على الروائى نفسه. كان ديستوفيسكى مطارداً بالدائنين. وكان يكتب رواياته حلقة بحلقة مع عملية نشرها. رغم أننى عندما زرت متحفه بعد ذلك بثمانى عشرة سنة. وكان فى الأصل بيته فى مدينة ليننجراد. – قبل أن يغيروا إسمها - اكتشفت أنه كان رب أسرة منظم جداً. يحتفظ حتى بفواتير شراء الخطار والفاكهة واللحوم والأسماك من المحلات. ولكن مخطوطات روايته الجريمة والعقاب. تثبت مدى العناء الذى كان يواجهه فى الكتابة الصفحة أكثر من غابة. تعريجات وخطوط وإضافات. فى كل مكان. تشيكوف خاصة فى ترجمات الدكتور القصاص هو الذى حول نثر الحياة اليومية إلى شعر. قصصه نادرة التأثير فى النفس. وعندما زرت متحفه فى موسكو. وهو واحد من متاحف مخصصة له فى أكثر من مكان. كان عبارة عن الشقة التى عاش بها. وعندما وقفت وراء ماكينة الخياطة التى كانت تملكها شقيقته. ورأيت باب غرفته الموارب. أدركت الأساس الذى خرج منه ثراء عالم تشيكوف. أيضاً توقفت طويلاً أمام النفس الملحمى فى حكى تولستوى وثراء عوالمه. ونهرية كتاباته. وشمول رؤيته. هل يمكن نسيان السطور الأولى فى روايته أنا كارنينا عن البيوت السعيدة والأسر التعيسة. أن تأثير هذا المدخل يصل إلى مستوى ما تفعله بنا مقدمات السيمفونيات العظمى فى التاريخ الموسيقى. وإيفو أندريتش. وعلاقته الفريدة بالمكان. خاصة فى روايته: وقائع مدينة ترافينك. التى لا حد لجمالها. رغم أنها أقل شهرة من روايته: جسر على نهر درينا. ولو قرأ هذا الكاتب بعناية. ما تمزقت بلاده. لأنه يحذر بشكل فنى راق. وشعرى من كل ما جرى لبلاده مؤخراً. كنا نقول عنه الكاتب اليوغسلافى. ولكن أين هى يوغسلافيا الآن؟ الغريب أنهم حطموا تمثاله. بدلاً من أن يعتذروا له عن عدم قراءتهم له. التى كان يمكن أن توفر عليهم الكثير من الأهوال. سبقت هذا وتواكبت معه قراءات فى أدبنا المصرى والعربى. نجيب محفوظ كروائى. ويوسف إدريس ككاتب قصة قصيرة. مغامرة صلاح عبد الصبور فى تطوير القصيدة. وكتابة المسرحية الشعرية. ونثره الذى لا يقل جمالاً عن شعره. وإنسانيته الفياضة فى التعامل. وفى المسرح توقفت أمام تجارب سعد الدين وهبة وألفريد فرج ونعمان عاشور. شاهدت عروضهم قبل قراءة نصوصهم. فى زمن كانت أضواء المسرح المصرى مازالت مضاءة. ثم هل يمكن نسيان لويس عوض مبدعاً وناقداً؟ وجمال حمدان واضعاً أيادينا على روح مصر ابتداء من كتاب عمره: شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان الذى صدرت طبعته الأولى وكتابته المختصرة الأولى فى كتاب الهلال صباح الإثنين الخامس من يوني 67. وكان قلب مصر قد أصبح حفرة مليئة بالدماء. والدكتور سيد عويس فى دراساته المهمة هتاف الصامتين. محاولة فى تفسير الشعور بالعداوة. الخلود فى التراث الثقافى المصرى. وهل يمكن نسيان حامد عمار وكتابه المؤسس: فى بناء البشر. والذى وضع فيه أسس شخصية الفهلاو المصرى. وعبد الباسط عبد المعطى ودراساته عن الريف: توزيع الفقر فى القرية المصرية. وكتاب الأب هنرى عيروط اليسوعى: الفلاحون. وكتاب محمود أبو رية: حياة القرى.

نقلاً عن مجلة الهلال و بموافقة الكاتب الكبير الاستاذ يوسف القعيد



#أحمد_السيد_طايل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطلاله عربية مع الشاعرة ( خلات أحمد) ...
- حوار بمنهى الصراحة مع الشاعرة فرات اسبر


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أحمد السيد طايل - يوسف القعيد ( المواطن مصرى)